المادة
من شبهات أصحاب التوسل الممنوع - الشبهة الثانية
الشبهة الثانية : قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا)
يقول الزهاوي في معرض استدلاله بهذه الآية : ( إن الكفار يعبدون الأنبياء والملائكة على أنهم أرباب ، فيقول الله لهم : أولئك الذيـن تعبدونهم هـم يتوسـلون إلى الله بمن هـو أقـرب ، فكيـف تجعلونهم أربابا وهـم عبيد مفتقرون إلى ربهم متوسلون إليه بمن هو أعلى مقاما منهم ) الجواب : يقـال لهـم استدلالكـم بـاطل ، ذلك أن المـراد بالوسيلة التي أخـبر الله بأن الذين يدعوهم المشركون أربابا يبتغونها إليه ؛ لأنهم أهل الإيمان به هي- كما قـال شيخ الإسلام ما يتقرب به إلى الله من الواجبات والمستحبات ، فهي قربة بطاعة أمر الله بها عباده .
قال الشوكاني : ( ولا خلاف في يبتغون أنها بالتحية والوسيلة القربة بالطاعة والعبادة ) .
وقال الشنقيطي في تفسير هذه الآية : ( وقد قدمنا في سورة المائدة أن المراد بالوسيلة في هذه الآية الكـريمة وفي آية المائدة هو التقرب إلى الله بالعمل الصالح ) .
وعليه فإنها لا تشمل شيئا من التوسل الممنوع ، إذ لم يأمر به الله يؤكـد ذلك أنه لم يعمل به الصحابة ومن أتى بعدهم من القرون المفضلة الذين هم أعلم هذه الأمة بكتاب الله ، ولو كان في هذه أو غير دلالـة عليه لعملوا ، به أيضل عنه الصحابة ويهتدي إليه هؤلاء المتأخرون ؟
إضافة إلى ما ذكرت فإن طائفة من المشركيـن كانوا يدعون الملائكة والأنبياء ، وقيل يدعون الجن فأنزل الله هاتين الآيتين إنكارا عليهم ذلك ، لذا فهما تتضمنان النهي عن دعاء غير الله . والآية الأولى كما قال شيخ الإسلام قصد بها بالتعميم لكل ما يدعى من دون الله ، فكل من دعى ميتا أو غائبا من الأنبياء أو الصالحين سواء كان بلفظ الاستغاثة أو غيرها فقد تناولته هذه الآية كما تتناول من دعى الملائكة والجن ، إذ أنه شرك أو ذريعة إلى الشرك .
وعليه فـإن من توسل بدعاء ميت فإن هذا النهي يتناوله إذ فيه دعاء لغير الله وهو دعاء الميت وذلك ذريعة إلى الشرك .
يقول شيخ الإسلام في تعليقه على هذه الآية : ( قال طائفة من السلف كـان أقـوام يدعون الملائكـة والأنبياء فقال الله تعالى : هؤلاء الذين تدعونهم هم عبادي كما أنتم عبادي ، يرجون رحمتي كما ترجون رحمتي ، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي ، ويتقربون إلي كما تتقربون إلي ، فنهى سبحانه عن دعاء الملائكة والأنبياء ؛ لأن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم بخلاف الطلب من أحدهم في حياته فإنه لا يفضي إلى الشرك ) .
وقال أيضا بعد أن ذكر هذه الآية : ( ومثل هذا كثير في القرآن ينهى أن يدعـى غـير الله لا من الملائكـة ولا الأنبياء ولا غيرهـم فـإن هـذا شرك أو ذريعة إلى الشرك بخلاف ما يطلب من أحدهم في حياته من الدعاء والشفاعة فإنه لا يفضي إلى ذلك ) وقـال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في تعليقه على هذه الآية :
(وأما ادعاء المنحرفين عن الإيمان من أن الوسيلة هي التوسل إلى الله تعالى بالأنبياء والصـالحين فهذا باطل يناقض ما ذكره الله تعالى في أول الآية من تهديد من دعاهم وإنكاره عليهم دعوتهم )
مما ذكـر اتضـح أن الآيتين إنما تدلان على التقرب إلى الله بالعمل الصالح وهو توسل مشروع كما تدلان على النهي عن التوسل بدعاء الميت وهو من أنواع التوسل الممنوع وعليه فالآيتان حجة عليهم لا لهم .
التوسل المشروع والممنوع لعواد بن عبدالله المعتق.