المادة
التحذير من الفطر في رمضان
قبل سنوات قليلة حوالي ثلاثة، أو أربع سنوات كنت أجهل الكثير من أحكام الصيام والعقوبات المترتبة على من خالف أحد هذه الأحكام، كنا ثلاثة إخوة بالغين، وكان إذا جاء رمضان صمنا بعض أيامه الأولى ثم أفطرنا البعض بجهل تام منا بالعقوبة الوخيمة المترتبة على الإفطار،
عليكم التوبة إلى الله، والندم، والعزم الصادق أن لا تعودوا، وعليكم القضاء، قضاء الأيام التي أفطرتموها كلكم، والحديث المذكور حديث ضعيف ليس بصحيح عند أهل العلم حديث مضطرب، ويكفي أن يصوم مع التوبة، من صام يوم بدل يوم كفى، والحمد لله، شهر بدل شهر كفى والحمد لله مع التوبة إلى الله، وأما الحديث الذي ذكره السائل: (من أفطر يوماً عمداً بغير عذر لم يقضي صومه الدهر وإن صامه)، حديث ضعيف ذكر المحققون من أهل العلم أنه مضطرب لا يثبت، ولو صح لكان من باب الوعيد والتحذير، وإلا فاليوم يكفي، قال الله تعالى: (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (185) سورة البقرة. وهكذا من أفطر عمداً عليه عدة من أيام آخر مع التوبة إلى الله. جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ لعلها مناسبة أن تتكرمون بالحديث عن كل ما ورد بشأن الوعيد سواءٌ في القرآن الكريم، أو في الأحاديث النبوية؟ ما ورد في الوعيد عند أهل السنة والجماعة يكون فيه حث للمؤمن، وتحريض للمؤمن والمؤمنة على الحذر مما جاء في الوعيد من ترك واجب، أو فعل محرم، كالوعيد في ترك الصلاة ترك الصيام، ترك الزكاة، ترك الحج مع القدرة، ترك بر الوالدين، ترك صلة الرحم، ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما أشبه ذلك من باب الوعيد، للحث على فعل الواجب، وهكذا ما ورد في وعيد الزنا، وشرب الخمر، واللواط، والعقوق، وقطيعة الرحم، والربا، كل هذه الأنواع من الوعيد المقصود منها التنفير، والتحذير من معاصي الله -جل وعلا-، فإذا فعل المؤمن واحداً منها صار نقصاً في إيمانه، وضعفاً في إيمانه، وهو على خطر من دخول النار، لكن لا يدخل إذا كان ما أتى كفراً لا يدخل بهذا، بل يكون تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه يوم القيامة لو ما تاب؛ لأن الله –سبحانه- يقول: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ) (48) سورة النساء، ثم قال بعد ذلك: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) (48) سورة النساء. ما كان دون الشرك فالله يغفره -سبحانه وتعالى- لمن يشاء، وأما إذا مات على الكفر بالله، والشرك بالله، فإنه لا يغفر فصاحبه مخلدٌ في النار نعوذ بالله، قال تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (88) سورة الأنعام, وقال سبحانه: (وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (5) سورة المائدة. فالحاصل أن المعاصي التي يفعلها الإنسان من ترك الواجب، أو فعل محرم، إن كانت ليست من الكفر بالله والشرك الأكبر، فإنها تكون نقصاً في الإيمان، وضعفاً في الإيمان، ولا يكفر بها الإنسان كما تقول الخوارج، لا، الخوارج تقول يكفر من فعل المعصية، من زنا يكفر، من شرب الخمر كفر، من عق والديه كفر، وهذا غلط، والخوارج باطل، أهل السنة والجماعة يقولون: المعصية تنقص الإيمان, وتضعف الإيمان، ولا يكفرون بالذنب، ولكن يقولون: هو تحت المشيئة إذا مات على المعصية، مات على الزنا، مات وهو عاق، مات وهو يشرب الخمر، هذا تحت مشيئة الله ما يكون كافراً، وإذا كان يعرف أنه حرام و ماستحلها يعلم أنها حرام وأنها معصية لكن غلبه الشيطان غلبه الهوى فهذا يكون تحت مشيئة الله ويكون ناقص الإيمان ضعيف الإيمان، لكنه لا يكفر بذلك، ولا يخلد في النار، بل متى دخل النار، فإنه يعذب فيها ما شاء الله، ثم يخرجه الله من النار بتوحيده، وإسلامه الذي مات عليه، وهكذا أجمع أهل السنة والجماعة -رحمة الله عليهم-، فالمعاصي تنقص الإيمان، وتضعف الإيمان، والطاعة تزيد الإيمان، فالإيمان عند أهل السنة والجماعة يزيد وينقص، يزيد بالطاعة والذكر، وينقص بالغفلة والمعصية، وإذا مات الإنسان على معصية فهو تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه على قدر المعصية من الزنا، أو السرقة، أو شرب الخمر، أو العقوق، أو غير هذا، إذا مات ولم يتب، فإنه تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له، وعفا عنه بتوحيده وإيمانه وبالحسنات التي عنده، وإن شاء ربنا -عز وجل- عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها، ثم بعد أن يطهر ويمحص في النار المدة التي يكتبها الله عليه، بعد هذا يخرج من النار إلى الجنة، بسبب التوحيد الذي مات عليه والإسلام الذي مات عليه، هذا قول أهل الحق من أهل السنة والجماعة، خلافاًَ للخوارج، والمعتزلة ومن سار على نهجهم، فإنهم قد خالفوا الحق، فالصواب قول أهل السنة والجماعة: أن المعصية لا تخرج من الإسلام، ولا توجب الخلود في النار إذا كان صاحبها مسلماً موحداً ولكن أتى بعض المعاصي من الزنا، أو شرب الخمر، أو العقوق، أو الربا ولم يستحل ذلك، يرى أنه عاصي ما استحله، يرى أنه عاصي، وأنه ظالم لنفسه، لكنه غلبه الهوى والشيطان، فهذا تحت مشيئة الله، قد يعفا عنه إذا مات على توحيد الله، قد يكون له حسنات عظيمة، صدقات، أشياء من الخير، يغفر الله له بذلك، وقد يعذب على قدر المعاصي التي مات عليها وهو مسلم، ثم يخرجه الله بعد التعذيب والتمحيص إلى الجنة، وقد ثبتت الأحاديث المتواتر عن رسول الله بذلك، فأخبر في الأحاديث المتواترة يشفع للعصاة من أمته، يعطيه الله منهم جماً غفيراً، يشفع عدة شفاعات للعصاة من أمة محمد -عليه الصلاة والسلام-، فالله يحد له حداً فيخرجهم من النار، فيلقون في نهر الحياة وينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فإذا تتام خلقهم يدخلون الجنة، عدة شفاعات كلما شفع أعطاه الله جملة من الناس وحد له حداً، وهكذا يشفع المؤمنون، تشفع الملائكة، تشفع الأفراط، تشفع الأنبياء في الأمم، فالمقصود أن هذا هو الحق، فينبغي أن يعلم هذا، وأما ما قالته الخوارج من كفر العاصي، والزاني ونحوه، وأنه يخلد في النار، وهكذا تبعتهم المعتزلة على خلوده في النار، والأباظية قالوا مثل قولهم بخلودهم في النار، هذا منكر هذا باطل، يجب الحذر منه والتوبة إلى الله منه، يجب على من قال هذا القول أن يتوب إلى الله، وأن يأخذ بقول أهل السنة والجماعة، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. جزاكم الله خيراً
عناصر المادة