المادة

القصيدة التائية

415 | 20-07-2014


سأل أحد علماء الذميين شيخ الإسلام عن القدر[ ] فقال:

أيا علماء الدين ذمي دينكم *** تحير دلوه بأوضح حجة

إذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم *** ولم يرضه مني فما وجه حيلتي

دعاني وسد الباب عني فهل إلى *** دخولي سبيل بينوا لي قضيتي

قضى بضلالي ثم قال: ارض بالقضا *** فما أنا راض بالذي فيه شقوتي

فإن كنت بالمقضي يا قوم راضيا *** فربي لا يرضى بشؤم بليتي

فهل لي رضا ما ليس يرضاه سيدي***قد حرت دلوني على كشف حيرتي

إذا شاء ربي الكفر مني مشيئة *** فهل أنا عاص في اتباع المشيئة

وهل لي اختيار أن أخالف حكمه *** فبالله فاشفوا بالبراهين غلتي



فأجاب شيخ الإسلام الشيخ الإمام العالم العلامة أحمد بن تيمية مرتجلاً:

الحمد الله رب العالمين...

سؤالك يا هذا سؤال معاند *** مخاصم رب العرش باري البرية

فهذا سؤال خاصم الملأ العلا *** قديمًا به إبليس أصل البلية

ومن يك خصمًا للمهيمن يرجعن *** على أم رأس هاويًا في الحفيرة

ويدعى خصوم الله يوم معادهم *** إلى النار[ ] طرًا معشر القدرية

سواء نفوه أو سعوا ليخاصموا به *** الله أو ماروا به للشريعة

وأصل ضلال الخلق من كل فرقة *** هو الخوض في فعل الإله بعلة

فإن هموا لم يفهموا حكمة له *** فصاروا على نوع من الجاهلية

فإن جميع الكون أوجب فعله *** مشيئة رب الخلق باري الخليقة

وذات إله الخلق واجبة بما لها *** من صفات واجبات قديمة

مشيئته مع علمه ثم قدرة *** لوازم ذات الله قاضي القضية

وإبداعه ما شاء من مبدعاته *** بها حكمة فيه وأنواع رحمة

ولسنا إذا قلنا جرت بمشيئة *** من المنكري آياته المستقيمة

بل الحق أن الحكم لله وحده *** له الخلق والأمر الذي في الشريعة[ ]

هو الملك المحمود في كل حالة *** له الملك من غير انتقاص بشركة

فما شاء مولانا إلا له فإنه *** يكون وما لا يكون بحيلة

وقدرته لا نقص فيها وحكمه يعم *** فلا تخصيص في ذي القضية

أريد بذا أن الحوادث كلها *** بقدرته كانت ومحض المشيئة

وما كان في كل ما قد أراده *** له الحمد حمدا يعتلي كل مدحة

فإن له في الخلق رحمته سرت *** ومن حكم فوق العقول الحكيمة

أمورًا يحار العقل فيها إذا أرى *** من الحكم العليا وكل عجيبة

فنؤمن أن الله عز بقدرة *** وخلق وإبرام لحكم المشيئة

فنثبت هذا كله لا لهنا *** ونثبت ما في ذاك من كل حكمة

وهذا مقام طالما عجز الأولى *** نفوه وكروا راجعين بحيرة

وتحقيق ما فيه بتبيين غوره *** وتحرير حق الحق في ذي الحقيقة

هو المطلب الأقصى لوارد بحره *** وذا عسر في نظم هذى القصيدة

لحاجته إلى بيان محقق *** لأوصاف مولانا الإله الكريمة

وأسمائه الحسنى وأحكام دينه *** وأفعاله في كل هذي الخليقة

وهذا بحمد الله قد بان ظاهرًا *** وإلهامه للخلق أفضل نعمة

وقد قيل في هذا وخط كتابه *** بيان شفاء للنفوس السقيمة

فقولك لم قد شاء مثل سؤال *** من يقول فلم قد كان في الأزلية

وذاك سؤال يبطل العقل وجهه *** وتحريمه قد جاء في كل شرعة

وفي الكون تخصيص كثير يدل *** من له نوع عقل أنه بإرادة

وإصداره عن واحد بعد واحد *** أو القول بالتجويز رمية حيرة

ولا ريب في تعليق كل مسبب *** بما قبله من علة موجبية

بل الشأن في الأسباب أسباب ما ترى *** وإصدارها عن حكم محض المشيئة

وقولك لم شاء الإله هو الذي *** أزل عقول الخلق في قعر حفرة

فإن المجوس القائلين بخالق *** لنفع ورب مبدع للمضرة

سؤالهم عن علة السر أوقعت *** أوائلهم في شبهة الثنوية

وأن ملاحيد الفلاسفة الأولى *** يقولون بالفعل القديم لعلة

بغوا علة للكون بعد انعدامه *** فلم يجدوا ذاكم فضلوا بضلة

أن مبادي الشر في كل أمة *** ذوي ملة ميمونة نبوية

بخوضهمو في ذاكم صار شركهم *** جاء دروس البينات بفترة

ويكفيك نقضا أن ما قد سألته *** من العذر مردود لدى كل فطرة

فأنت تعيب الطاعنين جميعهم *** عليك وترميهم بكل مذمة

وتنحل من والاك صفو مودة *** وتبغض من ناواك من كل فرقة

وحالهم في كل قول و فعلة *** كحالك يا هذا بأرجح حجة

وهبك كففت اللوم عن كل كافر *** وكل غوي خارج عن محجة

فيلزمك الإعراض عن كل ظالم *** على الناس في نفس مال وحرمة

ولا تغضبن يوما على سافك دما *** ولا سارق مالا لصاحب فاقة

ولا شاتم عرضًا مصونًا وإن علا *** ولا ناكح فرجا على وجه غية

ولا قاطع للناس نهج سبيلهم *** ولا مفسد في الأرض في كل وجهة

ولا شاهد بالزور إفكًا وفرية *** ولا قاذف للمحصنات بزنية

ولا مهلك للحرث و النسل عامدًا *** ولا حاكم للعالمين برشوة

وكف لسان اللوم عن كل مفسد *** ولا تأخذن ذا جرمة بعقوبة

وسهل سبيل الكاذبين تعمدا *** على ربهم من كل جاء بفرية

وإن قصدوا إضلاك من يستجيبهم *** بروم فساد النوع ثم الرياسة

وجادل عن الملعون فرعون إذ طغى *** فأغرق في اليم انتقاما بغضبة

وكل كفور مشرك بإلهه *** وآخر طاغ كافر بنبوة

كعاد ونمروذ وقوم لصالح *** وقوم لنوح ثم أصحاب الأيكة

وخاصم لموسى ثم سائر من أتى *** من الأنبياء محييا للشريعة

على كونهم قد جاهدوا الناس إذ بغوا *** ونالوا من المعاصي بليغ العقوبة

وإلا فكل الخلق في كل لفظة *** ولحظة عين أو تحرك شعرة

وبطشة كف أو تخطى قديمة *** وكل حراك بل وكل سكينة

همو تحت أقدار الإله وحكمه *** كما أنت فيما قد أتيت بحجة

وهبك رفعت اللوم عن كل فاعل *** فعال ردى طردا لهذي المقيسة

فهل يمكن رفع الملام جميعه *** عن الناس طرا عند كل قبيحة

وترك عقوبات الذين قد اعتدوا *** وترك الورى الإنصاف بين الرعية

فلا تضمنن نفس ومال بمثله *** ولا يعقبن عاد بمثل الجريمة

وهل في عقولِ الناسِ أو في طباعهم *** قبول لقول النذلِ ما وجه حيلتي

ويكفيك ما بجسم نقضا بن آدم *** صبي ومجنون وكل بهيمة

من الألم المقضي في غير حيلة *** وفيما يشاء الله أكمل حكمة

إذا كان في هذا له حكمة *** فما يظن بخلق الفعل ثم العقوبة

وكيف ومن هذا عذاب مولد *** عن الفعل فعل العبد عند الطبيعة

كآكل سم أوجب الموت[ ] أكله *** وكل بتقدير لرب البرية

فكفرك يا هذا كسم أكلته *** وتعذيب نار مثل جرعة غصة

ألست ترى في هذا الدار من جنى *** يعاقب إما بالقضا أو بشرعة

ولا عذر للجاني بتقدير خالق *** كذلك في الأخرى بلا مثنوية

وتقدير رب الخلق للذنب موجب *** لتقدير عقبى الذنب إلا بتوبة

وما كان من جنس المتاب لرفعه *** عواقب أفعال العباد الخبيثة

كخير به تمحى الذنوب[ ] ودعوة *** تجاب من الجاني ورب شفاعة

وقول حليف الشر إني مقدر علي *** كقول الذئب هذي طبيعتي

وتقديره للفعل يجلب نقمة *** كتقديره الأشياء طرا بعلة

فهل ينفعن عذر الملوم بأنه *** كذا طبعه أم هل يقال لعثرة

أم الذم والتعذيب أوكد للذي *** طبيعته فعل الشرور الشنيعة

فإن كنت ترجوا أن تجاب بما عسى *** ينجيك من نار الإله العظيمة

فدونك رب الخلق فاقصده ضارعًا *** مريدًا لأن يهديك نحو الحقيقة

وذلل قياد النفس[ ] للحق واسمعن *** ولا تعرضن عن فكرة مستقيمة

وما بان من حق فلا تتركنه *** ولا تعص من يدعو لأقوم شرعة

ودع دين ذا العادات لا تتبعنه *** وعج عن سبيل الأمة الغضبية

ومن ضل عن حق فلا تقفونه *** وزن ما عليه الناس بالمعدلية

هنالك تبدو طالعات من الهدى *** تبشر من قد جاء بالحنيفية

بملة إبراهيم ذاك إمامنا *** ودين رسول الله خير البرية

فلا يقبل الرحمن دينًا سوى الذي *** به جاءت الرسل الكرام السجية

وقد جاء هذا الحاشر الخاتم الذي *** حوى كل خير في عموم الرسالة

وأخبر عن رب العباد بأن من غدا *** عنه في الأخرى بأقبح خيبة

فهذي دلالات العباد لحائر *** وأما هداه فهو فعل الربوبة

وفقد الهدى عند الورى لا يفيد من غدا *** عنه بل يجزى بلا وجه حجة

وحجة محتج بتقدير ربه *** تزيد عذابا كاحتجاج مريضة

وأما رضانا بالقضاء فإنما *** أمرنا بأن نرضى بمثل المصيبة

كسقم وفقر ثم ذل وغربة *** وما كان من مؤذ بدون جريمة

فأما الأفاعيل التي كرهت لنا *** فلا ترتضى مسخوطة لمشيئة

وقد قال قوم من أولى العلم لا[ ] رضا *** بفعل المعاصي والذنوب الكبيرة

وقال فريق نرتضي بقضائه *** ولا نرتضي المقضي أقبح خصلة

وقال فريق نرتضي بإضافة *** إليه وما فينا فنلقى بسخطة

كما أنها للرب خلق و أنها *** لمخلوقة ليست كفعل الغريزة

فنرضى من الوجه الذي هو خلقه *** ونسخط من وجه اكتساب الخطيئة

ومعصية العبد المكلف تركه *** لما أمر المولى وإن بمشيئة

فإن إله الخلق حق مقاله *** بأن العباد في جحيم وجنة

كما أنهم في هذه الدار هكذا *** بل البهم في الآلام أيضا ونعمة

وحكمته العليا اقتضت ما اقتضت *** من الفروق بعلم ثم أيد ورحمة

يسوق أولى التعذيب بالسبب *** الذي يقدره نحو العذاب بعزة

ويهدي أولي التنعيم نحو نعيمهم *** بأعمال صدق في رجاء وخشية

وأمر إله الخلق بين ما به *** يسوق أولى التنعيم نحو السعادة[ ]

فمن كان من أهل السعادة أثرت *** أوامره فيه بتيسير صنعة

ومن كان من أهل الشقاوة لم ينل *** بأمر ولا نهي بتقدير شقوة

ولا مخرج للعبد عما به قضى *** ولكنه مختار حسن وسوأة

فليس بمجبور عديم الإرادة *** ولكنه شاء بخلق الإرادة

ومن أعجب الأشياء خلق مشيئة *** بها صار مختار الهدى بالضلالة

فقولك هل اختار تركًا لحكمة *** كقولك هل اختار ترك المشيئة

واختار أن لا اختار فعل ضلالة *** ولو نلت هذا الترك فزت بتوبة

وذا ممكن لكنه متوقف على *** ما يشاء الله من ذي المشيئة

تصميم وتطويركنون