المادة

الصوم

340 | 24-04-2013

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}([1]).

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ([2]).

{يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} ([3]).
أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أحبتي في الله:
لقد كان موضوع خطبتنا الماضية (وصايا رمضانية)، واليوم بإذن الله وعونه وحوله وطوله وتوفيقه فإن موضوعنا اليوم هو: (من أحكام الصيام).

وسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في العناصر التالية:
أولاً: معنى الصيام وحكمته.

ثانياً: أركان الصيام.

ثالثاً: مبطلات الصيام.

رابعاً: رخص الصيام وآدابه.

وأخيراً: أخطاءٌ في الصيام.



أولاً: معنى الصيام وحكمته
الصيام لغةًّ: هو الإمساك والكفُ عن الشيء كما قال تعالى حكاية عن مريم عليها السلام: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} [سورة مريم: 26]، أي: إمساكاً عن الكلام والصيام.

شرعاً: الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية، أما حكمة مشروعية الصيام: فهي كثيرة ولله الحمد.

فما من عبادة شرعها الله لعبادة إلا لحكمة بالغة عَلِمَها من علمها وجَهِلَها من جهلها وليس جهلُنا بحكمة شيء من العبادات دليلاً على أنه لا حكمة لها بل هو دليلٌ على عجزنا نحن إدراك حكمة الله سبحانه، وتعالى القائل: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [سورة الإسراء: 85].

ومِنْ ثَمَّ فإن من أعظم حكم الصيام أنه سبب للتقوى كما قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ([4]).

والتقوى هي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه، وهي كما عرفها ابن مسعود: "أن يطاع الله فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر".

وعرفها طلق بن حبيب بقوله: "التقوى هي أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخافُ عقابَ الله".

والصومُ من أعظم العبادات التي تهيئ النفوسَ لتقوى الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ لأن الصوم أمرٌ موكولٌ إلى نفس الصائمِ، وضميره، إذ لا رقيب عليه إلا الله.

ومن هنا قال الله تعالى في الحديث القدسي: «كلُ عمل ابنِ أدمَ له، إلا الصومِ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنَّةٌ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يُرْفُثْ، ولا يَصْخَب، فإن شاتمه أَحَدٌ أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم، والذي نفس محمدٍ بيده، لخَلُوفُ فم الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك وللصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فَرِحّ بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه» ([5]).

ومن حكمة العظيمة تربيةُ النفس بكفها عن شهواتها والحدَّ من كبريائها حتى تخضع للحقِ وتلين للخلق.

ومن حِكمِه البليغة تذكيرُ الأغنياء الذين يرفلُون في نعم الله جل وعلا بأن لهم إخواناً لا يتضورون جوعاً في نهار رمضان فحسب بل في جميع أيام العام..!! بل ومنهم من يموت جوعاً. ومِنْ ثِمَّ يتحركُ أصحابُ القلوبِ الحيةِ والنفوسِ الأبية للبذل والإنفاق والعطاء.

أما فوائدُ الصيام الصحية فلا يجهلُها أحد، فما أعظمَ حكمةَ اللهِ وأبلغَها وصدق الله إذ يقول: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير} ([6]).

ثانياً: أركانَ الصيام

الركن الأول: النية:
وهي ركن في جميع العبادات وهي عمل من أعمال القلب لقوله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} ([7]).

ولقوله في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عمر بن الخطاب: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لك امرئ ما نوى....» ([8]).

ويرى جمهور الفقهاء تبيت النية ليلاً في صيام الفرض لما رواه أصحاب السنن بسند صحيح عن حفصه رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له» ([9]).

وهذا خاص بصيام الفرض أما صيام النوافل فلا يجب في تبييت النية من الليل، بل يجوز بينة من ليل أو نهار، إن لم يكن قد طعم شيئاً للحديث الذي رواه مسلم وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل على النبي ذات يوم فقال: «هل عندكم شيء»، قلنا: "لا"، قال: «فإني إذاً صائم»، ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: "يا رسول الله أهدى لنا حيس" ([10])، فقال: «أرنييه فلقد أصبحت صائماً فأكل» ([11]).

وهنا سؤال: هل تكفى نية واحدة لصيام الشهر كله؟

والجواب أن العلماء قد اختلفوا في ذلك على قولين:
الأول: للمالكية حيث قالوا بأن نية واحدة في أول الشهر تكفي لصيام الشهر كله.

أما القول الثاني وهو الراجح والله تعالى أعلى وأعلم وهو: قول جمهور الفقهاء حيث قالوا لابد من تبييت النية لكل يوم.

ومن رحمة الله تعالى أنه لا يشترط التلفظ بالنية وإنما يكفي أن ينوي بقلبه، فضلاً عن أن سحوره يعتبر نية والحمد لله على تيسيره وفضله هذا هو الركن الأول من أركان الصيام.

الركن الثاني: الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس:
لقوله سبحانه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ([12]).

والمراد بالخيط الأبيض، والمراد بالخيط الأسود سوادُ الليل لما ورد في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم: قال لما نزلت هذا الآية: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى…} عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتها تحت وسادتي فجعلت أنظر في الليل فلا يستبينُ لي، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله فأخبرته فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «إن وسادك إذا لعريض طويل إنما هو سوادُ الليل وبياض النهار» ([13]).

ولا شك أن الركن الثالث هو الصائم نفسُه ويشترط أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً قادراً على الصوم وهذا بَيّن للجميع بإذن الله.

ثالثاً: مبطلات ُ الصيام

ونبدأُ بأشدها وأكبرها إثماً وهو:

أولاً: الجِماع:
فمتى جامع الصائمُ في نهار رمضان بَطل صومُه ووجب عليه القضاءُ والكفارة المغلطة وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام ُ شهرين متتابعين لا يُفطر بينهما إلا لعذر شرعي، كأيام العيدين، أو لعذر حسي كالمرض، فإن أفطر لغير عذر ولو يوماً واحداً ألزمه أن يستأنف الصيام من جديد مرة أخرى ليحصل التتابع، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.

وأختلف الفقهاء في حكم الكفارة هل هي على الترتيب أم على التخيير والراجح أنها على الترتيب وهو ما ذهب إليه الجمهور.

والدليل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: "بينما نحن جلوس عند النبي إذا جاءه رجل فقال: "يا رسول الله هلكت!"، وفي رواية في الصحيح أيضاً قال: "يا رسول الله احترقت!"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مالك؟»، فقال: "وقعت على أمراتي وأنا صائم"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبة تعتقها؟»، قال: "لا"، قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟»، قال: "لا"، قال: «فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟»، قال: "لا"، قال: "فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينما نحن على ذلك أتى النبي بعرق (أي بمكتل) فيها تمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أين السائل؟»، وفي راوية عائشة أين المحترق آنفاً، فقال: "أنا يا رسول الله"، قال: «خذ هذا فتصدق به»، فقال الرجل: "على أفقر مني يا رسول الله؟! فو الله ما بين لا بينها (أي المدينة) أهل بيت أفقر من أهل بيتي"، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: «أطعمه أهلك»" ([14])

واختلف الفقهاء أيضاً على ثلاثة أقوال في حكم المرأة التي يكرها زوجها على الجماع في نهار رمضان.

والراجح والله اعلم أن عليها القضاء فقط، دون الكفارة إذا أجبرها الزوج، ولم يثبت دليل صحيح يلزمها بالكفارة.

ثانياً: إنزال المنى باختياره بتقبيل أو لمس استمناء باليد أو غير ذلك:
لأن هذا كله من الشهوة التي لا يكون إلا باجتنابها كما في الحديث القدسي الذي رواه البخاري وفيه: «يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلى» ([15])

* فمن أنزل منياً بشهوة في نهار رمضان بطل صومه، ووجب عليه القضاء فقط إذ لم تثبت الكفارة إلا في الجماع فقط، ولا حجة لمن قال بخلاف ذلك. والله أعلم.

* أما الإنزال بالاحتلام فلا يبطل الصوم لأن الاحتلام بغير اختيار من الصائم، فماذا لو نام الصائم في نهار رمضان ثم استيقظ فرأى أنه قد أحتلم، فليغتسل وليتم صومه وصيامه صحيح ولا شيء عليه.

* أما إن قبل الصائم زوجته أو باشرها بدون إنزال فلا شيء عليه، وصيامه صحيح لما ورد في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه" ([16]).

* ويبقى سؤال هام متعلق بهذا البحث وهو: ما حكم من جامع زوجته في الليل ثم نام ولم يغتسل حتى أذن الفجر الجواب أن صيامه صحيح لما رواه البخاري ومسلم عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم "([17]).

ثالثاً: من مبطلات الصيام الأكل والشرب عمداً:
لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ([18])

أما من أكل أو شرب في نهار رمضان ناسياً فلا شيء عليه، وصومه صحيح للحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نسى وهو صائم، فأكل أو شربَ فليتم صومَه، فإنما أطعمه الله و أسقاه» ([19])

رابعاً: من مبطلات الصيام القــيء عمداً:
وهو أن يتعمد الصائم إفراغ ما في معدته فإن فعل ذلك بطل صومه ويجب عليه القضاء، أما من غلبه القيء بدون رغبةٍ منه ولا اختيار فلا شيء عليه وليتم صومه وصيامهُ صحيح. لما ورد في الحديث الذي رواه الترمذي وأبو داود وصححه الحاكم في المستدرك وصححه أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (حقيقة الصيام) وفيه أنه قال: "من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاه ومن استقاء فليقض" ([20])

خامساً: من مبطلات الصيام الحيـــضُ والنفـــاس ُ للمرأة:
فمتى رأت المرأة دم الحيض أو النفاس بطل صومها، سواء كان في أول اليوم، أو في آخره، ولو قبل الغروب بلحظات، ويجب عليها بعد الطهر أن تقضى ما فاتها من أيامها.

لما ورد في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله لما سئلت ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة؟ فقالت: "كان يصـيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" ([21]).

هذه هي اشهر المفطرات بإيجاز شديد.

رابعاً: من عناصر اللقاء رَخص الصيام وآدابـهُ
هناك رخص عديدة أمتن الله بها على عباده دفعاً للحرج ورفعاً للمشقة… ومنها:

1- جواز الفطر في نهار رمضان للمريض وكذا للمسافر الذي يشق عليه الصوم:
لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر} ([22]).

2- ومنها جواز استخدام السواك في كل وقت للصائم، قبل الزوال، وبعد الزوال، وهذا هو القول الصحيح إن شاء الله. واستدلال بعض أهل العلم بعدم الجواز بعد الزوال بحديث علي رضي الله عنه مرفوعاً: «إذا صمتم فاستاءوا بالغدة ولا تستاكوا بالعشي» فهو حديث رواه البيهقي والدارقطني وهو حديث ضعيف جداً ([23]).

فالسواك مشروع للصائم في كل وقت وبخاصة في المواضع التي ورد النص بذكرها وهى ستة:
1- الصلاة.

2- وعند الوضوء.

3- وعند دخول المنزل.

4- وعند الاستيقاظ النوم.

5- وعند قراءة القرآن.

6- وعند تغير رائحة الفم.

3- ومن الرخص أيضاً المضمضةُ والاستنشاق بدون مبالغة خشية أن يصل شيء من الماء إلى الحلق فيبَطُلُ صومه بذلك. للحديث الذي رواه الترمذي والنسائي وأبو داود وأحمد من حديث لقيط بن صبرة أن النبي، قال له: «وبالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائماً» ([24]).

4- ومن الرخص أنه يجوز للمرأة أن تتذوق الطعام أثناء الطهي بشرط ألا يصل إلى جوفها.

5- ومن الرخص أن يجوز للصائم أن يخفف عن نفسه شدة الحر والعطش بالاغتسال والتبرد بالماء لما ورد في الحديث الصحيح عن أبى بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت النبي يصبُ الماء على رأسه وهو صائم من العطش أو من الحر" ([25]).

6- ومن الرخص أيضاً أنه يجوز للصائم إن احتاج أن يضع الدواء في أذنه أو عينه، حتى ولو وجد طعمه في حلقه، لأن ذلك ليس بأكل ولا شرب ولا بمعنى الأكل والشرب كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

وكذا يرخص للصائم إن كان مريضاً بالربو أن يستخدم البخاخ في حال أزمة في النفس وليتم صومه،

وصيامُه صحيح لأن هذا البخاخ ليس أكلاً ولا شرباً ولا هو بمعنى الأكلِ و الشرب أيضاً ولله الحمد والمنة.

أما آداب الصيام فمنها:
1- السحور لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: «تسحروا فإن في السحور بركة» ([26]).

ويتحقق السحور بقليل الطعام ولو بجرعة ماء والمستحب تأخيره لما ورد في الصحيحين من حديث أنس عن زيد بن ثابت قال: "تسحرنا مع رسول الله، ثم قمنا إلى الصلاة، قلتُ (أي أنس) كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: "قدر خمسين آية" [27].

2-ومنها تعجيلُ الفطر لحديث سهل بن سعد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزالُ الناسُ بخير ما عَجّلوا الفطر» ([28]).

ومن السنة أن يكون على رطب فإن لم يجد فعلى تمر فإن لم يجد فعلى الماء.

3-ومن آدابه الدعاء عند الإفطار فإن الصائم لا ترد ومن أحسن ما ثبت عن النبي ما رواه أبو داود من حديث ابن عمر بسند حسن أنه كان إذا أفطر يقول: «ذهب الظمأ وابتلت العروقُ وثبت الأجرُ إن شاء الله» ([29]).

4-ومن آداب الصيام الواجبة تركُ الغيبة والنميمة وقول الزور فإذا صامت بطنك أيها الحبيب عن الطعام والشراب فلتصم جميعُ جوارحكِ عن جميع المعاصي والآثام.

أسال الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسن.

وأخيراً.. أخطاءٌ في الصيام.

لا ريب أن الصائمين من خير عباد الله تعالى لكنْ هناك بعضُ الأخطاء يقع فيها أيضاً بعضُ الصائمين ومنها:
1- أن منهم من يقبل على العبادة في أول رمضان إقبالاً طيباً فيحافظ على الصلاة مع الجماعة، ويحرص على قراءة القرآن، وإكثار الذكر، والاستغفار، ويحرص على صلاة التراويح، فإذا انقضت الأيام الأولى، تكاسل، وانشغل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فتذكر أيها الحبيب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحبُ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قل» ([30]). واذكر قوله: «إنما الأعمال بالخواتيم» ([31]).

2-ومن الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها بعض الصائمين القسوة والفظاطة والغلطة، وسوءُ التعامل مع الموظفين أو الآخرين، بحجة أنهم صائمون.وهل الصوم يأمرك بالتصرفات المتشنجة؟ أو يحثك على استعمال الألفاظ النابية، أو يحضك على القسوة والفظاظة والغلطة، هيهات... هيهات، إن الصوم مدرسةٌ للتربية على كل فضيلة وخلق.

واذكر دوماً وصية النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: «والصيام جنة فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم.. إني صائم» ([32]).

3-ومن الأخطاء التي يقع فيها بعضُ الصائمين أيضا أنهم يتخذون رمضان فرصة للنوم والكسل والخمول، فترى أحدهم ينام النهار كله وقد يضع الصلاة والعياذ بالله ثم يسهر الليل، وقد يحتج أحدهم بحديث (نوم الصائم عبادة) وهو حديث ضعيف ([33]).

4-ومن الأخطاء الكبيرة التوسعُ الملفت في المآكل والمشارب والتخلص من الكميات الكبيرة الفائضة بإلقائها في سلسلة المهملات وهذا إسراف محرم وهذا بلا شك يناقض الحكمة من مشروعية الصيام أصلاً.

ورحم الله من قال: "إنكم تأكلون الأرطال، وتشربون الأسطال، وتنامون الليل ولو طال، وتزعمون أنكم أبطال؟!".

فالمقصود الاعتدالُ و إلا فنحن لا نحرّمُ طيبات ما أحل اللهُ لعباده.

نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتقبل الله منا صيامنا وقيامنا وصلاتنا وزكاتنا إنه ولى ذلك ومولاه...

الدعاء.

--------------------------------------------------------------------------------

(*) ألقيت هذه الخطبة بمسجد أم القرى بالسويس

([1]) سورة آل عمران: 102.

([2]) سورة النساء:1.

([3]) سورة الأحزاب: 70، 71.

([4]) سورة البقرة: 183.

([5]) متفق عليه:[ ص.ج 4328]، ] مختصر م: 571]، رواه البخاري (4/88-94) في الصوم، ومسلم رقم (1151) في الصيام، وأبو داود رقم (2363) في الصوم، والترمذي رقم (764) في الصوم، والنسائي (4/162-165) في الصوم.

([6]) سورة الملك : 14.

([7]) سورة البينة: 5.

([8]) متفق عليه: رواه البخاري ( 1/9/1)، (197/1515/3)، أبو داود(2186/284/6) والترمذي(1698/100/3)، وابن ماجة(4227/1413/2)، النسائي(59/1).

([9]) صحيح: (الإرواء: 914) ، رواه أبو داود رقم (2454)، وابن خزيمة رقم (1933) في صحيحه.

([10]) حيس: تمر يخلط بسمن وأقطن فيعجن شديداً / وربما جعل فيه سويق.

([11]) صحيح: (مختصر م: 63)، رواه مسلم رقم (1154) في الصيام، والنسائي (4/193- 195) في الصوم، والترمذي رقم (7333 ، 734) في الصوم، وأبو داود رقم (2455) في الصوم، وابن خزيمة (2141) في صحيحه.

([12]) سورة البقرة: 187.

([13]) متفق عليه: (ص. ج: 2275) مختصر البخاري رقم (930)، ورواه مسلم رقم (1090) في الصوم.

([14]) متفق عليه: (الإرواء: 939)، رواه البخاري (4/141-149و151)، مسلم (3/139)، وأبو داود رقم (2390) وغيرهم.

([15]) صحيح: (ص.ج: 3877)، رواه البخاري في كتاب الصيام، و أبو داود رقم (2363).

([16]) متفق عليه: (الإرواء: 934) ، رواه البخاري (1/480) ، مسلم (3/135)، وأبو داود رقم (2382) ، والترمذي (1/ 141)، وابن ماجه (1687) وغيرهم.

([17]) متفق عليه: (ص. ج: 4938).

([18]) سورة البقرة: 187.

([19]) متفق عليه: (الإرواء: 928)، رواه البخاري (1/481)، مسلم (3/160) ، وأبو داود رقم (2398)، وابن ماجه (1673) وغيرهم.

([20]) صحيح: (ص.ج: 6243، الإرواء: 930)، رواه أحمد (2/498)، وأبو داود (2380) ، وغيرهم.

([21]) متفق عليه: رواه مسلم (335/265/1) وهذا لفظه، والبخاري (321/421/1)، والترمذي (130/87/1) وأبو داود رقم (259/444/1)، وابن ماجه (631/207/1).

([22]) سورة البقرة: 185.

([23]) أنظر السلسلة الضعيفة: 401

([24]) صحيح: [ ص.د: 129، 130]، رواه أبو داود رقم ( 142،143،144) في الطهارة، والترمذي رقم (38) في الطهارة، والنسائي(1/66)، وأحمد في مسنده (4/33)، والحاكم (1/147، 148).

([25]) صحيح: [ ص.د:2072]، رواه أبو داود رقم ( 2348).

([26]) متفق عليه: [ ص.ج: 2943]، [ مختصر م م : 58 ] رواه البخاري (1923/139/4)، ومسلم (1095/77/2).

([27]) متفق عليه: رواه البخاري (1921/138/4)، ومسلم (1097/771/2)، والترمذي (699/104/2)، والنسائي (143/4).

([28]) متفق عليه: رواه البخاري (1957/198/4)، ومسلم (1098/771/2)، والترمذي (695/103/2).

([29]) حسن: [ص.د : 2066]، رواه أبو داود رقم (2357) في الصوم.

([30]) متفق عليه: (ص. ج : 163)، رواه البخاري ومسلم رقم (783) في الصلاة.

([31]) رواه البخاري (11/436)، في القدر، وفي الجهاد، وفي المغازي، وفي الرقاق، ومسلم رقم (112) في الإيمان من حديث سهل بن سعد الساعدي.

([32]) تقدم ص72.

([33]) انظر السلسلة الضعيفة للألباني :4696.









المصدر: موقع الشيخ محمد حسان

روابط ذات صلة

المادة السابق
المواد المتشابهة المادة التالي

تصميم وتطويركنون