المقال
استخدام الفتاة لمواقع التواصل الاجتماعي : التويتر ، الفيسبوك بين الضرورة العصرية والمخالفات الشرعية
لا ريب أن هذا العصر عصر الثورة المعلوماتية ، مدّ حبال الصلة بين الناس ،
وقطع ما بينهم من مسافات ، وسهّل نشر العلوم والثقافات ، فوجدت الفتاة فيه
مجالاً خصباً للمشاركة في البحث والتعليم عن بعد ، ونشر المعرفة من خلال
نشر المقالات ، وإدارة الحوارات ونحو ذلك .
فهي الآن تشارك في الطرح والكتابة عبر المواقع الاجتماعية (الفيسبوك) ، و(التويتر)
وغيرها ، ولا بد من الإشادة هنا بالأقلام النسائية الراقية التي انتفع منها
الكثير ، مغدقة القراء بالعلم النمير ، والفكر المستنير ، ومع ذلك كله إلا
أنه يوجد في صفو تلك المشاركات ما يعكره ، فكان من الواجب الإشارة لبعض
الأمور وبيان المكدرات فيها ، ومن ذلك :
1- الأحاديث بين الجنسين :
إن الأصل في محادثة المرأة للرجل والعكس أن لا يكون ذلك إلا لحاجة ، فإن لم
يكن ثمّ حاجة منعت .
ويدل على ذلك قوله تعالى : " وإذا سألتموهن متاعاً
فاسألوهن من وراء حجاب ".
قال ابن العربي في تفسيره : ( وهذا يدل على أن الله أذن في مساءلتهن من
وراء حجاب في حاجة تعرض ، أو مسألة يستفتى فيها )
وقد نص الفقهاء رحمهم الله على المنع من التكلم مع المرأة الشابة خشية
الفتنة، ما لم تكن هناك ضرورة أو حاجة ، فقال صاحب بريقة محمودية: ( التكلم
مع الشابة الأجنبية لا يجوز بلا حاجة لأنه مظنة الفتنة) .
كما نصوا على حرمة ابتداء الشابة الرجل الأجنبي بالسلام ، وكذا ردها عليه ،
قال صاحب كشاف القناع: ( وإن سلم الرجل عليها -أي على الشابة- لم ترده
دفعاً للمفسدة ). وعللوا ذلك بأن ردها عليه أو ابتداءها له يجعل له فيها
مطمعاً .
ونصوا أيضاً على أنه لا يشرع لها تشميت العاطس من الرجال الأجانب ، ولا
يشمتها هو ، فقد ذكر ابن الجوزي في أحكام النساء أن رجلاً كان عند الإمام
أحمد ، فعطست امرأة الإمام أحمد ، فقال لها العابد : يرحمك الله ، فقال
الإمام أحمد : عابد جاهل .
بل وأكثر من ذلك كره الفقهاء للرجل أن يعزي المرأة الشابة عند موت قريب لها
مالم تكن من محارمه ، سداً لباب الفتنة ، ودفعاً للمفسدة ، فتعزية الرجل
للمرأة أو العكس قد يكون فيه مدخل للشيطان ، ولهذا نص العلماء على أن الرجل
لا يعزي المرأة الشابة إلا أن تكون من محارمه . وأما المرأة كبيرة السن ،
فقد رخص في تعزيتها بعض العلماء ، لأنها ليست كالشابة في خشية حصول الفتنة
بها ، ومع ذلك : فالأفضل ترك تعزيتها أيضاً . جاء في "الغرر البهية" : "لا
يعزي الشابة من الرجال إلا محارمها وزوجها".
وفي "حاشية ابن عابدين" رحمه الله : قال في شرح المنية : " وتستحب التعزية
للرجال والنساء اللاتي لا يفتن.." .
وقال سحنون رحمه الله في مواهب الجليل : " ولا تعزى المرأة الشابة وتعزى
المتجالة [أي : كبيرة السن] , وتركه أحسن".
وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني : " لا يعزي الرجلُ الأجنبي شواب
النساء مخافة الفتنة " .
ولا يخفى أن التعزية تكون في حالٍ من تألُّم النفس وانقباضها ، وذلك كفيل
بأن يشغل المرء عن التفكير في الشهوات التافهة ، فكيف بغير تلك الحال ؟!
فهذا بيان بأن الحديث بين الطرفين إنما يشرع للحاجة ، ومتى شُرع فإنه لا بد
أن يكون قولاً فصلاً لا خضوع فيه كما قال تعالى : " فلا تخضعن بالقول فيطمع
الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً " . قال الطبري في تفســـــيره : (
خضوع القول ؛ ما يكره من قول النســـاء للرجال مما يدخل قلوب الرجال ) .
وقال القرطبي في تفســــــيره : (أَمَرَهُنَّ
اللَّهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُنَّ جَزْلًا وَكَلَامُهُنَّ فَصْلًا، وَلَا
يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ يُظْهِرُ فِي الْقَلْبِ عَلَاقَةً بِمَا يَظْهَرُ
عَلَيْهِ مِنَ اللِّينِ ) ؛ أي يكون كلامهن مختصراً قدر ما يفي
بالحاجة ، بيناً واضحاً يفصل بين الحق والريبة ، ولا يكون على وجه يحدث في
قلب الرجل شيئاً ، فيطمع فيها .
فلابد أن تعلم الفتاة أن حديثها له أثر على الرجال ، لا يقل خطراً عن النظر
المحرم إليها ، ومصداق ذلك ما جاء من تغزل بعض الشعراء بقوله :
يا
قوم أذني لبعض الحي عاشقة --- والأذن تعشق قبل العين أحياناً
قالوا لمن لا ترى تهوى فقلت لهم --- الأذن كالعين توفي القلب ما كانا
وقديماً كان يقال : الحب أوله السماع ثم النظر ؛ كما أن أول الحريق الدخان
ثم الشرر ، فحديثها مع الرجل وإن كان كتابة فهو محفوف بالمخاطر، ويخشى عليه
وعليها الفتنة ، لأن النفوس البشرية قد جبلت على حب من كثرت محادثته
ومباسطته ، كما أن كثرة المساس تذيب الإحساس ، يضاف إلى ذلك أن الإنسان
عندما يتعامل مع الشخص الذي يراه فإن الحواس تستحي ، أما إذا كان لا يراه
فإن ذلك مظنة جرأة أكثر ، فيخشى أن يكون ما يحدث بين الشباب والفتيات من
محادثة عبر الإنترنت تحت غطاء الدعوة إلى الله أو التذكير بالله أو
المناقشات العلمية بريداً إلى ما لا يرضي الله تعالى ؛ ذلك أن للحديث
انعكاسات خطيرة تتسلل إلى النفس مع نزعات إبليس ، وخطواته الخفية التي حذر
الله تعالى منها بقوله : " لا تتبعوا خطوات الشيطان
" فيجب تجنبها .
فيتلخص مما تقدم ضرورة انضباط حديث الأجنبية مع الأجنبي ، أو العكس بالحاجة
، وفي حدود ضيقة ، وفي دائرة القول المعروف ، فإن في ذلك قياماً بالمأمور ،
ودرءاً للمحظور ، وصيانة للمجتمع ، وسداً لباب الفتنة .
2- حديث الفتاة عن يومياتها ، وتصوير حياتها لمن يقرأ ، ووضع صورٍ لبعض
متاعها كسريرها أو هدية قدمت لها ونحو ذلك :
إن الخيال قد يكون أحياناً أقوى في إثارة الشــهوات من العيان ، والقرآن
يغلق الطريــق إلى ذلك كله بقوله تعالى : " ليعلم ما يخفين من زينتهن " .
قال ابن عاشور عند تفسير هذه الآية : ( وهذا يقتضي النهي عن كل ما من شأنه
أن يذكر الرجل بلهو النساء ، ويثير منه إليهن من كل ما يرى أو يسمع ) .
وقد تحتقر الفتاة مثل هذه الأمور ، وتستبعد إثارتها شيء في نفس الرجل ، وقد
ورد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ ظَاهَرَ مِنْ
امْرَأَتِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي
ظَاهَرْتُ مِنْ امْرَأَتِي فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ،
فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ ؟ قَالَ: رَأَيْت
خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ، قَالَ: فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى
تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ » رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا
أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ . فلو تأملت الفتاة الحديث لوجدت
الزوج فتن بزوجته لا بامرأة أجنبية ، وما الذي فتنه وحمله على الوقوع عليها
وقد ظاهرها قبل التكفير ؟ " خلخالها في ضوء القمر " . وأين موضع الخلخال من
امرأته ؟ موضعه القدم !
إن فتنة النساء من أعظم الفتن وأكثرها خطراً وضرراً ، كما ورد في الصحيحين
وغيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : " ما
تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".
وروى مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " فاتقوا الدنيا واتقوا
النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" .
3- إضافة حساب المنشدين والممثلين ومتابعة تغريداتهم :
إضافة الفتاة لحساب منشد أو ممثل لا يخلو من أمرين : إما أن تتابع ما يكتب
دون أن تتحدث معه ، أو تتابع وتتحدث معه ، فإن كان الأول فإن النفس ضعيفة ؛
كما قال تعالى بعد أن بيّن ما أحل لعباده من الزوجات والإماء وما حرم عليهم
: " يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً " نعم ضعيف ! لا يصبر تجاه
العاطفة ، فعلام تعرض الفتاة نفسها للتعلق برجل والافتتان به ؟ قال ابن
الجوزي : ( وقد يتعرض الإنسان بأسباب العشق ، فيعشق ؛ فإنه قد يرى الشخص ،
فلا توجب رؤيته محبته ، فيديم النظر والمخالطة ، فيقع فيما لم يكن بحسابه )
. وهكذا الفتاة قد ترى المنشد أو الممثل فلا توجب رؤيته شيئاً في نفسها ،
فتديم متابعة ما يكتب ، فتقع فيما لم يكن بحسابها .
فإن لم يحدث التعلق به فأي فائدة ترجى من ذلك غير اتباع هوى النفس ؟ وقد
شبه سبحانه من اتبع الهوى بأردأ الحيوانات صورة ومعنى ، فقال تعالى : "
ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب " ، فعلى الفتاة العاقلة
أن تتفكر في أنها لم تخلق لاتباع الهوى ، بل لأمر عظيم لا تناله إلا بمعصية
هواها ؛ كما قيل :
قد هيؤوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل .
وإن كان الثاني وتحدثت معه ، فقد مدت يدها لفتح باب من الفتنة قد يصعب
عليها إيصاده .
4- إضافة معرف لإحدى الزميلات ، والثناء عليها ووصفها بصفات شخصية أو خلقية
:
ورد في الحديث الصحيح " لَا تُبَاشِرِ الْمَرْأَةُ
الْمَرْأَةَ، حَتَّى تَصِفَهَا لِزَوْجِهَا، كَأَنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا
" . وإنما نهي عن ذلك ؛ لئلا َيتَعَلَّق قلب الرجل بهَا فيَقَع
الافتتان بالموصوفة .
ولا يخفى أن الحديث في المواقع الاجتماعية "التويتر" و"الفيسبوك" عن مثل
هذه الأمور داخل في هذا النهي متى ما كان في القائمة المضافة رجال أجانب
يطلعون على ما ينشر .
5- الصور الرمزية :
لكل من يكتب في المواقع الاجتماعية صورة رمزية ، وصورة الفتاة الرمزية ما
هي إلا دليل على شخصيتها ، والفكر الذي تنتمي إليه ؛ فغالباً ما تكون
الصورة الرمزية تعبير عما في نفس الفتاة ؛ فهي حقيقة همسات القلوب ، وإليك
هذه المعادلة :
اسمك + صورتك الرمزية + خانة التعريف بالنفس = شخصيتك
ولن يكون الحديث هنا عن صور النساء المتبرجات أو شبه العاريات ؛ لأني على
يقين من أن فتياتنا الواعيات بعيدات كل البعد عن ذلك ، ولكن الحديث سيكون
عن بعض الصور الرمزية التي تتهاون في وضعها بعض الفتيات كقلوب الحب ، وصور
فتيات مرسومة ، ولو كانت من شخصيات الرسوم المتحركة ، فما سبب وضع مثل هذه
الصور ؟ حقيقة لن يتجاوز السبب أحد أمرين : جمال الصورة ، أو جذب القراء
لها .
فإن كان السبب جمالها ، ففي الصور الجميلة التي لا تحرك ساكن نفس الرجل ما
يغني عن ذلك ، وإن كان لجذب القراء لها وفيهم الرجال ، فقد جمعت بين سوء
القصد وسوء الفعل ؛ فإن الرجل يقيّم المتحدثة من خلال هذه الصورة ، وقد صرح
بعض الرجال بأن رده على الفتاة يكون على حسب الصورة ؛ فإن كانت الصورة
جذابة فرده سيكون إيجابياً ، والعكس صحيح .
6- نقل ما قيل وقال دون تثبت :
والحديث عن هذا على فروع ثلاثة :
( الأول ) : نقل الأحاديث المكذوبة أو
الضعيفة ، وفي الحديث الصحيح «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ
مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» .
( والثاني ) نقل الفتوى دون مصدر صحيح ، وقد
قال تعالى : "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام " .
( والثالث ) نقل الأخبار التي تثير الفتن ،
وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
" تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَمَا بَطَنَ " . حديث صحيح ، وأثنى _ صلى الله عليه وسلم _
في الحديث الصحيح على من يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ ، كما أن ذلك
مخالف لقوله _ صلى الله عليه وسلم _ : " مَنْ كَانَ
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ
لِيَصْمُتْ" حديث صحيح .
فعلى الفتاة أن تتحرى في كلامها وتتقي الله عز وجل فيما تنقل ، وتترك سياسة
الإمعة ، وسياسة النسخ واللصق دون تحري .
7- الحديث في الحلال والحرام دون علم :
قد تدخل الفتاة في نقاشات علمية في المواقع الاجتماعية ، والجميع فيها يدلي
بدلوه ، فتتجرأ على التحريم أو التحليل من وجهة نظرها أثناء النقاش ،
فلتعلم الفتاة أن من أطلق لنفسه العنان في الحديث بالحلال والحرام مثله
كمثل الذي أفتى ، ولتتأمل قوله تعالى : "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع
والبصر كل أولئك كان عنه مسئولاً " ، وقوله تعالى :
" ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله
الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون "
وختاماً أسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، ويرينا
الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
كتبته : عبير المديفر
9/7/1433 هـ