المادة
شرح الحديث الـ 212 في خروج المعتكف أو خروج بعض جسده
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حَائِضٌ , وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ . وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا : يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ .
وَفِي رِوَايَةٍ : وَكَانَ لا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلاَّ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ .
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : إنْ كُنْتُ لأَدْخُلُ الْبَيْتَ لِلْحَاجَةِ وَالْمَرِيضُ فِيهِ ، فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إلاَّ وَأَنَا مَارَّة " .
فيه مسائل :
1 = تُرجِّل ، أي : تُسرِّح شَعْرَه .
2 = فيه خِدمة المرأة لزوجها بالمعروف ، وأنه ليس فيه ابتذال ولا امتهان للمرأة .
قال النووي : فيه جواز استخدام الزوجة في الغسل والطبخ والخبز وغيرها بِرِضَاها ، وعلى هذا تظاهرت دلائل السنة وعمل السلف وإجماع الأمة . اهـ .
وقال الحافظ العراقي : فيه أنه لا بأس باستخدام الزوجة في مثل ذلك ، وأنه ليس فيه نَقْص ، ولا هَتْك حُرْمَة ، ولا إضرار بها . اهـ .
3 = " يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ " قال النووي : فيه أن المعتكف إذا خَرَج بعضه مِن المسجد ، كَيَدِه ورِجْلِه ورَأسه لم يبطل اعتكافه ، وأنّ مَن حَلَف أن لا يَدْخُل دَارًا ، أو لا يخرج منها ، فأدْخَل أوْ أخْرَج بَعْضَه ، لا يحنث . اهـ .
4 = فيه دليل على طهارة بَدَن الحائض ، ومثله قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة : ناوليني الخمرة مِن المسجد . قالت : فقلت : إني حائض ، فقال : إن حيضتك ليست في يدك . رواه مسلم .
قال ابن عبد البر : فَدَلّ هذا على أن كل عضو منها ليس فيه نجاسة فهو طاهر . اهـ .
5 = قُرْب بيته صلى الله عليه وسلم من المسجد ، ولذا تمّ إدخال بيته صلى الله عليه وسلم إلى ناحية المسجد لَمّا توسّع المسجد ، وخُشِي على جسده الشريف صلى الله عليه وسلم .
ولا حُجّة لأهل البِدَع في إدخال بيته وفيه قبره إلى مسجده صلى الله عليه وسلم ؛ لأن ذلك ليس مِن عمله صلى الله عليه وسلم ، بل ولا مِن عمَل أصحابه رضي الله عنهم . ثم إنه صلى الله عليه وسلم لم يُدفَن في المسجد أصلا ، بل دُفِن في بيته . ثم ضُـمّ بيته إلى المسجد .
6 = قوله : وَفِي رِوَايَةٍ هذه والتي تليها عند مسلم .
7 = " لا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلاَّ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ "
قال ابن عبد البر : في ذلك دليل على أن المعتكف لا يَشتغل بغير مُلازمة المسجد للصلوات وتلاوة القرآن وذِكْر الله ، أو السكوت ففيه سلامة ، ولا يَخْرُج مِن المسجد إلاّ لحاجة الإنسان ، كل ما لا غِنى بالإنسان عنه مِن منافعه ومصالحه ، وما لا يقضيه عنه غيره .
وقال : ولا يَخرج إلاَّ لضرورة ، كَالْمَرَض الـبَيِّن ، والحيض في النساء . وهذا في معنى خروجه لحاجة الإنسان ؛ لأنها ضرورة . اهـ .
وقال ابن دقيق العيد : كِنَايَةٌ عَمَّا يَضْطَرُّ إلَيْهِ مِنْ الْحَدَث . اهـ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مُعْتَكَفِهِ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ .
8 = فيه أن الْمُعْتَكِف غير ممنوع مِن الـتَّرفُّـه ، إذ ليس هذا مما يُتعبَّد به في الاعتكاف . ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسرِّح شَعْرَه وهو في مُعتكَفه .
قال الإمام البخاري : باب المعتكف يُدْخِل رأسه البيت للغسل .
قال الإمام مالك : الْمُعْتَكِفُ وَالْمُعْتَكِفَةُ يَدَّهِنَانِ وَيَتَطَيَّبَانِ ، وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ شَعَرِهِ ، وَلا يَشْهَدَانِ الْجَنَائِزَ ، وَلا يُصَلِّيَانِ عَلَيْهَا ، وَلا يَعُودَانِ الْمَرِيضَ . اهـ .
9 = فيه أنّ مسّ المرأة غير مُؤثِّر في الاعتكاف ولا في الوضوء .
قال الحافظ العراقي : فيه أن مماسة المعتكف للنساء ومماستهن له إذا كان ذلك بغير شهوة لا يُنَافِي اعتكافه ، وهو كذلك بلا خلاف ، فإن كان بشهوة فهو حَرام ، وهل يَبْطُل به الاعتكاف ؟ يُنْظَر ، فإن اقترن به إنزال أبطل الاعتكاف ، وإلاَّ فلا ، هذا مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم . اهـ .
10 = لا يُكرَه للمعتكِف عقد النكاح .
قَالَ الإمام مَالِك : لا بَأْسَ بِنِكَاحِ الْمُعْتَكِفِ نِكَاحَ الْمِلْكِ ، مَا لَمْ يَكُنْ الْمَسِيسُ ، وَالْمَرْأَةُ الْمُعْتَكِفَةُ أَيْضًا تُنْكَحُ نِكَاحَ الْخِطْبَةِ ، مَا لَمْ يَكُنْ الْمَسِيسُ ... وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ وَلا لِلْمُعْتَكِفَةِ أَنْ يَنْكِحَا فِي اعْتِكَافِهِمَا ، مَا لَمْ يَكُنْ الْمَسِيسُ فَيُكْرَهُ ، وَلا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَنْكِحَ فِي صِيَامِهِ . اهـ .
11 = جواز عيادة المريض على وجه المرور .
قال ابن دقيق العيد : وَفِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ : جَوَازُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ عَلَى وَجْهِ الْمُرُورِ ، مِنْ غَيْرِ تَعْرِيجٍ . وَفِي لَفْظِهَا إشْعَارٌ بِعَدَمِ عِيَادَتِهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ .
12 = يُكرَه للمعتكِف الاشتغال بالتجارة ؛ لأنها خلاف اعتكافه .
13 = اتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة أن المعتكف لا يَخْرُج مِن موضع اعتكافه لشهود جنازة ، ولا لعيادة مريض ، ولا يفارق موضع اعتكافه إلاَّ لحاجة الإنسان . قاله ابن عبد البر . وسيأتي في حديث عمر ما يتعلّق بالاشتراط قبل الاعتكاف .
14 = هل يشتغل المعتَكِف بِطلب العِلْم ؟
قال مالك : لا يَشتمل المعتكف في مجالس أهل العِلم ، ولا يكتب العِلم .
وقال عطاء بن أبي رباح والأوزاعي وسعيد بن عبد الرحمن والليث بن سعد والشافعي : لا بأس أن يأتي المعتكف مجالس العلماء في المسجد الذي يعتكف فيه . ذَكره ابن عبد البر .
وإذا كان يشتغل بما هو دون ذلك مِن تسريح شعره ونحوه ، فالاشتغال بالعِلْم النافع مِن باب أوْلَى .
15 = جواز خروج المعتكف لِواجب أو طارئ .
ذَكَر ابن قدامة أن المعتكف إن خَرَج لإِنْقَاذِ غَرِيقٍ ، أَوْ إطْفَاءِ حَرِيقٍ ، أَوْ أَدَاءِ شَهَادَةٍ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ ؛ أنه لا يبطل اعتكافه .
وبالله تعالى التوفيق .
جديد المواد
روابط ذات صلة
المادة السابق
| المواد المتشابهة | المادة التالي
|
تصميم وتطويركنون