المادة
الكــرم
وقد دعا الإسلام إلى الكرم والجود، وحثَّ على الإنفاق؛ لأن ذلك يؤدى إلى انتشار الحب والوئام في المجتمع، ويتلاشى الحقد والحسد من القلوب، فيسود التعاون والحب والتسامح بين أبناء الإسلام من الأغنياء والفقراء، وتقوى الصلة والمودة بينهم، ويصبحون جميعًا كالجسد الواحد، أو البنيان القوى المتين . فالله تعالى من أسمائه الكريم، فهو يعطى بلا حساب، ويغدق علينا بلا حدود .. خلقنا ووهبنا القوة والحياة، ومنحنا الصحة، وسخر لنا الأرض نأكل من خيراتها، وسخر لنا ما في الكون.. ولم يفرق الله- تعالى- في العطاء بين مؤمن وكافر .. لقد غطى كرمه الناس جميعًا . والله- تعالى- يحب الكريم من الناس ويبغض البخيل، كما يبارك في مال الكريم، ويجزل له العطاء في الدنيا والآخرة، قال تعالى : "مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(261)" (البقرة:261) · كرم النبي -صلى الله عليه و سلم- : وكان النبي -صلى الله عليه و سلم- أجود الناس وأكرمهم، لا يدع فرصة للإنفاق في سبيل الله إلا أنفق، وأعطى من ماله، وقد وصفه "ابن عباس" – رضى الله عنه- بقوله : "كان النبي -صلى الله عليه و سلم- أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه "جبريل"، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فالرسول -صلى الله عليه و سلم- كان أجود بالخير من الريح المرسلة" . (رواه البخاري ومسلم ) وبلغ من كرم النبي -صلى الله عليه و سلم- أنه كان لا يمنع شيئًا عن سائله مهما كانت أحواله المالية . · ما طابت نفس بمثل هذا إلا نفس نبي : وكان جود النبي -صلى الله عليه و سلم- مضرب الأمثال، تتآلف قلوب الناس عليه بكرمه، ويحببهم في الدخول في الإسلام، ومن أشهر قصص جوده وكرمه أنه كان يسير هو و"صفوان ابن أمية"، وكان لا يزال مشركًا، وكانت غنائم المسلمين كثيرة وعظيمة، فنظر "صفوان" إلى ناحية تمتلئ إبلاً وشياة وأطال النظر إليها، فلما رأى النبي -صلى الله عليه و سلم- ذلك قال له: - "أبا وهب يعجبك هذا" ؟ - فقال "صفوان" : نعم . - قال النبي -صلى الله عليه و سلم- : "هو لك وما فيه" . - فقال "صفوان" وهو لا يكاد يصدق : ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأسلم مكانه . وفعل النبي -صلى الله عليه و سلم- مثل هذا مع رجل جاء يسأله، فرجع إلى قومه وهو يقول لهم : يا قوم أسلموا فإن محمدًا يعطى عطاءً، ما يخشى الفاقة (أي الفقر) . (رواه مسلم ) · كرم الصحابة – رضى الله عنهم : وكان الصحابة الكرام ينفقون أموالهم في سبيل الله، ويجودون بما عندهم، كل على حسب استطاعته، وقد أنفق "أبو بكر الصديق" ماله كله في سبيل الله، والدفاع عن الإسلام، وتحرير العبيد من المسلمين ، وقام "عثمان بن عفان" بتجهيز ثلث جيش المسلمين في غزوة "تبوك"، وكان يتكون من ثلاثين ألفًا، وكذلك فعل "عبد الرحمن ابن عوف" و"عمر بن الخطاب"- رضى الله عنهم أجمعين- وغيرهم كثير. ولم يكن الفقر يمنع أحدًا من الصحابة من إكرام ضيفه، من ذلك ما رواه الإمام "مسلم" في صحيحه أن رجلاً جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه و سلم- ، فقال : إني مجهود، يقصد أنه في حاجة إلى من يعينه مما فيه من جهد وشقاء، فأرسل النبي -صلى الله عليه و سلم- إلى بعض نسائه يسألها إن كان عندها ما يمكن تقديمه إلى هذا الرجل الفقير، فقالت : - والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء . ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك، ولم يجد عند أحد من زوجاته شيئًا يقدمه إلى هذا السائل الفقير، فقال لصحابته : - "من يضيف هذا الليلة" ؟ فقال رجل من الأنصار : أنا يا رسول الله فانطلق به الرجل إلى بيته، وقال لامرأته : هل عندك شيء ؟ قالت : لا، إلا طعام أولادي. فقال لها : إذا أرادوا العشاء فنوّميهم .. فإذا دخل الضيف، فاطفئى السراج، فلما جلسوا للطعام تظاهر الرجل وامرأته أنهما يأكلان، وأكل الضيف وحده، وبات الصحابي وزوجته جائعين . فلما أصبح الصباح ذهب الرجل إلى النبي -صلى الله عليه و سلم-، فقال له : - قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة. فنزلت هذه الآية : "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ (9)" (الحشر:9) · صور الكرم : وقد حث الإسلام على الكرم في جميع صوره وأشكاله، فأمر بإكرام الضيف، وإكرام الجار، وإكرام الأهل والأقارب، وجعل إكرام الضيف حقًّا واجبًا على المسلم، ودليلاً على الإيمان الصادق والطاعة لله ، يقول النبي -صلى الله عليه و سلم- : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" . (رواه البخارى) وأكد على حق الجار، وأوصى ببره ورعاية أمره، والمحافظة عليه، فقال -صلى الله عليه و سلم- : "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه". (رواه البخارى ومسلم) ودعا إلى رعاية الأقارب، والحرص على مودتهم وصلتهم، والإحسان إليهم، والعطف عليهم، ومد يد العون إليهم، قال تعالى : "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)" (الإسراء:26) وهناك صور أخرى للكرم غير الإنفاق بالمال، مثل الكرم بالوقت، فيستطيع المسلم أن يجود بوقته في سبيل إسعاد الآخرين، ومعاونتهم، وقضاء حوائجهم، أو يجود بعلمه من أجل محاربة الجهل، ونشر الوعي بين الناس . · آداب الكرم : ويتعلق بالكرم آداب وأخلاق حرص الإسلام عليها، حتى لا يفقد الكرم معناه وقيمته، فالجود المصحوب بالأذى لا خير فيه، لأنه يؤذى المحتاج ويجرح مشاعره، وقد نبهنا الله إلى ذلك بقوله تعالى : " قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)" (البقرة:263) |
المادة السابق
| المواد المتشابهة | المادة التالي
|