المادة

لماذا نعمل إذا كان قد كتب علي المرء أنه شقي أم سعيد ؟

 

الشيخ أبي إسحاق الحويني

 

هذا من الخطأ والخطل الذي دخل علينا في فهم الإسلام وهذا السؤال بعينه سأله سراقة بن مالك بن جُعشُم لرسول الله_صلي الله عليه وسلم_ لما قال هذا الكلام ، كما في حديث علي بن أبي طالب وغيره" أن النبي_ صلي الله عليه وسلم _كان في بقيع الغرقد وكان يدفن جنازة وكان معه عود فجعل _صلى الله عليه وسلم_ينكت في الأرض بهذا العود وهو يقول: [ ما من نفس منفوسة إلا كتب مقعدها من الجنة ومقعدها من النار ] فقال سراقة: يا رسول الله ففيم العمل أفلا نتكل على كتابنا ؟ فقال:_ صلي الله عليه وسلم_ [ اعملوا فكل ميسر لما خُلِقَ له فمن كان من أهل السعادة فسييسر إلي عمل أهل السعادة وإن كان من أهل الشقاوة فسييسر إلى عمل أهل الشقاوة ثم تلا قوله تعالي:{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } [ الليل : 5 -10 ] .

فهناك ثلاثة أشياء هي أسباب مبذولة من العبد :[ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ ] فهذه الثلاثة المفروض على العبد أن يفعلهم، إذا بذل العبد هذه الثلاثة سيأخذ النتيجة [ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى]

{ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى }.

الإشكال أن الجماعة التي أتت بعد الصحابة أنهم فصلوا السبب عن القدر

يخرج أحدنا من بيته فموت في الطريق فيقول أنا قلت له لا يخرج لو لم يخرج لم يمت وما كان ليحدث له شيء ، لأ ، لابد أن يخرج لكي يصاب ،.

السبب جزء من القدر ليس السبب في ناحية والقدر في ناحية ، وحديث أبي خزامة في سنن أبي داود لما قال: "يا رسول الله أريت رقىً نسترقيها وأدوية نتداوى بها أترد من قدر الله شيئًا ؟ " أي أنني أخذ الدواء فيقول لو لم يأخذ الدواء لمات ، الأشخاص تحسي سمًا فأحضروا له الترياق وأعطوه حقنة حتى تحدث معادلة لهذا السم ، يحول هذا السم إلي ماء مثلا فيقول لو لم يأخذ الحقنة لمات خطأ كان لابد أن يأخذ الحقنة حتى لا يموت وهذا كلام الرسول _عليه الصلاة والسلام_ لما سئل أرأيت أدوية نتداوي بها أترد من قدر الله شيئًا ؟ أي إذا لم يأخذ الحقنة كان سيموت أو الرقية هذا الرجل لما أصيب بعين أو غير ذلك رقيناه فكأنما شط من عقال ، هل ترد من قدر الله شيئًا ؟ قال: [ هي من قدر الله ] أي هذه الأسباب والرقي والعلاج هذا من قدر الله

الإشكال جاء إلى الناس لما فصل السبب جعله في ناحية والقدر في ناحية أخري، فيقول إذا كان مكتوب علي شقي لماذا أدخل النار ؟ يدخل النار لأنه ( بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ) ولا يشك أحد قط من بني أدم أن له اختيارًا حتى لا يقول أنني مصير .

اليوم أنت مختار لما أنا أقول لك لا تخرج من هذا البيت فأنت تقول لا أنا سأخرج أنا حر أنت لا تحبسني وتكسر الأمر وتخرج ، وأريد أن أقول لك شيئًا أخر أنت عندما تدخل وتجد حرامي في بيتك لماذا تقوم بالتبليغ عنه مع أن الحرامي مكتوب في الأزل أنه سيسرق بيتك فيكون الحرامي مظلوم في هذه الحالة والزاني مظلوم والقاتل مظلوم وأي إنسان يرتكب أي خطأ على وجه الأرض مظلوم ، حينئذٍ أبطلنا الأحكام الشرعية وهذا يعني أن القرءان والسنة ليس لهم حاجة .

والله عندما أمر بجلد الزاني فالزاني مظلوم لأنه مكتوب عليه في الأجل أنه سيزني ، فعندما تبلغ في الحرامي اللص الذي دخل البيت أنت ظالم ، لو رجل اعتدي على عرضك و بلغت فيه أو قتلته فأنت ظالم وهو مظلوم ، لماذا ؟ لأنه مكتوب عليه أنه سيزني ، وهذا معناه القصة هذه باختصار معناها ضياع الدين كله وضياع الأحكام الشرعية وكأنه يقول كلامًا صريحًا إرسال الكتب عبس وإرسال الرسل عبس وهذا الكلام لا يقبله أحد مطلقًا يعقل ما يقول .

العلماء قالوا: "إن الإيمان بالقدر لا يقبل إلا مجملاً" لا تبحث فيه ولا وراءه ، لماذا ؟ لأن الحكمة لا يستطيع إنسان أن يصل إليها ، قد تصل إلى حكمه من الحكم لكن هناك مواقف لا تعلم لماذا ، تضع علامة استفهام وهذه العلامة ليس لها جواب ، واحدة من اثنين إما الإنسان يكفر بهذه القضية ويقول أن هذا الكلام ليس مضبوط ولابد أنني أقتنع ، لأ ، كثير من أحكام القضاء والقدر لا تدخل تحت فهم الإنسان .

وهناك حكاية ذكرتها منذ مدة طويلة تبين لك أن هناك حلقات في الأحداث الجارية التي قد تراها بعينيك لا يعرفها إلا الله ، فلابد إذا كنت تعتقد وهذا يجب عليك اعتقاده أن الله حكيم فلا تعترض عليه لأنك لا تدري ، فنحن ولله المثل الأعلى كبني أدم مكن تلوم إنسان أنت لماذا فعلت ذلك ؟ لماذا عملت ذلك ؟ إذا ذكر لك العذر تقول والله معذرة لم أكن أعرف أنت هكذا معذور، إذا لم يبدو لك هذا العذر لك أو هو لم يتطوع بذكر هذا العذر سيظل متهم أم لا ؟ سيظل متهم مع أن له عذرًا وأنا أضرب المثل أو أذكر هذه الحكاية من باب توضيح المراد .

فقد ذكر أبو الشيخ الأصبهاني:

أن نبياً من أنبياء بني إسرائيل كان يجلس بالقرب من بئر ماء.

فجاء رجل فارس يحتاج أن يشرب فنزل من على فرسه وشرب الماء وعندما أراد أن يخرج من البئر سقطت حافظة نقوده ولم يلتفت إليه لأنه لم يأخذ باله من الموضوع ، انطلق الفارس

فجاء راعي غنم يرد الماء فشرب وشربت الغنم فوجد الصرة فأخذها ووضعها في جيبه وانصرف.

وجاء رجل شيخ كبير في السن فشرب من البئر ثم جلس على حافة البئر يلتقط أنفاسه في هذه اللحظة بحث الفارس عن المال فلم يجد المال فقال إن النقود عند البئر فرجع إلي البئر ليلتقط المال فوجد الشيخ الكبير جالساً عند البئر فقال له أنت أخذت نقودي وخبأتها ,فقال له الرجل لم أخذ شيئًا فتنازع مع الشيخ فضربه بالسيف فقطع رقبته .

فهل هذا الرجل الشيخ أخذ النقود ؟ لم يأخذ النقود فكيف تضرب رقبته وهو لم يأخذ شيء فهو مظلوم ؟

فهذا النبي _صلوات الله عليه_ من بني إسرائيل قال يارب ضُرِبت عنق الرجل ولم يأخذ المال إنما أخذ المال الراعي فجلي لي الحكمة في ذلك فأوحى الله إليه قال إن والد الفارس أخذ هذا المال من والد الراعي فرددت المال إلى الوارث ، أعاد المال إلى مستحقه وهو الراعي ابن الراعي الذي أخذت فلوسه وإن هذا الشيخ قتل والد الفارس فاقتصصت منه .

لذلك نقول أحياناً يكون أحدُنا سائق سيارته فيصدم رجل فيقتله فيهرب ولا يقف وربما يكون هذا الرجل الذي ضربه يكون فيه الروح فيمكن أن يكون سبب من الأسباب التي قدرها الله في الأزل أنه إذا أخذ هذا الرجل يكون سببًا في نجاته مثلاً أو على الأقل يعمل ما عليه فلا يضربه ثم يتركه ينزف ولكنه ، يهرب فيمسكوه في قضية هو لم يعملها شخصُ آخر ضرب الرجل فيمسكونه علي أنه الضارب , ويقسم بالله أنه ما فعل وقد صدق حيث أنه لم يضرب هذا الشخص لكنه ضرب شخصاً أخر من ثلاثة أو أربع سنين ، فالذي هرب لابد أن يعرف أنه سيصيبه شيء بسبب هذا الكلام .

فلولا أن الله عز وجل أوحي بهذا فتوجد حلقات مفقودة نحن لا نعرفها ، فلابد أن تسلم لله عز وجل فيما قضي.

وصدق إبراهيم الحربي رحمه الله لما قال: [ من لم يؤمن بالقدر لم يتهنى بعيشه ] يظل طوال عمره في نكد لماذا هذا أغني مني ؟ لا يوجد جواب ، لماذا هذا قوي وأنا ضعيف ؟ لا يوجد جواب ، لماذا يتحكم هذا في ويحكمني ؟ لا يوجد جواب ، لماذا هذا صحيح وأنا مريض ؟ لا يوجد جواب ، في الأخر سيصاب بضغط الدم أو تصلب شرايين و في الآخر يتهم ربه أن ربنا عز وجل ليس حكمًا عدلاً وطبعًا هذا فيه من الكفران ما لا يخفي على أدنى إنسان له شيء من الفهم .

لذلك نقول لسائل هذا السؤال ومن يريد الإجابة عن هذا السؤال من ملايين الناس الذين لا يعرفون الحكمة قول إبراهيم الحربي [ من لم يؤمن بالقدر لم يتهنى بعيشه ] ، فسلم لربك تبارك وتعالي إنه العليم الحكيم

تصميم وتطويركنون