المادة

لماذا يتأخر النصر؟

165 | 01-12-2016
عناصر الخطبة 1/ سمات الطواغيت وصفاتهم 2/ تأملات في أحوال الطغاة والمتكبرين 3/ متى ينصر الله أمة الإسلام؟ 4/ هزيمة رايات الكفر في بلاد المسلمين 5/ لماذا تأخر النصر في سوريا 6/ وجوب إحياء الأمة ونصر دينها.
بالمقاييس البشرية نحن أضعف لكن حينما نعيد تربية أنفسنا سننتصر ونتغير، هل يمكن أن نستوعب هذه الحقيقة؟ هل يمكن أن نفهم هذا المعنى؟ هل يمكن أن تتغير الشعوب العربية لتكون أقوى وأوضح ولتعبر عن نفسها؟ هل يمكن أن تتغير الشعوب العربية لتطلب من حكامها أن يحكِّمُوا شريعة الله كاملة، وأن يسيروا على هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- لكي تتغير الأمة. لن يتغير الحكماء ولا العلماء إلا إذا تغيرت الشعوب، وطالبت بذلك؛ فهذا حقها الأول والأصيل أن تُحْكَم بشرع الله، وأن تعيش تحت مظلة الإسلام، كل الشعوب العربية شرقًا وغربًا؛ هذه الثورات كانت البداية، والمطالبة بالحريات كان مطلبًا ضروريًّا لكي تعيش الأمم من جديد، وتحيى وتتغير لكي نستطيع أن نسترد حقوقنا، ولكي نستطيع أن نسود العالم، وأن نقدم كلمة الإسلام ودين الله لكل الناس..

الخطبة الأولى:

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماء وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما يشاء الله من شيء بعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وقرة عيوننا محمدًا عبدُ الله ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن سار على دربه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

أيها الإخوة: حينما يتجرأ إنسان من الناس، أو بشر من البشر فيقول بلا خوف وبلا وجل يقول: أنا أحيي وأميت، تعلم في تلك اللحظات أنك تقف أمام طاغوت كبير، أمام صنم عظيم، أمام طاغية ومتكبر، أمام مستبد جلد فاجر، قال هذه الكلمة بلا خوف وبلا وجل، وهو في النهاية بشر وإنسان قالها النمرود بن كنعان حينما لقيه إبراهيم -عليه السلام- فعرض عليه التوحيد فقال: أنا أحيي وأميت (إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [البقرة: 258]، والله لا يهدي القوم الظالمين.

هكذا الطاغية، هكذا المستبدّ، هكذا المتكبر، حينما لا يجد من يقف في وجهه، حينما لا يجد من ينازله، حينما لا يجد من يتحدى صولته وقوته وسلطانه يستبد أكثر ويتعالى أكثر ويطغى أكثر حتى يحقق مراده.

هذا الاستبداد وهذا التكبر أيضًا قاله فرعون حينما قال أيضًا: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)، وقال (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ)، بل حين جادله موسى عليه السلام (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ).

إنها كلمات تمتلئ بالفجور بالطغيان بالكفر بالتحدي، هؤلاء الذين يقولون هذه الكلمات يعتزون بقوتهم، يعتزون بسلطانهم، يعتزون بأموالهم، يعتزون بملكهم، يعتزون بجنودهم وأتباعهم، يعتزون بسكوت الناس بضعفهم باستسلامهم، برضاهم بكل ما يقال، ولكن حينما يجدون من يقف في وجوههم تتغير المعادلة.

قالها أفراد وقالتها أمة من الأمم اعتبروا أنفسهم هم الأقوى والأكثر عددًا وقوة وبطشًا، قالتها عاد حينما قالت (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) [فصلت:15].

أيها الإخوة: حينما قال النمرود ما قال أرسل الله له ذبابة فدخلت من أنفه وظل يتجرع الألم، ولم يكن يسكن ألمه إلا بعد أن يضرب بمرزبة من حديد حتى مات؛ عُذِّب في الدنيا قبل الآخرة.

وحينما واجه موسى -عليه السلام- فرعون قال له فرعون: (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ) [الشعراء: 23- 25]، سخرية (قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) [الشعراء: 26- 28].

أيها الإخوة: هذه المواقف حينما نستحضرها لا بد أن نستحضر واقعنا، وأن نستحضر الظروف التي نعيش فيها، سنوات طويلة، وكلنا؛ من في مثل عُمري ومن هو أكبر من عمري، والأجيال التي من بعدنا، ونحن نعيش وهمًا كبيرًا اسمه إسرائيل التي لا تغلب دولة اليهود التي تُرعب الحكام قبل أن ترعب الشعوب، سنوات وإسرائيل ومن خلفها أمريكا وأوربا يعيثون في بلادنا فسادًا في بلاد المسلمين.

أمريكا بجيوشها وصلت إلى أفغانستان، ووصلت إلى العراق، ووصلت إلى الصومال، وهي اليوم بجيوشها وأساطيلها تستعرض في هذا العالم وحينما تغضب أمريكا فإنه لا يقف لها أحد، ولا يستطيع أن يواجهها أحد، ولا حتى الحلفاء ولا حتى الذين كانوا يوما أعداء لها من دول المعسكر الشرقي.

إذا غضبت أمريكا حسبـ***تَ الناس كلهم غضابًا

خرجت والله راغمة من العراق، ولم يُخرجها إلا شباب أهل السنة حينما صالوا وجالوا، والفلوجة تشهد، والعراق كلها تشهد عن بطولات أهل العراق من السنة الذين باعوا أنفسهم لله.

اليوم هي في أفغانستان تتجرع المرارة والخيبة والألم أولئك الذي يسكنون الجبال يمرغون أنفها في كل يوم، وهي القوة التي لا تُغلب!! هكذا استقر في أذهاننا تنتظر هي ومن معها في أفغانستان اللحظة التي يجدون فيها مخرجًا أو ملجأً أو فرصة للهروب من هناك.

وفي الصومال فعل بها الصوماليون الأفاعيل، فخرجت سريعًا، هي اليوم تفكر ألف مرة قبل أن تدخل إلى هنا أو هناك، في ليبيا لم تتجرأ إلا بإرسال طائراتها، في اليمن ترسل الطائرات التي تقصف من بعيد.

لقد امتلأت قلوبهم رعبًا، هي أمريكا وحلفاؤها، نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وإسرائيل هذه القوة الناشئة التي طالما قاومناها وقاتلناها وهزمنا؛ لأن رايتنا لم تكن راية لا إله إلا الله، لم تكن الراية هي راية التوحيد ولا هو المنهج الإيماني ولا هي التربية الجهادية لكثير من تلك الجيوش التي قاتلت إسرائيل، فظلت تسيطر على أجوائنا وتخطط للوصول إلى منطقة الشرق الأوسط، وتخطط عبر معاهدات السلام للدخول إلى عمق بلادنا العربية والإسلامية.

وقد استطاعت أن تأخذ دولة مرة باتفاقية السلام، وتأخذ دولة أخرى بمعاهدة سلام، وتأخذ دولة أخرى عبر اتفاقيات اقتصادية، وهذه ترسل سفيرًا، وتلك ترسل قنصلاً، وتلك ترسل منسقًا، وهكذا، والجميع في رعب والشعوب تخشى من دخول معركة مع إسرائيل، لكن القوم الذين يعيشون في ذلك الشريط الساحلي الضيق في غزة، أولئك الأبطال أرغموا إسرائيل على أن تستسلم لشروطهم، والله إنه لفتح عظيم والله إنه لنصر كبير حتى لو شوّهه بعض إعلاميي العرب هداهم الله، ثم هداهم الله، أو قاتلهم الله إن كانوا لا يهتدون.

غزة اليوم علامة فارقة لم يعد هناك مجال للخوف من أحد، من أفغانستان بدأنا، ومن العراق ومن الصومال ومن غزة.

أيها الإخوة: بالمقاييس المادية نعم أمريكا أقوى وإسرائيل أقوى لا يشك في ذلك عاقل، لكن هذه مقاييس البشر هذه مقاييس الماديات المحسوبة لكن مقاييس الله تختلف (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:249].

حينما تتربى الجيوش العربية على التربية الجهادية على الإيمان العميق على الرؤية الإسلامية الشاملة لن تقف إسرائيل في وجوهنا، ولن تقف أمريكا ولن يقف العالم أمام هذه الأمة.

هاتوا معركة كنا الأكثر عددًا والأقوى وإسنادًا ومددًا كم كنا في بدر وكم كان المشركون؟! وكم كنا في أُحد وكم كان المشركون؟! وكم كنا في الأحزاب وكم كان المشركون؟! في مكة فقط كنا الأكثر، في القادسية كم كنا، وفي اليرموك وفي عين جالوت وفي حطين وفي كثير من المواقف والمشاهد والغزوات والمعارك والانتصارات التاريخية كنا الأضعف من حيث العدد كنا الأقل، لكن كان الإيمان في قلوبنا كالجبال، كنا لا نهاب أحدًا إلا الله، كنا نقبل على الموت كما يقبلون هم على الحياة، فلذلك كانت المعادلة مختلفة، فانتصرنا بالأمس وانتصرنا اليوم.

والله إنهم يعيشون رعبًا عظيمًا من هذه القوة المتصاعدة من هذا الشعب الذي أبى أن يستكين أو يخضع أو يركع أو يذل، لقد كانوا بمجرد أن تنطلق الصواريخ وصفارات الإنذار يتجهون إلى الملاجئ؛ الرؤساء والوزراء والمسئولون في لحظات من الخوف والرعب حتى في المجاري أكرمكم الله كانوا يتوجهون إلى هناك من الخوف والهلع.

أيها الإخوة: بالمقاييس البشرية نحن أضعف لكن حينما نعيد تربية أنفسنا سننتصر ونتغير، هل يمكن أن نستوعب هذه الحقيقة؟ هل يمكن أن نفهم هذا المعنى؟ هل يمكن أن تتغير الشعوب العربية لتكون أقوى وأوضح ولتعبر عن نفسها؟ هل يمكن أن تتغير الشعوب العربية لتطلب من حكامها أن يحكِّمُوا شريعة الله كاملة، وأن يسيروا على هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- لكي تتغير الأمة.

لن يتغير الحكماء ولا العلماء إلا إذا تغيرت الشعوب، وطالبت بذلك؛ فهذا حقها الأول والأصيل أن تُحْكَم بشرع الله، وأن تعيش تحت مظلة الإسلام، كل الشعوب العربية شرقًا وغربًا؛ هذه الثورات كانت البداية، والمطالبة بالحريات كان مطلبًا ضروريًّا لكي تعيش الأمم من جديد، وتحيى وتتغير لكي نستطيع أن نسترد حقوقنا، ولكي نستطيع أن نسود العالم، وأن نقدم كلمة الإسلام ودين الله لكل الناس.

أيها الإخوة: كما قلت حينما استبد فرعون قال الله -جل وعلا-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ) [الشعراء:52]، يريد الله -لأمر أو لآخر- أن ينفذ كلمته وأمره هذا الرجل الذي يقول: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي)، ويقول وهو في غاية الاستبداد والطغيان والظلم: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)، أنا الصالح وأن المصلح، وأنا الذي أفهم وأعرف وأنتم لا تفهمون ولا تعرفون التوازنات الدولية والحروب الاقتصادية، ولا تفهمون شيئًا، كلوا واشربوا وعيشوا حياتكم، ولا تفكروا فيما هو أبعد من ذلك.

(مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)، قال الله تعالى: (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ..) [ الشعراء: 54- 61].

بالمقاييس المادية (.. قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى)، من فوق سبع سماوات من فوق العرش، من فوق الكرسي ( فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [الشعراء:63].

تغيرت السنن الطبيعية والنواميس الكونية، تغيرت، لقد جمد الماء، وتحول إلى جبلين عظيمين وفجأة إذا بطريق لم تشرق عليه الشمس يومًا، طريق ممهد لموسى ومن معه قال الله (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء: 64- 68]. هذا هو قدر الله الغالب، هذا هو بطش الله حينما ينزله على الذين يستحقونه.

أيها الإخوة: لا بد أن تتغير النفوس، هؤلاء الذين أنقذهم الله حينما أرادوا أن يدخلوا إلى فلسطين جبنوا وخافوا وارتاعوا من قوة القوم الذين هناك وإمكانياتهم وطاقاتهم تقنياتهم والغرب والشرق معهم (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) [المائدة: 22- 26].

أربعون سنة يتيهون في صحراء سيناء حتى يموت وينقرض ويباد هذا الجيل الذي تربى على الخوف والذلة لفرعون ومن معه، هذا الجيل لا يصلح للنصر فانقرض، وذهب ذلك الجيل فنشأ جيل جديد لا يمتلئ قلبه إلا بالله وبالإيمان، ولذلك نشأ جيل لا يخاف فذهبوا مع يوشع ودخلوا إلى فلسطين وفتحوها.

تغير النفوس الصلة بالله -عز وجل- الارتباط به أن نعرف أن بيده النصر، وأن بيده العز وأن بيده التمكين.

أيها الإخوة (وَأَمَّا عَادٌ) أمريكا وإسرائيل ومن معهم الذين نستجديهم اليوم من أجل إخواننا في سوريا، ولذلك صرختهم الدائمة يقولون: "يا الله ما لنا غيرك يا الله"، هذا هو الشعار الحقيقي، اليوم تأخر النصر في سوريا لأن الله يريد من هذا الجيل من هذا الشعب أن يقود هو الأمة والكثير من الأحاديث تتحدث عن سوريا وعن آخر الزمان، ولا أريد أن أربط هذا بآخر الزمان لكن بداية العودة لله ستكون من الشام.

أيها الإخوة: لله يمحّص أهل سوريا لكي يصطفيهم، لكي يعيدهم إليه، لكي يعودوا إلى الحق، فلذلك (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ) [فصلت:16].

أيها الإخوة: ارتبطوا بالله، وثقوا بأن النصر قادم وقريب، وما حدث في غزة يؤكد أن النصر بيد الله، وأن هذه الفئة غلبت فئة كثيرة (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص: 5- 6].

النصر -بإذن الله- للمسلمين والغلبة -بإذن الله- لهذه الأمة، وإن الله مع الصابرين وبإذن الله سوف نحتفل كما احتفلنا مع غزة بسوريا وبعودة الأمة كلها.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أيها الإخوة: لكي أؤكد ما كنت أقوله، ولكي يستبين الصبح لكل ذي عينين انظروا إلى هذه الآيات لتعرفوا الفرق كيف أن الله -عز وجل- يجعل بعض آياته رحمة ونصرة وتمكينا لطائفة من عباده، ويجعلها أيضا وفي نفس اللحظة عذابا ودمارا ونكالا لطائفة أعرضت عن ربها، يقول الله -عز وجل- (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ) مولود صغير (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ) من فرعون ومن معه (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) في البحر الهائج الذي لا تُرَى حدوده بعينيها، هل هذا مجال للاطمئنان؟! (وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) يأتيك ثقة،وليس ذلك فقط (وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص:7].

يرمَى في البحر ثم يَعِد الله أمه الخائفة عليه بأن يقول: (وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) بل من أولي العزم من الرسل.

هذا هو اليم كان رحمة بموسى عليه السلام (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) [طه:39]، هذا هو اليم في هذا الجانب، أما في الجانب الآخر قال الله -عز وجل- عن فرعون وعن جنوده وعن من كان معه وعن من يؤمن بفكره (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ) [الأعراف:136].

وكما قال الله في الآية الأخرى: (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) [القصص:40]، اليم هنا واليم هناك، فلنكن مع الله لكي يجعل كل آياته رحمة ونصرة وتمكينا لنا.

عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله فقد أمركم ربكم بذلك قال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن سار على دربه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين...

جديد المواد

تصميم وتطويركنون