المادة

رقية لعلاج الثآليل من رجل يزعم أنه على السنَّة ، وتفصيل مهم حول الرقى

130 | 13-02-2017

السؤال: في أحد المجالس مع بعض طلبة العلم طرح موضوع حول رقية لشفاء " الثآليل " التي تظهر في الجسم ، وقد نقل الأخ الذي طرح الموضوع عن بعض الرقاة أنهم كانوا يفعلون هذه الرقية عند من عُرف متابعته للسنَّة ، ومحاربة البدع ، مع سكوته عنها ، وقد استشكل علينا بعض من ألفاظ ، وأفعال هذه الرقية ، والتي يقول الراقي فيها : " يا أيها النبوت في الجسم الذي يموت , أسألك بالذي لا يموت " فيقول عند ذلك هو والمرقي : " موت ، موت ، موت " ، ويقوم أحدهم عند ذلك بقص قشة مع الحرص على عدم وقوعها على الأرض ، ثم تؤخذ وتدفن . فنسأل فضيلتكم عن هذه الرقية ، والحكم الشرعي لها مع مخاطبة الجماد " النبوت " ، وقص القشة ، فهل هذا مشروع أم محظور ؟ . أفتونا ، فقد أشكل علينا الأمر.

الجواب :

الحمد لله
أولاً:
الرقية : هي التعويذ بقراءة القرآن والأدعية النبوية والأذكار ، لحفظ الصحة ، ودفع المرض .
وهذه هي الرقية الشرعية ، وثمة رقية محرَّمة ، وهي ما كان فيها استعمال نجاسات ، أو تمتمات ، أو ألفاظ شركية ، أو استغاثة بغير الله ، وما كان فيها كلام ليس له معنى .
وينظر جواب السؤال رقم : (13792) لزيادة التفصيل .
ثانياً:
الرقية الشرعية يمكن استعمالها وقاية ، وعلاجاً لجميع الأمراض والأوجاع ، وهكذا كان هديه صلى الله عليه وسلم في استعمالها ، ومما يدل على ذلك :
1. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ قَالَ : ( أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا ) .
رواه البخاري (5351) ومسلم (2191) .
2. عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ مِنْهُ أَوْ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ أَوْ جُرْحٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا - وَوَضَعَ سُفْيَانُ سَبَّابَتَهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَهَا - : ( بِاسْمِ اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا لِيُشْفَى بِهِ سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا ) .
رواه البخاري (5413) ومسلم (2194) .
قال الشيخ أبو العباس القرطبي – رحمه الله - :
وقوله : " كان إذا اشتكى الإنسان مِنَّا ، أو كانت به قرحة ، أو جرح " : يدل على جواز الرُّقى من كل الأمراض ، والجراح ، والقروح ، وأن ذلك كان أمراً فاشياً بينهم ، معمولاً به عندهم. " المفهم لما أُشكل من تلخيص كتاب مسلم " (5 / 579) .
وبه يُعلم أن ما ورد في الحديث الذي يحصر الرقية في علاج العين ، والحُمة : أنه ليس على ظاهره المراد منه الحصر .
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ ) .
رواه داود ( 3886 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
الحُمة : لدغة ذوات السموم ، من العقارب ، والحيَّات ، وغيرهما .
قال الخطابي – رحمه الله - :
وليس في هذا نفي جواز الرقية في غيرهما من الأمراض والأوجاع ... ، وإنما معناه : أنه لا رقية أولى ، وأنفع من رقية العيْن ، والسم ، وهذا كما قيل : " لا فتى إلا علي " ، و " لا سيف إلا ذو الفقار " ؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رقى بعض أصحابه من وجع كان به ، ولما ورد عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن الشفاء بنت عبد الله قالت : " دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة رضي الله عنها ، فقال لي : ( ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة ) .
" معالم السنن " (4 / 215) .
وحديث الشفاء رواه أبو داود (3887) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
و" النَّملة " : قروح تخرج من الجنب .
ثالثاً:
الرقى إن كانت من القرآن ، أو السنَّة النبوية الصحيحة ، أو الأدعية الشرعية : فلا إشكال في جوازها ، وأما غيرها مما يخترع ألفاظه بعض الرقاة ، أو يفعلونه : فلا بدَّ من عرضه على أهل العلم ليحكموا عليها بالجواز من عدمه .
ومما يدلُّ على عرض الرقى على أهل العلم ، وأن الأمر ليس على إطلاقها في الجواز ، بل لا بد من معرفة معناها ، والتأكد من خلوها من المخالفات الشرعية ، في اللفظ والمعنى :
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ : كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ : ( اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ ، لاَ بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ ) .
رواه مسلم (5862) .
والذي يظهر لنا أن ما نقله الأخ السائل عن ذلك الراقي ليس موافقاً للشرع من جهتين :
الأولى : مخاطبته للثآليل ! بأن تموت ! بذِكرٍ جماعي من المجموعة التي معه ، والتي تردد بسذاجة " موت ، موت ، موت " ! وكأن الثآليل كائنات حيَّة ، وتملك موتها .
والثاني : قص تلك القشة ، وعدم إيقاعها على الأرض ، ثم دفنها ! ، وكل ذلك من الخرافات التي لا أصل لها ، ولا تعلق – شرعاً ولا طبَّاً – بقص تلك القشة مع موت تلك الثآليل ، أو شفاء المريض منها .
وقد أغنانا الله تعالى عن هذه الخرافات لعلاج الثآليل وغيرها بما أباحه لنا من القرآن ، والأدعية ، والأذكار الشرعية ، وبما علمه أهل الطب وأهل الخبرة في علاج ذلك ، فينبغي مراجعتهم ، بدلا من مراجعة المشعوذين والدجالين .
والله أعلم

تصميم وتطويركنون