المقال

البشارة والتهنئة بالمولود { رؤية اسلامية تحليلية }

163 | 29-11-2014

بسم الله الرحمن الرحيم


البشارة بكسر الباء , الإسم من بشر , وهو الخبر السار الذى يؤثر فى بشرة الوجه ، والجمع بشارات وبشائر[1] .

أما التهنئة فهى المباركة للشخص بخبر أصابه ، خلاف التعزية ، أو هى مواجهة من أصابه خير بالسرور مع الدعاء له بالإستمتاع بهذا الخبرالمرجع [2] .

بقول إبن القيم : " إن فاتته البشارة إستحب له التهنئة ، والفرق بينهما أن البشارة إعلام له بما يسره والتهنئة دعاء له بالخير فيه بعد أن علم به ، ولهذا لما أنزل الله توبة كعب بن – مالك وصاحبيه ، ذهب إليه البشير ن فبشره ، فما دخل المسجد جاء الناس فهنئوه [3] .

ولا جرم أن الأولاد هبة من الله تعالى يمنحهم من يشاء ، ويحجبهم عمن يشاء ، ويسلبهم ممن يشاء ، فهم عطية الله وفضله ، يتفضل بهم على عباده ، وأى فضل هو ، إنه الإنسان ، الذى خلق الله تعالى الأرض من أجله ، وسخر الكون لخدمته ، وأخرج بسببه إبليس من رحمته ، وجعل بعض الملائكة لراحته ، وفوق ذلك كله فهو الذى نفخ فيه من روحه ، ليكون له بذلك التكريم والتشريف على سائر المخلوقات .

ترتيباً على تلك المكانه وذلك الفضل ، فقد وجه الله عباده إلى الإحتفاء بالإنسان الجديد ، بأنه سبحانه وتعالى قد بشر بعض أنبيائه بقدوم أبنائهم ، ولم يرسل سبحانه وتعالى فى ذلك الملك الموكل بالوحى فقط ، كما يفعل فى الرسائل الإلهيه إلى الأرض ، بل أرسل وفداً من الملائكة لتتم بهم البشارة ويحصل المقصود ، وهو غاية التكريم والتعظيم ، قال تعالى : " فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ " { سورة آل عمران : 39 } ، وقال تعالى : " وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ " { سورة هود : 77 } ، وقال تعالى : " يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا " { سورة مريم : 7 } ، وقال تعالى : " فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ " { سورة الصافات : 101 }، وقال تعالى : " وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ " { سورة الذارات : 28 } ، وقال تعالى : " وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) " { سورة الحجر : 51 – 56 }

وفى التكرار السابق على هذا النحو فى أكثر من موضع ، دلالة قوية على شرف هذا السلوك وإستحبابه وفائدتة العظيمة .

أما ما ورد بخصوص كيفية التهنئة والفاظها ، فقد نقل النووى فى الأذكار وإبن القيم فى التحفة عن الحسن البصرى : أن رجلاً جاء إليه ، وعنده رجل قد ولد له غلام ، فقال له : يهنيك الفارس ، فقال له الحسن : ما يدريك فارس هو أم حمار ؟ قال : فكيف نقول ؟ قال : قل بورك لك فى الموهوب وشكرت الواهب ، وبلغ أشده ، ورزقت بره .

فلم تتعد التهنئة الدعاء للمولود وللوالد أيضاً ، وفى ذلك سمواً ورفعة عن التهانى الجاهلية ضيقة المعنى إحادية الدلاله ، وهذا هوسمت الإسلام فى كل شئونه الإجتماعية ، فهو يرجو بالدعاء ليس ثمة السرور فقط ، بل ودوام الخير وإستمراره ، كذلك تأخذ التهنئة صفة العبادة ، حين تأخذ إسلوب الدعاء ، وهذا هو الذى يكسبها ميزة حيث الإخلاص والتجرد .

ولما كان الترابط الإجتماعى مقصد سامى من مقاصد وغايات الشريعة الإسلامية ، فلم يكن لها أن تهمل هذا الحدث الجليل ، دون إستغلاله فى تعميق هذه الغاية النبيلة التى يبتغيها الإسلام للبشرية جمعاء ، فإنه وجة المسلم وحبب إليه مبادرة أخيه بالبشارة ، إدخالاً للسرور عليه ، فإن الإنسان بلا ريب يستبشر بمن يبشره بالأخبار الحسنة التى تسره .

ويشير الأخصائيين النفسيين ، أن الإنسان يربط فى عقله الباطن بين الصور والأشياء أو الأشخاص ، بإتجاه إيجابى أو سلبى على حسب الموقف المصاحب ، ويربط طبقاً لما سبق بين البشارة والمبشر بالخير والتفاؤل ، وفى ذلك دافع كاف للمحبة والأنس .
ومن فاتته البشارة فلازالت التهنئة والدعاء بالخير بديلاً، فهى من قبيل التعاون فى الخير ، والتفاعل الإجتماعى البناء ، ولها أثر معلوم فى نبذ الحقد والكراهية من النفوس ، وطرح العداوة من القلوب إن أوغل الشيطان بين القلوب ، لان الإنسان يأنس ويألف بمن يشاركه أفراحه وأطراحه ومن يبادره بالخير والحبور .

ومن روافد هذا السلوك الإجتماعى القويم ، التطهر من شح النفس الذى حذرنا الله ورسوله منه وأنه أصل لكل شر إجتماعى حاصل ، فتمنى الخير للأخرين مع الإخلاص والتجرد ، إطلاق للنفس من الأثرة المقوتة التى تجعل الإنسان أسير نفسه ، لايعبأ بمن حوله ، بل يتمنى لنفسه الخير ولا يتمناه للأخرين .

ولا يفوتنا فى هذا المقام أن نوضح أن البشارة والتهنئة لايقتصر على نوع دون أخر ، بل الأمر يعم الذكر والأنثى ، قال تعالى : " يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ..... " { سورة الشورى : 49 } ، خلافاً لما كان عليه العرب فى جاهليتهم من التهنئة بالأنثى دون الذكر بقولهم " بالرفاء والبنين " .

وفى ذلك إنتصاراً للإنسانية ، فالتكريم الحاصل يشمل كلا الجنسين ، وكلاهما منوط بأدوار يؤديها لخدمة الإنسانية جميعاً ، فالأفضلية فى الإسلام لمن أدرك دوره فى الحياة الدنيا وأداه بإقتدار على الوجه المنوط به .

أما ما يحدث فى بعض المجتمعات المعاصرة من التفاؤل بجنس على حساب الأخرين فهى ردة جاهلية قد قهرها الإسلام ومحاها ، وعودة لعصور بائسة عانت خلالها البشرية من تخلف وظلم وقهر ، إنتصر الإسلام عليهاومحاها .

وفى تبادر المسلمين بين مهنئ ومبشر بعضو جديد فى المجتمع المسلم خاصة والمجتمع الإنسانى عامة ، دون إعتبار بنوعه وجنشه ، يكون هذا السلوك دافعاً قوياً وحافزاً مثيراً فى الإقبال على هذا المولود والإحسان إليه وقيام المجتمع بواجبهم تجاهه من هالتربية والتقويم .


----------------------------------
[1] [ معجم لغة الفقهاء ، جـ 1 ، صـ 107 ] .
[2][ مرجع سابق ، جـ1 ، صـ 149 بتصرف يسير ] .
[3] [ تحفة المودود بأحكام المولود صـ 20 ] .

تصميم وتطويركنون