المقال

صيام الأطفال في الإسلام

398 | 14-06-2015

قديما كان لصيام الأطفال في شهر رمضان نكهة خاصة حيث يصر الأهالي علي إيقاظهم وقت السحور، ليس لمشاهدة المسحِّر الذي كان يشكل صورة «فلوكلورية» بديعة بفانوسه وطبلته وسلته، التي كان يجمع فيها ألوان الأطعمة لسحوره، بل لإيجاد محاولة للدخول في دائرة الكبار وممارسة الصوم، وكان الأهل يسعون لإقناعهم بالصوم فقط حتى الظهر، وعندما يصوم الطفل كامل النهار تحتفل أسرته بهذا الإنجاز وتُغدق عليه الأعطيات، ويتولي والده حمله على ظهره والسير به ابتهاجا وسرورًا، وكان الأطفال الصائمون يعّيرون لداتهم من غير الصائمين.

وعلينا أن نوضح لأبنائنا المعنى الحقيقي للصيام حتى تصل الفكرة واضحة للطفل، فمن القصور الشديد أن يصل معنى هذا الشهر للطفل على أنه فقط ابتعاد عن الطعام والشراب مما يؤدي إلى تعجب الطفل وتساؤله لماذا ينهانا الله عن تناول هذه المأكولات والمشروبات وقد تعودنا عليها وسمح لنا بتناولها طوال العام.. ولكي يجد الطفل إجابة عن تساؤلاته ولكي تكتمل هذه الصورة أمام الطفل نحتاج للكثير من الاهتمام الحقيقي لتوصيل الفكرة الحقيقية للصيام مثل التآخي بين الناس، فمواعيد الإفطار والإمساك عن الطعام واحدة، وهذا يقوي روح الجماعة بين المسلمين، خاصة أن الإسلام يحض ويشجع على العمل الجماعي، وأن للصيام فوائد اجتماعية وخلقية عظيمة الشأن فهو يربي في الإنسان فضيلة التقوى، وهذا ما أشار إليه الحق سبحانه وتعالى في قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}َ (البقرة: 183) والصيام يعوّد المسلم على الصبر وقوة التحمل والإرادة والعزيمة وهي من الصفات الضرورية للمسلم الصغير، كما يربي الصيام لدى الطفل صفة المراقبة والانضباط الذاتي، فالصائم لا يراقب أحدًا بصومه إلا الله سبحانه وتعالى لأنه هو المطلع عليه.

والصوم فيه إحساس من الغني بآلام الفقير الذي لا يجد قوت يومه، فالغني إذا ما صام فسوف يحس بألم الجوع، وهنا يدرك ما يعيش فيه الفقير الذي يصاحبه الجوع في رمضان وغير رمضان، والصوم فوق كل هذا فيه وقاية للمجتمع المسلم من الشرور والآثام لأن الصائم لا يمسك فقط عن الطعام والشراب وإنما يهجر جميع المعاصي والسيئات، فجوارحه تصوم عن كل ما هو خبيث من القول والعمل.

من شروط صيام الطفل المسلم أن يطيقه، لما روى في الحديث الشريف عن ابن عباس: «تجب الصلاة على الغلام إذا عقل والصوم إذا أطاق والحدود والشهادة إذا احتلم» وكذلك الحديث: «إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام الشهر كله»، وقد اختلف الأئمة في تحديد السن التي يجب على الآباء والأمهات أن يأمروا أولادهم عندها بالصيام، فبينما قال الشافعي وأبوحنيفة: «يؤمر الولد بالصيام وهو ابن سبع سنين»، نرى الإمام أحمد يحدد بداية الصوم بعشر سنين، وقال إسحق: «إن من واجب الآباء والأمهات أمر أولادهم بالصوم عند بلوغهم اثني عشر ربيعا»، ويقول الإمام الأوزاعي: «إذا طاق ثلاثة أيام تباعا لا يضعف فيهن حُمِل على الصوم»، ويستحسن تدريب الصبيان المميزين على الصوم لما روي عن الربيع بن مسعود قال: «أرسل رسول الله " صلى الله عليه وسلم" - غداة عاشوراء- إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: من كان أصبح صائما فليتم صومه، ومن كان مفطرا فليتم بقية يومه، فكنا بعد ذلك نصومه وتصُوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعب من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار» (رواه البخاري)، كما يجب تشجيع الأطفال على الصيام إذا كانت صحتهم تتحمله ولا يجب أن يدفع الخوف على الأبناء أو على قدراتهم على الاستذكار والتحصيل أمرهم بترك الصيام حتى لا نزرع في الأطفال أن المهم هو فقط التفوق الدراسي، أما الشعائر الدينية فهي أشياء ثانوية نقوم بها عندما تسمح الظروف، وهذا عكس ما نرغب في ترسيخه في عقول وضمير أبنائنا، وهو أن الدين القيم والالتزام هو الأهم والأكثر أهمية، وإذا التزمنا بها فسوف ننجح في كل أمور حياتنا بعد ذلك.

دربوا أطفالكم على الصوم بالرفق واللين

إذا كان تدريب الأطفال على الصيام أمرًا مستحبًّا فإن ضربهم على ذلك ممنوعٌ لما قد يؤدي إليه من الانحراف مستقبلا، فإن إجبار الطفل على الصوم قد يدفعه إلى تناول المفطرات سرًّا ثم يتظاهر بالصوم وتكبر معه هذه الخيانة لأن الطفل عادة لا يُقدِّر معنى الأمانة ولا يحترم المسؤولية، لذا يجب على الآباء والأمهات أن يدربوا أطفالهم على الصوم وأن يحببوا إليهم ذلك بالرفق واللين، ويجب على الآباء والأمهات أن يتدرجوا عند تدريب أطفالهم على الصيام وليكن هذه التدرج على النحو التالي:

1- عند وصول الطفل إلى سن سبع سنوات يمنع عنه الطعام والشراب لمدة ثلاث ساعات يوميا، ويفضل أن تبدأ هذه الفترة من العصر وحتى الإفطار، على أن يتم ذلك مرة واحدة أو مرتين كل أسبوع.

2- وفي الثامنة من عمره يبدأ الطفل في صيام ثلاث ساعات كل يوم طوال شهر رمضان.

3- وفي التاسعة من عمره يمكن مد فترة الصيام من الصباح وحتى أذان العصر على أن يكون ذلك يوما بعد يوم.

4- وفي سن العاشرة يدرب الطفل على صيام ثلاثة أيام كل أسبوع صوما عاديا أي منذ الفجر وحتى أذان المغرب.

5- وفي العام التالي، عندما يبلغ سن الحادية عشرة، يكون الطفل قادرا على صيام أيام الشهر الكريم كلها منفذا لأوامر الله في قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183).

بهذا نجعل الطفل مخلوقا يرقى نحو الخير والتقوى والصلاح ويصبح فردا سويًّا في هذه الحياة.

تصميم وتطويركنون