المادة

شرح الحديث الـ 201 في النهي عَن الْوِصَال

351 | 28-04-2013

شرح الحديث الـ 201

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوِصَالِ . قَالُوا : إنَّكَ تُوَاصِلُ . قَالَ : إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ , إنِّي أُطْعَمَ وَأُسْقَى .
وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ .
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه : فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ .

فيه مسائل :


1= معنى الوصال :
قال القاضي عياض : هو متابعة الصوم دون الإفطار بالليل .
وقال ابن الأثير : هو أن لا يُفْطِرَ يَوْمَيْن أو أيَّاما .

2= الحكمة من النهي عن الوصال :
أ – رحمة بهم ، وإبقاء عليهم ، وفي التنزيل : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) .
وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت : نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رَحمة لهم . رواه البخاري ومسلم .
ب – النهي عن التعمّق والتكلّف .
قال الإمام البخاري : باب الوصال . ومَن قال ليس في الليل صيام لقوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه رحمة لهم وإبقاء عليهم ، وما يُكْرَه مِن الـتَّعَمُّق .
وفي حديث أنس رضي الله عنه : قال : وَاصَل النبي صلى الله عليه وسلم آخر الشهر ، وواصَل أناس مِن الناس ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لَوَاصَلْنَا وِصَالاً يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ . رواه البخاري ومسلم .
جـ - لِمَا فيه مِن ضعف القوة ، وإنهاك الأبدان . قاله القرطبي .
د – دَفْع الْملل ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ! عَلَيْكُمْ مِنْ الَْعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا ، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ . رواه البخاري ومسلم .
ولَمَا نَهى عن الوصال صلى الله عليه وسلم قال : فَاكْلَفُوا مِنْ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ . رواه البخاري ومسلم مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
هـ - يُنهَى عن الوصال مِن أجل مُخالفة أهل الكتاب . ولذلك كانت أكلة السَّحَر مِما يُخالَف به أهل الكتاب .
و – لِمَا في الوصال مِن تضييع الحقوق والتقصير فيها ، وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يصوم النهار ويقوم الليل ، فلمّا زاره سلمان رضي الله عنه قال له سلمان : إن لربك عليك حقّا ، ولنفسك عليك حقّا ، ولأهلك عليك حقّا ، فأعطِ كل ذي حق حقّه ، فأتى أبو الدرداء النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق سلمان . رواه البخاري . وسيأتي في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .

3 = قول الصحابة رضي الله عنهم : " إنك تُواصِل " ليس فيه اعتراض ، وإنما هو سؤال واستفسار عن شأنه صلى الله عليه وسلم ، أنه يُواصِل وَيَنْهَى عن الوصال . لأنه صلى الله عليه وسلم كان قدوة لأصحابه ، وكان إذا أمرهم بأمر فَعَله ، وكان إذا أمرهم بأمر ابتدروا أمْرَه .
وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن الوصال ، ووصَال أناس منهم ، فإنه ليس معصية ولا على سبيل المنازعة له صلى الله عليه وسلم ، بل فهموا أن النهي ليس على سبيل المنع ، وإنما كان إبقاء عليهم .

قال القرطبي : واحتج مَن أجاز الوصال بأن قال : إنما كان النهي عن الوصال لأنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام ، فخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتكلفوا الوصال وأعلى المقامات ، فيفتروا أو يَضعفوا عَمَّا كان أنفع منه مِن الجهاد والقوة على العدو ، ومع حاجتهم في ذلك الوقت .
وكان هو يلتزم في خاصة نفسه الوصال وأعلى مقامات الطاعات ، فلما سألوه عن وصالهم أبْدَى لهم فارِقًا بينه وبينهم ، وأعلمهم أن حالته في ذلك غير حالاتهم ، فقال : " لَسْتُ مثلكم إني أبيت يُطعمني ربي ويَسقيني " .
فلما كَمُل الإيمان في قلوبهم واستحكم في صدورهم ورَسَخ ، وكَثُر المسلمون وظهروا على عدوهم ، واصل أولياء الله وألزموا أنفسهم أعلى المقامات . اهـ .

وقال ابن كثير : يحتمل أنهم كانوا يَفهمون مِن النهي أنه إرْشَاد ، أي : مِن باب الشفقة ، كما جاء في حديث عائشة : "رحمة لهم" . اهـ .

4 = حرص الصحابة رضي الله عنهم على الخير ، وإن كان فيه مشقّة .

5 = الخلاف في الوصال :
اخْتُلِف في حُكم الوصال على ثلاثة أقوال :
القول الأول : جائز مع الكراهة ، وحكمه باقٍ .
والقول الثاني : منهي عنه ، وهو منسوخ . وحُجة أصحاب هذا القول أن الليل ليس محلاًّ للصوم .
والجواب عنه ما قاله أبو الوليد الباجي : إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوِصَالُ وَيَصِحُّ ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُصَامُ زَمَنَ اللَّيْلِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ لِلنَّهَارِ ، فَأَمَّا أَنْ يُفْرَدَ بِالصَّوْمِ فَلا يَجُوزُ . اهـ .
والقول الثالث : أنه خاص بِرسول الله صلى الله عليه وسلم .

6 = الراجح في حُكم الوصال :
قال القرطبي : وعلى كراهية الوصال - ولِمَا فيه مِن ضعف القوى وإنهاك الابدان - جمهور العلماء .
وقد حَرَّمَه بعضهم لِمَا فيه من مخالفة الظاهر والتشبه بأهل الكتاب . اهـ .
وسبب الكراهية : ترك الإفطار ، وقد جاء الحثّ على تعجيل الإفطار ، وترك أكلة السحور التي جاء الحثّ عليها أيضا ، وما فيها من البركة .
فإن أدّى الوصال إلى ضرر فإنه مُحرّم .
وكان ابن الزبير رضي الله عنهما يُواصِل سبعة أيام .
وكان أبو الجوزاء يُواصِل سبعا . ولو قَبَض على ذراع الرجل الشديد لَحَطمها !

7 = الوصال الجائز ، هو ما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام : " فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ " .
قال القرطبي : قالوا : وهذا إباحة لتأخير الفطر إلى السَّحَر ، وهو الغاية في الوصال لمن أراده ، ومنع من اتصال يوم بيوم ، وبه قال أحمد وإسحاق . اهـ .

8 = يُؤجر الصائم على الوصال المشروع ، وإن كان الليل ليس محلاًّ للصوم ؛ لأن صيام الليل تَبَع لِصيام النهار .

9 = في حديث سهل بن سعد الحثّ على تعجيل الأفطار ، والوصال يُفوِّت ذلك . فكيف الجمع بينهما ؟
الجمع بينهما ، أن يُقال :
أ – حديث سهل هو الأصل ، وهو في حقّ أكثر الناس .
وحديث أبي سعيد في حالات مُستثناة ، وهو خلاف الأصل .
ب – حديث أبي سعيد لا يُعارِض ما في حديث سهل ؛ لأن من أراد الوصال لا يُخاطَب بتعجيل الإفطار .
جـ - تأخير الأفطار في حال الوصال لا يُراد منه الاحتياط والتنطّع ، وليس فيه شُبهة موافقة أهل الكتاب .
د – الوصال المشروع تأخير الإفطار إلى السحر ، بحيث يكون الإفطار والسحور في وقت واحد .

10 = جواز التعزير على مُخالفة أمر الإمام ورئيس القوم إذا كان الأمر لمصلحتهم .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم نَكّل بأصحابه – فواصل بهم – كالْمُنكِّل بهم .
ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه : فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال ، واصَل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال ، فقال : لو تأخر لَزِدْتكم ، كالْمُنَكِّل بهم حين أبَوا . رواه البخاري ومسلم .
وفي حديث أنس رضي الله عنه : قال : وَاصَل النبي صلى الله عليه وسلم آخر الشهر ، وواصَل أناس مِن الناس ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لَوَاصَلْنَا وِصَالاً يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ . رواه البخاري ومسلم .

11 = " إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ " حُمِل على قوّة تحمّله عليه الصلاة والسلام . وما اختُصّ به عليه الصلاة والسلام .

12 = " إنِّي أُطْعَمَ وَأُسْقَى " ليس على حقيقته .
قال ابن كثير : الأظهر أن ذلك الطعام والشراب في حقه إنما كان معنويًّا لا حِسيًّا ، وإلا فلا يكون مُواصِلاً مع الحسي . اهـ .
وقال ابن حجر : وقال الجمهور : قوله : " يطعمني ويسقيني " مجاز عن لازِم الطعام والشراب ، وهو القوة ، فكأنه قال : يعطيني قوة الآكِل والشارِب ، ويُفيض عليّ ما يَسِدّ مَسَدّ الطعام والشراب ، ويَقْوَى على أنواع الطاعة من غير ضعف في القوة ولا كِلال في الإحساس . أو المعنى : إن الله يخلق فيه مِن الشبَع والرّيّ ما يغنيه عن الطعام والشراب ، فلا يحس بجوع ولا عطش . اهـ .
وحُمِل على اكتفائه صلى الله عليه وسلم بالذِّكر في حال الوصال .
قال ابن القيم عن الذِّكْر : قُوت القلب والروح ، فإذا فقده العبد صار بِمَنْزِلة الجسم إذا ِحيل بينه وبين قُوتِه ، وحَضَرْت شيخ الإسلام ابن تيمية مَرَّة صَلَّى الفجر ، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب مِن انتصاف النهار ، ثم التفتَ إليّ ، وقال : هذه غَدْوَتي ، ولو لم أتَغَدّ الغداء سقطت قوتي ، أو كلاما قريبا من هذا . اهـ .

13 = الأحاديث التي أشار إليها المصنف رحمه الله ، مُخرّجة في الصحيحين .

14 = قول المصنف : " وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " هذه الرواية ليست عند مسلم ، وقد رواها البخاري بلفظ : لا تُواصِلوا ، فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر .

وبالله التوفيق .

روابط ذات صلة

المادة السابق
المواد المتشابهة المادة التالي

تصميم وتطويركنون