المادة
من شبهات أصحاب التوسل الممنوع - الشبهة الحادية عشر
عن عمر بن الخطاب مرفوعا : (لما اقترف آدم الخطيئة قـال : يا رب أسألك بحـق محمد لما غفرت لي ، فقال الله : يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه ؟ قال : يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكـتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحـب الخلق إليك ، فقال الله : صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك) أخرجه الحاكم .
يقول أحمد دحلان : ( وقد توسل به صلى الله عليه وسلم أبوه آدم عليه السلام قبل وجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حين أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها) ثم ساق الحديث .
الجواب : يقال لهم :
أولا : الحديث موضوع كما قال الذهبي وغيره فلا تقوم به حجة .
يقول الذهبي : ( عبد الله بن مسلم أبو الحارث الفهري روى عـن إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم خـبرا باطلا فيه (يا آدم لولا محمد ما خلقتك) ، وكذا قال الحافظ ابن حجر في اللسان
وقال البيهقي : ( إنه تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو متهم بالوضع رماه بذلك الحاكم ) ولا نغـتر برواية الحاكم لهذا الحديث فإنه مما أنكره عليه العلماء وعدوه تناقضا منه .
يقول ابن تيمية : ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه فإنه نفسه قد قال في كتاب المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم : وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه .
قـلت : وعبد الرحمن بن زيد بـن أسلم ضـعيف باتفاقهم يغلط كـثيرا ضعفه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والنسـائي والدارقطني وغيرهـم ، وقال أبو حاتم بن حبان : كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم ، حتى كثر ذلك من روايته ، فاستحق الترك ، وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله فهذا ما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث وقالوا : إن الحاكم يصحح أحاديث وهي موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث .
ومما يؤكد بطلان هذا الحديث أنه يخالف كتاب الله في موضعين :
الأول : أنه تضمن أن الله غفر لآدم بسبب توسله بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والله يقول : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
وقـد جاء تفسير هذه الكلمات عن ابن عباس بما يخالف هذا الحديث ، فقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وابن مردويه عن ابن عباس في قولـه :(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ) قال : أي رب ألم تخلقني بيدك ؟ قال : بلى ، قال : أي رب ألم تنفخ في من روحك؟ قال : بلى ، قال : أي رب ألم تسبق إلي رحمتك قبل غضبك؟ قال : بلى ، قـال : أي رب ألم تسكني جنتك؟ قال : بلى ، قال : أي رب أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال : نعم ، قال :(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ) وقال الحاكم : صحيح الإسناد . ووافقه الذهبي
وأخرج الثعلبي ، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ) قال : قوله : (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله ، وأخرج عبد بن حميد عن الحسن والضحاك مثله ، وأخرج ابن جرير عن مجاهد وقتادة وابن زيد مثله ، وبهذا قال كثير من المفسرين كابن جرير ، وابن سعدي ، والسيد محمد رشيد رضا ، وأبي بكر الجزائري
ويؤيده قوله تعالى : (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
ولا منافاة بـين القولـين بل أحدهما يتمم الآخر ذلك أنها كلها من الكلمات .
يقول ابن جرير : ( حدثني المثنى قال : حدثنا آدم العسقلاني قال : حدثنا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية في قوله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ) قال : إن آدم لما أصاب الخطيئة قال : يا رب أرأيت إن تبت وأصلحت ، فقال الله : إذا أرجعك إلى الجنة ، فهي من الكلمات ومن الكلمات أيضا (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن قتادة في قوله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ) قال : (ذكر لنا أنه قال : يا رب أرأيت إن تبت وأصلحت؟ قال : فإني إذن أرجعك إلى الجنة . (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) وبذلك ثبتت مخالفة هذا الحديث للقرآن ، فتأكد بطلانه .
الثاني : كذلك مما يؤكد بطلانه قوله في آخره ( ولولا محمد ما خلقتك ) والله يقول : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)
فالآية تفيد أن الحكمة من الخلق إنما هي عبادة الله وحده لا شريك له ، لا من أجل ملك مقرب ولا نبي مرسل .
ثانيا : على افتراض أن هذا الحديث ضعيف فقط -كما يزعم بعض المخالفين- فلا يجـوز الاستدلال به على مشروعية التوسل المختلف فيه ؛ لأنه على قولهم عبادة مشروعة وأقل أحوال العبادة أن تكـون مستحبة والاستحباب حكم شرعي من الأحكام الخمسة التي لا تثبت إلا بنص صحيح تقوم به الحجة ، فإذا كان الحديث عندهم ضعيفا فلا حجة فيه البتة .
وبذلك اتضح بطلان هذه الشبهة .