المادة

اكتشف طاقاتك

167 | 01-12-2016
عناصر الخطبة 1/ الوهم وأثره على حياة المسلم 2/ أهمية البعد عن الأوهام واكتشاف الطاقات واستثمارها 3/ أمثلة على أشخاص أثرت فيهم الأوهام 4/ السعادة بين أيدينا فلا نفقدها بالأوهام 5/ عش في حدود يومك 6/ أعظم نعمة تجعلك سعيدًا

إن أضعف إنسان وأعجز مخلوق هو الذي لا يكتشف طاقاته، ولا يكتشف قدراته.. عش حياتك يا أخي، عش حياتك بعيدا عن هذه الأوهام، بعيدا عن هذه الآلام والأحزان، دعونا نفتش فيما نراه في حياتنا من مكتسبات لنعيش السعادة كما ينبغي.. لماذا دائما نبحث عن السعادة بالآلام والأوهام والذكريات والأحزان، لماذا نقلب حياتنا إلى جحيم؟! فلنستمتع بما أعطانا الله من نعمة، أحيانا تمر بنا السعادة ثم لا ننتبه إلا بعد ..

الخطبة الأولى:

الحمد لله حمدًا طيبًا مباركًا فيه ملء السماء وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما يشاء الله من شيء بعدُ، اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا ولك الحمد على حمدنا إياك.

وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقرة عيوننا محمدًا عبدُ الله ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صلي وسلم وبارك على وعلى أهلة ومن سار على أثره واكتفى بأثره.

أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

أيها الإخوة: كل عام وأنتم بخير، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأود أن أقول في الجمعة الأخيرة من هذا العام الهجري أنه لم يصح ولم يثبت أن سجلات الإنسان تطوى في نهاية العام، وأنه يبدأ سجلاً جديدًا مع بداية اليوم الأول من شهر محرم، وإنما يظل سجل الإنسان مفتوحًا حتى يتوفاه الله -عز وجل-.

ولكن تعوَّد الناس أن يرتبطوا بالمناسبات بحيث يقرر بعضهم أن يتغير مثلا مع شهر رمضان أو يتخذ قرارًا بعد العيد، أو يبدأ حياة جديدة مع بداية العام الهجري..

هكذا تعود الناس ولربما يكون في ذلك نوع من الإيجابية، وإن كان السلبية أن يؤخر الإنسان نفسه أن يتخذ قرارًا لتصليحها أو تغييرها أو توجيهها أو الأخذ بها في مراكز الصعود، لا ينبغي إطلاقًا أن يتأخر الإنسان عن ذلك ولكن في النهاية هذا الارتباط بهذه المناسبات.

مع بدايات الأعوام ونهايتها يجعلني أتحدث في أمر يشغل الناس كثيرًا ويتحدثون في مجالسهم عنه طويلاً يتحدث الناس -أيها الإخوة- عن الظروف وعن الصعوبات وعن المعوقات التي يعيشونها في هذه الأيام، يتكلمون عن ذلك كثيرا، وبأكثر من أسلوب، وبأكثر من طريقة، وتجد نبرة الهم والحزن والألم واليأس تغلب على الكثيرين، ولربما دخل الكثيرون في الوهم والعجز، الكثيرون -وأقولها جازمًا- دخلوا في مرحلة الوهم؛ وَهْم أنهم يشعرون بالعجز الشديد، يشعرون بالضعف، يشعرون باليأس، يشعرون بأن هذه الحياة ليست لهم، وإنما كتبت لغيرهم، فيظل الإنسان يعيش هذا الوهم ليلاً ونهارًا وصبحًا ومساءً يتحدث به ويأخذه معه إلى منزله ومع أولاده، فيصبح كل من حوله يعيشون هذا الوهم وهذا الضعف وهذا اليأس.

وأنا أقول: إن أضعف إنسان وأعجز مخلوق هو الذي لا يكتشف طاقاته، ولا يكتشف قدراته، ولا يعلم أن في الحياة أبوابًا وأبوابًا، وأن فرصة الانطلاق والتغير والغنى والسعادة لا تتجاوز طرف عينه، وأنها ربما كانت في يده دون أن ينتبه.

أيها الإخوة: هذا الوهم هو الذي أعجز الكثيرين وأعجزهم وأدخلهم إلى المصحات النفسية فدعونا نتغير، دعونا نبدأ صفحة جديدة، دعونا نشعر بقدراتنا وطاقاتنا، وربما في هذا المسجد يوجد رجلان أحدهما يمرض والآخر يمرض فينظر الأول إلى المرض على أنه نعمة من الله أراد الله أن يكفّر عنه سيئاته، أراد الله أن يقرّب بينه وبين قلبه، أراد الله له أن يرفع من درجاته، أراد الله أن يخلد إلى بيته قليلاً فيفكر في نفسه وفي شأنه ويتفكر في حقارة الدنيا وضعفها وصغرها، وكل ما فيها من آلام.

والآخر يرى في المرض نقمة فيظل يتأوه ويتأوه، ويعجز من حوله، فيأتوا له بالأطباء واحدًا بعد الآخر، فلا يحدثون تغييرًا ولا يستطيعون أن ينقذوه مما يعيشه من وهم.

يروي الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- عن العلامة المؤرخ الخضري أنه أُصيب بوهم أن في بطنه ثعبانًا، فأتوا له بالأطباء وتحدثوا معه، وقالوا له: إذا كان في البطن شيء فإنها ديدان وليس أكثر، أما أن يكون ثعبان فإنه لا يمكن.

أبى أن يصدّق وعاش هذا الوهم مع علمه وأنه علامة وعلى أنه مؤرخ حتى لا يقول الإنسان لنفسه أنا لا يمكن أن أقع في هذا الوهم، ولا يمكن أن أعيش هذا الضعف ولا هذه المرحلة، كل إنسان معرّض حينما يسلم نفسه لهواه ولشيطانه لضعفه ولعجزه.

فعجز الأطباء في علاجه وظل يئن في فراشه أيامًا وأشهر، فجاءوا له بطبيب حاذق، فلما عرف الأمر قال: إني سأعطيك مسهلاً تشربه وسوف يقتل هذا الثعبان، وسيخرج.

ثم تآمر مع أهل بيته بعد أن أعطاه المشروب، أخذه إلى دورة المياه –أجلكم الله- ثم ذهب الرجل الكبير العالم المؤرخ إلى دورة المياه وهو يئن ويتلوى من الألم ويصرخ من شدة ما يشعر به، يحمله رجلان ولا يكاد هذان الاثنان أن يحملاه.

ثم بدأ أثر هذا المسهل عليه حتى شعر بأن شيئًا كثيرًا خرج من بطنه، ثم وضعوا له الثعبان الصغير ميتًا دون أن ينتبه، فلما رأى الثعبان هلل وكبَّر وأشرق وجهه ولمعت عيناه، وخرج من الحمام بنفسه خرج يمشي وينزل، ويقفز ويجلس، ويتحرك وخرج إلى الناس.

كان يعيش وهمًا في نفسه، فلما خرج هذا الوهم عاد إلى حياته الطبيعية.

إننا لا نريد أن نعيش هذا الوهم ولا هذا العجز، اليوم تسأل بعض إخوتنا المدخنين فيقول لك: لا أستطيع أن أترك التدخين، إنه حياتي، إنه الذي يصفّي عقلي وفكري، وهو الذي يجعلني أصل إلى القرار الرشيد!!

وهذا كلام غير صحيح، ولنا تجارب وأمثلة.

يذكر الشيخ الطنطاوي -رحمه الله- عن رجل من أهل العسكر والقيادة والحديد أنه كان لا يطفئ السيجارة، بل كان يدخن السيجارة ويقودها من السيجارة الأخرى، ثم كان في حرب وليس معه إلا عدد محدود من السجائر، ثم استخدمها، وكان يشعر أن لحظة حاسمة ستكون قادمة، وأن الحرب ستشتد، فخشي أن تشتد الحرب وليس معه سجائر.

فأبقى لنفسه سيجارة، وأخذ ينتظر هذه اللحظة الحاسمة ينتظرها يومًا ويومين وثلاثة أيام حتى مر أسبوع كامل وهو لم يدخن، يحافظ على هذه السيجارة للحظة الحاسمة، فاكتشف بعد أسبوع أنه يستطيع أن يعيش بلا سيجارة بلا تدخين، واتخذ قراره من لحظتها بألا يدخن.

إنه الوهم حين نعيشه حينما نظل نعيش هذا الوهم ونؤثر على من حولنا.

أيها الإخوة: يجب أن ننطلق من حالات الضعف والعجز والوهم، إننا يجب أن نتغير ويجب في هذه اللحظات أن نعلن أننا لسنا الذين كنا في السابق، وأن الحياة تفتح لنا أبوابًا كنا نظن أنها مغلقة، وأن الله -عز وجل- ينتظر منا عملا وجهدا؛ ليفتح لنا خيرا لم يكن يخطر على بالنا.

حينما نعيش على هذا الأمل تتغير شخصياتنا، وتتغير نفوسنا، ونعلم علم اليقين أن لدينا إمكانيات وقدرات وطاقات كنا نعطلها كثيرا.

القوة التي بين جوانحنا قد تكون مدفونة ولكننا لا نعرفها ولم نكتشفها.

أيها الإخوة: أحيانًا يعود أحدنا إلى بيته متعبًا ومرهقًا يبحث عن الطعام ويبحث عن النوم، ولا يمكن أن يسمح لنفسه أن يشغله عن الطعام وعن النوم شاغل، ثم يتلقى اتصالاً هاتفيا من أحد ممن يحب؛ يتلقى اتصالا هاتفيا من ولده، ويقول له: أنا في المطار قادم من سفر بعيد لم يره منذ سنوات، أسألكم بالله هل سيفكر في الطعام والنوم، أم سينطلق على الفور إلى المطار؛ ليُحضر ولده وليضمّه وليشمّه، وليعيش معه لحظات من السعادة.

إنها طاقة وقوة كانت موجودة لو أنك عدت إلى بيتك، ثم تلقيت اتصالاً من مديرك في العمل يقول لك: إن اجتماعا مهمّا وضروريا، وعملك بعيد، لكن هذا الاجتماع سيتم اتخاذ القرار المناسب فيه، ولربما تكون أنت المدير، ولربما تحصل على ترقية عظيمة ويزاد في راتبك هل ستفكر في النوم؟! هل ستفكر في الطعام أم ستنطلق؟

من أعطاك هذه القوة؟ من أين جئت بهذه الطاقة؟ إنها مذخورة اكتشفها، تعرف عليها، فتّش نفسك أحيانًا تكون مريضا ومنهكا، وأنا أحلف بالله لو رأيت عقربا حتى ولو كنت تئن من الألم ولا تستطيع الحراك أنك ستتحرك وستقوم وستهرب، ولربما البعض رأى غير العقرب لتحرك وقفز من سريريه!

طاقات نحتاج أن نكتشفها.

البعض يتحدث عن العلماء، وعن هؤلاء الحفاظ، دعوني أسألكم سؤالا بسيطا -وهي خطبة أتحدث إلى نفوسكم أكثر مما أتحدث فيها إلى نفسي وإن كنت واحدا منكم-: كم تحفظ من الأسماء؟ كم تحفظ من الأماكن؟ كم تحفظ من الشوارع؟ كم تحفظ من البيوت؟ من أنواع الأطعمة، من أنواع الألبسة، من أنواع الماركات.

إنك تحفظ شيئا كثيرا، إنك تعرف حكايات وأقاصيص وأساطير ولك ذكريات، إنك تستطيع أن تؤلف بما تحمله في عقلك مجلدات كبيرة وعريضة، لكنك استخدمت هذه العقلية وهذه الحافظة في أشياء محدودة تخصك في الدنيا ولو أنك حرّكت عقلك وقلبك وفكرك لوجدت أنك تحفظ شيئا عظيما.

أيها الإخوة : لماذا يحفظ الأعجمي وهو في السادسة من عمره وهو في العاشرة من عمره يحفظ كتاب الله كاملاً، يحفظ الآيات بأرقامها، ويحفظ الآيات بالصفحات التي هي فيها ولا يخرم منها شيئا، أعجمي يحفظ القرآن كاملا وهو لم يتجاوز العاشرة، هل خلق الله له عقلا غير عقولنا؟ إطلاقًا، استثمار الطاقات..

أيها الإخوة: هل نحن فقراء؟ إطلاقًا، نحن نعيش سعادة، نعيش حياة كريمة، نعيش تحت رحمة الله وفضله وخيره (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:7].

نعمة البصر هل تستطيع أن تبيع بصرك بمليون ريال؟ بعشرة ملايين ريال؟ وتبقى أعمى لا ترى ولا تتحرك إلا أن يقودك أحد الناس؟! إطلاقًا السمع الصحة، إنك تتحرك وتذهب وتأتي، وتسعى وتشاهد كل شيء، بينما غيرك يركن إلى الأَسِرَّة في المستشفيات، البعض منهم له أكثر من عشر سنوات وعشرين عامًا بينما أنت تعيش صحيحا وتأكل ما تحب وما تشتهي، لا يمنع الطبيب عنك شيئا، ألا نفكر، ألا نشعر بهذا؟!

لماذا دائما نبحث عن السعادة بالآلام والأوهام والذكريات والأحزان، لماذا نقلب حياتنا إلى جحيم؟! فلنستمتع بما أعطانا الله من نعمة، أحيانا تمر بنا السعادة ثم لا ننتبه إلا بعد أن تذهب.

يبكي الكبير في السن على شبابه لماذا؟! لقد عشت فترة من الزمن وأنت اليوم كبير؛ فعش حياتك، ولكن استفد من هذه الفترة تعلم منها، اكتسب من الخيرات حاول أن تبني المستقبل الذي تنشده.

أيها الإخوة: يتحدثون عن ملياردير أمريكي دخل يومًا من الأيام إلى خزنته الممتلئة بالذهب فأغلق عليه الباب فمات فيها لم يشعر به أحد، اختنق، مات بين الذهب العظيم الذي كان قد جمعه.

أحيانًا يكون هذا المال نقمة، إن الله إذا لم يرد لك أن تكون غنيا فارض بما قسم الله لك، هل هو المعنى الحقيقي الذي يجب أن نعرفه.

يتحدثون عن رجل -وهو أسطورة- سأل الله أن يجعله مستجاب الدعوة، فأجيبت دعوته وقال: "اللهم لا تجعل يدي تلمس شيئًا إلا وتحول إلى ذهب"؛ لأنه عاش حياة الفقر وقلة العيش فسأل الله ألا تلمس يده شيئا إلا وتحول إلى ذهب، فإذا أراد أن يشرب يتحول الكوب إلى ذهب يتحول الماء إلى ذهب، يتحول الطعام إلى ذهب، جاءت إليه إحدى بناته تواسيه فلمسها فتحولت إلى ذهب.

أسطورة تبين أن ما كنت تبحث عنه بين يديك لكنك لم تستطع أن تستفيد منه، تخيلوا لو أن رجل في صحراء فقد الطعام والشراب، وكاد أن يموت من الجوع وأن يموت من العطش، ثم رأى ماء فشرب منه، ورأى صرة ففرح بها وفتحها ثم ارتد خاسئا حسيرا كئيبا متألما؛ لأنه لم يجد فيها طعاما وهو يكاد أن يموت من الجوع لقد وجد فيها ذهبا ونقودا وأموالاً؛ ما الذي يفيده؟!

عش حياتك -يا أخي-، عش حياتك بعيدا عن هذه الأوهام، بعيدا عن هذه الآلام والأحزان، دعونا نفتش فيما نراه في حياتنا من مكتسبات لنعيش السعادة كما ينبغي.

جاء رجل إلى عبدالله بن عمرو بن العاص قال له: إنني من فقراء المهاجرين، فقال: "هل لك امرأة؟" قال: نعم، قال "هل لك منزل؟" قال: نعم، فقال له عبدالله بن عمرو بن العاص: "أنت من الأغنياء، عندك امرأة وعندك منزل"، قال: فإن لي خادما يخدمني في البيت، قال: "فأنت من الملوك".

هل نفكر بهذه الطريقة، هل ننظر بهذه النظرة المتوازنة الإيجابية؟ لن يستطيع أن يكون المجتمع كله من الأغنياء، والبعض لن يستطيع أن يتملك بيتا ربما، هل يظل باكيًا إلى ما لا نهاية؟! أحيانًا ندخل إلى تويتر أو الفيس بوك فإذا البعض يعرف بنفسه فيقول أمنيتي أن أمتلك بيتًا.

أمنيته في الحياة أن يمتلك بيتا، هل هذه هي الحياة أم أن أمنيته في الحياة أن يكون عظيما وفاعلا وقدوة ومؤثرا.

أيها الإخوة: كما قلت السعادة بين أيدينا ونحن الذين نركلها، ونحن الذين نشقى بالهمّ والغم.

تقول عائشة -رضي الله عنها أم المؤمنين-: "ما من عبد يشرب الماء القراح فيدخل بغير أذى ويخرج بغير أذى إلا وجب عليه الشكر"، نعمة عظيمة ينبغي أن نعيشها.

أيها الإخوة: النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ".

حينما تنظر إلى من هو فوقك في المنزل في السيارة في الوظيفة؛ ستظل ساخطًا على نفسك وعلى ربك، وحينما تنظر إلى من هو أسفل منك، فإنك تحمد الله كثيرا على ما مَنَّ به عليك، وهذا لا يعني الركون إلى الحياة، وإنما يبحث الإنسان عن أسباب السعادة والخير وينطلق بحثًا عن العمل.

جاء في الحديث عن بعض السلف أن الرجل إذا قابل أخاه فقال له: كيف أصبحت؟ فقال: إني أحمد الله إليه، قال الملك الذي عن يساره للذي عن يمينه: كيف تكتبها؟ قال أكتبه من الحامدين أكتبه من الشاكرين (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النحل:18]، (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13].

أيها الإخوة : إنني أنادي إخواني وأخواتي وأنادي المجتمع كله أن ينظر بعين أخرى أن ينظر بزاوية أخرى، أن يكتشف في نفسه الطاقة والقدرة والإمكانية، أن يكتشف ما مَنَّ الله عليه به من النعم والآلاء العظيمة، أن يعيش حياة السعادة قبل أن تنفذ منه قبل أن يكبر في السن ويتعب ويمرض، أن ينظر إلى كل مصيبة يقدرها الله بمنظار الشكر والرضا والتسليم؛ حينئذ تصفو الحياة، وتصفو النفوس، وتصفو العائلات التي تشكو من الهم والألم والأحزان وكل ذلك يؤدي إلى الشقة والخلافات وما شابه ذلك.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:

أيها الإخوة: يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من قال من قلبه لا إله إلا الله موقنًا بها دخل الجنة".

إنها أعظم نعمة يمكن أن ينعم الله تعالى بها علينا "من قال من قلبه لا إله إلا الله موقنًا بها دخل الجنة".

إن أعظم نعمة تجعلك سعيدًا وفرحا ومستبشرا هي نعمة الإسلام، هي نعمة الهداية، هي نعمة الإيمان، هي نعمة الصلاة، هي نعمة الصيام، هي نعمة الدعاء، هي نعمة قراءة القرآن، إن الملايين من البشر يعيشون اليوم تيهًا وضلالا وانحرافا وبعدا عن الله.

إن كثيرا من العقول الكبيرة الجبارة المتخصصة في أدق العلوم لا تعرف الله -عز وجل-، لم تسجد يوما لله سجدة واحدة، "لم تقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين" (رواه مسلم)، لم تقل سبحان ربي الأعلى.

أعظم الناس وأغنى الناس وأقوى الناس من يملكون الأساطيل، ويملكون المليارات، ويملكون القصور، ويملكون الدنيا بأثرها لم يسجدوا لله سجدة كما تسجدها، لم يبكوا يوما من خشية الله، لم يفتحوا كتاب الله، لم يقرءوا جزءًا ولا آية من كتاب الله.

أنت تفعل ذلك في كل يوم، أنت تقرأ القرآن وتصلي، وتقف بين يدي الله، وترفع يديك إلى السماء وإذا خفت فإنك لا تأمن إلا بالله، تذكر الله فتنسى همومك وآلامك، تعيش مع الله في كل لحظاتك، يبتليك الله بالمصائب فتشكر وتحمد الله فيقدر لك الأجر، عجبًا لابن آدم كل أمره له خير، عجبًا للمسلم كل أمره له خير، إن ابتلاك الله بهم فصبرت فلك الأجر، وإن أنعم عليك شكرت فلك الأجر.

إن أجمل ما يمكن أن تفعله أن تقوم قبل أن يؤذن الفجر لتسجد لله سجدة تدعوه من خيري الدنيا والآخرة، تسأله أن يؤمن قلبك وأن يطمئن حياتك، وأن يغيّر حالك إلى أحسن حال، تأمن على أولاك مهما كنت بعيدًا عنهم؛ لأنك تتصل بالله تقرأ القرآن وتخضع بين يديه.

إنها أعظم نعمة تجعلك سعيدا وفرحا ومستبشرا فلا تضيع هذه النعمة من بين يديك.

عباد الله : صلوا وسلموا على رسول الله فقد أمركم ربكم بذلك قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن سار على دربه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

جديد المواد

تصميم وتطويركنون