المادة

أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177].
قال الزَّمخشريُّ: (البِرُّ اسم للخير ولكلِّ فعل مُرْضِى، أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ الخطاب لأهل الكتاب؛ لأنَّ اليهود تصلِّى قِبل المغرب إلى بيت المقدس، والنَّصارى قِبل المشرق. وذلك أنَّهم أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حوَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، وزعم كلُّ واحد من الفريقين أنَّ البِرَّ التوجُّه إلى قبلته، فردَّ عليهم. وقيل: ليس البِرَّ فيما أنتم عليه، فإنَّه منسوخ خارج من البِرِّ، ولكنَّ البِرَّ ما نبيِّنه. وقيل: كثر خوض المسلمين وأهل الكتاب في أمر القبلة، فقيل: ليس البِرَّ العظيم الذي يجب أن تذهلوا بشأنه عن سائر صنوف البِرِّ: أمر القبلة، ولكنَّ البِرَّ الذي يجب الاهتمام به وصرف الهمَّة: بِرُّ من آمن، وقام بهذه الأعمال) .
- قال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة: 2].
(قوله جلَّ ذكره: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى ، البِرُّ: فعل ما أُمِرْت به، والتَّقوى: ترك ما زُجرت عنه. ويقال: البِرُّ: إيثار حقِّه سبحانه، والتَّقوى: ترك حظِّك. ويقال: البِرُّ: موافقة الشَّرع، والتَّقوى: مخالفة النَّفس. ويقال: المعاونة على البِرِّ بحسن النَّصيحة، وجميل الإشارة للمؤمنين. والمعاونة على التَّقوى بالقبض على أيدي الخطَّائين بما يقتضيه الحال من جميل الوعظ، وبليغ الزَّجر، وتمام المنع على ما يقتضيه شرط العلم. والمعاونة على الإثم والعدوان بأن تعمل شيئًا مما يُقتدى بك لا يرضاه الدِّين، فيكون قولك الذي تفعله، ويُقتدى بك (فيه) سنَّة تظهرها، و(عليك) نبُوُّ وِزْرها. وكذلك المعاونة على البِرِّ والتَّقوى، أي الاتصاف بجميل الخصال على الوجه الذي يُقتدى بك فيه) .

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
- عن الـنَّـوَّاسِ بن سمعانَ رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البِرِّ والإثم، فقال: ((البِرُّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه النَّاس)) .
قال ابن دقيق العيد: (أمَّا البِرُّ فهو الَّذي يُبِرُّ فاعلَه، ويلحقه بالأبرار، وهم المطيعون لله عزَّ وجلَّ. والمراد بحسن الخلق: الإنصاف في المعاملة، والرِّفق في المحاولة، والعدل في الأحكام، والبذل في الإحسان، وغير ذلك من صفات المؤمنين) .
وقال علي القاري: (.. ((فقال: البِرُّ)) أي: أعظم خصاله، أو البِرُّ كلُّه مجملًا ((حسن الخلق)) أي: مع الخلق بأمر الحقِّ أو مداراة الخلق، ومراعاة الحقِّ. قيل: فُسِّر البِرُّ في الحديث بمعان شتى:
ففسَّره في موضع بما اطمأنَّت إليه النَّفس، واطمأنَّ إليه القلب.
وفسَّره في موضع بالإيمان، وفي موضع بما يقرِّبك إلى الله، وهنا بحسن الخلق، وفسَّر حسن الخلق باحتمال الأذى، وقلَّة الغضب، وبسط الوجه، وطيب الكلام، وكلُّها متقاربة في المعنى...
وقال بعض المحققين: تلخيص الكلام في هذا المقام أن يقال: البِرُّ اسمٌ جامعٌ لأنواع الطَّاعات والأعمال المقرِّبات، ومنه بِرُّ الوالدين، وهو استرضاؤهما بكلِّ ما أمكن، وقد قيل: إنَّ البِرَّ من خواصِّ الأنبياء عليهم السلام، أي: كمال البِرِّ. إذ لا يستبعد أن يوجد في الأمَّة من يوصف به، وقد أشار إليهما من أُوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم بقوله: حسن الخلق؛ لأنَّه عبارة عن حسن العشرة، والصُّحبة مع الخلق بأن يعرف أنهم أسراء الأقدار، وإنْ كان ما لهم من الخلق والخلق والرِّزق والأجل بمقدار، فيحسن إليهم حسب الاقتدار، فيأمنون منه، ويحبُّونه بالاختيار. هذا مع الخلق، وأما مع الخالق فبأَنْ يشتغل بجميع الفرائض والنَّوافل، ويأتي لأنواع الفضائل، عالـمًا بأنَّ كلَّ ما أتى منه ناقص يحتاج إلى العذر، وكل ما صدر من الحقِّ كامل يوجب الشُّكر) .
- وعن ثوبانَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزيد في العمر إلَّا البِرُّ، ولا يردُّ القدر إلَّا الدُّعاء، وإنَّ الرَّجل ليُحْرَم الرِّزق بخطيئة يعملها)) .
قال السِّندي في حاشيته: (قوله: ((لا يزيد في العمر إلا البِرُّ)) إمَّا لأنَّ البارَّ ينتفع بعمره وإن قلَّ، أكثر ممَّا ينتفع به غيره وإن كثر، وإما لأنَّه يُزاد له في العمر حقيقة، بمعنى أنَّه لو لم يكن بارًّا لقصر عمره عن القدر الذي كان إذا بَرَّ، لا بمعنى أنَّه يكون أطول عمرًا من غير البارِّ، ثمَّ التفاوت إنَّما يظهر في التَّقدير المعلَّق، لا فيما يعلم الله تعالى أنَّ الأمر يصير إليه. فإنَّ ذلك لا يقبل التَّغير. وإليه يشير قوله تعالى: يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد: 39]) .
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالصِّدق؛ فإنَّ الصِّدق يهدي إلى البِرِّ. وإنَّ البِرَّ يهدي إلى الجنَّة. وما يزال الرجل يصدُق، ويتحرَّى الصِّدق حتى يُكتب عند الله صدِّيقًا. وإيَّاكم والكذب؛ فإنَّ الكذب يهدي إلى الفجور. وإنَّ الفجور يهدي إلى النَّار. وما يزال الرَّجل يكذب، ويتحرَّى الكذب حتَّى يُكتب عند الله كذابًا)) .
قال القاري: (.. ((عليكم بالصِّدق)). أي: الزموا الصِّدق، وهو الإخبار على وفق ما في الواقع. ((فإنَّ الصِّدق)). أي: على وجه ملازمته ومداومته. ((يهدي)). أي: صاحبه. ((إلى البِرِّ)). وهو جامع الخيرات من اكتساب الحسنات واجتناب السيئات، ويطلق على العمل الخالص الدَّائم المستمر معه إلى الموت. ((وإنَّ البِرَّ يهدي)). أي: يوصل صاحبه. ((إلى الجنَّة)). أي: مراتبها العالية ودرجاتها) .


عناصر المادة

روابط ذات صلة

المادة السابق
المواد المتشابهة المادة التالي

تصميم وتطويركنون