المادة

الحكمة

154 | 01-12-2016
عناصر الخطبة 1/ الحكمة ضالة المؤمن 2/ كيف تكون حكيما؟ 3/ نماذج صارخة من السفه والحمق 4/ ماذا فعلت مادونا في أبوظبي؟ 5/ كيف الوصول إلى الحكمة؟

ما ينبغي أن يبحث عنه العاقل والمسلم السوي، هو أن يكون حكيما في تصرفاته، في كلماته، في كل حياته، كيف تكون حكيما حينما تحسن تربية نفسك، حينما تصنع ذاتك، حينما تغيّر سلوكك، حينما تصنع تفكيرا، فأنت الحكيم الذي يختار لحياته ما ينفعها في الدنيا وفي الآخرة، ..، وحينما تعرف من تصادق فأنت حكيم، وحينما تعرف من توالي فأنت حكيم، وحينما تنتمي إلى أمتك فأنت حكيم، وحينما تختار الحق مهما كان العدو قوة ونفوذ ومال فأنت حكيم. فالحكمة هي أن تختار لنفسك ما يصنع حياتك، وينفعك عند الله -عز وجل-، هذه الحكمة هي ما تبحث عنه الأمة، هي ما يبحث عنه الناس؛ لأن الذي يؤتى الحكمة يعيش سعيدا، يعيش آمنا، يعيش مطمئنا...

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة عيوننا محمدًا عبدُ الله ورسوله الأمين، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه أجمعين.

أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

أيها الإخوة: لو أن رجلاً قام في المسجد الآن ليبحث عن ضالة فسوف نقول له جميعًا: لا ردّ الله عليك ضالتك، هكذا أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه لا ينبغي أن ينشد أحد عن الضالة في بيت من بيوت الله، ولو جاء رجل آخر ونشد عن ضالة مختلفة فسوف نقوم له كلنا ونأخذه بالأحضان ونقبل رأسه أعني بهذه الضالة "الحكمة".

"الحكمة ضالة المؤمن أين وجدها فهو أحق بها"، في أي مكان في المسجد، في الجامعة، في المدرسة، في الشارع، في السوق، على شاطئ البحر، في المناسبة الاجتماعية، في البيت من الصغير للكبير، الرجل، المرأة، المسلم، الكافر..

يمكن للمسلم أن يأخذ منه الحكمة لأنه أحق بها، والحكمة هي وضع الشيء في موضعه، أن يضع الكلمة الطيبة في موضعها، وأن يتصرف التصرف الحسن فهل نحن حكماء؟ هل نحن يوميًّا ممن يبحثون عن الحكم، ربما يموت الإنسان في سبيل الملك، السلطة القوة في سبيل القهر في سبيل المال في سبيل المنصب في سبيل الجاه، ربما يقاتل الإنسان دون نسبه، لكن هل جرّب أحدنا دون الحكمة؟!

لكي يحصل على الحكمة إنها أمر عظيم والذي يقول ذلك ليس أنا بل هو الله جل وعلا حينما قال (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)[البقرة: 269]، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً) [النساء: 122]، (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ) ولم يقل ومن يؤت المال، أبداً ولم يقل: ومن يؤت الملك على جلالة قدر الملك، ولم يقل ومن يؤت المنصب الرفيع لم يقل شيئا من هذا بل قال الله –عز وجل-: (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)[البقرة: 269].

(وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) [لقمان: 12]، اشكر الله يا لقمان الحكيم لأنه جعلك حكيما؛ فهذه ما ينبغي أن يبحث عنه العاقل أن يبحث عنه المسلم السوي، أن يكون حكيما في تصرفاته، في كلماته، في كل حياته، كيف تكون حكيما حينما تحسن تربية نفسك، حينما تصنع ذاتك، حينما تغير سلوكك، حينما تصنع تفكيرا، فأنت الحكيم الذي يختار لحياته ما ينفعها في الدنيا وفي الآخرة، حينما تعرف متى ترغب فأنت حكيم، وحينما تعرف متى تسالم فأنت حكيم، وحينما تعرف متى تكون حليما فأنت حكيم، وحينما تعرف من تصادق فأنت حكيم، وحينما تعرف من توالي فأنت حكيم، وحينما تنتمي إلى أمتك فأنت حكيم، وحينما تنتمي إلى وطنك فأنت حكيم، وحينما تختار الحق مهما كان العدو قوة ونفوذ ومال فأنت حكيم.

فالحكمة هي أن تختار لنفسك ما يصنع حياتك، وينفعك عند الله -عز وجل-، هذه الحكمة هي ما تبحث عنه الأمة، هي ما يبحث عنه الناس؛ لأن الذي يؤتى الحكمة يعيش سعيدا، يعيش آمنا، يعيش مطمئنا، يستطيع أن يقرر أموره بنفسه وحينما ترى خلاف الحكمة؛ فإنك تشعر بالألم وتشعر بالبؤس وتشعر بالغضب وتشعر أحيانا باليأس ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وحينما يقع من تتوقع أنه أكمل الناس وأحكمهم وأفضلهم، حينما يقع في الخطأ وفي الزلل ويخالف بأفعاله وأقواله الحكمة فإنك تشعر بفداحة المصيبة، أحيانا تشعر بالعجب الشديد، وأحيانا لا تصدق ما تسمع، وأحيانا تكون جالسا مع نفسك فتضحك فجأة، تضحك وأنت تريد أن تبكي من هول ما تسمع ومن هول ما ترى، ومن هول ما تقرأ ومن هول ما يتحدث به الناس، ولولا أنك ترى ذلك وينتشر بين الناس ويتحدثون به لما صدقت.

الحكمة.. ما هو العذر المبرر، ما هي الحجة التي يمكن أن نفسر بها إذا أحسنا الظن بما حدث أمس في الكويت، مغنية عارضة أزياء راقصة وصلت إلى الكويت لكي تفتتح محلا للأزياء ومحلا أو كما يقولون كافي عالمي مشهور في الكويت حفلة العشاء من أراد أن يحضرها فعليه أن يدفع 350 ديناراً يعني قرابة 4000 ريال لكي تحضر حفلة عشاء مع (كارديشن أو كاردشيان) أو أيًّا كان اسمها، مغنية راقصة عارضة أمريكية لكي تحضر حفلة عشاء معها في الكويت في بلاد المسلمين عليك أن تدفع قرابة الـ4000 ريال، وهذا الكلام من مواقع كويتية ليس من أي جهة أخرى.

لكي تحظى بصورة مع هذه العارضة والراقصة والمغنية فأنت يجب عليك أن تدفع 120 دينارا قرابة 1400 ريال.

الولايات المتحدة الأمريكية طالبت الحكومة الكويتية بتوفير الحماية اللازمة لهذه المغنية، وأول ما وصلت إلى أرض الكويت ذهبت إلى السفارة الأمريكية، وعقدت اجتماعًا مع السفير الأمريكي، وتنقلت في بعض الأحيان بسرية تامة، والمعجبون يتابعونها على صفحتها بتويتر؛ لأنها كانت تنقل لهم أين هي الآن، وإلى أين هي ستتجه، ومتى سيكون الاحتفال، فلما ذهب المعجبون وجدوا أكثر من أربعين بودي جارد أمام هذا المحل!

هل هذا من الحكمة؟! هل ينبغي أن يقبل المسلم ذلك؟ ولعلمكم هذه التذاكر نفذت في الدقائق الأولى، 4000 ريال لحضور حفلة العشاء و1400 ريال لالتقاط صورة معها.

هذه هي أمة الإسلام في آخر عصورها، كيف يمكن القبول بهذا؟!

الكويت التي تشهد اليوم اضطرابا وثورة بدلا من أن يبادر حكامها لأن يهدؤوا النفوس، ويطيبوا الخواطر، ويجمعوا الناس على كلمة سواء ويأخذوا ببلادهم إلى بر الأمان؛ لأن الشيعة فيه يستقوون كثيرًا، ولهم أماكنهم ونفوذهم ومناصبهم، بدلاً من ذلك يحدث هذا في بلاد العرب والمسلمين! هل هذا من الحكمة؟! هل هذا من سداد الرأي؟! هل هذا من العقل؟! هل هذا من المنطق؟!

كيف يقبل إنسان أن يعجب بمثل هذه، فضلاً على أن يكون مسلما محمديّا، كيف يمكن بالله أن يصل الإنسان بأهدافه وأمنياته وأفكاره إلى مثل هذا؟! كيف يمكن أن يقبل على نفسه أن يتابعها في تويتر، أو يسمح لنفسه أن يشاهدها وهي ترقص أو تغني!

فما بالكم بأن هناك من دفع ولاحقها يريد أن يحظى بهذه الجلسة معها في حفل العشاء أو بالتقاط صورة معها لكي تدفن معه في قبره يلقى بها الله -عز وجل-.

حينما تقل الروح والإيمان، حينما تتبدل المفاهيم يحدث مثل هذا، ليست الكويت فقط، فقبل فترة في الأمارات العربية المتحدة أيضا كانت (مادونا)، وأنا أسف هذه خطبة جمعة ولكن اسمحوا لي أن أتكلم بصراحة، وأذكر هذه الأسماء، مغنية وراقصة وعارضة أمريكية سامحوني "وعاهرة أمريكية" في الإمارات العربية المتحدة أقامت حفلاً في أبو ظبي، وكانت تقوم بهذا الحفل؛ لأنها تريد أن تقوم بجولة عالمية محطتها الأولى كانت تل أبيب فجاءت من تل أبيب إلى أبو ظبي وأحيت حفلة حضرها 25 ألفًا!!

فكروا، صدقوا، لا تصدقوا 25 ألفًا حضروا حفلة مادونا في أبو ظبي التذكرة بين 70 دولار إلى 300 دولار يعني قرابة الـ1200 ريال !!

التذاكر بيعت خلال 90 دقيقة، ونظمت حفلة أخرى، وفي هذه الحفلة حضرت بملابس الرهبان الملابس السوداء الضيقة، ولبست بعض الملابس العارية التي استخدمتها في إحدى أغانيها، وعلقت الصلبان خلف ظهرها، ولكي تزيد الجمهور حماسا واندفاعا ولكي تثير الحفلة خاطبت الحاضرين وقالت لهم يا أبناء العاهرات فازداد الجمهور حماسًا!!!

هذا في بلاد العرب والمسلمين، هذا يحدث في دول يحكمها مسلمون، كيف يمكن القبول بهذا!!

وأقامت حفلة أخرى، يا أيها الإخوة أين هي الحكمة ؟! أين هو العقل؟! كيف يقبل مسلم أن يحضر مثل هذه الحفلة؟! كيف يقبل أن يتابعها؟! كيف يقبل أن يشاهدها؟ كيف يقبل أن تدخل إلى بلاد المسلمين، لا يوجد عقل في هذا ولا منطق، أين أولوياتنا، أين مبادئنا وقيمنا، أين مفاهيمنا، كيف رضينا على أنفسنا بذلك؟!

فهل الذين وافقوا على دخولها لديهم من الحكمة ما يمنعهم أن يتصرفوا، وأن يتخذوا قرارات، وأن يوالوا وأن يعادوا وأن يتسببوا في فتن هنا وهناك؟! لا والله..

أين الأخذ على أيدي السفهاء؟

أما ثالثة الأثافي فلا أريد أن أبعد ولا أن أنتقض هنا وهناك وأترك النقض لبني قومي وبني وطني، أظن أنكم سمعتم أن رجل أعمال سعودي جداوي تزوج في أوروبا وأنفق على حفل زفافه عشرة ملايين دولار يعني قرابة 38 مليون ريال! على إحدى المذيعات أو العارضات، أو شيء من هذا القبيل في إحدى المحطات اللبنانية، ثمن فستان الزفاف 300 ألف دولار يعني أكثر من مليون ريال.

الخاتم والقلادة التي لبستها قيمتها خمسة ملايين دولار، وأقيم الحفل في حفل مبهج وحضره نجوم وعالميون، وسياسيون واقتصاديون، في إحدى القصور القديمة في فينسيا في إيطاليا في مدينة البندقية، ولبس العروسان الملابس المختلفة والملابس التنكرية، وكان هناك حفلة وكان هناك فرقة موسيقية.

أنا أنقل ما كتبته المواقع وأنقل ما رأيته بعيوني في الصور التي عُرضت.

أنا أدعو رجل الأعمال السعودي أن يذهب معي أنا في زيارة خاصة إلى جنوب جدة، إلى السبيل، إلى الكرنتية، إلى شرق الخط السريع، إلى ما خلف شارع الستين، أدعوه إلى زيارة هؤلاء المسلمين من السعوديين وغير السعوديين من الذين يبيتون أحيانًا طاوين من الجوع.

من الذين أغرقت هذه الأمطار الخفيفة التي نزلت على جدة قبل أسبوع بعض البيوت وهدمت بعض السقوف؛ لأنها عبارة عن عشش فباتوا في شر ليلة.

نعم، نحن اليوم أنا وأنتم نستغرب ونستنكر ونرفض، لكننا بحاجة إلى أن نراجع أنفسنا، فلربما البعض منا يتابع مغنية في تويتر، أو في الفيس بوك، أو يشاهدها أو يشتري لها سي دي فيه فيديو أخير لها، كل ذلك ليس من الحكمة، ولا من الهدى ولا من النور ولا من الإيمان ولا من الولاء أبدًا.

أيها الإخوة ليس من الولاء ولا من البراء، لا بد أن نُعمل عقولنا، ونطلب من الله أن يهدينا، أن يسددنا أن يُرشدنا أن يُصلحنا أن يُوفقنا لاتخاذ القرار المناسب أن يُوفقنا للقول الحق، أن يستعملنا في طاعته، أن يجعلنا ممن يؤمنون بهذا الدين ويقدمونه على من عاداه، أن يجعلنا من أهل الحكمة، أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

دوري ودورك في أن نحيي هذه العقول في أن نراجع أنفسنا، في أن نراجع بعض من تسرب إلينا، وأصبح حقيقة واقعة وأصبح جزءًا من حياتنا وهو يخالف مفاهيمنا ويخالف تربيتنا ويخالف أصولنا.

إننا بحاجة للوصول إلى الحكمة عن طريق القراءة والاطلاع، وعن طريق التجربة والممارسة في الحياة؛ لأن الحياة أكثر جامعة، وأكبر مدرسة، وعن طريق اللجوء إلى الله، ووضع الجبين على الأرض والبكاء بين يديه أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وأن يعلمنا كيف نختار، وكيف نقرر، وكيف نوالي، وكيف نعادي، وكيف نصلح حياتنا، وكيف نجمع القلوب علينا، وكيف نحيا ونموت من أجل كلمة الحق، وكيف نحب أمتنا ونهتم بقضاياها، هذا هو المطلوب أن يظل الإنسان يسأل الله، ذلك بكل قوة حتى يلهمه الله الحكمة والقول الفصل.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

جديد المواد

تصميم وتطويركنون