المادة
متى سنكون قلباً واحداً ؟..
تمهيد : عُقِدَ ملتقى عالمي في بلادنا الحبيبة بحضور نخبة علمية متخصصة في مجالات الملتقى من عدة دول أجنبية ، وكان الجدول العلمي يتضمن محاضرة لأحد الأطباء السعوديين حول نظام الأخطاء الطبية في المملكة العربية السعودية ، وخلال شرحه مشكوراً للنظام تطرق إلى مفهوم الديات في الاسلام وأن للمرأة نصف دية الرجل وتمنى ألا يسبب هذا الأمر إزعاجاً للحضور ثم أكمل محاضرته ..
وكما هو معتاد في نهاية الجلسة العلمية تم فتح مجال النقاش للحضور ، فأعطيت الفرصة لأحدى زميلات الحقل الطبي المواطنات ، وعرجت في تعليقها على تساؤلات هادئة حول الحكمة من أن للمرأة نصف دية الرجل ، وكانت باستياء تعبر عن استنكارها وعلى أي أساس صدر هذا الحكم وأن المشكلة لدينا ليست في الإسلام وإنما فيمن يترجمون نصوص الإسلام ، ودللت – هداها الله – على أن هذا الاختلاف أدى كما بين الدكتور المحاضر أن نسبة أخطاء أطباء النساء والولادة هي الأكثر كما ورد في إحدى الدراسات التي قدمها ، واستنتجت أن السبب هو قلة تكلفة الدية حيث قالت: " لن يدفع الطبيب المخطيء كثيراً" ، وما ان انتهت حتى صفق الحضور من النساء المسلمات وغير المسلمات انتصاراً لرأيها وتشجيعاً ...ولقد صفقوا بتفاعل كبير!...
ولا أشك في أن الدكتور الفاضل قد تفاجأ بردة الفعل المشتركة من الحضور عندما أعطي المجال للرد عليها فذكر أنه لا يقصد بذلك اضطهاد المرأة وعلى العكس الاسلام لم يفرق بين المرأة والرجل وأن المرأة لها مكانتها كما للرجل ، ثم تطرق إلى أهمية وقوفنا أمام شرع الله عز وجل بالسمع والطاعة وأن نرضى به ونسلم له ، وألا نهمل جانب الصبر والاحتساب لدى مرضانا ...
انتهت المداخلة وتتابعت المداخلات في جوانب علمية أخرى ..
وأنا أتأمل الحضور وتعليقاتهم وسخونة الردود العلمية في الأطروحات العلمية الأخرى وتعجبت من أن المداخلة الأولى لم تلق تفاعلا آخر ...
استعنت بالله أولا وآخراً وطلبت أن تكون لي مداخلة وسمح لي بها (أخيراً!)..
بعد أن شكرتهم على إعدادات الملتقى ذكرت ما يلي :
أن النظام القضائي وما يتفرع منه في بلادنا الحبيبة هو مستمد من شريعتنا الاسلامية الغراء كما هو حال بقية أنظمتنا العامة وهذا مدعاة لنا للفخر والتمسك والطمأنينة لهذا النظام ومما يلزمني بالتوضيح هذا هو وجود ضيوف بيننا من غير السعوديين مما ينبغي أن يعودوا إلى بلادهم بعد هذا الملتقى العالمي وهو يحملون تصوراً سليماً عن المبادئ العامة ، كما أني طلبت من أستاذنا الطبيب المحاضر على ما قدم مشكوراً أن يضع في اعتباره مستقبلاً حساسية الوضع الحالي وتتبع الكثيرين لمساحات رمادية في وضوحها لديهم لكي ينالوا فيها من اسلامنا ...ورجوته أن يتنبه فإما أن يوضح الدلائل والقرائن اللازمة بأي شكل يسمح به وقته إما من خلال العرض نفسه أو حتى وريقات توزع على الحضور ، وطلبت منه أن يسمح لي بأن أبين أن أحد أسباب اختلاف الدية في الاسلام بين المرأة والرجل هو أن الرجل يحمل مسؤوليات مادية محددة ومعروفة اتجاه أسرته وعائلته وهو ملزم بها وليست المرأة هي الملزمة بها في الاسلام وهذا من تكريم ديننا العظيم لها .. كما صححت العلاقة الترابطية التي بنتها الزميلة في تعليقها أعلاه بفرق الدية وانه سبب مباشر لازدياد الأخطاء في تخصص النساء والولادة بكونه من المعروف عالمياً أن هذا التخصص يحمل عوامل خطورة كثيرة كون جانب الحالات الطارئة كبير فيه وهذه النسبة موجودة في دول غير إسلامية أيضاً....
خلال حديثي هذا بدأت النظرات من غير المسلمين تتجه إليّ وبدأت أستوعب أني قد أكون أثرت استياء بعضهم!! ....وبعد انتهاء الجلسة جاءتني صحفية لجريدة ناطقة بلغة انجليزية .. وطلبت مني أن أوافق على نشر تعليقي في جريدتها فاشترطت عليها أن تنشر الصورة الصحيحة والتعليق كما ذكر (بدون تحريف!)ولاسيما أن الشريحة القارئة هم من نريدهم أن يفهموا الاسلام بشكله الصحيح وقد أرفق لكم خبر تغطيتها في آخر المقالة...
*** لقد تعلمت من هذا الموقف الكثير:
تعلمت أولاً : أننا كأطباء مسلمين يرجى منا أن نعرّف بديننا في كل محفل وأن نجتهد في هذا الأمر خاصة إن كان هناك مناسبة علمية له ، ولكن لابد من إتقان هذه المهارة ... فنعرّف بشكل صحيح متكامل قدر الإمكان أو على الأقل لا نترك فجوات في طرحنا كي لا ينال منا من يترقب الهفوات أو يفتعلها !..
تعلمت أن أعمق الآلام هي تلك التي يسببها المقربون منك ! .. لا تتخيلوا كيف أمسكت دمعتي وأنا أرى بنت وطني وبنت ديني وهي تبتسم خلال تعليقها... ولا أريد أن أشكك في نيتها على الاطلاق فهي شخصية مجتهدة في عملها وحريصة في نطاق الجانب العلمي وقد يكون هذا ما دفعها إلى التعليق باندفاع دون أن تقيس الموقف بمقياس متزن ... ولكن حقاً كان مكمن القوة في تعليقها كونها امرأة سعودية مسلمة وهذا ما جعل الجمهور يصفق ...رغم هشاشة تعليقها علمياً! ...
عرفتُ أن الوعي بأهمية التعبير عن الرأي مازال يمر في مرحلة التكوين لدى الكثيرين منا ..فمهما كان الموقف الذي نمر به ومهما تخيلنا العقبات التي قد تعيقنا في سبيله .. لكن يكفينا الإيمان بمبادئنا كي نعيش في سبيلها .. أقول هذا بعدما شكرني عدد من الحضور الكرام على مداخلتي –رغم قلة بضاعتي وبساطتها!- وأنا كلي يقين أنهم لو سبقوني فيها لفازوا بالأجر .. ولكانوا أقوى مني في الطرح ...
تعلمتُ أننا يجب ويجب .. ألا نتساهل في تقييم مدى فهمنا لتعاليم ديننا وأن ننطلق لتعلمها على الوجه الصحيح ومن مصادر موثوقة فكل واحد منا يقف على ثغر .. وإن اختلف حجمه وميدانه ..!!
وتعلمتُ أخيراً .. أن القوة الحقيقية لنا عندما تجتمع قلوبنا لنبني معاً ..ونتعاون معاً .. ونتكاتف سوياً من أجل رسالة الاسلام الإصلاحية الخالدة ..فنتعرف جيداً على من هم معنا في الصف .. ومن يستحقون أن ينضموا إلى هذا الصف ...موقنين بأنه الحق العالمي لكل إنسان ..
قال جل وعلا:" {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف.
شهر ذي الحجة 1427هـ
د/ أريج سعد العوفي
استشاري مشارك طب أسرة