المادة
إضاءة على الصراع بين الإسلاميين والليبرالين في حادثة الشثري
تلا افتتاح جامعة الملك عبد الله بثول "كاوست" حملةٌ إعلامية شغلت الرأي العام والخاص في المملكة لفترة غير قليلة ، نتج عنها إقالة الشيخ "سعد الشثري" من منصبه كعضو هيئة كبار العلماء .وكان الحدث ضخماً شغل الرأي العام والخاص فترة غير قليل.
والآن بعد أن هدأت العاصفة ، وبعد متابعة لجل ما طرح أكتب هذه السطور التي تحمل رؤيا وقراءة للأحداث فد تصيب وقد تخطئ.
ظهر الطرف " الليبرالي " منظما ومتفاهما ومتعاونا على الإثم والعدوان –كعادة أهل النفاق في كل عصر ومصر- وزاد قوة " الليبراليين" ورجح كفتهم امتلاكهم آليتين مهمتين جدا ، آلة (إعلامية) و أخرى (سلطوية).وتم تفعيل الآلتين معاً ، ضد الشيخ الشثري وضد الذين وقفوا بجواره وضد كل من أنكر الاحتلاط، وضد الفاعليات التي تصدت لهم ، وخاصة المواقع الإلكترونية التي تتبنى الفكر الإسلام كموقع ( بناء ) وموقع ( لجينيات ) .
ـ تفوق " الليبراليين " ، لا يمكن تفسيره بالعفوية ، ولا باللحظية ، وإنما : هو خبرة تراكمية ..معرفية وتجريبة . وصف مرتب متربص مستعد للهجوم ، يتحين الفرص لينقض على غريمه.
وهذا التفوق والترتيب والتربص والانقضاض المنظم، وهذه الشراسة في التعامل مع المخالف..ينبئ عن خطر داهم لا بد للجانب الإسلامي التنبه له ورصده، وإعداد العدة كي لا تتكرر الهزائم وتتوالى الصفعات. فمن قلة الوعي أن يمر الحدث مرور الكرام بدعوى عفويته، فالقوم منظمون ومتربصون ينتظرون أدنى حدث لينقضوا ثانية.
ـ أما الصف الإسلامي - للأسف الشديد – فهو يعاني نوعا من الشتات، ويتخلل أفراده دَخَنٌ، وغالب من ينتمي له ـ ممن لهم ظهور ـ بعيدون عن كبار العلماء، زاهدون فيما عندهم من إرث النبوة!
وبعض البارزين الذين فُتحت لهم قنوات الإعلام على مصارعها، وصار لهم صوتا مسموعا عند جماهير الفضائيات لا يحملون قضية حقيقية، واختلافهم مع الليبراليين لا يكاد يذكر، كما أن اتفاقهم مع الإسلاميين السلفيين في مجمل القضايا ضعيف، وقد كانت مواقفهم مواربة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. وآخرون منهم يغردون خارج السرب يتكلمون في قضايا ليس وقتها ويتجاهلون قضايا الساعة!
بل إن منهم من شارك الليبراليين الهجوم على العلماء وطلاب العلم ورموهم من ذات القوس..فلا يستحي بعضهم أن يحمل العلماء جريرة التخلف الحضاري..وبلغت بأحدهم القحة أن يلقي بالائمة على وطلاب العلم في كارثة انهيار سوق الأسهم [1]!!
في أزمة الخليج الأولى أمسك الكبار بزمام الأمور، وخرج بعض الصغار يريدون مزاحمتهم على القيادة، لكنهم لم يفلحوا بل كانت النتائج سيئة وسلبية للغاية!. بعض منها هو ما نراه اليوم من تخاذل وتحول وانخلاع!
ورغم بقاء الصوت السلفي -الذي تتبناه الدولة منذ نشؤها- في تلك الحقبة عاليا. لكن هذه الخلافات والفوضى خلقت فجوات وأنتجت تمردا على المنهج. فما نراه اليوم من تفرق وتشتت هو ثمرة من ثمار تمرد الأصاغر على الأكابر.. وفي الحديث ((البركة مع أكابركم))[1].
ويقول ابن مسعود: ((لايزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، وعن أمنائهم وعلمائهم، فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا))
يضاف لذلك دخول أفكارٍ غريبة مخالفة للسلفية وعمل بعضهم على الترويج لها داخل الصف الإسلامي.
كمن يدعو للتعددية المذهبية ويراها أمرا إيجابيا! ، علماً بأن علماء المملكة لا يفتون بالمذهب بل بالقول الراجح، (ولكنهم يريدن الانتقاء المبني على الهوى وارضاء الذوائق). وبعضهم يدعو لتعددية طائفية وحزبية.
وكمن يدعو للتجميع على الوطنية[2] –والوطنية وحب الوطن أمر جبلي فطري ليس بحاجة لدعاية وإعلان..لكنه في ذات الوقت ليس الجامع للناس ولا المؤلف للقلوب!!.
ومن قراءة التاريخ المعاصر يتبين أن "الوطنية" المزعومة مركب للمفسدين في الأرض، ونبين هذا في طرح مستقل إن شاء الله تعالى، وأبرز ما يُرى في نهج دعاة الوطنية أنهم يسعون لجمع كافة الأطياف السني وغير السني تحت لواء الوطنية مخالفين بذلك دعوة الاعتصام الربانية على كتاب الله تعالى وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- يقول الحق تبارك وتعالى:
((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا )) آل عمران: [١٠٣]
والآية تدل بمنطوقها ومفهومها على أن كل اجتماع على غير حبل الله هو فرقة وشتات.
ولا ننسى في هذه العجالة التنبيه على خطأ من أولغ في النيل من ولاة الأمر والتحريض ضدهم –في قضية كاوست وغيرها- مخالفا نصوص الطاعة والصبر والولاء للولاة ما أقاموا الصلاة.
إن الشرع والعقل يحتمان على من يحمل هم الدعوة، ومن يحمل هم المنهج السلفي أن يعمل بشكل سريع ومنظم على تصحيح الأخطاء التي أضعفت الصف..وإيجاد الحلول المناسبة لتصحيح المسار.
وأرى أن أول هذه الحلول [3]العودة للمنهج الصحيح ونبذ الأفكار الدخيلة جانبا وعدم الاغترار بالمصطلحات الفلسفية البراقة ولا بالكثرة الكاثرة ممن رضوا باتباع الهوى وترك الهدى « الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك ».
-الالتفاف حول الأكابر من علمائنا وطلب مشورتهم ورأيهم فيما يستجد من الحوادث؛ فهم أكثر تعقلا وحكمة وعلما وثباتا.
وهم أكثر اتصالا بولاة الأمر.
-ترك اللهاث خلف الأسماء اللامعة ممن خذلوا الدعوة أولا وآخرا، وصاروا في طريق لم نكن نعرفه ، ونبذ التعصب للأشخاص، وليكن الحق مدار كل من يعمل للدين.
-التحذير من كل ما يخالف أصول المنهج السلفي من الدعوات والأفكار العجيبة التي يطرحها البعض بحقيقة باطلة وبرواز إسلامي.
-ألا يكون تحرك طلاب العلم قاصرا على ردود الأفعال فلا بد من المبادرة بطرح الرؤى الصائبة وتصحيح المفاهيم ، وتحصين العقائد من الأفكار الفكرية الوافدة.
-التعاون المنظم والمثمر، ولن يكون تعاونا مثمرا إلا باجتماع على منهج واحد، وكاذب من يقول نؤجل الخلافات[4]، فالخلاف شر.
ولن تكون نصرة ولن يكون تأييداً إلا لمن أخذ المنهج كاملا ولم يجزئه بحسب هواه.
وأخيرا وهو الأهم والأولى : الإكثار من الدعاء والتوسل إلى الله بما يحب وبما شرع أن يعلي كلمته وينصر دينه ويهدي من ولاه الله أمرنا ويؤيده بالحق ويؤيد الحق به.
----------------------------
[1] أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط البخاري.
[2] من العجيب أن الليبراليين وبعض المنتمين للصف الإسلامي يكثرون التلويح بالوطنية ويدرءون بها في نحر من يخالفهم، كل ما أردوا تمرير مشروع ما أو فكرة ما، وكأن المخالف لا وطنية له ولا انتماء.
[3] هذه الحلول وجهة نظر ورؤية خاصة مبنية على استقراء الواقع ومحاكمته للأصول السلفية، وهو غير ملزم وقد يعتريه نقص وخلل وخطأ.
[4] أعني الخلافات المنهجية لا الخلافات الفرعية.