المقال
السحرة والمشعوذون
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله ربكم، فهو سبحانه أحق أن يطاع فلا يعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر.
أيها المسلمون: ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمه، ولا إله غيره، من اعتصم به هُدي إلى صراط مستقيم، ومن استعان به واستعاذ أوى إلى ركنٍ شديدٍ. نزَّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين. أعظم ما تتعلق به القلوبُ رجاؤُه. وأعذب ما تلهجُ به الألسُنُ ذكرُه ودعاؤُه. سبحانه وتقدس وتبارك لا شفاء إلا شفاؤه. خلق الأجسادَ وعللَها، والأرواحَ وأسقامَها، والقلوبَ وأدواءَها، والصدورَ ووسواسَها.
أيها الإخوة المؤمنون: صلاح الجسد مرتبطٌ بصحة المعتقد، فحين يضعف وازعُ الإيمان، ويختل ميزانُ الاعتقاد تختلطُ الحقائق بالخرافة، وتنتشر الخزعبلات والأوهام، ويفشو الدجل والشعوذة. ولذلك عباد الله يضيع الحق بين فريقين؛ ضُلاَّلٌ ماديون ينكرون الغيب وعالَمَه، ويكفرون بما جاءت به رسلُ الله من الحقِّ، والغيبُ عندهم أساطير وأوهامٌ يرون أن الإنسان المتحضر تخطَّاها. فالإيمان بالغيب عندهم رِدَّةٌ حضاريةٌ إلى عصور الظلام.
يقابلهم فريق آخر عشَّشت الخرافات في رؤوسهم وامتلأت بالخزعبلات صدورُهم، تعلقت قلوبهم بالسِّحر والكِهانة، ربطوا مصائرهم بالتنجيم والنجوم والعِرافة والعرافين.
وكلا الفريقين قد سلك مسلك الجاهلية ؛ أما الأولون ففلاسفةٌ وملاحدةٌ وزنادقة وأتباع لهم، جاهليتهم واضحة في الإعراض والرفض لما جاءت به رسل الله: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [غافر:83].
وأما الآخرون فاعتمدوا على التقاليد الفاسدة وبنوا حياتهم على الظنون والتخرصات وتعلقوا بأهل الكهانة والسحر والتنجيم فهم في لون آخر من الجاهلية الجهلاء {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} [النور:40].
أيها الإخوة المسلمون، إن الإنسان جسدٌ وروحٌ، فكما يتأثر بالمادة وأسبابها من طعامٍ وشراب، وحَرٍ وقَرٍ، وغذاءٍ ودواءٍ، فإنه يتأثر بالمؤثرات الروحية بإذن الله.
فالشيطان وجنودُه جعل الله لهم تسلطاً على بني آدم؛ قـال تعالى لـه: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [الإسراء:64]. وأخبر الله عما قال الشيطان {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ} [الأعراف:17].
وأخبر نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه « أنه ما من أحدٍ من بني آدم إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله، قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلمَ فلا يأمرُني إلا بخير» [صحيح مسلم: 2814]، وفي خبر عند مسلم أيضًا عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الشيطان يحضرُ أحدَكم عند كل شيء من شأنه» [صحيح مسلم:2033].
بل إن هذا التأثير – أيها الإخوة – منه ما هو وسوسةٌ وإيحاءٌ، ومنه ما هو محسوسٌ وملموسٌ.
وتظهر الوسوسات والإيحاءات في صورٍ وأحوالٍ من الدوافع والانفعالات فتأتي هاجسِ فقرٍ أو حبَ مالٍ أو مسالكَ فحشاءٍ: {الشَّيْطَـٰنُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء} [البقرة:268]. وتأتي في حب الأولاد وفي العواطف: {وَشَارِكْهُمْ فِى الاْمْوٰلِ وَالأولَـٰدِ} [الإسراء:64]. وتأتي في انفعالات الغضب حتى يتغلغل الشيطانُ ليُخرِجَ المرءَ عن طوره المعتدل فيسبُّ ويشتِمُ ويقطعُ الرحم ويُطلِّق؛ روى الإمام مسلم عن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد ؛ أعوذ بالله من الشيطان» [صحيح مسلم: 2610].
حتى انفعالاتِ الغيرةِ النسائية للشيطان فيها نصيب. فحينما افتقدت عائشةُ رضي الله عنها حبيبَها محمدًا صلى الله عليه ذات ليلة أدركتها الغيرة. فقال لها عليه الصلاة والسلام: «أقد جاءك شيطانك؟ قالت: أومعي شيطان؟ قال: نعم. قالت: ومع كل إنسان؟ قال: نعم» [صحيح مسلم: 2815]
بل إن الشيطان قد يبث المخاوف في النفس، ويهز القلوب بالقلق والحَزَن: {إِنَّمَا ذٰلِكُمُ الشَّيْطَـٰنُ يُخَوّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ} [آل عمران:175]. {إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَـٰنِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ ءامَنُواْ} [المجادلة:10].
ويترقى ما يبثه الشيطان إلى بثِّ النـزعات العدوانية، ولذلك حذرنا ربنا فقال: {وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَـٰنَ يَنـزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء:53]. وروى الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم» [صحيح مسلم: 2812]
عباد الله ما سبق هو في تأثيرات الشيطان بالوسوسة والإيحاءات، أما التأثير المحسوس الملموس فقد أخبر عليه الصلاة والسلام: «أن كل بني آدم يَطعن في جنبه بإصبَعِه حين يولد – أي بإصبَعِ الشيطان» [صحيح البخاري: 3286]، وقال أيضًا: «إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي» [صحيح مسلم: 542]
وهذه الآثار – أيها الأحبة – معنويُها وحسيها لها علاجها ووقايتها إذا رُزق العبد إرادة قوية مؤمنة متعلقة بربها واثقة به: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:99-100].
روى الإمام أحمد والدارمي وغيرُهما عن يعلى بن مرة رضى الله عنه قال: جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصبي به مس من الشيطان فنفث عليه الصلاة السلام في فيه ثلاثًا وقال: «بسم الله أنا عبد الله اخسأ عدو الله» فشفاه الله .
واشتكى ابن أبي العاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا يأتيه يصرفه عن صلاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ذاك شيطان ثم ضرب على صدرِ ابنِ أبي العاص وقال: اخرج عدو الله - ثلاثًا» [السلسلة الصحيحة: 6/1001]
وروى الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه فإن الشيطان يدخل» [صحيح مسلم: 2995]. وروى مسلم أيضًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه» [صحيح مسلم: 238]
إذا كان الأمر كذلك – أيها المسلمون – فلتعلموا أن الناس تختلف في ضعف نفوسها، وقوة إرادتها، وصدق يقينها وتعلقها بربها، وقوة تأثير الشياطين عليها.
فأهل الإيمان والتقوى: {إِذَا مَسَّهُمْ طَـائِفٌ مّنَ الشَّيْطَـٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف:201]. تذكروا ورجعوا إلى ربهم، موقنين أنه النافع الضار الحكيم المدب: {فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ} ، فيعتدل حـالهم ويستقيمُ مِزاجُهم، اتقَوا ربهم فجعل لهم نورًا يمشون به: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ . وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَـٰلِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلّ شَىْء قَدْراً} [الطلاق:2-3]. إنهم مؤمنون غيرُ متذبذبين، متزنون غير مترددين، إيمانٌ راسخٌ، ومعتقدٌ ثابتٌ لا تُقعدهم الضغوط، ولا تَستفزُّهم الأوهام، شيطانهم في وسْواسه خناس. نفوسٌ طيبةٌ بذكر الله مطمئنةٌ، ترضى بربها، وتؤمن بما جاء من عنده، متطهرةٌ من الغل صادقة في التعامل.
وثـمَّت نفوس ذاتُ تردد وتعجل، وقلةِ صبر ، قلقةٌ في أمرها، متسرعةٌ في مواقفها، متقلبةٌ في انفعالاتها، تتعرض للمزعجات النفسية، والمقلقات الداخلية، يتلبسها الخوف والاضطراب، والعدوان والغضب، ضعيفة الإبصار، مهتزة الجَنان: {وَإِخْوٰنُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِى الْغَىِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} [الأعراف:202]. سرعان ما ينساقون وراء الأوهام، بل ينجرون إلى ألوان من الانحرافات والمعاصي، فيكثر وسواسهم، ويعظم بغير الله تعلقهم، ويشتد بالخزعبلات اهتمامهم فيما يسمعون، وفيما يرون، وفيما يُعطَون.
أيها الأحبة: إن عقيدة المسلم في كتاب الله واضحةٌ وفي سنة رسول الله بينة؛ فالقرآن لهذه الأدواء هو الشفاء ولكنه لأهل الإيمان خاصة: {وَنُنَزّلُ مِنَ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82]. {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ هُدًى وَشِفَاء} [فصلت:44].
عباد الله، إن علاج أدوائكم في قرآنكم وفي سنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم. وطلب العلاج مشروع، والأخذ بالأسباب المباحة مطلوب، روى الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لكل داء دواء،فإذا أُصيب دواءُ الداءِ برأ بإذن الله عز وجل» [صحيح مسلم: 2204]، وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً» [صحيح البخاري: 5678]، وزاد أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه: "عَلِمه من علمه وجهله من جهله".
عباد الله إن الله لم يجعل شفاءنا فيما حرم علينا، فهذا الدواء لا يكون ولن يكون فيما حرَّم الله ورسوله، فتداووا عباد الله ولا تتداووا بحرام. روى الطبراني وصححه الألباني عن أم الدرداء رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله خلق الداء والدواء فتداووا، ولا تتداووا بحرام» [السلسلة الصحيحة: 1633]
وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من تسَحَّر أو تسُحِّر له ، أو تَكَهَّن أو تُكُهِّن له، أو تَطَيَّر أو تُطُيِّر له» [صحيح الجامع: 5435]، وروى الإمام مسلم عن حفصة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» [صحيح مسلم: 2230].
عباد الله، إن حصول البرء والشفاء بيد الله وإذنه، فلا يأس من رَوح الله، ولا استبعاد لفرج الله، روى الإمام مسلم عن صهيب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراءُ شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيراً له ولا يكون ذلك إلا لمؤمن» [صحيح مسلم: 2999]
هذه هي العقيدة وهذا هو المنهج، ولكن أين العقيدة من أناس خفافيش القلوب ضعاف النفوس تعلَّقوا بالدجالين، ولحقوا بركاب المشعوذين؟ ضلُّوا في متاهات الكذب والكهانة، فساد معتقدٍ، وضياع مالٍ، ودوام مرضٍ.
إنكم تعلمون والمرضى يعلمون أنهم قلَّ ما يجدون عند هؤلاء الدجاجلة شفاء، ولكنهم قد يجدون عندهم راحةً نفسية لفترة قصيرة، ثم لا يلبثون أن ينتكسوا إلى حالٍ أشد، فلا شُفي لهم مريض، ولا ارتفعت عنهم حيرة. أضاع نفسه وخسر ماله، وهل سلم له دينه؟
إن هؤلاء الدجاجلة غرِقوا وأغرقوا غيرهم في دجل وشعوذات وعُقَدٍ وهمهمات وعزائم وطلاسم وتلطخٍ بالنجاسات، في المقابر والخَرِبات وبيوت الخلاء، يعقدون الخيوط، وينفثون العُقَد، ويوقدون المباخر، ذووا قلة في الديانة، وخبثٍ في النفس، وشرٍ في العمل، وفتنة للذين في قلوبهم مرض.
ناهيك بما يَظهر منهم من مخالفات في الدين بينة، في تكاسل عن الصلاة، وخلل في السلوك، وجُرأة على الحُرُمات، وأكلٍ لأموال الناس بالباطل، وخلوات بالنساء محرمة، ومباشرة ما لا يحل له من نظر ومـس ، وغير ذلك.
إن ضرر هؤلاء يتعاظم، وخطبهم يشتد، حتى أصبح لهم صولة وجولة حتى في الفضائيات، فحق على كل مسلم أن يحذر منهم ويحذر، وحقٌ على أهل العلم والإيمان أن يشتد نكيرهم، ويزداد تحذيرهم منهم، ويقوموا بكشف ألاعيبهم للناس.
وعلى الجهاتِ الرسميةِ المسؤوليةُ العظمى في ملاحقة هؤلاء الدجالين ، وإذا كان الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن كما أقسم على ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فلنتعاون إذن مع هذه الجهات للتخلص من براثن الأفاكين الأكالين لأموال الناس بالباطل، عبدة الدرهم والدينار، الذين ينازعون الله رب العالمين ما اختصَّ به من الربوبية وعلم الغيب .
ولقد حمد كل صاحب سنةٍ ودين ما يقوم به ولاة أمور هذه البلاد وفقهم الله من متابعة لهؤلاء المشعوذين والدجالين، وإنزال العقاب الرادع بهم بما تقضي به الشريعةُ المطهرة، سدد الله الخطى، وبارك في الجهود وزادهم إحساناً وتوفيقاً وحفظ الله على أمة الإسلام دينها وحسن معتقدها وأصلح بالها إنه سميع مجيب.
الخطبة الثانية
الحمد لله كفى وشفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله النبي المصطفى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أهل البر والوفا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على هديهم واقتفى.
أما بعد فيا أيها الناس: من تعلق شيئًا وُكل إليه، فمن تعلق بربه ومولاه ربِّ كل شيء ومليكِه كفاه ووقاه وحفظه وتولاه، فهو نعم المولى ونعم النصير، ومن تعلق بالكهنة والسحرة والشياطين والمشعوذين وغيرهم من أفاكي المخلوقين وكله الله إلى من تعلق به.
عباد الله ، إن التعلقَ يكون بالقلب وبالفعل ويكون بهما جميعًا، فالمتعلقون بربهم المُنْزِلون حوائجَهم به، المفوضون أمورهم إليه، يكفيهم ويحميهم يقرِّب لهم البعيد، وييسر لهم العسير، ومن تعلق بغير ربه، وسكن إلى رأيه وعقله واعتمد على دوائه وتمائمه وكله الله إلى ما تعلق به وخذله.
ألا فاتقوا الله ربكم، وأحسنوا به الظن والمعتقد وأحسنوا العمل، فربكم سبحانه رب الأرباب ومسبب الأسباب، وتداووا ولا تداووا بحرام.
اللهم اجعل تعلقنا بك، ورجاءَنا فيك، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث اللهم احفظنا بحفظك ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك. اللهم اغننا بحلالك عن حرامك ، وبفضلك عمن سواك، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا، اللهم اكفنا شر الأشرار، وكيد الفجار