المادة
هل تقام الجمعة في السفر
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
أما الأول: فإن جمهور العلماء على أن الجمعة لا تقام في السفر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين وأصحابه كانوا يسافرون ولا يقيمون الجمعة، فهذه حجة الوداع آخر سفر سافره النبي صلى الله عليه وسلم وصادف يوم الجمعة فيه يوم عرفة، ولم يصلّ النبي صلى الله عليه وسلم فيه صلاة الجمعة، قال جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل الذي رواه مسلم في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصلّ بينهما شيئاً". ولو كانت الجمعة مشروعة في السفر لفعلها النبي صلى الله عليه وسلم لوجوب إبلاغ الدين عليه صلى الله عليه وسلم، ولو فعلها لنقل إلينا؛ لأن الله تكفل بحفظ الدين، فإذا انتفت مشروعية الجمعة في السفر انتفت صحتها وقبولها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، أي مردود، وقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة"
* وعلى هذا فإذا لم يكن في البلد التي أنتم فيها جماعة من المسلمين مستوطنون فإنها لا تقام فيها الجمعة؛ لأن المقيمين فيها من الطلاب الذين نيتهم تركها بعهد انتهاء دراستهم ليسوا مستوطنين فلهم حكم المسافرين في عدم إقامة الجمعة، بل هم مسافرون على ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لهم حكم المسافرين في كل شيء.
* أما إن كان في البلد التي أنتم فيها جماعة من المسلمين مستوطنون فإن الجمعة تقام فيها وتصلونها معهم
. وأما الثاني: فإن العلماء، أو أكثرهم إلا من شذّ، مجمعون على اشتراط العدد للجمعة، وأنها لا تصح من المنفرد، لكنهم مختلفون في قدر العدد المشترط
فمنهم من قدره بخمسين
ومنهم من قدره بأربعين
ومنهم من قدره باثني عشر
ومنهم من قدره بثلاثة
ومنهم من قدره باثنين
وهناك آراء أخرى، وليس في المسألة دليل ظاهر لترجيح هذه الأقوال بعضها على بعض
* وأقرب الأقوال تقديرها بثلاثة: خطيب، ومستمعين اثنين، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله وقول الأوازعي إمام أهل الشام في عصره رحمه الله
وعلى هذا فإذا كان في البلد التي أنتم فيها ثلاثة فأكثر من المسلمين مستوطنون فأقيموا الجمعة وإن لم تبلغوا أربعين، أما إن كان المستوطنون من المسلمين لا يبلغون ثلاثة فلا تقيموا الجمعة
. وأما الثالث: فموضع خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: لا تقام في غير البلاد الإسلامية؛ لأنها ليس فيها سلطان مسلم ولا نائب عنه؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم الجمعة في مكة مع استيطانه فيها قبل الهجرة، ومن العلماء من قال: تقام في غير البلاد الإسلامية وليس من شرطها السلطان أو نائبه؛ لأنه لا دليل لذلك، وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقمها بمكة فالجمهور من أهل العلم على أن الجمعة لم تفرض إلا بعد الهجرة. وعلى تقدير أنها فرضت قبلها فالنبي صلى الله عليه وسلم بمكة لا يتمكن من إقامتها لما علم من معارضة المشركين له
* وعلى هذا فيكون القول الراجح إقامة الجمعة في غير البلاد الإسلامية إذا أمكن ذلك وكان في البلد جماعة من المسلمين مستوطنون ثلاثة فأكثر، والمستوطن من اتخذ البلد موطناً ومستقرّاً لا من أقام فيه لغرض ونيته أن يفارقه إذا انتهى غرضه سواء كان الغرض دراسة أم غيرها