رمضان وإفطار الصائم
شهر رمضان هو شهر المسارعة إلى الخيرات والتنافس فيها، ومن هذه الخيرات إفطار الصائم, والتي لها دور رئيسي في زيادة روابط المودة والمحبة بين المسلمين...
إفطار الصائم له أجر عظيم:
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من فطر صائماً كان له مثل أجره, غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء))(1)
إفطار الصائم من أنواع الجود, والذي هو من هدي النبي صلى الله عليه وسلم:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة))(2).
قال النووي: (وفي هذا الحديث فوائد منها: بيان عظم جوده صلى الله عليه وسلم, ومنها استحباب إكثار الجود في رمضان, ومنها زيادة الجود والخير عند ملاقاة الصالحين, وعقب فراقهم؛ للتأثر بلقائهم..)(3)
وإفطار الصائم في شهر رمضان وغيره نوع من أنواع الجود, والخير, والكرم...
إفطار الصائم من هدي السلف الصالح:
قال ابن رجب: (كان ابن عمر يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله عنهم، لم يتعشَّ تلك الليلة.. وكان إذا جاء سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفنة, فيصبح صائماً.. ولم يأكل شيئاً.
واشتهى بعض الصالحين من السلف طعاماً, وكان صائماً, فوضع بين يديه عند فطوره, فسمع سائلاً يقول: من يقرض الملي, الوفي, الغني؟ فقال: عبده المعدم من الحسنات، فقام فأخذ الصحفة, فخرج بها إليه, وبات طاوياً.
وجاء سائل إلى الإمام أحمد, فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره، ثم طوى, وأصبح صائماً)(4)
إفطار الصائم شكر لله على نعمة الطعام والشراب:
قال ابن رجب: (الصائم يدع طعامه وشرابه لله، فإذا أعان الصائمين على التقوِّي على طعامهم وشرابهم، كان بمنزلة من ترك شهوة لله، وآثر بها أو واسى منها، ولهذا يشرع له تفطير الصوَّام معه إذا أفطر؛ لأن الطعام يكون محبوباً له حينئذ فيواسي منه؛ حتى يكون ممن أطعم الطعام على حبه، ويكون في ذلك شكرٌ لله على نعمة إباحة الطعام والشراب له، وردِّه عليه بعد منعه إيَّاه، فإن هذه النعمة إنما عرف قدرها عند المنع منها)(5).
فاعلم أيها الصائم أن أبواب الخير كثيرة للراغبين، والمؤمن العاقل هو الذي يبادر إلى الخيرات التي تضاعف من أجره وثوابه في شهر رمضان المبارك.
------------------
(1) رواه الترمذي (807)، وابن ماجه (1428)، وأحمد (4/114) (17074)، والدارمي (2/14)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2/256) (3331)، وابن حبان (8/216) (3429)، والطبراني (5/256) (5273)، والبيهقي (4/240) (8395).
قال الترمذي، وابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (1/472): حسن صحيح، وصححه البغوي في ((شرح السنة)) (3/541)، والسيوطي في ((الجامع الصغير)) (8889)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (807).
(2) رواه البخاري (4997)، ومسلم (2308).
(3) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (15/69).
(4) ((لطائف المعارف)) لابن رجب (ص185)
(5) ((لطائف المعارف)) لابن رجب (ص188)