المادة
زكاة الفطر
محمد المختار الشنقيطي
الإجابة: تقدمت تعريف الزكاة والفطر المراد به الفطر من الصوم وللعلماء-رحمة الله عليهم- في تسميته زكاة الفطر وجهان منهم من يقول الفطر هنا ضد الصوم وهو المراد به الفطر من الصوم أي إكمال عدة رمضان ودخول شهر شوال .
والوجه الثاني : أن المراد بالفطر من الفطر وهو الخلق ومنه قوله-تعالى- : { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا }أي خلقهم وجبلهم عليها ومنه قوله-عليه الصلاة والسلام- " كل مولود يولد على الفطرة " وقوله- :{ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ }قال ابن عباس ما كنت أعلم معنى هذه الآية { الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ } ما كنت أعلم ما معنى فاطر حتى اختصم إلي أعرابيان في بئر وقال أحدهما هي بئري وأنا فطرتها فعلم أن معنى فطر خلق وأوجد ، ففي المخلوق أوجد وفي الخالق خلق فقولهم زكاة الفطر قالوا من الخلقة ، وبناءً على ذلك يعتبرونها من زكاة البدن والأقوى أنها الفطر من رمضان برواية ابن عمر في الصحيح : " فرض رسول الله-صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان " . فأضاف الفطر إلى رمضان فصار مختصا بالفطر من رمضان وخرج معنى الفطر وهو الخلق . هذه الزكاة شرعها الله-تعالى - فمن العلماء من يقول مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع ونهم من يقول هي مشروعة بالسُّنة ، والإجماع .
أما الذين يقولون إنها هي مشروعة بالكتاب : فإنهم يحتجون بقوله {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } قالوا قد أفلح من تزكى أي أدى زكاة الفطر ليلة العيد وذكر اسم ربه بالتكبير ليلة العيد لأنه يشرع ثم فصلي أي صلاة عيد الفطر فجعل الثلاثة الأمور مرتبة بعضها على بعض .
{ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } أي زكى زكاة الفطر وذكر اسم ربه أي أكثر من التكبير فصلي أي صلي صلاة العيد وقال بعض العلماء : إنها مشروعة بالسُّنة وفيها حديثان أولهما حديث عبدالله ابن عمر في الصحيحين " فرض رسول الله-صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر من رمضان " ، وكذلك مثل حديث أبي سعيد-رضي الله عنه - في الصحيحين قال : "كنا نخرج صدقة الفطر على عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم- " ، وكذلك حديث ابن عباس-رضي الله عنه- عند الحاكم وغيره أنه قال : " فرض رسول الله-صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر "فهذه الأحاديث دلت على مشروعية صدقة الفطر ولذلك أجمع العلماء على أنها سنة والخلاف بينهم هل هي واجبة أو هي مستحبة ؟
فمنهم من يقول : ليست بواجبه .
ومنهم من يقول : إنها واجبة .
فالذين يقولون بالوجوب هم جمهور العلماء-رحمة الله عليهم- من السلف والخلف .
وقال بعض العلماء وهو قول في مذهب الإمام مالك إنها ليست بواجبة وشهره بعض أصحابه من المتأخرين أنها ليست بواجبة والصحيح أنها واجبة لقول عبدالله ابن عمر : " فرض رسول الله-صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر " والقاعدة : " على أن هنا اللفظ (فرض) يدل على الوجوب " لأن الفريضة تعتبر لازمة لا خيار للمكلف في إسقاطها فلا تعتبر في مقام مندوبات والمستحبات وإنما هي في مقام الواجبات ، ولذلك قال-تعالى- : { فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ }.
فالفرض يطلق بمعنى الواجب ولا يطلق على المندوب والمستحب فكان تعبير هذا الصحابي بقوله : " فرض رسول الله-صلى الله عليه وسلم- " دالاً على الوجوب لكن الظاهرية-رحمة الله عليهم- ينازعون في مثل هذا الحديث لأنهم يقولون يحتمل أن الصحابي فهم ما ليس بفرض فرضاً فلا يرونه دليلاً على الفرضية وجمهور الأصوليين ومنهم الأئمة الأربعة على أن الصحابي إذا قال : " فرض رسول الله-صلى الله عليه وسلم- " أنه يدل على الوجوب لأن الصحابة أعرف بالخطاب وأعرف بلسان العرب ومدلولاته وهم قد شهدوا مشاهد التنـزيل فهم أعرف بأساليب الكتاب والسُّنة مع مالهم من العلم والدراية بحال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- الأمر الذي يجعل ما ذكره الظاهرية من احتمال فهم الصحابي ما ليس بأمر أمراً ضعيفاً والقاعدة : " أن الاحتمالات لا ترد على النصوص ولا تبطل أدلتها " ، وعلى هذا فالصحيح أن قوله : " فرض رسول الله-صلى الله عليه وسلم- " يعتبر دالاً على الوجوب وأن زكاة الفطر فريضة يثاب فاعلها ويعاقب تاركها ويدل على هذا القول بعد ذلك : " وأمر أن تخرج قبل الصلاة " كما في الصحيح فقوله : " وأمر أن تخرج قبل الصلاة هذا يدل على أنه واجب وبناء على ذلك تأكد القول بوجوب زكاة الفطر للعلماء-رحمة الله عليهم- في زكاة الفطر أوجه منهم من يقول شرع الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ؛ والسبب في ذلك أن الإنسان ضعيف يعتريه ما يعتريه من الجهل كما أوصفه-تعالى- بالجهل والظلم { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }فلا يأمن أثناء صيامه من الشتم ولا يأمن من الرفث الذي يلغو به أو يصيب به الخطايا التي لا تصل إلى حد الكبائر فجعل الله صدقة الفطر مطهرة لهذا النقص الذي يعتوره في صيامه ومن العلماء من قال إن صدقة الفطر شرعت من أجل الضعفاء والمساكين ؛ والسبب في هذا أنهم إذا أعطوا صدقة الفطر أعينوا على فرح العيد وسروره ولذلك ورد في الحديث وهو ضعيف أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال : " أغنوهم عن السؤال يوم العيد وليلته " ولكنه ضعيف إلا أن العلماء يقولون : معناه صحيح والشرع يقصد إغناء الفقراء بدليل أنه فرض هذه الزكاة وخصها للفقراء والضعفاء ويقول بعض السلف-رحمة الله عليهم- : إن صدقة الفطر للصوم بناءً على القول الأول تكمل الصوم وتجبر كسره على ظاهر قوله في حديث ابن عباس وقد حسنه غير واحد من العلماء" فرض رسول الله-صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر من رمضان طعمة للمساكين وطهرة للصائم من اللغو والرفث " قالوا : إنه على هذا الوجه تكون صدقة الفطر بمثابة سجود السهو للصلاة يجبر النقص إذا كان في الصلاة فلو ترك إنساناً واجباً من واجبات الصلاة فإنه يجبره وقد قالوا للهدي في الحج إذا حج الإنسان متمتعاً أو قارناً فإنه يجبر النقص ؛ والسبب في ذلك أن المتمتع كان ينبغي عليه بعد إنتهاء عمرته أن يرجع إلى ميقاته ويحرم بالحج ولكنه أحرم بالحج من مكة فكان نقصاً ، ولذلك المكي لا يجب عليه دم لأنه أحرم من المقيات في النسكين فلذلك شرع الدم جبراناً لهذا النقص وهكذا القارن لأنه في معناه وعلى هذا قالوا إنها بمثابة الجبر للنقص في صيام المكلف على ظاهر الحديث الذي ذكرناه .
و تجب على كل مسلم تجب أي زكاة الفطر [ على كل ] كل من ألفاظ العموم والسبب في هذا العموم العموم هذا يشمل صغار المسلمين وكبارهم وذكورهم وإناثهم فالرجل يخرج عن أهل بيته سواء كان بالغين أو غير بالغين كانوا ذكوراً أو إناثاً كانوا أحراراً أو عبيداً فيجب عليه أن يخرج عنهم صدقة الفطر لقوله-صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين من حديث ابن عمر : فرض رسول الله-صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين " وقال-رحمه الله- من المسلمين حتى يخرج الكافر فالكافر لا تجب صدقة الفطر عليه لأنها شرعت تطهيراً والكافر لا يطهر ويشمل هذا العموم في قوله ( كل ) العاقل والمجنون فلو كان في الأبناء أو البنات من هو مجنون وجبت الزكاة وأخرجت عنه وفي الجنين وجهان : أثر من عثمان-رضي الله عنه- وسليمان بن يسار-رحمه الله- أنهم كانوا يخرجون عن الجنين واستحب بعض السلف وبعض الأئمة كما نقله ابن الملقن وغيره في شرح العمدة أنه يخرج عن الجنين إذا تمت له أربعة أشهر ، وبناءً على ذلك يقولون إنه يخرج عن الجنين لأنه في حكم الحي حينئذٍ ومنهم من اعتبر أربعين يوماً والأقوى الأول من استتمام المدة لنفخ الروح لحديث عبدالله بن مسعود-رضي الله عنه- الثابت في الصحيح .
إذا كان هذا المكلف الذي نخاطبه بوجوب الزكاة الفطر إذا كان مالكاً قادراً على إخراجها فلذلك اشترط المصنف-رحمه الله- أن يكون عنده فضل عن القوت والفضل هو الزائد ومنه فضلة الطهور بعد وضوؤك وطهرك وفي الحديث لأنه شرب فضلة وضوءه أي ما زاد ومنه فضلة الطعام ويوجب الفضل فضلاً لأنه في زيادة الطاعة والقربة لله تعالى .
فالرجل إذا كان وحيداً مسؤولاً عن نفسه نقول لا تجب عليك زكاة الفطر إلا إذا ملكت ما تخرج به زكاة الفطر زائداً عن قوتك ولذلك يبدأ الإنسان بنفسه فإذا كان المال الذي عنده لا يكفيه إلا لقوته فليس من المعقول أن نقول له أغن الفقير حتى يصل هو إلى الفقر فلذلك يبدأ به فيكف نفسه ويقوم بحوائج نفسه الأصلية فإذا فضل بعد الحاجة شيء حينئذٍ ينظر في الزكاة ويخاطب بها وهكذا الحال إذا كان عنده أهل وعنده أسرة فنينظر في قوته وقوت زوجه وقوت أولاده ومن تلزمه نفقته كالعبيد فإذا هذا الرجل مائة ريال يحتاجها ليلة العيد لنفقته الأصلية فحينئذٍ لا خاطبه بزكاة الفطر لأنه لم يملك ما زاد عن قوته بحيث يكلف ويخاطب بالوجوب أما لو كانت المائة يكفيه منها خمسون لحاجته الأصلية وقوته فحينئذٍ نقول أنت مخاطب بزكاة الفطر فالشرط أن يكون عنده فضل عن القوت .
ولا يمنعها الدين قالوا لأنها ليست متعلقة بالمال وإنما هي متعلقة بالبدن ، وبناءً على ذلك إذا كان الإنسان مديوناً فإنه يجب عليه أن يخرج زكاة الفطر إذا كان عنده فضل عن قوته يمكنها أن يخرج به الزكاة ولا يمنعها الدين إلا إذا طولب به هذا استثناء أي في حالة واحدة يكون الدين مانعاً وهي إذا طالب صاحب الدين بدينه فحينئذٍ تعارض حقان حق الله وحق المخلوق وحقوق الله مبنية على المسامحة بإجماع العلماء وحقوق المخلوقين مبنية على المشاحة والمقاصة ، وبناءً على ذلك قالوا يبتدئ بسداد دينه ثم بعد ذلك تسقط عنه الزكاة .
[ فيخرج عن نفسه وعن مسلم يمونه ولو شهر رمضان ] : عن نفسه لأنه مخاطب بها أصالة وعن مسلم يمونه يقوم على نفقته - وسيأتي إن شاء الله - في باب النفقات بيان الضوابط التي يحكم بها على الانسان بوجوب النفقة على القريب ونحو ذلك ، فالأصل في إيجاب زكاة الفطر على الانسان فيمن تلزمه نفقته ما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: " ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر " فلما قال-عليه الصلاة والسلام- : " على عبده " قال جمهور العلماء : إن النبي-صلى الله عليه وسلم- أوجب على السيد أن يخرج الزكاة عن العبد ولا نعرف في العبد شيئاً إلا من جهة الإيجاب إلا كون السيد قائماً على نفقته فلما كان قائماً على نفقته كان هذا مناسباً لشرعية الحكم لوجوب الصدقة أعني صدقة الفطر ، ومن هنا قال العلماء-رحمة الله عليهم- : تجب صدقة الفطر عن الانسان إذا قام بنفقته غيره فلا يطالب ذلك الغير بزكاته وإنما يطالب من تلزمه نفقته ، وعلى هذا يؤديها عن عبيده وعن زوجته بالتفصيل المعروف في الزوجة وذلك إذا دخل .