المادة

الليبراليون والتعامل الشهواني مع المرأة

345 | 25-09-2014

بسم الله الرحمن الرحيم


تضج وسائل الإعلام الحديثة بموضة الليبرالية ودعاتها الذين لا يفقه كثيرا منهم مزالقها الفكرية ونهاياتها الأثيمة لا سيما حينما تستنبت في أرض لا تشبه بيئتها الأصلية المناسبة لنموها .
وأكثر دعاتها المفتونين بها والمنادين لها يهتمون بأنفسهم أكثر من اهتمامهم بمجتمعاتهم وليس باستطاعتهم التضحية من أجل نشرها إلا بقدر ما يحصلون عليه من مكاسب شخصية من ورائها ، ولو قطع الدعم المادي عنها لانقطعت أخبارها ولما انتحطت فيها عنزان.
وحضورها المكثف في وسائل الإعلام-العربي- ليس دليلا على شيوعها بقدر ما هو دليل واضح على شذوذها وعدم انتشارها إذ أن وسائل الإعلام معنية بتتبع النادر بين الناس ولو اعتنت بنشر الظواهر العامة لفقدت كثيرا من قيمتها وبريقها الجاذب للمتابعين ، وهي تعتمد على نقل صور المغرد خارج السرب ولو كان واحدا وتُغفل السرب كله.
وقد كنت سجلت في موقع آخر فتنة الليبراليين بعصر التنوير وحددت إشكاليات الفكر الليبرالي العربي التي تسببت في مزالقه الفكرية مما جعله يولد خديجاً بعمليات قيصرية-إعلامية- ثم لما حاول أن يكبر تعثر فسقط ثم تعثر في سقوطه حتى التصق بالأرض وكبر مشوها لكثرة تعثره وسقوطه في هذه المزالق مرة بعد أخرى.

وهذه الإشكاليات الفكرية لليبرالية العربية -والسعودية -كما رصدتها كانت كالتالي:

1-افتتانهم بالغرب ومدى ما وصل إليه وبخاصة في جوانب العدالة الاجتماعية وقدرة أي شخص على المشاركة السياسة والاجتماعية ؛ ولا نلوم الليبراليين العرب في هذا إنما نلومهم في العين العوراء التي ترى الجانب المضيء في الغرب وتغفل عن مستوى الانحدار الأخلاقي في الغرب . والكثير منهم لا يلقي بالاً لهذه الإشكالية التي تجعل الكثير من المسلمين يرفض ذلك اللهاث المحموم نحو اقتباس الحضارة الغربية ولهذا فإن الكثير من مشروعاتهم الإصلاحية المستغربة لن تجد آذانا صاغية من الجميع.

2-جهلهم الفاضح بالإسلام وعدم معرفتهم بمبادئه الأولية إذ كيف ينتقدون شيئاً لا يعرفونه وكل انتقاداتهم إنما هي اجترار لانتقادات الغرب للمسيحية وتكرار للروايات الإسرائيلية بشكل متعمد للانتقاص، وإسقاط كل ذلك على الإسلام وحينما تقرأ لكبارهم دعاواهم في انتقاد الإسلام تضحك -كما تشاء- لمدى الجهل وصفاقة الوجه في تلبسهم لحالة الناقد لمنافع الضوء وهو في قعر كهف طويل ملتو مظلم!.

3-وهم في كتاباتهم أبعد شيء عن القرآن الكريم فلا يحفلون به ولا يستشهدون به ولا بالسنة المطهرة بل تشعر أن أحدهم قد يصاب بحالة هستيرية في حال ردّ عليه أحد بالقرآن أو بالسنة ، فهل مثل هؤلاء يعتبرون مفكرين أو منصفين.وقد يحفل أحدهم بأبيات من الشعر وأمثال العرب أكثر من حفاوته بنصوص القرآن والسنة ثم يدعي أنه ليس عدوا للدين وأن المتشددين يسيئون فهمه ويحملون قوله مالا يحتمل!.مع أن أي باحث أو مفكر يجادل قوما ينبغي أن ينطلق معهم بدءا من مسلماتهم ولو لم يكن مقتنعا بها.ولكن صدق الله تعالى(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً ).وإنك ليقف شعر رأسك حينما يتناول أحدهم موقفا من السيرة بالتحليل وترى عجبا من هوان الدين عليهم وسخريتهم الفجة بمقام النبوة.

4-فتنتهم في تمجيد العقل والتعويل عليه وفق المناهج الفلسفية وتلك مرحلة نخلها المسلمون الأوائل نخلاً في خلافاتهم مع فلاسفة الإسلاميين ومع المعتزلة وغيرهم من الفرق التي تمجد العقل ،وخرجوا من تلك الخلافات والمناظرات والردود بنتائج أوصلوها لمن بعدهم ونقلوا لهم المبادئ التي يمكن أن يستفاد منها وطرحوا تلك العقليات التي لا طائل من ورائها مثل البحث في الإله والنبوات والروح والعدالة والأخلاق والفضائل النفسية التي يضل بسببها كل داخل في الفلسفة بدون قدم راسخة في علوم الإسلام؛ والليبراليون العرب وبخاصة المنظرين حينما يفعلون ذلك فإنما يحاولون إشباع غرورهم الفكري مع تأثرهم بعصر التنوير الأوروبي الذي قاده الفلاسفة فهم يحاولون استنساخ تجربتهم لكنهم غفلوا عن الفوارق الكبرى بكل أسف وهذا ما لا يفعله الكبار.

5-مع نقدهم لنظرية المخلص التاريخي التي يقوم عليها الحس الديني كما في اليهودية والمسيحية المتمثلة في ظهور المسيح عليه السلام وأكثر الفرق الإسلامية المتمثلة في خروج المهدي المنتظر و نزول المسيح عليه السلام ؛ فمع قيام الليبراليين على نقد هذه العقائد والتثريب على معتقديها إلا أن أكثر الليبراليين واقعين تحت سطوة فكرة المخلص وإن لم يتفقوا على مخلص واحد بل كل مدرسة فلسفية لها مخلصها الذي تأوي إلى دفء حضنه وهم ينتقلون من حضن إلى آخر ولعل أوسع الأحضان المعاصرة هو الحضن الأمريكي الدفيء حتى الآن على الأقل.

6-إعجاب كثير من عرابي الليبرالية العرب بأنفسهم ومستوى فكرهم الفلسفي واعتدادهم بأنفسهم لدرجة التيه يحمل كثيرا منهم على عدم العدل في أحكامهم وتعجب حينما تقرأ لكثير منهم حجم الكبر الذي يعيشونه حتى تجاوزوا مرحلة غمط الناس إلى حد أين الناس؟ لا ناس يمكن أن نناقشهم!..

7-مع كثرة إنتاجهم ومؤلفاتهم فهم كذلك الذي يدور في الساقية يكرر نفس عمله في كل يوم ؛ فلا جديد لديه وإنما يقوم بأداء دوره ومهامه اليومية التي لا تتغير إلا بإرادة صاحب الساقية وكل ما يقوم به لمجرد أن يحصل على وجبته التي يعيش بها يومه. وهؤلاء إنما يكررون مقولات لا يملون من تكرارها وليس لهم أي إنتاج مثمر وكأن غايتهم مجرد تشكيك الناس في أنفسهم ودينهم ولو كانوا على الحق.تلك هي ساقيتهم التي يدورون فيها أبدا.

8-ألحظ أن بعض هؤلاء الليبراليين لديهم خبرات سلبية مع مجتمعاتهم وبعضهم تعرض لظلم من المستبدين مما قد يفسر سبب تشربهم لفكرة الخلاص المستنسخ من تجربة عصر التنوير وما تلاه من تطورات تاريخية لاسيما حينما يقع المرء في شرك المقارنة المتحيزة بين المجتمعات المختلفة ومجتمعات العالم الأول.

9-لا يمكن لأي مراقب أن يغفل عن مسألة مهمة جدا وهي علاقة عرابي الليبرالية العرب بالغرب عموما وأمريكا على وجه التحديد ولماذا هم حاضرون في جميع ملتقياتهم والجوائز الأمريكية والغربية لا تعطى إلا لهم أو من يرشحونه ؟ فهل تقام حفلات التكريم تلك لوجه الله أو لسواد أعينهم أو حتى لاختراعاتهم؟ ولماذا لا تمنح تلك الجوائز للحاصلين على براءات الاختراع من العرب الذين يسهمون في تقدم العلوم على مستوى العالم؟ إن كانت لوجه العلم والفكر!..

10-كثير من هؤلاء الليبراليين لا يحفل بالجانب الأخلاقي ولهذا سترى عجبا في حياتهم الشخصية وهذا ما أفسد قناعة الشعوب العربية بمبادئهم.ولا تعجب حينما ترى حواراتهم تدور حول النسبية الأخلاقية والدينية بشكل يكرس الحرية المفتوحة التي لا تقف عند حدّ سوى الخوف من الآخرين .وسترى نموذجا من التقلب الأخلاقي تبعا للمصلحة الشخصية .

11-من المشكل الأخلاقي عند الليبراليين العرب أنهم لا يلتفتون كثيرا للحالات الإنسانية التي تعج بها بلاد العرب فقضية مثل قضية فلسطين لا تؤرقهم وكأنهم ليسوا معنيين بها.والمصائب التي تنزل ببلاد العرب لا يهتمون بها ولو كحالة إنسانية وخذ مجاعة الصومال كمثال واللاجئين السوريين مثال آخر. وكثيرا ما أتساءل حينما أرى برود الليبراليين العرب تجاه الأزمات والكوارث التي تصيب الشعوب العربية أين هم هؤلاء الذين يدعون المطالبة بحقوق الإنسانية؟وهل قامت الثورة الفرنسية إلا ردّ فعل ضد من يهمل حاجات الشعوب ؟ ومع ضجيج الربيع العربي وهديره الصاخب إلا أن الليبراليين العرب يجفلون من تناوله أو مدحه لأسباب أظنها لا تخفى على المتابع.

ومع كل تلك المزالق والإشكاليات فإننا نأمل أن يصحح الليبراليون العرب عموما والسعوديون خصوصا طريقة تفكيرهم وتعاطيهم مع الواقع العربي بشكل صحيح يسهم في الرقي بالمجتمع العربي وهم حين يفعلون ذلك فإنما ينقذون أنفسهم وإلا فإن التاريخ لن يقف عند أمثالهم وقد تجاوز الفكر العربي الإسلامي من هو أشدّ منهم فكرا وأعظم حضارة ولله عاقبة الأمور.


كتبه أبو بكر بن محمد
1433/6/17هـ

تصميم وتطويركنون