شرح الحديث الـ 208 في رؤيا ليلة القدر
351 |
27-04-2013
|
|
|
شرح الحديث الـ 213 عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً - وَفِي رِوَايَةٍ : يَوْماً - فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ . قَالَ : فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ . وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضُ الرُّوَاةِ يَوْماً ولا لَيْلَةً . فيه مسائل : 1 = قوله رضي الله عنه : " نذرت " : النذر أنواع : 1 – نذر مُطلَق ، نحو : عليّ نَذْر . قال ابن قدامة : فهذا تجب به الكفارة في قول أكثر أهل العلم . اهـ . 2 – نذر اللجاج والغضب ، وهو الذي يُخْرِجه مَخْرَج اليمين للحث على فِعل شيء أو المنع منه غير قاصد به للنذر ولا القُرْبة ؛ فهذا حُكْمه حُكْم اليمين . قاله ابن قدامة أيضا . 3 – نذر مُباح . قال ابن قدامة : المباح كَلُبس الثوب ، وركوب الدابة ، وطلاق المرأة على وجه مباح ؛ فهذا يتخير الناذر فيه بين فِعْله ، فَيَبَرّ بذلك ... وإن شاء تركه وعليه كفارة يمين ، ويَتَخَرَّج أن لا كفارة ... وقال مالك و الشافعي : لا ينعقد نذره لقول النبي صلى الله عليه و سلم : " لا نذر إلاَّ فيما ابْتُغِيَ به وَجه الله " . 4 – نذر المعصية ، فلا يَحِلّ الوفاء به إجماعا ؛ ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : مَن نَذَر أن يعصي الله فلا يعصه . قاله ابن قدامة . 5 – نذر الواجب ، قال ابن قدامة : كالصلاة المكتوبة ، فقال أصحابنا : لا ينعقد نذره . 6 – نذر المستحيل ، كَصَوم أمس ، فهذا لا ينعقد ، ولا يُوجب شيئا ؛ لأنه لا يُتَصَوَّر انعقاده ولا الوفاء به ، ولو حلف على فعله لم تلزمه كفارة ، فالنذر أولى . قاله ابن قدامة 7 – نَذْرٌ مكروه . 8 – نذر تَبَرُّر ، وهو على نوعين : ابتداء : مثل نذر عمر رضي الله عنه أن يعتكف . في مُقابِل : مثل أن يَكون في مُقابل ، كأن يقول : لله عليّ نذر إن عوفي مريضي ، ونحو ذلك . فهذا مكروه ، ويجب الوفاء به إذا تحق ما نذر عليه . وبعض أهل العلم أدخل بعض هذه الأنواع في بعض . 2 = مَن نذر في حال كُفره ، شُرِع له الوفاء به إذا أسْلَم . قال ابن الْمُلقِّن : فيه صِحّة النذر من الكافر ، وهو وجْه في مذهب الشافعي . وذكَر أن مذهب الجمهور أنه لا يصحّ . قال : لأن النذر قُربَة ، والكافر ليس أهلاً لها . والحديث مُأوَّل على أنه أُمِر أن يأتي باعتكاف يوم شبيه بِما نذر لئلا يُخِلّ بِعبادة نوى فعلها ، فأطلَق عليه أنه منذور لِشِبْهه به وقيامه مقامه في فِعل ما نواه مِن الطاعة ... وأجابوا أيضا : أنه يُحمَل الأمر على الاستحباب . اهـ . والذي يظهر أنه يصحّ إذا أسْلَم ، ويُشْرَع له الوفاء به ؛ باعتبار ما آل إليه الأمر ، لقوله عليه الصلاة والسلام لِحَكيم بن حزام رضي الله عنه : أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ . رواه البخاري ومسلم . 3 = " أوفِ بنذرك " : محمول على الاستحباب . قال ابن بطّال : محمول عند الفقهاء على الحض والندب لا على الوجوب ؛ بدلالة أن الإسلام يَهْدِم ما قبله . اهـ . هذا إذا كان النذر في حال كُفْر . 4 = مَن نذر في الإسلام أن يعتكف وَجَب عليه الوفاء به . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الاعْتِكَافَ سُنَّةٌ لا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ فَرْضًا ، إلاّ أَنْ يُوجِبَ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ الاعْتِكَافَ نَذْرًا ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ . 5 = " ليلة " عليها أكثر الرواة ، وهي روايات الصحيحين . ولذا قال البخاري : باب الاعتكاف ليلا . وقال : باب من لم ير عليه صوما إذا اعتكف . ثم روى رواية " ليلة " . وروى أيضا : فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً . وروى مسلم : " يومًا " وروى " ليلة " . قال ابن حجر : ورِواية مَن رَوى " يومًا " شاذة ، وقد وقع في رواية سليمان بن بلال الآتية بعد أبواب " فاعتكف ليلة " ، فَدَلّ على أنه لم يَزد على نذره شيئا ، وأن الاعتكاف لا صوم فيه وأنه لا يشترط له . اهـ . 6 = ضَعْف رواية : اعْتَكِف وصُم . قال ابن حجر : وقد وَرَد الأمر بالصوم في رواية عمرو بن دينار عن ابن عمر صريحا ، لكن إسنادها ضعيف ، وقد زاد فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : اعتكف وَصُم . أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن بديل ، وهو ضعيف . وَذَكَر ابن عدي والدارقطني أنه تفرد بذلك عن عمرو بن دينار . اهـ . 7 = يصحّ الاعتكاف من غير صيام . وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في شوال ، ولم يُذْكَر أنه صام لأجل الاعتكاف . وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَر عمر رضي الله عنه بالوفاء بِنذره ، والاعتكاف ليلا . وقال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم : ليس على المعتكِف صوم إلاّ أن يجعله على نفسه . قال الترمذي : وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ : لا اعْتِكَافَ إِلاَّ بِصَوْمٍ . وقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صَوْمٌ إِلاَّ أَنْ يُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمًا ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَفَاءِ . وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَقَ . اهـ . وذهب أبو حنيفة ومالك إلى اشتراط الصيام . وقال الشافعي : لا يُشترط . وعن أحمد : روايتان . قال الخرقي : ويجوز بلا صوم . قال ابن قدامة : الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الاعْتِكَافَ يَصِحُّ بِغَيْرِ صَوْمٍ . رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَالْحَسَنِ ، وَعَطَاءٍ ، وَطَاوُسٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ . وَعَنْ أَحْمَدَ ، رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فِي الاعْتِكَافِ ... وَلَنَا ، مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنِّي نَذَرْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْفِ بِنَذْرِك . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ شَرْطًا لَمَا صَحَّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ ، لأَنَّهُ لا صِيَامَ فِيهِ ، وَلأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَصِحُّ فِي اللَّيْلِ ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ الصِّيَامُ كَالصَّلاةِ ، وَلأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَصِحُّ فِي اللَّيْلِ ، فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْعِبَادَات ، وَلأَنَّ إيجَابَ الصَّوْمِ حُكْمٌ لا يَثْبُتُ إلاَّ بِالشَّرْعِ ، وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ نَصٌّ ، وَلا إجْمَاعٌ . قَالَ سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي سَهْلٍ ، قَالَ : كَانَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِي اعْتِكَافٌ ، فَسَأَلْت عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ . فَقَالَ : لَيْسَ عَلَيْهَا صِيَامٌ ، إلاّ أَنْ تَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهَا . فَقَالَ الزُّهْرِيُّ : لا اعْتِكَافَ إلا بِصَوْمٍ . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : لا . قَالَ : فَعَنْ أَبِي بَكْرٍ ؟ قَالَ : لا . قَالَ : فَعَنْ عُمَرَ ؟ قَالَ : لا . قَالَ : وَأَظُنُّهُ قَالَ : فَعَنْ عُثْمَانَ ؟ قَالَ : لا . فَخَرَجْت مِنْ عِنْدِهِ ، فَلَقِيت عَطَاءً وَطَاوُسًا ، فَسَأَلْتُهُمَا ، فَقَالَ طَاوُسٌ : كَانَ فُلانٌ لا يَرَى عَلَيْهَا صِيَامًا ، إلا أَنْ تَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهَا . اهـ . 8 = أقلّ الاعتكاف : ذهب أبو حنيفة ومالك إلى أن أقلّ الاعتكاف يوم وليلة . وذهب الشافعية إلى جواز الاعتكاف ساعة أو لحظة . وهو رواية عن أحمد . قال النووي : أقل الاعتكاف فيه أربعة أوجه – ثم ذَكَر الوجه الأول – فقال : أحدها : وهو الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور : أنه يُشترط لُبث في المسجد ، وأنه يجوز الكثير منه والقليل حتى ساعة أو لحظة . اهـ . والذي يظهر أنه يُرجَع في ذلك إلى تعريف الاعتكاف ، وأنه لُزوم المكان ، فلا يصح الاعتكاف لحظة ! 9 = هل للمعتكِف أن يشترط شيئا في اعتكافه ؟ له أن يشترط ما لا يُخالف أصل الاعتكاف ، وليس له أن يشترط ما يُبطِل الاعتكاف . قال الإمام الشافعي : ومن أراد أن يعتكف العشر الأواخر دخل فيه قبل الغروب ، فإذا هل شوال فقد أتم العشر . ولا بأس أن يشترط في الاعتكاف الذي أوجبه بأن يقول : إن عَرَض لي عارض خَرَجْتُ . وقال ابن عبد البر : وممن أجاز الشرط للمعتكف : أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ، إلاّ أن أحمد اخْتَلَف قوله فيه ، فَمَرَّة قال : أرجو أنه لا بأس به ، ومَرّة مَنَع منه . وقال إسحاق : أما الاعتكاف الواجب فلا أرى أن يعود فيه مريضا ولا يشهد جنازة ، وأما التطوع فإنه يَشْرط فيه حين يبتدئ : شهود الجنازة وعيادة المرضى . اهـ . وقال ابن قدامة : قَالَ الأَثْرَمُ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ الْمُعْتَكِفِ يَشْتَرِطُ أَنْ يَأْكُلَ فِي أَهْلِهِ ؟ قَالَ : إذَا اشْتَرَطَ فَنَعَمْ . قِيلَ لَهُ : وَتُجِيزُ الشَّرْطَ فِي الاعْتِكَافِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قُلْت لَهُ : فَيَبِيتُ فِي أَهْلِهِ ؟ فَقَالَ : إذَا كَانَ تَطَوُّعًا ، جَازَ . اهـ . وقال : وَإِنْ شَرَطَ الْوَطْءَ فِي اعْتِكَافِهِ ، أَوْ الْفُرْجَةَ ، أَوْ النُّزْهَةَ ، أَوْ الْبَيْعَ لِلتِّجَارَةِ ، أَوْ التَّكَسُّبَ بِالصِّنَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ ، لَمْ يَجُزْ ؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فَاشْتِرَاطُ ذَلِكَ اشْتِرَاطٌ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى . وَالصِّنَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي غَيْرِ الاعْتِكَافِ ، فَفِي الاعْتِكَافِ أَوْلَى . اهـ . ويرى شيخنا الشيخ العثيمين رحمه الله : جواز اشتراط ذلك في ابتداء الاعتكاف ، فإذا نوى الدخول في الاعتكاف ، قال : أستثني يا رب عيادة المريض أو شهود الجنازة. ولكن هذا لا ينبغي، والمحافظة على الاعتكاف أولى ، إلا إذا كان المريض أو من يتوقع موته، له حق عليه، فهنا الاشتراط أولى، بأن كان المريض من أقاربه الذين يعتبر عدم عيادتهم قطيعة رَحِم ، فهنا يَسْتَثْنِي، وكذلك شهود الجنازة " . اهـ . وبالله تعالى التوفيق .
|