المادة
الرد على قولهم (إذا جازت الاستغاثة بالأنبياء في الآخرة فمن باب أولى أن تجوز في الدنيا)
قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتابه (كشف الشبهات):
وَلَهُمْ شُبْهَة أُخْرَى، وَهِيَ: مَا ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أَنَّ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَسْتَغِيثُونَ بِآدَمَ، ثُمَّ بِنُوحٍ، ثُمَّ بِإِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ بِمُوسَى ، ثُمَّ بِعِيسَى؛ فَكُلُّهُمْ يَعْتَذِرُون حَتَى يَنْتَهُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قَالُوا: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الاسْتِغَاثَةَ بِغَيْرِ اللَّهِ لَيْسَتْ شِرْكا؟.
فَالْجَوَابُ أنْ نَقُولَ: سُبْحَانَ مَنْ طَبَعَ عَلَى قُلُوبِ أَعْدَائِهِ؛ فَإِنَّ الاسْتِغَاثَةَ بِالْمَخلُوقِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لاَ نُنْكِرُهَا، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى في قصة موسى: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) [القصص 15] ، وَكَمَا يَسْتَغِيثُ الإِنْسَانٌ بِأَصْحَابِهِ في الْحَرْبِ أَوَغَيْرِهِ في أَشْيَاءَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا الْمَخْلُوقُ.
وَنَحْنُ أنْكَرْنَا اسْتِغَاثَةَ الْعِبَادَةِ الَّتِي يَفْعَلُونَهَا عِنْدَ قُبُورِ الأَوْلِيَاءِ، أَوْ فِي غَيْبَتِهِمْ فِي الأَشْيَاءِ الَّتِي لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلاَّ اللَّهُ.
إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاستِغَاثَتُهُم بِالأنْبِيَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرِيدُونَ مِنْهُمْ أنْ يَدْعُوا اللَّهَ أنْ يُحَاسِبَ النَاسَ؛ حَتَّى يَسْتَرِيحَ أهْلُ الْجَنَةِ مَنْ كَرْبِ الْمَوْقِفِ، وَهَذَا جَائِزٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وذَلِكَ أنْ تَأْتَيَ لِرَجُلٍ صَالِحٍ حَيٍّ يُجَالِسُكَ وَيَسْمَعُ كَلاَمَكَ، تَقُولُ لَهُ: ادْعُ اللهَ لِي، كَمَا كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وعَلَى آلِه وسلم يَسْألُونَهُ في حَيَاتِهِ.
وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَحَاشَا وَكَلاَّ أَنَّهُمْ سَألُوهُ ذَلِك عِنْدَ قَبْرِهِ بَلْ أَنكَرَ السَّلَفُ عَلَى مَنْ قَصَدَ دُعَاءَ اللَّهِ عِنْدَ قَبْرِهِ، فكَيْفَ بِدُعَائِه نفسه؟