المادة

لماذا ظهرت (الليبرالية)؟

414 | 21-06-2014
- المشكلة أن الليبراليين العرب أرادوا نقل الليبرالية الغربية وتكييفها مع العالم الإسلامي

أظن أنه من الصعب تحديد زمن معين للنشأة (الليبرالية) خصوصاً في أوروبا، إلا أن فلسفتها وانتشارها أخذت أطواراً محددة، ولعل أهم سببين أديا لنشأة (الليبرالية) في الغرب هما الانحراف الديني والاستبداد السياسي الذي انتشر في أوروبا في القرن التاسع الميلادي.
النصرانية دين الله تعالى الذي بعث به نبي الله (عيسى) عليه السلام، ولكن هذا الدين ما لبث أن تم تحريفه وتبديله، وتم مزج الكثير من الفلسفات الوثنية معه وتحويله من دين سماوي الى مجموعة من القصص والأخبار والفلسفات جعلت من التوحيد الخالص تثليثاً وقد كان لليهود دور كبير في عملية التحريف والتبديل.
وبعد سقوط الإمبراطورية الرومانية وانهيار الإمبراطورية الغربية ظهر نظام سياسي مستبد وهو النظام (الإقطاعي)، وهو أشبه ما يكون بتقسيم الناس الى طبقتين: أحرار وعبيد، وإن لم تكن التسمية بهذه الأسماء، الملوك في أوروبا تقلصت سلطتهم بسبب اتساع نفوذ الملاك، وتحولت الدول في أوروبا الى مجموعة من الإقطاعيات التي يملكها أشخاص أطلق على بعضهم اسم (النبلاء)، أما بقية الناس فإنهم لم يكونوا من رجال الدين ومن يتكلمون باسم الكنائس فهم (الفلاحون) المستعبدون في ذلك الزمان.
(الملوك) كانوا يعتمدون في سلطتهم على ما توارثوه من أسلافهم، و(الاقطاعيون) بما يملكون من أراض وثروات، أما رجال الكنيسة فاعتمادهم على ما يزعمونه من قدسية وعصمة وأنهم يتملكون باسم (الرب)!! واجتمع الفئات الثلاث الكنيسة، والسادة والإقطاعيون، والملوك ضد باقي الشعب المغلوب على أمرها فهو يعمل لأجل لقمة عيشه ولا حقوق له ولا حرية، فمن أراد الحياة منهم فلابد له من الكدح والعمل بلا اعتراض.
ظل الوضع هكذا في أوروبا بضعة قرون من الظلم والاستعباد والقهر، بل وصل الحال بالكنيسة أنها كانت تفرض وصايتها على العلماء والمفكرين حيث انها اعتبرت أقوال رجال الكنيسة كأنها أقوال (الرب)!! وأن الاعتراض على رجل الكنيسة كالاعتراض على (الرب)، بل تجاوزت الكنيسة في عدوانها ومنعت الكثيرمن العلوم الطبيعية وأمرت بقتل العلماء لأن علمهم سيكشف زيف دينهم وتحريفه، وبدأت الكنيسة تتخبط في خرافاتها فجعلت من رجالها وسطاء بين الناس وبين ربهم!! بل ابتدعت ما يسمى بـ«صكوك الغفران»!! مما جعل الناس يخرجون عن صمتهم ويثورون على الكنيسة وخرافاتها، واستعانت الكنيسة ببعض الملوك والإقطاعيين للحفاظ على سلطتهم ولكن ظهر التمرد من داخل الكنيسة كما فعل (مارتن لوثر).
لم يكن عند الكنيسة أي احترام للعلوم الطبيعية التجريبية وكانت تحرمه على الناس وتلاحق من ينادي به وكان هذا الأمر يحدث في عصر ذهبي لدى الدولة الإسلامية التي كانت تمجد العلم وأهله، وكان علماؤها في الرياضيات والكيمياء والطب والفلك وغيرها من العلوم هم ممن نشؤوا نشأة دينية، وإن كانت هناك مراحل من الاستبداد السياسي في الدولة الإسلامية فإن علمآء الدين الإسلامي كانوا في مقدمة المعارضة والدفاع عن حقوق الشعب وحرياتهم المسلوبة حتى لو أدى ذلك الى قتل الكثيرين منهم.
كانت الكنيسة تحرم على الناس حتى مجرد التساؤل والتفكير واستخدام العقل ليس في نصوصهم المقدسة وحسب بل حتى في اجتهادات رجال الكنيسة وكان مجرد التساؤل والتشكيك في بعض خرافات رجال الدين يؤدي أحياناً الى معاقبة صاحبه وربما قتله، في حين كانت الأمة الإسلامية تزخر بالمدارس الفقهية والاجتهادات وتأليف الكتب وتأصيل العلوم واستنباط الأحكام، ولم يعرف المسلمون احتكار العلوم الشرعية على فئة من الناس ومنعها عن باقي البشر.
قد تكون هناك عوامل اخرى لا يتسع المجال لذكرها أدت الى نشوء ما يسمى بالإصلاح الديني الذي قاد مسيرته (مارتن لوثر)، وانتشار أدبيات انبعثت من الفلسفة الإغريقية اليونانية تهدف للتحرر من سلطة الكنيسة، ومما ساعد على هذا التغيير ظهور طبقة جديدة في أوروبا ليست من (النبلاء) ولا من (الرقيق) أو الفلاحين، وسميت بالطبقة (الوسطى) أو (البرجوازية)، وهي طبقة لم تعتمد في رزقها على النبلاء الإقطاعيين، بل عملت بالتجارة الحرة والمهن الأخرى فلم تعتمد على غيرها، وكانت هذه الطبقة هي المحرك الرئيسي لتبني (الليبرالية) في ذلك الزمن، (فالليبرالية) كانت هي الخلاص لهذه الطبقة من قيود الإقطاعيين ورجال الكنيسة، واشتعلت الثورات في أوروبا تنادي بالفكر الليبرالي الذي يعتمد على (الحرية) و(الفردية) و(العقلانية) كردة فعل طبيعية من الظلم والاستعباد الذي كانت تعيشه أوروبا، وبغض النظر عن مجالات الليبرالية او اتجاهاتها فإن الظروف التي نشأت من خلالها في أوروبا لا يمكن مقارنتها بأي حال مع البلاد الإسلامية التي إن مرت بمراحل سيئة فهي بسبب عدم تمسكها بالدين والشريعة الإسلامية الصحيحة، والمشكلة أن الليبراليين العرب أرادوا نقل الليبرالية الغربية وتكييفها مع العالم الإسلامي مع أنه لا علاقة ولا تشابه بين ما كانت تعانيه الشعوب الأوروبية من رجال الكنيسة والدين المحرف وما استفادت منه شعوب المسلمين من أئمة المذاهب وعلماء الشريعة الإسلامية وللحديث بقية.

تصميم وتطويركنون