المادة
شباب يجلسون في استراحة وبينهم وبين المسجد تقريباً كيلو
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
أنشأ الناس ما يسمى بالاستراحات وفيها شئ من الأشجار والنبات، وصاروا يجلسون فيها من بعد صلاة العصر إلى منتصف الليل، أو قريبا من منتصف الليل، والغالب أنهم لا يحصلون على فائدة إلا مجرد ضياع الوقت، وأنس بعضهم ببعض وما أشبه ذلك، وقد تشتمل هذه الجلسات على شئ مُحرم، فقد سمعنا أن في بعض هذه الاستراحات توضع الدشوش التي لا يشك أحد اليوم في أنها تفسد الأخلاق وتدمر الأديان، لأنها تلتقط ما يبث في البلاد الفاسدة من بلاد الكفر وغيرها فيكون عندهم هذا الدش، ثم يبقون يشاهدون ما يجلبه من المفاسد والمناكر، لأنهم يمارسونها ويشاهدونها، ومن المعلوم أن من اعتاد على شئ هان عليه، ويقال في المثل السائر: -مع كثرة الإمساس يقل الإحساس-.
فهذه الاستراحات والأحواش يحصل فيها مثل هذه المفسدة، ويحصل فيها مفسدة أخرى، حيث يترك مرتادوها الصلاة مع الجماعة، فتجد هذا المكان قريباً من مسجد، يمكن أن يذهبوا إليه بكل راحة، فليسوا كالذين يكونوا في دائرة عمل، لو خرجوا إلى المسجد تفرقوا وتوزعوا وتعطل العمل، أو في المدرسة لو خرج الطلاب إلى المسجد لانتشروا في المسجد، وأساءوا إلى المسجد، أو تفرقوا إلى أهليهم ولم يصلوا، يعني: نحن لو عذرنا أصحاب المكاتب وأصحاب المدارس، إذا صلوا في مدارسهم ومكاتبهم، لم نعذر هؤلاء، لأن هؤلاء عدد محصور يمكن أن يذهبوا جميعاً ويرجعوا جميعاً
فلا عذر لهم فيما نرى، بترك الصلاة في المساجد حتى لو صلوا جماعة، فإن ذلك لا يكفي في حضور المسجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجل فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار"، هؤلاء القوم الذين لا يشهدون الصلاة همَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرق عليهم بيوتهم علناً مع احتمال أن يقيموا الجماعة فيها، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يحضروا إلى المسجد، وقال صلى الله عليه وسلم للرجل حين استأذنه في ترك الحضور، قال "هل تسمع النداء؟" قال: نعم، قال "فأجب"، فهؤلاء وأمثالهم يجب عليهم أن يصلوا في المسجد ثم يرجعوا إلى مكانهم.
وكذلك أوجه النصيحة إلى مَن يضع الدش في هذه الاستراحات، وأقول له اتق الله في نفسك، ولاتكن سبباً لفساد الأخلاق، ودمار الأديان، بما يشاهد في هذه الدشوش، كما أنني بالمناسبة أحذر صاحب كل بيت من أن يضع في بيته مثل هذا الدش، لأنه سوف يخلفه بعد موته، فيكون وبالاً عليه في حياته وبعد مماته، وإني أسأل واضع الدش في بيته وهو يرى هذه المناكر التي تبث منه، هل هو بهذا ناصح لأهل بيته أو غاش لهم؟والجواب ولابد أنه غاش، إلا أن يكون ممن طبع الله على قلبه فلا يحس، لكن سيقول: أنه غاش، فأقول له: اذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم "ما من عبد يسترعيه الله رعية فيموت حين يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة".
فأنت الآن إذا مت وقد وضعت لأهلك هذا الدش الذي لا يشك أحد أنه غش في البيت، لأن البيت فيه نساء، وفيه سفهاء صغار، لا يتحاشون الشيء المحرم، فأنت بهذا من يموت وهو غاش لرعيته، فتكون أهلاً للوعيد الشديد الذي جاء في الحديث، من الأسد، وإلا فكيف يليق بالإنسان أن يدمر أخلاقه وأخلاق أهله، نسأل الله العافية.
أما ضياع الوقت من صلاة العصر إلى قريب منتصف الليل دون فائدة، فلا شك أن ذلك قد يفضي إلى المنكرات العظيمة من الغيبة والنميمة، وضياع الصلوات والاجتماع على الغناء والموسيقى وغيرها من المحرمات، فلو أنهم استغلوا هذه الأوقات في بعض الألعاب النافعة، أن يكون عندهم مسبح مثلاً يتعلمون فيه السباحة أو يتعلمون الرماية بالبنادق الصغيرة، أو يتسابقون أو يستغلوا هذا الوقت في قراءة ما تيسر من كتب العلم النافعة، أو القصص الهادفة للخير، أو أهم من ذلك كله أن يقرءوا القرآن وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين