عدد المواد : 5       عدد الاقسام :

المواد

فضل القرآن وأهله


الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ، الحمد لله علم القران ، خلق الإنسان ، علمه البيان ، الحمد لله الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، جعل القرآن هداية للناس ، ونبراساً يضيء لهم الطريق ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأكرم ، علم القرآن فكان خير معلم ، فصلوات الله وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه أجمعين . . أما بعد :
فأحييكم بتحية الإسلام ، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فنحن جميعاً نوظف جميع الإمكانات والطاقات لخدمة هذا الدين العظيم ، إلا وإن من أعظم ما يُخدم به هذا الدين كلام الله عز وجل .

كلمة عن القران :
القرءان هو كلام الله منزل غير مخلوق ، الذي أنزله على نبيه محمد
صلى الله عليه وسلم باللفظ والمعنى ، القرآن الكريم كتاب الإسلام الخالد ، ومعجزته الكبرى ، وهداية للناس أجمعين ، قال تعالى : " كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ "، ولقد تعبدنا الله بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار ، قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ " ، فيه تقويم للسلوك، وتنظيم للحياة، من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، ومن أعرض عنه وطلب الهدى في غيره فقد ضل ضلالاً بعيداً ، ولقد أعجز الله الخلق عن الإتيان بمثل أقصر سورة منه ، قال تعالى : " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة ممن مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين " ، القرآن مكتوب في المصاحف ، محفوظ في الصدور ، مقروء بالألسنة ، مسموع بالآذان ، فالاشتغال بالقرآن من أفضل العبادات ، ومن أعظم القربات ، كيف لا يكون ذلك ، وفي كل حرف منه عشر حسنات ، وسواء أكان بتلاوته أم بتدبر معانيه ، وقد أودع الله فيه علم كل شىء ، ففيه الأحكام والشرائع ، والأمثال والحكم ، والمواعظ والتأريخ ، والقصص ونظام الأفلاك ، فما ترك شيئا من الأمور إلا وبينها ، وما أغفل من نظام في الحياة إلا أوضحه ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَة ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ) ، هُوَ الَّذِي مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " [ أخرجه الدارمي ] ، هذا هو كتابنا ، هذا هو دستورنا ، هذا هو نبراسنا ، إن لم نقرأه نحن معاشر المسلمين ، فهل ننتظر من اليهود والنصارى أن يقرؤوه ، قال تعالى : " وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا " ، فما أعظمه من أجر لمن قرأ كتاب الله ، وعكف على حفظه ، فله بكل حرف عشر حسنات ، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم .

كلمة للحفظة :
هنيئاً لكم حفاظ كتاب الله الكريم ، هنيئاً لكم هذا الأجر العظيم ، والثواب الجزيل ، فعن أبِى هريرة رضِى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده » [ أخرجه مسلم ] .
فأنتم أهل الله وخاصته ، أنتم أحق الناس بالإجلال والإكرام ، فعن أبِى موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرءان غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط » [ أخرجه أبو داود ] .
أنتم خير الناس للناس ، لقد حضيتم بهذه الخيرية على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم ، فعن عثمانَ بن عفانَ رضيَ اللَّه عنهُ قال : قالَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « خَيركُم مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعلَّمهُ " [ أخرجه البخاري ] .
أنتم يا أهل القرآن أعلى الناس منزلة ، وأرفعهم مكانة ، فلقد تسنمتم مكاناً عالياً ، وارتقيتم مرتقىً رفيعاً ، بحفظكم لكتاب الله ، عن عمرَ بن الخطابِ رضي اللَّه عنهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّ اللَّه يرفَعُ بِهذَا الكتاب أَقواماً ويضَعُ بِهِ آخَرين » [ أخرجه مسلم ] .
حفاظ كلام الله ، أنتم أعظم الخلق أجراً ، وأكثرهم ثواباً ، كيف لا ، وأنتم تحملون في صدوركم كلام ربكم ، وتسيرون بنور مولاكم وخالقكم ، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالتْ : قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « الَّذِي يَقرَأُ القُرْآنَ وَهُو ماهِرٌ بِهِ معَ السَّفَرةِ الكرَامِ البررَةِ ، والذي يقرَأُ القُرْآنَ ويتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُو عليهِ شَاقٌّ له أجْران » [ متفقٌ عليه ] .
أبشروا يا أهل القرآن ، أزف إليكم البشرى ، بحديث نبي الهدى ، والذي يصور فيه حوار القرآن والشفاعة لصاحبه يوم القيامة ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَقُولُ يَا رَبِّ حَلِّهِ ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ زِدْهُ ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ ، فَيَرْضَى عَنْهُ ، فَيُقَالُ لَهُ : اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً " [ أخرجه الترْمذي وقال : حديث حسن صحيح ] ، ويصدق ذلك حديث أَبي أُمامَةَ رضي اللَّه عنهُ قال : سمِعتُ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ : « اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإِنَّهُ يَأْتي يَوْم القيامةِ شَفِيعاً لأصْحابِهِ » [ أخرجه مسلم ] .
فيا حفظة كتاب الله ، أينما اتجهتم فعين الله ترعاكم ، فأهل القرآن هم الذين لا يقدمون على معصية ولا ذنباً ، ولا يقترفون منكراً ولا إثماً ، لأن القرآن يردعهم ، وكلماته تمنعهم ، وحروفه تحجزهم ، وآياته تزجرهم ، ففيه الوعد والوعيد ، والتخويف والتهديد ، فلتلهج ألسنتكم بتلاوة القرآن العظيم ، ولترتج الأرض بترتيل الكتاب العزيز ، وليُسمع لتلاوتكم دوي كدوي النحل ، عَن النَّوَّاسِ بنِ سَمعانَ رضيَ اللَّه عنهُ قال : سمِعتُ رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ : «يُؤْتى يوْمَ القِيامةِ بالْقُرْآنِ وَأَهْلِهِ الذِين كانُوا يعْمَلُونَ بِهِ في الدُّنيَا تَقدُمهُ سورة البقَرَةِ وَآل عِمرَانَ ، تحَاجَّانِ عَنْ صاحِبِهِمَا » [ أخرجه مسلم ] ، وعنِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللَّه عنهما قال : قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «إنَّ الَّذي لَيس في جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرآنِ كالبيتِ الخَرِبِ » [ أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح ] .
وكان من وصيته صلى الله عليه وسلم لأمته عامة ، ولِحَفَظَة كتاب الله خاصة ، تعاهد القرآن بشكل دائم ومستمر ، فقال صلى الله عليه وسلم : " تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلُّتاً من الإبل في عقلها " [ أخرجه مسلم ] ، ومن تأمل هذا الحديث العظيم ، ونظر في معانيه ، أدرك عِظَمَ هذه الوصية ، وعلم أهمية المحافظة على تلاوة كتاب الله ومراجعته ، والعمل بما فيه، ليكون من السعداء في الدنيا والآخرة
، فيستحب ختم القرآن في كل شهر ، إلا أن يجد المسلم من نفسه نشاطاً فليختم كل أسبوع، والأفضل أن لا ينقص عن هذه المدة ، كي تكون قراءته عن تدبر وتفكر، وكيلا يُحمِّل النفس من المشقة مالا تحتمل، ففي الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقرأ القرآن في شهر، قلت : أجدُ قوة ، حتى قال : فاقرأه في سبع ، ولا تزد على ذلك " .
وأوصي جميع المسلمين رجالاً ونساءً ، بحفظ كتاب الله تعالى ما استطاعوا لذلك سبيلاً ، وإياكم ومداخل الشيطان ، ومثبطات الهمم ، فاليوم صحة وغداً مرض ، واليوم حياة وغداً وفاة ، واليوم فراغ وغداً شغل ، فاستغلوا هذه الحياة الدنيا فيما يقربكم من الله زلفى ، فأنتم مسؤولون عن أوقاتكم وأعمالكم وأقوالكم ، وإياكم وهجران كتاب الله ، فما أنزله الله إلا لنقرأه ولنتدبر آياته ونأخذ العبر من عظاته ، قال تعالى : " وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً " ، فمن الناس من لا يعرف القرآن إلا في رمضان ، وبئس القوم الذين لا يعرفون القرآن إلا في رمضان ، ومن الناس من لا يتذكر كتاب الله إلا في مواطن الفتن والمصائب ، ثم ينكص على عقبيه ، فأولئك بأسوأ المنازل ، فأروا الله من أنفسكم خيراً ، وجاهدوا أنفسكم ، وألزموها حفظ كتاب الله ، وتدارس آياته ومعانيه ، فالله لا يمل حتى تملوا .
ومن لم يستطع حفظ كتاب الله تعالى ، ومن لم يكن له أبناء في حلقات التحفيظ ، فليبادر قبل انقضاء الأوقات والأعمار ، ثم لا ينفع الندم ، فميدان السباق مفتوح ، ليبلوكم أيكم أحسن عملاً .

كلمة للأولياء :
وهذه كلمة لأولياء الأمور ، أيها الآباء والأمهات ، استوصوا بالأجيال خيراً، نشئوها على حب كتاب ربها، علموها العيش في رحابه، والاغتراف من معينه الذي لا ينضب، فالخير كل الخير فيه، وتعاهدوا ما أودع الله بين أيديكم من الأمانات، بتربيتها تربية قرآنية، كي تسعدوا في الدنيا قبل الآخرة، فما هانت أمة الإسلام إلا بهجرها لكتاب ربها وبعدها عنه ، ووالله لو تمسكنا بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، لأصبحنا أمة عزيزة ، أمة أبية شامخة .
فالله الله أيها الآباء الكرام ، فالأبناء أمانة في أعناقكم ، ولقد ائتمنكم الله عليهم ، فإياكم وخيانة الأمانة ، فخيانتها صفة ذميمة ، وخصلة دميمة ، مقت الله أهلها ، وأبغض فاعليها ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ " [ متفق عليه ] ، فمن خان الأمانة فقد صنفه الله من المنافقين ، والله توعدهم بأسفل مكان في النار ، فقال تعالى : " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً " ، فكم نرى اليوم من شباب الإسلام وهم يتغامزون ، ويتراقصون ، ويسرقون وينهبون ، ويسهرون ، تركوا الصلاة والصيام ، وعطلوا أغلب الأحكام ، لا يُقدِّرون لإنسان قدره ، ولا يقيمون لجار حقه ، فأي تربية هذه ، وأي أداء للأمانة هذا ، أليس ولي الأمر مسؤولاً عنهم يوم القيامة ؟ بلى والله ، إنه لمسؤول ، قال تعالى : " وقفوهم إنهم مسؤولون " .
وأذكِّر أولياء الأمور بأهمية أداء الأمانة وعدم خيانتها ، فهي منوطة بهم ، وقد حذرهم الله من خيانته أو التساهل في رعايتها ، فقال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون " ، فهذه الأجيال التي بين أيديكم ستسألون عنها يوم تعرضون على ربكم لا تخفى منكم خافية ، وسيتعلق بكم أبناؤكم يوم العرض والحساب ، فإياكم أن يكون أولادكم أعداء لكم ، فقد قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم " ، فاحذر أيها الأب المبارك ، أن يكون ولدك عدواً لك في دنياك وأخراك ، وأرع هذه الأمانة بكل إخلاص وصدق ، فالأبناء كالبذرة ، إن اخترت لها مكاناً طيباً نشأت طيبة ، وإن كان غير ذلك فلا تلومن إلا نفسك ، قال تعالى : " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون " [ الأعراف 58 ] ، فإن خنت الأمانة وفرطت فيها ، وتركت الحبل على غاربه لأبنائك ، ولم ترعهم بنصحك ، فوالله لقد أقحمت نفسك مكاناً لا تُحسد عليه أبداً ، واسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ " [ متفق عليه ] ، فهل تريد أن تموت وأنت غاش لرعيتك ، تاركاً لأمر ربك ، ثم يكون مصيرك النار وبئس المصير .
ولا أنسى أن أهنئ الأولياء الذين عرفوا أهمية الرعاية السليمة الصحيحة لأبنائهم ، وفق كتاب الله تعالى ، ووفق سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فقاموا بما أوجب الله عليهم من الرعاية بالأبناء ، وأحاطوهم بالاهتمام والنصح والإرشاد ، فهنيئاً لهم أولئك الأبناء الصلحاء النجباء ، الذين يحملون كتاب الله بين جنباتهم ، وإلى كل أب وأم أدركا عظم المسؤولية الملقاة على عاتقهما ، وأدياها كما يجب ، أُبشرهما بهذا الحديث الذي أخرجه أبو داود في سننه الذي قَالَ فيه رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ ، أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا " ، فهنيئاً لكم أيها الأولياء هذه البشارة النبوية من الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم .

الختام :
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا ، اللهم اجعله شفيعاً لنا ، وشاهداً لنا لا شاهداً علينا ، اللهم ألبسنا به الحلل ، وأسكنا به الظلل ، واجعلنا به يوم القيامة من الفائزين ، وعند النعماء من الشاكرين ، وعند البلاء من الصابرين ، اللهم حبِّب أبناءنا في تلاوته وحفظه والتمسك به، واجعله نوراً على درب حياتهم، برحمتك يا أرحم الراحمين ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

09-02-2016 | 130
 

فضل تلاوة القرآن


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين ، سيد التالين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد؛
فلا ريب أنّ تلاوة القرآن من صفات المؤمنين الصادقين، ومن أكثر فإنما يتمرَّغُ في رحمات الله ونفحاته، وهذه مجموعة نصوص تدل على فضل تلاوة هذا الكتاب العزيز ، أسأل الله أن تكون دافعاً لنا لعدم هجره ..
أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بتلاوة ما أُنزل إليه فقال : { ورتّل القرآن ترتيلاً } [المزمل:4]. قال الحسن :" اقرأه قراءةً بينةً" [تفسير الطبري (23/680)] .
وقال تعالى –مادحاً من قام بهذا العمل- :{ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:29-30] .
قال الإمام الطبري رحمه الله :" يقول تعالى ذكره: {إن الذين يقرءون كتاب الله الذي أنزله على محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} يقول: وأدوا الصلاة المفروضة لمواقيتها بحدودها، وقال: {وأقاموا الصلاة } بمعنى: ويقيموا الصلاة.
وقوله { وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً } يقول: وتصدقوا بما أعطيناهم من الأموال سرًّا في خفاء وعلانية جهارًا، وإنما معنى ذلك أنهم يؤدون الزكاة المفروضة، ويتطوعون أيضًا بالصدقة منه بعد أداء الفرض الواجب عليهم فيه.
وقوله :{يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} يقول تعالى ذكره: يرجون بفعلهم ذلك تجارة لن تبور: لن تكسد ولن تهلك، من قولهم: بارت السوق إذا كسدت وبار الطعام. وقوله :{تِجَارَةً} جواب لأول الكلام.
وقوله : {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ} يقول: ويوفيهم الله على فعلهم ذلك ثواب أعمالهم التي عملوها في الدنيا : {وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} يقول: وكي يزيدهم على الوفاء من فضله ما هو له أهل، وكان مُطَرِّف بن عبد الله يقول: هذه آية القراء " [تفسير الطبري (20/463)] .
واختتام الآية باسم الغفور دليل على أنّ التالين للقرآن ممن يحظى بمغفرة الله في يوم الدين .
وأما النصوص في السنة فقد تنوعت أساليبها ؛ ترغيباً في تلاوة هذا الكتاب المبارك ، وينبغي أن يعلم أن التلاوة النافعة هي التي تفضي إلى العمل بما فيه.

فمن ثمار هذه التلاوة :

أن فيها نجاةً من مثل السوء الذي ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إنَّ الَّذِي لَيْسَ في جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ كَالبَيْتِ الخَرِبِ » رواه الترمذي .

وفرق كبير بين التالي لكتاب الله وهاجره وإن كان منافقاً :

فعن أَبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ : رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ : لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ ، وَمَثلُ المُنَافِقِ الَّذِي يقرأ القرآنَ كَمَثلِ الرَّيحانَةِ : ريحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثلِ الحَنْظَلَةِ : لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ » متفقٌ عَلَيْهِ .

والمكثر من تلاوة القرآن يُحسد على هذه النعمة :

فعن ابن عمر رضي اللهُ عنهما ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لاَ حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاء اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً ، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
والحسد هنا الغبطة ، أن تتمنى ما لأخيك من خير دون أن حقد أو تمنٍّ لزواله .

وتلاوته سبب للرفعة في الدنيا والآخرة :

فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الكِتَابِ أقْوَاماً وَيَضَعُ بِهِ آخرِينَ )) رواه مسلم .

وتلاوة القرآن بركة في الأولى والآخرة :

فعن أبي ذر رضي الله عنه قال قلت : يا رسول الله أوصني . قال :«عليك بتقوى الله ؛ فإنه رأس الأمرِ كلِّه» . قلت : يا رسول الله زدني . قال :«عليك بتلاوة القرآن ؛ فإنه نور لك في الأرض ، وذخر لك في السماء » رواه ابن حبان.
«نور لك في الأرض» له معنيان :
الأول : " يعلو قارئه العامل به من البهاء ما هو كالمحسوس" [فيض القدير (4/ 437)] .
الثاني : هداية ورشاد . قال تعالى :{ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} [المائدة:15] .
قال ابن عباس رضي الله عنهما :" ضمن الله لمن اتبع القرآن ألا يضل في الدنيا ولا يشقي في الآخرة ثم تلا : فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقي} [أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف] .
وأما الذخر في السماء فتفسره الرواية الأخرى :«وذكر لك في السماء» ، وربما كان الذخر أعمَّ من الذكر ، فبه تكون الرحمة في الآخرة والشفاعة والجنة ..
وأما الذكر فقد قال المناوي رحمه الله :" أهل السماء وهم الملائكة يثنون عليك فيما بينهم ؛ لسبب لزومك لتلاوته" [الفيض (4/438)] .
وقارئ القرآن يذكره الله كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وتلاوته خير من الدنيا وما فيها :

فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال : «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ» ؟ فقلنا : يا رسول الله كلنا نحب ذلك . قال :«أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنْ الْإِبِلِ» رواه مسلم .
والكَوما من الإبل عظيمة السَّنام .

وبتلاوة القرآن يحقق الله لك أربعة أمور الواحد منها خير مما طلعت عليه الشمس :

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده» رواه مسلم .
وما أعظم أن يذكر الغني الجبار الله عباد الضعيف ! ولذا ثبت في الصحيحين أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لأبي :«إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ» . قَالَ أبيٌّ : آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ ؟ قَالَ :«اللَّهُ سَمَّاكَ لِي» . قَالَ فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي.
والسكينة الأمنة والطمأنينة .
وثبت عن البراءِ بن عازِبٍ رضي اللهُ عنهما ، قَالَ : كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ ، وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدْنُو ، وَجَعَلَ فَرَسُه يَنْفِرُ مِنْهَا ، فَلَمَّا أصْبَحَ أتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : « تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلقُرْآنِ » متفقٌ عَلَيْهِ .
والشطن : الحَبْلُ .

وكل حرف من القرآن يُقرأ بعشر حسنات :

فعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ قَرَأ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا ، لاَ أقول : {ألم} حَرفٌ ، وَلكِنْ : ألِفٌ حَرْفٌ ، وَلاَمٌ حَرْفٌ ، وَمِيمٌ حَرْفٌ» رواه الترمذي .

والتالون للكتاب أهل الله :

فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ» . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ ؟ قَالَ :«هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ» رواه النسائي وابن ماجه .

وبتلاوته يحفظ الإنسان في الدنيا :

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر ؛ وذلك قوله تعالى :«ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا ...} قال : الذين قرؤوا القرآن " رواه الحاكم .
وفي الأثر أنّ العمل من الإيمان .

والتلاوة أمان من الغفلة :

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين» رواه الحاكم .

وبالتلاوة يكون العبد في قائمة القانتين :

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين» رواه ابن خزيمة في صحيحه .

وبها تُنال شفاعة القرآن :

فعن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول : «اقْرَؤُوا القُرْآنَ ؛ فَإنَّهُ يَأتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ» رواه مسلم .
ومن هذه المحاجة :
ما ثبت عن النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ : «يُؤْتَى يَوْمَ القِيَامَةِ بِالقُرْآنِ وَأهْلِهِ الذينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ في الدُّنْيَا تَقْدُمُه سورَةُ البَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا» رواه مسلم .
ومن ذلك ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ حَلِّهِ –يريد صاحبه- فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ ، ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ زِدْهُ ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ ، ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ ، فَيَرْضَى عَنْهُ ، فَيُقَالُ لَهُ : اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً» [الترمذي] .

والتلاوة تورث الدرجات العالية في جنة المأوى :

وعن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : « يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ : اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا ، فَإنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آية تَقْرَؤُهَا » رواه أَبُو داود والترمذي .
قال الحافظ رحمه الله في الفتح :" والمراد بالصاحب الذي ألفه ، قال عياض : المؤالفة المصاحبة ، وهو كقوله أصحاب الجنة ، وقوله ألفه أي ألف تلاوته ، وهو أعم من أن يألفها نظراً من المصحف أو عن ظهر قلب ، فإن الذي يداوم على ذلك يُذَلُّ له لسانه ويسهل عليه قراءته ، فإذا هجره ثقلت عليه القراءة وشقت عليه" [الفتح (9/79)]
وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


09-02-2016 | 127
 

منْ فضائلِ القرآنِ الكريمِ وشيءٌ من آدابِ تلاوتِه


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في فضل القرآن ، منها :


1- عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اقرأوا القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) رواه مسلم
2- وعن النواس بن سمعان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدُمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما) رواه مسلم
3- وعن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) رواه البخاري . وفي رواية : (إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه) .
4- وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها . لا أقول (الم) حرف ، ولكن ألف حرف ولامٌ حرف وميمٌ حرف) . رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
5- عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرِب) . رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح
6- وعن عبدالله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يقالُ لصاحب القرآن : اقرأ وأرق ورتّل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر أية تقرؤها) . رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح
7- وعن نافع بن عبدالحارث قال كنت والياً لعمر بن الخطاب على مكة ، فسافر نافع وجعل مكانه عبدالرحمن بن ابزى وكان ابن أبزى من الموالي ، فسأله عمر : لمَ جعلته والياً على الناس وهو مولى ؟ قال : إنه قاري للقرآن وعالم بالفرائض ، فقال عمر رضي الله عنه : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين) رواه مسلم



وقد كان لسلفنا الصالح أمثلة رائعة في المحافظة على كتاب الله اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان أعظم الناس اهتماما بالقرآن وتلاوة له ، قال حذيفة رضي الله عنه صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم حين قام من الليل فافتتح البقرة حتى ختمها ثم افتتح النساء حتى ختمها ثم افتتح آل عمران حتى ختمها ثم ركع) رواه مسلم ، قال حذيفة وكان يقرأ مترسلاً فإذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ

وأخرج أبو يعلى والحاكم وصححه وافقه الذهبي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ليلة وهو وجع السبع الطوال . (انظر صفة صلاة النبي 99)
والسبع الطوال ك هي السور الست الأُوَل من القرآن مع سورة الأنفال والتوبة (كأنهما واحد)
وقام صلى الله عليه وسلم ليلة بآية يرددها : (إن تعذبهم فإنهم عبادك ... إلخ)

وكذلك من بعده من السلف الصالح كانوا يتلون كتاب الله كثيراً ومنهم من كان يختم في كل ليلة مرة ومنهم من يختم في رمضان 30 مرة كما ورد عن البخاري ومنهم من كان يختم فيه 60 مرة كما جاء ذلك عن الشافعي رحمهم الله

لكن الأفضل ألاَّ يقرأه في أقل من ثلاث ليال لقوله صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو : (لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث) رواه النسائي وأبو داود

ويستحبّ لمن أراد القراءة التسوك والطهارة ، فإذا أراد الشروع استعاذ استحباباً وقيل بوجوبها كما حُكي عند عطاء وغيره
ومعنى الاستعاذة : استجير بجناب الله من الشيطان الرجيم ألا يضرني في ديني ودنياي أو يصرفني عن فعل ما أمرت به أو يحثني على فعل ما نهيت عنه
ثم يبسمل عن بداية كل سورة عدا سورة براءة

وينبغي له الخشوع والتدبر لقول الله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن ؟ أم على قلوب أقفالها )

وإن ردد الآية بقصد التدبر فحسن ، فقد قام صلى الله عليه وسلم بآية يرددها: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) رواه النسائي
ومن السنن والآداب ترتيل القرآن والخشوع والبكاء عند تلاوته وسؤال الرحمة عند تلاوته آياتها والاستعاذة من العذاب عن ذكره .

وينبغي له السجود عند آيات السجود لقول النبي (إذا قرأ ابن آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكي ويقول ياويله أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت ما لسجود فلم أكبر فلي النار) رواه مسلم فإذا أراد السجود كبر (ولا بأس بوضع المصحف على الأرض ما دامت طاهرة) قاله الشيخ ابن باز .
فإذا سجد قال مثل ما يقوله في سجود الصلاة .

وقبل أن يقرأ وبعدما ينتهي وأثناء التلاوة وفي كل وقت ينبغي أن يستحضر النية الصالحة ويخلص عمله لله ولا يقرأ رياءً ولا سمعة ولا موافقة لحال الناس بل لابد أن يستحضر النية ويرجو الثواب .

مسألة :
هل الأفضل الذكر أم القراءة ؟ أجاب شيخ الإسلام وتلميذه بأن القراءة أفضل من الذكر والذكر أفضل من الدعاء في الجملة . لكن قد يكون المفضول فاضلاً بحسب حال المسلم ووقته . راجع المجموع 23/63 والوابل الصيب .

مسألة :
هل يجوز الجهر بحضرة من ينتقل ؟
أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى بأن ليس له ذلك إذا كان يؤذيهم بجهره لأنه صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون في رمضان ويجهرون بالصلاة فقال : (أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض)

09-02-2016 | 130
 

الملحمة القرآنية الشعريـة


المشهد رقم [ 1 ] : بيان فضل القرآن .

في هجعة الليل البهيم ... في زمان غابر قديم ... عاشت البشرية في تخبط وظلام .. وجهل وشرك وارتكاب للحرام ... تقاذفتها الأمواج من كل مكان ... وتشعبت بها السبل في كل منعطف وميدان ... ولعبت بعقولها الأساطير والخرافات ... وقامت بينهم الحروب والثارات ... حتى بُعث محمد صلى الله عليه وسلم خير الأنام ... سيد ولد عدنان ... بكتاب يجلوا عن الذهن القتام ... هو هدى وشفاء ... يدفع كل ضرَّاء ويزيل كل شقاء ... اقتفاؤه صلاح ... وإتباعه فلاح ...والعمل به نجاح ...

قال تعالى " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا "

سعادتنا في نهجه واتباعه **** وأسلوبه كالشهد عذب مسلسل
ويدعو إلى الإحسان والبر والهدى *** هو العروة الوثقى لمن كان يعقلُ
ألا إنه القرآن دستور ربنا *** فأكرم به ذاك الكتابُ المفصَّلُ
هنيئاً لمن قد جاء يسعى بنوره *** وطوبى لمن في الحشر أقبل يعملُ
إذا فخر الإنسان يوماً برتبةٍ *** فحفَّاظه بالفخر أولى وأفضلُ
فطوبى لحفاظ الكتاب فإنهم *** مع الصفوة الأبرار في الروض ترفلُ


المشهد رقم [ 2 ] : القرآن معجزة بيانية .

ألا إن القرآن معجز ببيانه وخطابه ، ولفظه وكَلِمِهِ ، تحدى الله به العرب والعجم ، والإنس والجن في كل الأمم ، أن يأتوا بسورة ... بعشر آيات ... بل بآية مثله ... فما استطاعوا ...

قال تعالى " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً "

هو كتاب معجزٌ أفحم مصاقع الخطباء ، وفاق حديث العرب العرباء ، وخطاب مفحم أعجز البلغاء من عصابة الأدباء .... أساس الفصاحة ... وينبوع البلاغة والبراعة ...

ألا إنه التنزيل والذكر والهدى *** فأكرم بتاليه وأعظم له الأجرا
ففيه من الإعجاز ما الفكر عاجزٌ *** وفيه من الإيجاز ما حير الفكرا
تحدَّى به الأقوام فالكل مفحَم *** وأي بليغ ما تغنى به فخرا ؟
تحداهم أن ينهجوا مثل نهجه *** ومن أين للفحَّام أن يصنع الدرا ؟
فإما عجزتم أن تجيئوا بمثله *** فهاتوا لنا في مثل آياته عشرا
فما هو بالشعر البليغ نظامه *** ولا السحر فالألباب في فهمه حيرى
وقد فتق الألباب حسن بيانه *** ولطف معانيه كما شرح الصدرا


المشهد رقم [3 ] : القرآن نظام شامل .

كتاب ربنا هو نور للبشرية جمعاء ... ودستور أنزله رب السماء ... ونبراسٌ يضئ جوانب الأرض والفضاء ... فيه نبأ من قبلنا من الأمم ... وما شَرَعَهُ ربنا وحَكَمْ ... وما أَمَرَنَا بإتِّبَاعِهِ وألزم ... وما نهانا عنه ربنا وحرَّم ... ينظم الحياة للبشر ... ويـدل عـلى الـخـيـر ويحذر من الشر ... ملئ بالأخبار والمواعظ والعبر ...

قال تعالى " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً "

كفى بكتابكم يا قوم نورا *** فشقوا السُّبْلَ ، واخترقوا الظًَّلاما
كتاب الله لولا أن هدانا *** لما وضح السبيل ولا استبانا
نظام الدين والدنيا وماذا *** يكونُ الناس إن فقدوا النظاما ؟
وما نفع الحياة لكل حَيٍّ *** إذا ما أصبحت داءً عقاما ؟
كفى بكتابكم يا قوم طباً *** لمن يشكو من الأمم السَّقاما
كتاب يملأ الدنيا حياةً *** وَيَنْشُرُ في جوانبها السَّلاما


المشهد رقم [4 ] : حلقة القرآن الكريم.

يا قوم أوما سمعتم ما قاله نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم فيما صحَّ عنه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه " ... وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ... "

يا لها من حظوة عظيمة ينالها أهل حلق القرآن ... سكينة ورحمة واطمئنان ... وذكرٌ عند ملأ
العظيم المنان ... وفي الأخرى النعيم المقيم في أعالي الجنان ...

حَلْقَةُ القرآن ما أبهى رباها ! *** أنا لا أعشق في الدنيا سواها
روضةٌ ناضرةٌ فواحةٌ *** زهت الأكوانُ من طيب شذاها
قد تجلت شمسها ساطعةً *** تُبْهَرُ الأعين من نور سناها
فبها ما تشتهي من متعٍ *** ونعيم الروحِ ، ما أحلى جناها
هي للمؤمن نور وهدى *** وحياة الروح فازت برؤاها
فترى الأنفسُ فيها سلوةً *** وترى روضها الزاهي مناها
قرّت العين في أجوائها *** وقد إنجاب عن النفس عماها
جلَّ من أبدعها من روضة *** ضمّخ الريحانُ والمسكُ ثراها !


المشهد رقم [ 5 ] : تيسير حفظه .

نعم قد اشتفيت من معرفة فضل هذا الكتاب الربَّاني ، وأنه الطريق الوحيد للسعادة في الدارين ، لكن نفث الشيطان في روعي أني لا أطيق جمعه في صدري ، وأن حفظه صعب ٌ وطويل ...

كفَّ عنك هذه الأباطيل ،واستمع إلى ما جاء في التنزيل :

قال تعالى " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدَّكر ""
قال تعالى " فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لداً "

ميسَّرٌ حفظه والله يسره *** يسري إلى القلب والألبابَ يَجْتَذِبُ
ينالُ قارئُهُ من جودِ قائلِهِ *** والخيرُ من فيضِ جودِ الله مُنْسَكِبُ
الحرف أجرته عشرٌ يضاعفُها *** ربٌ كريمٌ عن الأبصار مُحتجِبُ
آياته نسخت ما كان من كتبٍ *** فحكمهُ ذاهبٌ في الناسِ ما ذهبوا


المشهد رقم [ 6 ] : ما ينبغي لحامله .
كمال الإنسان بالعلم النافع ... والعمل الصالح ... وليس ذلك إلا بالإقبال على القرآن وتفهمه وتدبره ... " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليتدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب " و استخراج كنوزه ... وإثارة دفائنه ... وصرف العناية إليه ... والعمل بما فيه ... وتحسين صوته عند قراءته ...
قال الفضيل بن عياض ( حامل القرآن حامل راية الإسلام ، لا ينبغي له أن يلهو مع من يلهو ، ولا يسهو مع من يسهو ، ولا يلغو مع من يلغو ، تعظيماً لحق القرآن )

فيا أمة التوحيد هذا كتابكم *** فلا تتركوه للعدا أو ير الهجرا
وما دمتم مستمسكين بحبله *** فلن يدرك الأعداء في كيدهم نصرا
فيا رب ألهمنا السداد بحفظه *** ويسر لنا مما نخاف به العسرا
ووفق شباب المسلمين لنهجه *** عسانا تعيد المجد والسيرة الغرا
ونبني على ضوء الكتاب حياتنا *** فنملك فيه العز والغاية الكبرى
فيا رب يا رحمن نرجوك رحمة *** وعزاً بدنيانا وعفوك في الأخرى


قال تعالى " إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور "

وقال صلى الله عليه وسلم ( اقرؤا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه )

فمن كان يرجوا أن يفوز بجنة *** فجنته في فهمه إذ يرتل
وعش في ظلال الذكر تحت لوائه *** ملاذ لنا في النائبات ومعقِلُ
تباركت يا ربي لك الملك كله *** فما شئت يا مولاي في الملك تفعل
أعنا على حفظ الكتاب وفهمه *** فإياك نستهدي وإياك نسأل


أبو أسامة - جامع المودة - جدة
الاثنين 1 / 8 / 1426 هـ

09-02-2016 | 138
 

حفظ القرآن الكريم أهميته ومعواقاته


لا شك ولا ريب أن أول الأمور في طلب العلم بل هو أعظمها وأجلّها ( حفظ القرآن الكريم ) والناظر إلى سير علمائنا السابقين واللاحقين يجد أنهم أول ما يهتمون بحفظ القرآن الكريم فيحفظونه منذ نعومة أظفارهم قبل البلوغ ذلك لأنه أساس العلوم وقوامها ومنه أولاً تستمد الأحكام والأدلة ، ثم بعد ذلك يتدرجون في سلم العلوم الشرعية .

قال الميموني : سألت أبا عبدالله ( يعني الإمام أحمد ) أيهما أحب إليك أبدأ ابني بالقرآن أو بالحديث ؟ قال : لا بالقرآن ،قلت : أعلمه كله ؟ قال : إلا أن يعسر ، فتعلمه منه . ( الآداب الشرعية لابن مفلح ( 2/ 33 )

وقال الخطيب البغدادي : ينبغي للطالب أن يبدأ بحفظ كتاب الله عز وجل إذ كان أجل العلوم وأولاها بالسبق والتقديم . ( الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1/106 ).

وقال الحافظ النووي رحمه الله : وأول ما يبتدئ به حفظ القرآن العزيز فهو أهم العلوم ، وكان السلف لا يُعلِّمون الحديث والفقه إلا لمن حفظ القرآن . ( مقدمة المجموع شرح المهذب )

وقال شيخ الإسلام : وأما طلب حفظ القرآن فهو مقدم على كثير مما تسميه الناس علما وهو إما باطل أو قليل النفع ، وهو أيضا مقدم في التعلم في حق من يريد أن يتعلم علم الدين من الأصول والفروع ، فإن المشروع في حق مثل هذا في هذه الأوقات أن يبدأ بحفظ القرآن فإنه أصل علوم الدين .( الفتاوى الكبرى 2/235)

والذي يشاهد واقع الشباب اليوم يجد أن بعضهم يُغفل جانب حفظ القرآن بل بعضهم يبدأ بالحفظ قليلاً ثم لا يلبث أن ينقطع مع أنه ربما يكون مجتهداً في حضور الدروس العلمية الشرعية .
وبما أن الله منّ عليّ بتدريس وتعليم القرآن سنوات عديدة - أسأل الله أن لا يحرمني أجرها – فقد جمعت بعض الأسباب من خلال الواقع التي يعتذر بها بعض الشباب عن مواصلة الحفظ ثم أردفت كل سبب بالحلول المناسبة له من وجهة نظري .

وقبل البدء لابد من معرفة حقيقة عظيمة هي أن هذا القرآن سهل الحفظ لسهولة ألفاظه وسلاسة أسلوبه قال الله تعالى : (( ولقد يسَّرنا القرآن للذِّكر فهل من مّدَّكر )) قال العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره : ولقد يسرنا وسهلنا هذا القرآن الكريم ألفاظه للحفظ والأداء ، ومعانيه للفهم والعلم لأنه أحسن الكلام لفظاً وأصدقه معنى وأبينه تفسيراً ، فكل من أقبل عليه يسّر الله عليه مطلوبه غاية التيسير وسهّله عليه .. ثم يقول : ولهذا كان علم القرآن حفظاً وتفسيراً أسهل العلوم وأجلّها على الإطلاق وهو العلم النافع الذي إذا طلبه العبد أعين عليه ، وقال بعض السلف عند هذه الآية : هل من طالب علم فيُعان عليه ؟ ولهذا يدعو الله عباده إلى الإقبال عليه والتذكر بقوله : (( فهل من مدّكر )) انتهى كلامه رحمه الله .

إذاً فالأصل في القرآن أنه سهل الحفظ ميسوره لكن الخلل منا نحن الذين تشاغلنا عن الإقبال عليه حفظاً وتفهماً بأعذارٍ بعضها يوجد لها حل وكثير منها من تلبيس إبليس على الشباب .

وقد رأيت أن هذه الأسباب تجتمع في ثلاثة أسباب رئيسية هـي :
1) الاعتذار بكثرة المشاغل سواء كانت مشاغل الوظيفة أو الأهل أو نحو ذلك ، ولا شك أن الناس جميعاً في انشغالات لا تنتهي بل حتى أهل القبور دخلوا قبورهم ولمّا تنقضي مشاغلهم!! لكن شتان بين من ينشغل في الدنيا وطلب الرزق ويجعل هذا همه الأكبر وبين من ينشغل بالإقبال على القرآن والعلم وما يفيده في آخرته .
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم القدوة فهو القائد والإمام ورب الأسرة والمربي والعابد الزاهد ولم يمنعه كل ذلك صلى الله عليه وسلم من إعطاء كل ذي حق حقه . فالحل لمثل هذا الأمر يكمن في تنسيق وتنظيم الوقت فلا يطغى جانب على جانب قال سلمان الفارسي رضي الله عنه : إن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك وضيفك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه . فقال صلى الله عليه وسلم ( صدق سلمان ) رواه ابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما . ثم لو علم الإنسان عظمة كلام الله عز وجل حق العلم لاستحى أن يُعطيه فاضل وقته .

2) الاعتذار بطلب العلم ، وهذا لا شك أمر مردود لأن كتاب الله جل وتعالى أول ما ينبغي على طالب العلم الإقبال عليه فهو أهم المهمات كما تقدم . قال الخطيب البغدادي رحمه الله : والعلم كالبحار المتعذّر كيلها والمعادن التي لا ينقطع نيلها فاشتغل بالمهم منه فإنه من شغل نفسه بغير المهم أضـرّ بالمهم . انتهى

وإذا طلبت العلم فاعلم أنه *** حِمل فأبصر أيّ شيءٍ تحمـل
وإذا علمتَ بأنه متفاضـل *** فاشغل فؤادك بالذي هو أفضل

فاحرص يا أخي على البدء بكتاب الله حفظاً وتفهماً ، ولا بأس مع تنظيم الوقت المذكور آنفاً أن تأخذ من العلوم بعد ذلك ما أردت .

3) الاعتذار بتفلّت القرآن ونسيانه ، وهذا مدخل شيطاني خطير والدليل على ذلك أنه يعالج الداء بداء آخر فيعالج النسيان بترك الحفظ والمراجعة ، وهذا خطأ بلا شك . سألت أحد الشباب
ممن ابتدأ في حفظ القرآن ثم انقطع عن سبب انقطاعه فقال : لأنني نسيت ما حفظت فقلت له : وهل انقطاعك يذكرك ما نسيت أو يزيد في حفظك ؟!
والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بهذه الحقيقة أي أن القرآن شديد التفلّت لكنه أرشدنا إلى الحل الأمثل في ذلك بل أنه قدم الحل قبل بيان المشكلة كما في الحديث المتفق عليه ( تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها ) فأمرنا بتعاهده والتعاهد هو كثرة المراجعة ولا شك أن المتعاهد للقرآن سينشط بعد ذلك في مواصلة الحفظ .

هــذا وإن هناك أسباباً حقيقية تصـد الشـاب عن حفظ القـرآن والإقبال عليه أذكر منها :
1) الوحدة : وذلك بأن يريد الشاب أن يحفظ القرآن لوحده بجهده الخاص ولا ريب أن هذا الفعل فيه عدة سلبيات منها أنه قد يعتريه الفتور سريعاً فيقعد عن مواصلة الحفظ ، وكذلك فإنه قد لا يكتشف أخطاءه إذا كان يقرأ لوحده ، وعلى كل حال فقد قال عليه الصلاة والسلام ( إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ) رواه الحاكم . فعليك يا أخي أن تتواصى مع غيرك من إخوانك في حفظ القرآن الكريم أو الالتحاق بحِلق تحفيظ القرآن المنتشرة ولله الحمد وذلك لتحفظ على الوجه الصحيح ويتبيّن لك مدى إتقانك لما تحفظ .

2) استطالة طريق الحفظ : فقد يبدأ الشاب في الحفظ ويريد أن يختم القرآن في أسبوع أو أسبوعين أو شهر أو شهرين ثم ما يلبث أن يستطيل المدة فيفتر والسبب في ذلك الحماس غير المنضبط . فعليك أن تعلم يا أخي أن حفظ القرآن لا بد له من وقت طويل يُقدر بثلاث سنوات تقريباً في الغالب وكلٌ على حسب طاقته وجهده وتفرغه فلا تُحمِّل نفسك فوق طاقتها ولا تستعجل في أمرٍ لك فيه أناة قال صلى الله عليه وسلم ( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ) متفق عليه .

3) المعاصي : وهذا بلا شك سبب رئيس في الحرمان من كل خير فلا يُحرَم العبد خيراً إلا بسبب ما كسبته نفسه من المعاصي والآثام قال صلى الله عليه وسلم ( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ) رواه الإمام أحمد ، ولا شك أن حفظ القرآن الكريم من أعظم وأجل النعم على العبد ، فاجتهد يا أخي في تحرير نفسك من ذلّ المعصية وشؤمها لينفتح لك باب المعونة من الله عز وجلّ .

أسأل الله تعالى بمنّه وكرمه أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته ، وأن يجعلنا من الذين يقيمون حروف القرآن كما يُقيمون حدوده وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

عامر بن عيسى اللهو
المدرس بقسم الدراسات القرآنيّة
بكليّـة المعلميـن بالدمـام

09-02-2016 | 127
 

تصميم وتطويركنون