المادة

من شبهات أصحاب التوسل الممنوع - الشبهة السادسة

214 | 27-05-2015

ثانيا : شبهاتهم فيما استدلوا به من السنة ، ومن أقوال وأفعال الصحابة والتابعين .

وهى : إما استشهاد في غير محله ، أو حديث أو أثر ضعيف أو موضوع منها ما يلي :


حديـث استسـقاء عمر بالعباس الذي مر ذكـره في أدلة أهل السنة على مشروعية التوسل بدعاء الصالح الحي ، وهو ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
كـان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، قال : فيسقون) .
وجه استدلالهم : قالوا : ورد في الحديث "
اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا " .
قالوا : المراد بعـم نبينا ، أي: بجاهه ، فهم فهموا أن توسله بالعباس كأنه مجرد ذكر منه للعباس في دعائه ، وطلب منه لله أن يسقيهم من أجله وقـد أقره الصحابة على ذلك ، فأفاد بزعمهم ما يدعون .
وعللوا : عدول عمر رضي الله عنه عن التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بالعباس صلى الله عليه وسلم- لبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل
يقول أحمد دحلان بعد أن أورد هذا الحديث مستدلا به : ( وإنمـا خـص عمر العباس من دون سائر الصحابة رضي الله عنهم لإظهار شرف أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل ) .
ومثل ذلك قال محمد الفقي بعد أن أورده مستدلا به .

الجواب : يقال لهم : استدلالكم خاطئ فإن عمر رضي الله عنه والصحابة إنما توسلوا بدعاء العباس ، ويدل على ذلك أمور منها :
1 - أن عمر صرح بأنهم كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، وفي هذه الحادثة بالعباس .
ومما لا شك فيه أن التوسلين من نوع واحد وإذا تبين للقارئ - مما يأتي- أن توسلهم به صلى الله عليه وسلم إنما كان بدعائه ، فتكون النتيجة أن توسلهم بالعباس إنما هو توسل بدعائه ، ومما يؤكد أن توسلهم به صلى الله عليه وسلم في حياته إنما كان بدعائه صريح رواية الإسماعيلي في مستخرجه على الصحيح لهذا الحديث بلفظ :
كانوا إذا قحطوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم استسقوا به فيستسقي لهـم فيسـقون ، فـلما كـان في إمـارة عمـر فذكـر الحديث فقولـه : (فيستسقي لهم) صريح في أنه صلى الله عليه وسلم كان يطلب لهم السقيا من الله تعالى ، وهذا هو التوسل بدعائه ، كذلك حديث الأعرابي الذي دخل المسجد والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب وشكا له الجدب ونحوهما ، كل ذلك يدل على أن توسلهم به صلى الله عليه وسلم في حياته إنما كان بدعائه .

2 - مـا ورد في بعـض روايات هذا الحديث الصحيحة أن العباس لما استسقى به عمر دعا . يقول ابن حجر في الفتح : (وقد بين الزبير بن بكـار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك ، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال : (
اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة ، وهـذه أيدينا إليك بـالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث ) .
هذه الرواية تدل على أنهم توسلوا بدعاء العباس لا بذاته ، إذ لو كـان التوسل بذاته أو جاهه لما كان هناك حاجة ليقوم العباس فيدعو بعد عمر بهذا الدعاء .

3 - لو كان توسلهم بالعباس - بذاته أو جاهه- لما عدلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى العباس ؛ إذ ذاته صلى الله عليه وسلم أفضل وجاهه أعظم من جاه العباس ، لكن لما كان بدعائه والرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكـن أن يدعـو لهـم لوفاته عدلوا إلى حي فاضل ، فاختاروا العباس لفضله رضي الله عنهم

قـال ابن تيمية : (
ودعاء أمـير المؤمنين عمر بن الخطاب في الاستسقاء المشهور بـين المهاجرين والأنصار وقوله : " اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا " يدل على أن التوسل المشروع عنهم هو التوسل بدعائه وشفاعته لا السؤال بذاته إذ لو كان هذا مشـروعا لم يعدل عمـر والمهاجـرون والأنصـار عن السـؤال بالرسول إلى السؤال بالعباس ) .

كل ما ذكـرنا يـدل دلالة واضحة على أن توسل الصحابة بالعباس إنما كان بدعائه .

وأما قولهـم : أن عمر رضـي الله عنه ، عدل عن التوسل بالرسـول صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بالعباس ، لبيان جـواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل .
فنقول : كلام مردود من وجوه ، منها :
الأول : أنه ليس من المعقول أن الصحابة يقرون عمر على ترك التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم- لو كان ممكنا- إلى التوسل بعمـه ، ولن يقبل العباس أن يتركوا التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم- لو كـان ممكنا- إلى التوسل به إذ في ذلك ترك للسنة المشروعة وعدول عن الأفضل ، أضف إلى ذلك أنهم رضي الله عنهم يعرفون قدر نبيهم صلى الله عليه وسلم ومكانته وفضله معرفة لا يدانيهـم فيها أحـد ، فـلن يؤثروا عليه أحـدا لو كان ممكنا لأي سبب من الأسباب .

الثاني : أن سؤال الله بأضعف السببين إنما يكون في وقت الرخاء ، أما في وقت الشدة فالناس أحرص على أكـبر وسيلة لزوالها ، وعام الرمادة معلوم ما أصاب المسلمين فيه من شدة .

الثالث : لنفرض أن الـذي حمـل عمـر على تـرك التوسـل بالرسـول صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بعمه ما زعموه ، فـما الـذي حمل معاويـة والضحاك بن قيس عندما توسلا بيزيد بن الأسـود الجرشي ، وأيضـا لو كان الأمر كذلك لفعل عمر ذلك مرة واحدة ولما استمر عليه كلما استسقى بدليل ما ورد في هذا الحديث من قوله : (
إن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس ) فإن في هذا إشارة إلى تكرار استسقاء عمر بالعباس كل ما ذكـرت يؤكـد بطلان استدلالهم بهذا الحديث على التوسل بالجاه أو غيره من التوسل الممنوع .

تصميم وتطويركنون