المادة

شرح الحديث الـ 210 في تنقّل ليلة القدر بين ليالي الوتر

313 | 27-04-2013

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ . فَاعْتَكَفَ عَامًا , حَتَّى إذَا كَانَتْ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ - وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ - قَالَ : مَنْ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ فَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ . ثُمَّ أُنْسِيتُهَا , وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا . فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ . وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ .
فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ . وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ . فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ , فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صُبْحِ إحْدَى وَعِشْرِينَ .

فيه مسائل :


1 = " كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ " ، لا يعني هذا أنه لم يعتكف ما قبل ذلك ؛ لأن ذِكْر ما قبل ذلك مَطويّ في هذه الرواية ، ففي رواية للبخاري :
قال : اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر الأول مِن رمضان واعتكفنا معه ، فأتاه جبريل فقال : إن الذي تطلب أمامك ! فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه ، فأتاه جبريل فقال : إن الذي تطلب أمامك ! فقام النبي صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا صبيحة عشرين مِن رمضان فقال : مَن كان اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم فليرجع ، فإني أريت ليلة القدر ، وإني نسيتها ، وإنها في العشر الأواخر في وِتْر ، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء ، وكان سقف المسجد جريد النخل ، وما نَرَى في السماء شيئا ، فجاءت قَزَعَة فأُمْطِرنا ، فَصَلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرنبته ، تصديق رؤياه .
ولذلك كان آخر الأمر منه عليه الصلاة والسلام أنه يعتكف العشر الأواخر مِن رمضان حتى توفّاه الله . كما في حديث عائشة رضي الله عنها .

2 = وفي رواية للبخاري : والْتَمِسُوها في كل وِتر ، فَمَطَرت السماء تلك الليلة ، وكان المسجد على عريش ، فَوَكَف المسجد ، فَبَصُرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبهته أثر الماء والطين مِن صُبح إحدى وعشرين .

3 = تأكيد إخفاء ليلة القدر ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف مِن كُلّ رَمضان الْتِمَاسًا لها .

4 = سبق بيان سبب إخفاء ليلة القدر في حديث ابن عمر السابق .

ونسيان تعيين ليلة القدر لا تأثير له على البلاغ ، بل هو لِحكمة ظاهرة ، فقد أخفاها الله كما أخفى ساعة الجمعة ، وقد ذَكَر ابن حجر أربعين قولا في تعيين ساعة الجمعة .
قال ابن حجر في مسألة أخرى : وفيه دليل على جواز وقوع السهو مِن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الأفعال . قال ابن دقيق العيد : وهو قول عامة العلماء والنظار . اهـ .

5 = تواضعه عليه الصلاة والسلام في سجوده على الماء والطين ، وليس فيه دليل على وُجوب مُباشرة الأرض ؛ لأنه خبر عن حال ، وليس أمرًا .
قال أبو عبد الله [البخاري] : كان الحميدي يحتج بهذا الحديث ، إلاَّ يمسح الجبهة في الصلاة ، بل يمسحها بعد الصلاة ، لأن النبي رُئي الماء في أرنبته وجبهته بعد ما صلى . ذَكَره ابن رجب رحمه الله .

6 = مِن صبيحتها : يعني : في صلاة الفجر ، وهذه علامة يُستأنس بها لِمن قام ليلة القدر ، وهي مثل طلوع الشمس من غير شعاع .

= " فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ " لا يتعارض مع حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه مرفوعا : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ؛ فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأما من قال : مُطِرْنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب . رواه البخاري ومسلم .
لأن هذا مِن نِسْبَة المطر إلى جهة نُزُوله ، وما في حديث زيد بن خالد مِن نِسْبَة الفِعل إلى الأنواء .

7 = " قوله : " وَكَف المسجد " ، أي : قَطَر سقفه بالماء ، وأوكف أيضا . قاله القاضي عياض .
وقال العيني في شرح أبي داود : قوله : " فوكَف المسجد " بفتح الكاف ، أي : قَطر ماء المطر مِن سقفه .

8 = بساطة بناء مسجده صلى الله عليه وسلم .
ومع ذلك كان مُنطلَقًا للدعوة والجهاد .

9 = فيه دليل على تنقّل ليلة القدر بين ليالي الوتر . وهو قول الجمهور .
قال الحافظ العراقي : وذهب جماعة من العلماء إلى أنها تنتقل ، فتكون سنة في ليلة ، وسنة في ليلة أخرى وهكذا ، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي قلابة ، وهو قول مالك وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وغيرهم . اهـ .

10 = ذَكَر الحافظ العراقي في تعيين ليلة القدر ثلاثة وثلاثين قولا . وقد سبقت الإشارة إليه .

11 = كان السلف يجتهدون في العشر الأواخر ، ويتحرّون ليلة القدر ، ويستعدّون لها .

وبالله تعالى التوفيق .

روابط ذات صلة

المادة السابق
المواد المتشابهة المادة التالي

تصميم وتطويركنون