المادة
ما الحكم فيمن يصلي في رمضان فقط؟
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
لا ريب أن الذي يفعل هذا الفعل على خطر عظيم، لأنه لا يفيده صيام رمضان شيئاً، وذلك لأن من لا يصلي فهو كافر -والعياذ بالله-، والدليل على كفره من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإجماع الصحابة رضي الله عنهم
. أما في القرآن فإن الله تعالى يقول: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}، فجعل الأخوة في الدين لا تكون إلا بهذه الأمور الثلاثة: التوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ومقتضى هذا أنه إذا فقد واحد من هذه الثلاثة فقدت الأخوة في الدين، والأخوة في الدين لا تفقد إلا حيث يفقد الدين، فإن المعاصي وإن عظمت لا تفقد بها الأخوة في الدين، قال الله تعالى في آية القصاص فيمن قتل أخاه المؤمن عمداً قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}، وقتل المؤمن من أعظم الذنوب وأكبرها، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"، وقال تعالى: {وإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}، فدل هذا على أن الأخوة الإيمانية باقية مع المعاصي، وأنها مع الكفر لا تبقى، وعلى هذا ففي آية التوبة التي صدرنا بها الجواب دليل على كفر تارك الصلاة.
وقد يقول قائل: كفروه بترك الزكاة.
فنقول: لولا حديث أبي هريرة الذي في صحيح مسلم في عقوبة تارك الزكاة، وأنه قال عليه الصلاة والسلام: "ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار"، لقلنا بكفر تارك الزكاة كما قال به بعض أهل العلم وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
. وأما السنة فقد دلت أيضاً عل كفر تارك الصلاة مثل قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم رحمه الله من حديث جابر رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة"، وفي حديث بريدة الذي في السنن: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".
وقد نقل بعض أهل العلم إجماع الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة.
وعلى هذا فنقول: هذا الذي لا يصلي وهو يصوم لا ينفعه صومه، لأن من شرط صحة الصيام: الإسلام، وتارك الصلاة ليس بمسلم فلا ينفعه صوم ولا زكاة، ولا حج، بل ولا يجوز له دخول المسجد الحرام وحرم مكة ما دام على تركه الصلاة، لأنه والعياذ بالله مرتد خارج عن الإسلام ويترتب على ترك الصلاة إضافة لما ذكرنا من عدم قبول أعماله الصالحة يترتب عليه إنه إن كان ذا زوجة فإن زوجته ينفسخ نكاحها منه، وكذلك لا يجوز لأحد أن يزوجه ما دام لا يصلي، وإذا مات فإنه لا يجوز أن يغسل، أو يكفن، أو يصلى عليه، أو يدفن في مقابر المسلمين، بل الواجب على أهله الذين يعلمون منه أنه لا يصلي إذا مات أن يخرجوا به بعيداً ويحفروا له حفرة فيدفنوه فيها، لأنه ليس من المسلمين -نسأل الله العافية- كما أنه أيضاً إذا مات على هذه الحال فإن أقاربه لا يرثون منه ولا يحل لهم أن يرثوا شيئاً من ماله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح حديث أسامة بن زيد: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم"، وهذا عام في الكافر الأصلي والكافر المرتد، ثم إن تارك الصلاة إذا مات على ذلك فإنه يدخل النار والعياذ بالله، ويخلد فيها كما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن من لم يحافظ عليهن -أي الصلوات الخمس- لم تكن له نوراً ولا برهاناً، ولا نجاةً يوم القيامة وحشر مع فرعون، وهامان، وقارون، وأبي بن خلف".
فالمسألة خطيرة في ترك الصلاة، ولكنه للأسف الشديد أن كثيراً من المسلمين اليوم يتهاونون بالصلاة فيتركونها عمداً بدون عذر شرعي، ثم يتصدقون وينفقون ويحجون وهذه كلها وكل الأعمال لا تقبل مع الكفر، قال الله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ}، فنصيحتي لإخواني أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، وأن يعودوا إلى دينهم فيقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}.
وهكذا أيضاً من يفرط في الوضوء فلا يتوضأ ويصلي بغير وضوء، أو يفرط في الاستنجاء فلا يستنجي، فإن بعض الناس يبول أو يتغوط ثم يقوم بدون استنجاء ولا استجمار شرعي، فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما: فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة"، فأخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: "لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا"، والله المستعان