المقال

الأخبار السياسية.. وصعوبة التربية

166 | 30-11-2014

بسم الله الرحمن الرحيم


خبر عاجل، آخر خبر، مصادر رسمية مقربة، تسريبات، تحليل، مواجهة، مؤتمر صحافي، فضائيات، انترنت، تويتر، فيسبوك، انستغرام، مدونة، يوتيوب، رسالة قصيرة، واتس أب، شاهد عيان وعبارات كثيرة من مستجدات الأحداث كلها تركز على الجانب السلبي للأحداث السياسية فتؤثر في طريقة تفكير الناس وأخلاقهم.

والتربية هي نتاج ما يعيشه الوالدان من ظروف سياسية واقتصادية واعلامية، فعندما يعيش الوالدان في مجتمع فيه ظلم في توزيع الثروات ويقدم فيه القوي على صاحب الكفاءة والغني يحقق ما يريد، بينما الفقير كل الأبواب مغلقة في وجهه والإعلام يبث فنونه ليل نهار، والنشرات السياسية عبارة عن «خبر عاجل» على مدار الساعة ورسائل خفية تشجع التخلي عن القيم والأخلاق حتى يكون الإنسان ناجحا في الحياة.

إن مثل هذا الواقع الذي يعيشه الوالدان يعكس على نفسيتهما التوتر والغضب والسخط على واقعهما فيتحول هذا السخط الداخلي إلى قيم وأمثال تربوية تنعكس على الأبناء مثل «إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب» واستخدام سياسة العنف للمطالبة بالحقوق، وعدم احترام من أمامنا لأن الناس ما تحترمنا، والدنيا كلها فرص فاحرص على اقتناص الفرصة مهما كان الثمن ولو استخدمت الرشوة أو الغش أو الخداع فهذه كلها قيم تربوية سلبية ومدمرة للجيل.

فكثير من البيوت تربي أبناءها على هذه القيم، فإذا ما أضفنا إليها ما تتبناه نشرات الأخبار السياسية ووكالات الأنباء من منهجية في بث الرسائل السلبية فإن هذا يعطينا خلطة تربوية معقدة ينتج عنها جيل مهلهل ضعيف لا يعطي للقيم الأخلاقية مكانة ولا أولوية بل يعتمد في حياته على أسلوب «اضرب واهرب» أو «كن ذئبا حتى لا تأكلك الذئاب».

ولو تأملنا في منهجية الأخبار السياسية ووكالات الأنباء فإنهم يعتمدون سياسة اظهار الجانب السلبي للخبر ويقدمون لنا الوجه المظلم للدنيا فيبثون كل ما هو دموي ومأساوي ويثير الرعب مثل التفجيرات وصور القتلى والأشلاء والكوارث الطبيعية وتحطم الطائرات والصراعات السياسية والاقتصادية والضرب والشتم في المجالس البرلمانية والحروب الخفية بين الأحزاب السياسية كما أنهم يركزون على عرض الخلافات التي لا يمكن تسويتها ولا يركزون على الجوانب الإيجابية الكثيرة في الدنيا.

هذا في الجانب السياسي أما في المجال الاجتماعي فإنهم يروجون للحياة الحميمية للمشاهير والفضائح الجنسية للرموز والسقوط في حبائل التحرشات الجنسية والمخدرات ونشر فضائح لكبار السياسيين ورجال الأعمال والقياديين وترويج مفهوم التلصص لمعرفة الأخبار الخاصة بهم ويكون الخبر «صيدة» في عرف الإعلاميين كلما كان مثيرا وغير متوقع ولو كان غير أخلاقي.

مثل هذه المفاهيم تساهم في نشر قيم سلبية كثيرة في المجتمع منها أن الطريق السريع للنجاح السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي هو الخداع والغش والكذب والتلاعب كما يتم ترويج معان كثيرة بغير مسمياتها، مثل الكذب يسمى ديبلوماسية، والخداع والغش يسمى شطارة، والتلاعب والغبن يسمى ذكاء، وأخذ حقوق الناس يسمى استغلالا للفرص، والرشاوى تسمى هدية أو أتعاب تخليص المعاملات، والعلاقة العاطفية في غير اطار الزواج تسمى صداقة، والشذوذ يسمى علاقة مثلية وغيرها من الأمثلة الكثيرة.

ولهذا لابد أن تكون لدينا جهود للتوعية بكيفية التعامل مع الأخبار السياسية والقيم المجتمعية وفلترتها صحيا وشرعيا وتحديد وقت باليوم لمتابعة الأخبار حتى لا تؤثر على حياتنا فنصبح مدمني أخبار فنحن لا ندعو إلى ترك المتابعة الاخبارية ولكن نرى ترشيد المتابعة وأن تكون بوعي ونظام واختيار القيم الصحيحة والمفاهيم السليمة والتمييز بين الغث والسمين.

أما تربويا فينبغي ألا نتأثر بكثرة الأخبار عن الفساد والظلم فنربي أبناءنا ليكونوا مفسدين وكاذبين حتى يتعايشوا مع واقعهم، وكما قيل «حشر مع الناس عيد»، بل نغرس فيهم أن يكونوا كالشامة بين الناس بأخلاقهم وقيمهم ونعزز فيهم الشخصية المبادرة بالخير وحب التغيير والإصلاح مهما كثر الفساد في المجتمع وأن يكونوا صادقين مع الكاذبين وعادلين مع الظالمين وأن يشتروا رضا الله لا رضا الناس، فرضا الناس غاية لا تدرك، ورضا الله غاية تدرك، ونذكر لهم نماذج نجحت في تغيير المجتمع الفاسد كيوسف عليه السلام حقق العدالة والإصلاح، والسيرة النبوية فيها قصص كثيرة في تغيير المنكر بحكمة، ونحفظهم المثل العمري «لست بالخب ولا الخب يخدعني»، إنها تربية صعبة ولكنها ليست مستحيلة.

تصميم وتطويركنون