المقال
إشارات مهمة في مسائل السحر والجن والرقية
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، أكثر من مرة أتعرض لحوارات عن موضوع الجن والسحر والمس وما إلى ذلك. فأرجو التركيز لمن أرادت الاستفادة:
1- السحر والمس حق ويحدث وله أنواع كثيرة ومتعددة لكن الفزع إلى تفسير كل عرض أو مرض أنه سحر إنما هو من قبيل الوسوسة وهو مرض بحاجة للعلاج. وتصديق كل قصة خرافية وهلوسة يقصها أي قاصّ لا يدل على ورعك وتقواك وتخلقك بحسن الظن بل يدل (عفوا) على قلة العقل والدين وخلل كبير في المعتقدات وضعف العلم الشرعي. فإذا أغضبتك كلماتي هذه فحمية لعقلك ودينك وقلبك. لا تقعـــي في كل فخ وتصدقــي كل رواية. إن أردتِ أن يحترم الآخرين عقلك وسمتك فاحترمــي أولا عقل نفسك وعقول الآخرين، وإياك وسلوك الإمعة متتبعة لخزعبلات المجتمع بدون ضوابط شرعية. أعلم أن كلامي شديد اللهجة ثقيل الوطئة وقد عهدنا في مخاطبة النساء الرقة لكن أخشى أن معاشر النساء -عافانا الله وإياك أخيتي- أتبع الناس للدجال إذا ظهر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وما ذاك إلا لتهافت الكثيرات في الخرافات والدجل وتصديق كل ما تسمع بدون تثبت ولا بينة.
2- يفترض في الإنسان المسلم المؤمن المحافظة على الأذكار وورد القرآن والرقية الشرعية حتى عند الأمراض العادية أو النفسية.
3- إذا ما قص عليك أحدهم قصة ووجه تفكيرك نحو المس والسحر لا تنساقي -قد يكون المسكين بحاجة لعلاج نفسي معرفي أو دوائي أو هما معا بعض الناس يعشقون السيطرة على الآخرين بالقصص الأسطورية- وبعضهم يعشقوا استدرار الشفقة... إلخ. فإياك وتسليم عقلك وقلبك لهؤلاء يمتصون رحيق حياتك ودفء فؤادك.
4- الأصل في المسلم أنه متوكل على الله وموقن أن السحر والمس لا يكون إلا بقدر الله. السحر لا يقع بقوته ونفسه كقوة معارضة لله!! أعوذ بالله للأسف أغلبنا عنده شيء من الاعتقاد في هذا بدون شعور منه. الساحر والجن إنما يأخذ بأسباب خلقها الله ليحاول أن يؤذي إنسانا ولكنه لا يستطيع ذلك بمجرد تعاطيه هذه الأسباب المحرمة بل المجرمة لأن الأمر ليس بقوته (بقوته الخارقة) ولا شيء من هذا؛ بل هو ابتلاء مثل سائر الابتلاءات التي خلقها الله في هذه الدنيا اختبارا للإنسان ولا يقع شيئا في الكون إلا بمشئية الله. إذن لا بد من اليقين أنه إذا لم يشأ الله لن يؤثر السحر ولن يتمكن الجني من الإنسان.
5- البعض يقع في قلبه دائما أن ذكر لفظ الجن يجعله يحضر -وأن تكذيب قصة مختلقة عوارها ظاهر تعني أن الجن سينتقم منه ويريه عاقبة تكذيبه. وأحسنهم حالا من يظن أن تكذيب هذه القصص المختلقة أو تفنيدها قد يقع فيه عقوبة من الرب بسوء فهمه لقول السلف: "لا تعير أخاك بعيب فيه فيعافيه الله ويبتليك". وكل هذا ليس صحيحا ويدل على خلل في القلب يحتاج إلى علاج واجتهاد ومواجهة وصدق مع الله ويقظة لما يمر في قلوبنا؛ فإن اطراد مثل هذه المشاعر قد يتحول مع الوقت إلى أفكار شركية ويصبح صاحبها أشد عرضة لمتابعة الكهان والسحرة والمشعوذين والانقياد لهم، وهو ما يعد من الشرك ولا شك
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشركُ فيكم أخفى من دبيبِ النملِ، وسأدلُك على شيءٍ إذا فعلتَه أذْهَبَ عنك صَغارُ الشركِ وكبارُه، تقولُ: اللهمَّ إني أعوذُ بك أنْ أُشرِكَ بك وأنا أعلمُ، وأستغفرُك لما لا أعلمُ» (صححه الألباني).
6- الرقية ليست بقوة الراقي وليس الراقي هو من يشفي الممسوس ولا المسحور- إذن طريقة: "ابحث عن شيخ قوي، لأن الشيخ هذا الشيخ ضعيف" هو مدخل من مداخل الشرك؛ نعم نحن نتكلم في صلب العقيدة فتنبه بارك الله فيك. بل إن اضطررت لطلب الرقية فاطلب شيخ تقي متبع السنة معظم لها لا يرتكب كبيرة ولا يصر على صغيرة؛ قلبه معلق بالمساجد فهذا أدعى إلى عون الله له واطمئنان قلبك لعدم جرك إلى ما لا يحمد عقباه من المخالفات الشرعية والشعوذة والشركيات.
7- إن أعراض السحر والمس ليست فيلم رعب يتلذذ المخرج في إخافة الجمهور به ليس من خوارق العادات في المعتاد. إن الحالات التي فيها خرق للعادة مثل ما يمارسه السحرة من خدع ويعينه عليها الشيطان ليست هي حالات المس والسحر التي قد تصيب الإنسان، وهي ليست حالات يجدها الماشي في كل شارع وطريق! هذه الحالات المهولة جدا -إن صدق ناقلها ولم يكن ذا مرض نفسي- أغلبها يدخل تحت سحر التخييل؛ يعني يخيل لصاحبها وليس لها أثر مادي على من حول المريض. بل كثير من الحالات المس والعين والسحر قد يعيش ويموت المصاب بها ولا يشعر إلا بشيء من ضيق الصدر والنسيان أو سرعة الغضب أو خوف بلا سبب مثلا! وقد يذهبه الله عنه بمجرد مداومته على الذكر والقرآن دون أن يعرف أنه مصاب بشيء.
8- إن هذه الأشياء التي تقع للمسحور ليس لها أثر مادي على من حول المريض بالمس! قصص أن فلانا ممسوسا ورأى دم على الحائط هذا لا يعني أن أهل بيته يرون ذلك معه وهذا يعيدنا لنفس النقطة أنه أصلا قد يكون مريضا نفسيا بحاجة لعلاج نفسي، وقد يكون ممسوسا أو مسحورا وكذلك حالات عشق الجني لفتاة إذا ثبت أنها مصابة به لا يعني أنه سيدفع زوجها أو يصفعه على وجهه!! هذه المبالغات أصلا دليل على كذب المتكلم سواء كان كذب مرضي أو كذب هو نفسه يصدقه... كلمة كذب هنا إذن معناها أنه خلاف الحقيقة. كثير ما تكون هذه القصص تخيل من المريض فهو كاذب أصلا ويتفنن في الكذب. هناك أمراض نفسية يحاول المريض أن يستجلب عطف وشفقة الناس، وقد يكون صادقا من ناحية أنه فعلا مصاب بهذه التخييلات كمريض الوسواس أو الأوهام أو الضلالات أو حتى المصاب بالمس أو السحر، لكن في النهاية ليس لها أثر مادي. كذلك مرضى الاضطهاد لديهم أوهام -قد يكذبوا أيضا قد يكون أحدهم مصدقا لنفسه وقد يكون ممن يحب ممارسة عرض شائق ليشعر بالتميز أو يرتق النقص الذي يشعر به!
حتى أكثر علامة مخيفة معروفة للمس وهي الصرع أحيانا قد تكون زيادة في كهرباء المخ وأحيانا قد تكون مسا!
9- الجن والشياطين كيدهم ضعيف جدا هذا ما قاله الله تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا»، فمن لا يقدر على فتح بابا مغلقا ذكرنا عليه اسم الله كيف هي قدرته؟؟
أكرر لننتبه إلى خطورة الأمر: إن اعتقاد البعض بقدرات خارقة للشيطان مبالغ فيها قد يحول الخوف من خوف طبعي معذور فيه صاحبه إلى خوف شركي... الأمر خطر ولا بد من الانتباه. هناك ما هو أهم لكي نخشاه... هناك آخرة وحساب... لدينا رب أمرنا بعبادته وتوحيده ونهانا عن أن يشرك قلبنا غيره فيما لا يستحقه أحد إلا الله.
10 - عادة الرقية بنفسك والأذكار تذهب هذه الأشياء بإذن الله. أحيانا فعلا قد يعجز المرء عن القراءة هو نفسه يعجز ويستثقلها (هذا لا يعني أن الجني يظهر له ويخطف منه المصحف)؛ لكن يعني أنه قد ينام مثلا ويظل يسرح ويضيق صدره ضيقا... بل يغفل وينسى أصلا الرقية والقراءة، أو في بعض الحالات الشديدة تظهر علامات على جسمه هو... إلخ. الأفضل أن يجاهد نفسه إذا تعسر عليه؛ نعم يذهب لراق ثقة قارئ متبع للسنة.
11- بعض أحكام الذهاب لراق:
أ- طلب الرقية مباح ولكن ستخرج بطلبك الرقية من سعيك لأن تكون من السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بلا حساب.
ب- الراقي ليس بقوته أن يخرج الشيطان، والشيطان ليس أقوى من القرآن ولا ذكر الرحمن.
جـ- اللجوء للسحر والنشرة مخالف للشرع.
د- اختيار الراقي لا بد أن يكون ممن عرف عنه واشتهر أنه من أهل التقوى والمحافظة على السنن والآثار ونبذ البدع والأهواء، وليس مجرد أن يزعم أنه يرقي بالقرآن أو حتى أن يكون قارئا للقرآن بل مهم جدا أن يعرف عنه العقيدة السليمة ونبذ البدع واتباع السنن.
هـ- المرأة لا تذهب للراقي بدون محرم ولا تختلي معه ولا تمكنه من مس جسدها.
12- حبيباتي: قال تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]. سوء الاعتقاد- غفلتك عن الذكر والقرآن- ديمومة المعاصي- التطاول على الآخرين- سوء الظن- الكبر والعجب- ديمومة الغضب- ديمومة الحزن، والحزن والغضب كلاهما من عدم الاجتهاد في الصبر والرضا واليقين بالله، بل دخول البيت دون ذكر الله يبيت الشيطان في البيت! عدم قول بسم الله على الطعام يسمح له بالأكل معك، بل عدم قول بسم الله قبل الجماع! العثرة قد تكون من الشيطان فأمرنا بقول بسم الله. كل هذا يعين الشيطان عليك بدون سحر ولا مس! لذا فنحن في حرب مع الشطيان بالأساس فلا ينبغي أن نغفل عن ذلك.
13-لماذا لا نهتم بالقرب من الله في كل أحوالنا؟! لماذا تتهيج نفوسنا لتصديق وقائع غير صحيحة لمجرد أنها خوارق وغير طبيعية ولا مألوفة وننسى أن الشيطان يتسلط على الإنسان بأمور أبسط من ذلك بكثير؟؟ لماذا لا نفزع إلى الله ونفتقر إليه في يومنا وليلتنا ونحن أحوج إلى ذلك من الطعام والشراب.. لماذا نحب الانسياق مع الخرافات؟؟
ألا تعرف أن الانسياق مع الخرافات يبدل حسن الاعتقاد وأنه أصلا من تسلط الشيطان على الإنسان؛ يدفعه بالهوى لترك ما جاء به الشرع الصحيح والعقل الصريح ويدفعه لاتباع الهواجس والعواطف والانفعالات... قلبك أمانة...إما أن تأت به يوم القيامة سليما، وإما مريضا. فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام