المادة

احتجاجهم بحديث ضرير البصر

112 | 27-05-2015

قال الشيخ سليمان بن عبدالله رحمه الله:

(احتجوا بحديث رواه الترمذي في (جامعه) حيث قال: حدثنا محمود بن غيلان، ثنا عثمان بن عمرو، ثنا شعبة عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف أن رجلاُ ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: (إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك) قال: فادعه، فأمره أن يتوضاً، ويُحسن وضوءه، ويدعو بهذا الدعاء: (اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، إني توجهت به إلى ربي في حاجتي هذه لتُقضى، اللهم فشفِّعه فيَّ) قال: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من رواية أبي جعفر، وهو غير الخطمي، هكذا رواه الترمذي ورواه النسائي وابن شاهين والبيهقي كذلك، وفي بعض الروايات: (يا محمد إني أتوجه) إلى آخره، وهذه اللفظة هي التي تعلق بها المشركون، وليست عند هؤلاء الأئمة، قالوا: فلو كان دعاء غير الله شركاً لم يُعلِّم النبي صلى الله عليه وسلم الأعمى هذا الدعاء الذي فيه نداء غير الله.

والجواب من وجوه:

الأول: أن هذا الحديث من أصله وإن صححه الترمذي فإن في ثبوته نظراً، لأن الترمذي يتساهل في التصحيح كالحاكم، لكن الترمذي أحسن نقداً، كما نص على ذلك الأئمة، ووجه عدم ثبوته: أنه قد نص أن أبا جعفر الذي عليه مدار هذا الحديث هو غير الخطمي وإذا كان غير فهو لا يعرف، ولعل عمدة الترمذي في تصحيحه أن شعبة لا يروي إلا عن ثقة، وهذا فيه نظر، فقد قال عاصم بن علي: سمعت شعبة يقول: لو لم أحدثكم إلا عن ثقة لم أحدثكم إلا عن ثلاثة، وفي نسخة عن ثلاثين، ذكره الحافظ العراقي، وهذا اعتراف منه بأنه يروي عن الثقة وغيره فينظر في حاله، ويتوقف الاحتجاج به على ثبوت صحته.

الثاني: أنه في غير محل النزاع، فأين طلب الأعمى من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، وتوجهه بدعائه مع حضوره، من دعاء، والسجود لهم، ولقبورهم، والتوكل عليهم، والالتجاء إليهم في الشدائد والنذر والذبح لهم، وخطابهم بالحوائج من الأمكنة البعيدة: يا سيدي يا مولاي افعل بي كذا؟ فحديث الأعمى شيء، ودعاء غير الله تعالى والاستغاثة به شيء آخر، فليس في حديث الأعمى شيء غير أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، ويشفع له، فهو توسل بدعائه وشفاعته، ولهذا قال في آخر (اللهم فشفْعه فيِّ) فعلم أنه شفع له.

وفي رواية أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، فدل الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم شفع له بدعائه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره هو أن يدعو الله ويسأله قبول شفاعته، فهذا من أعظم الأدلة أن دعاء غير الله شرك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يسأل قبول شفاعته، فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعى، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يقدر على شفائه إلا بدعاء الله له، فأين هذا من تلك الطوام؟

والكلام إنما هو في سؤال الغائب أو سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، أما أن تأتي شخصاً يخاطبك فتسأله أن يدعو لك فلا إنكار في ذلك على ما في حديث الأعمى، فالحديث سواء كان صحيحاً أو لا، وسواء ثبت قوله فيه يا محمد أو لا، لا يدل على سؤال الغائب، ولا على سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله بوجه من وجوه الدلالات، ومن أدعى ذلك فهو مفتر على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه إن كان سأل النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، فهو لم يسأل منه إلا ما يقدر عليه وهو أن يدعو له، وهذا لا إنكار فيه، وإن كان توجه به من غير سؤال منه نفسه، فهو لم يسأل منه، وإنما سأل من الله به، سواء كان متوجهاً بدعائه، كما هو نص أول الحديث وهو الصحيح، أو كان متوجهاً بذاته على قول ضعيف، فإن التوجه بذوات المخلوقين والإقسام بهم على الله بدعة منكرة، لم تأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من المخلوقين من أصحابه، والتابعين لهم بإحسان، ولا الأئمة الأربعة ونحوهم من أئمة الدين.

قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، وقال أبو يوسف: أكره بحق فلان، وبحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت، والمشعر الحرام.

وقال القدوري: المسألة بحق المخلوق لا تجوز، فلا يقول: أسألك بفلان أو بملائكتك أو أنبيائك ونحو ذلك، لأنه لا حق للمخلوق على الخالق، واختاره العز بن عبدالسلام إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم خاصة إن ثبت الحديث، يشير إلى حديث الأعمى، وقد تقدم أنه على تقدير ثبوته ليس فيه إلا أنه توسل بدعائه لا بذاته.)

تصميم وتطويركنون