المادة

ما ورد في شهر رجب

 

عبد الله بن عبد العزيز العقيل

 

السؤال: سائل يسأل عما ورد في فضل شهر رجب، وتخصيصه بصيام، أو صلاة، وهل صحيح أن الإسراء والمعراج وقعا فيه؟ وهل هو من الأشهر الحرم؟ وهل تحريم القتال في الأشهر الحرم منسوخ؟ ولم سميت أشهرًا حُرمًا؟
الإجابة: الآثار الواردة تدل على فضل شهر رجب. وهو من الأشهر الحرم بنص الحديث الصحيح الذي رواه أبو بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السنَةُ اثنا عشر شهرا منها أربعة حُرُمٌ، ثلاثة متوالية: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان" (رواه البخاري ومسلم) (1).

فالأشهر الحرم أربعة: ثلاثة سرد، وواحد فرد. قيل: إنها من سنتين أولها ذو القعدة، وآخرها رجب، أو أن أولها رجب، وآخرها محرم، وقيل: إنها من سنة واحدة أولها محرم، وآخرها ذو الحجة.

وسميت حُرُمًا لحرمتها، وحرمة الذنب فيها. قال ابن عباس: اختص الله أربعة أشهر جعلهن حرما، وعظم حُرُمَاتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، وجعل العمل الصالح والأجر أعظم (2). وقيل: سميت حرماً لتحريم القتال فيها؛ لكي يتمكن الناس من الحج والعمرة فيها. فَحَرَّم ذا الحجة لوقوع الحج فيه، وحرم ذا القعدة للسير فيه إلى الحج، وحرم محرَّمًا للرجوع فيه من الحج حتى يأمن الحاج على نفسه من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه، وحرم رجبًا للاعتمار فيه وسط السنة.

▪ واختلف العلماء في تحريم القتال في الأشهر الحرم، فالجمهور على أنه منسوخ، نص عليه الإمام أحمد وغيره من الأئمة. واستدلوا بأن الصحابة اشتغلوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم بفتح البلاد ومواصلة القتال والجهاد، ولم ينقل عن أحد منهم أنه توقف عن القتال في الأشهر الحرم.

وإضافته صلى الله عليه وسلم رجباً إلى مضر في الحديث المتقدم؛ لأنها كانت تزيد في تعظيمه واحترامه فنسب إليهم لذلك، وقيل: إن ربيعة تحرم رمضان، ومضر تحرم رجباً، وحَقَّقَ ذلك بقوله: "الذي بين جمادى وشعبان" حتى لا يبقى فيه لبس، وسمي رجباً؛ لأنه كان يُرجَّب، أي: يعظم؛ قاله الأصمعي، والفراء، وغيرهما. ومن تعظيم العرب له كثرة أسمائه عندهم، حتى قيل: إن له عندهم سبعة عشر اسماً.

ومن الأحكام المتعلقة بشهر رجب: ذبيحة رجب المسماة "العتيرة"، وبعضهم يقول لها: "الرجبية"، وهذه كانت في الجاهلية، واختلف العلماء في حكمها في الإسلام.
- فقال طائفة: إن الإسلام قد أبطلها لما في (الصحيحين) (3) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا فرع ولا عتيرة".

وأما الصلاة: فقد ابتدع فيه بعض الناس صلاة تسمى: "صلاة الرغائب" تفعل ليلة أول جمعة من رجب، وأول ما ظهرت في القرن الخامس الهجري، وقد أنكرها جمهور العلماء، وقالوا: إنها بدعة، والأحاديث المروية فيها مكذوبة، ولا يصح منها شيء باتفاق أهل المعرفة بالحديث.

وأما الصيام: فلم يرد في صيام رجب شيء بخصوصه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، إلا ما ورد في صيام الأشهر الحرم عموماً. ولهذا قال الفقهاء: يكره إفراد رجب بالصيام، وقالوا: لا يصومه كله، بل يفطر منه يوماً أو يومين. نص عليه الإمام أحمد. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام، ويقول: كلوا فإنما رجب شهر كانت الجاهلية تعظمه (4).

وأما الاعتمار في شهر رجب: فكان السلف يعتمرون فيه، ويقولون: إن العمرة مستحبة في رجب، ومنهم: عمر، وابنه، وعائشة، وغيرهم.

وأما الإسراء والمعراج: فاختلف العلماء هل وقعا في رجب أم في غيره، فقيل: إنهما وقعا في رجب ليلة السابع والعشرين منه، وقيل: في ربيع الأول، وقيل غير ذلك، فليس هناك اتفاق على تعيين الشهر الذي وقعا فيه، بل ولا تعيين السنة التي جرى فيها، إلا أنه كان قبل الهجرة، فمن قائل: إنه قبل الهجرة بسنة، كما في رواية الزهري. ومن قائل: إنه قبلها بسنة وشهرين، كما ذكره ابن عبد البر وغيره، ومن قائل: إنه قبلها بستة عشر شهراً، كما في رواية السدي.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

___________________________________________

1 - البخاري (4662)، ومسلم (1679).
2 - أخرجه ابن جرير (10/ 126)، وابن أبي حاتم (16/ 796)، وابن المنذر والبيهقي في (شعب الإيمان) كما في: (الدر المنثور) (4/ 186) من حديث معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس به. وصحح إسناده محقق: (تفسير ابن أبي حاتم)، وفي إسناده مقال.
3 - البخاري (5473)، ومسلم (1976).
4 - أخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه) (3/102) ومن طريقه: ابن كثير في: (مسند الفاروق) (1/ 285) وقال: هذا إسناد جيد.

تصميم وتطويركنون