المادة

ما عرفوه حقا. فمن المسؤول؟

183 | 25-11-2016
عناصر الخطبة 1/ من شمائل النبي صلى الله عليه وسلم 2/ بعض إيجابيات ظاهرة الاستهزاء بمقدسات الإسلام 2/ كيفية الرد الإيجابي المعبر عن حقيقة حبنا لنبينا 4/ أحوال المسلمين في سوريا.
كم من محنة في طياتها منح وعطايا، تحركت أمة المليار، فكأن الأزلام والأقزام من غير قصد جمعونا! إنه درس عظيم للمسلمين يطرد التشاؤم الذي سيطر على الكثيرين بموت ضمير الأمة، والرضا بالدون، فالخير باقٍ في أمة محمد، فلا تيأسوا مهما آلَمَتْنَا الأحداث، واشتدَّتْ مرارتها. فلهذا الحدث وأمثاله في تكرار الاستهزاء بمقدسات الإسلام ورموزه إيجابيات كثيرة ليس هنا مقام تفصيلها؛ لكن، يكفي أن هذه الأحداث التي تتكرر بين الفينة والفينة تجمع المسلمين -رغم مرارتها- ليصرخوا بصوت واحد: إن ديننا وعقيدتنا أثمن ما نملك! (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال:46].

الحمد لله حمدًا لا ينفد، أفضل ما ينبغي أن يُحمد، أحمده -تعالى- وأشكره على نعمه التي لا تُحَدّ، وآلائه التي لا تعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.


وأصلي وأسلم على أفضل المصطفين محمد، صاحب الوجه الأنور النبي الأمجد، القدوة والأسوة، وإمام المرسلين والناس أجمعين، "كان أوسع الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة،كان يؤلّف أصحابه ولا ينفرهم، ويكرمهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره، ولا خلقه،كان يتفقد أصحابه، ويعطي كل جليس من جلسائه نصيبه، لايحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، مَن جالسه أو قاربه لحاجة صابره، حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول، وقد وَسِع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء".


كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخَّاب في الأسواق، ولا عياب، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لايعنيه. وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه.


ما عرفوه وما قدروه حق قدره! ما عرفوه حقاً؛ فمن المسؤول؟.


يقول جرير بن عبد الله: "ماحجبني رسول الله منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم،كان يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثهم، ويداعب صبيانهم، ويُجلسهم في حجره، ويجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين، يعود المرضى في أقصى المدينة، ويقبل عذر المعتذر".


وكان يبدأ من لقيه بالسلام، ويبدأ أصحابه بالمصافحة، ولم يُر قط مادًّا رجليه بين أصحابه حتى يُضيق بهما على أحد، يكرم من يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه، ويؤثره بالوسادة التي تحته، ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبى، ويكني أصحابه، ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرمة لهم، ولا يقطع على أحد حديثه. كان مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا.


ماعرفوه وما قدروه حق قدره! ما عرفوه حقاً؛ فمن المسؤول؟.


عُدمْنا الشِّعْرَ والنثْرا ***إذا لم ننتفِضْ نَصْرا
لذي الوحْيِ الذي يُتلى *** وذي المعراج والإسْرا
فلو سبُّوا لنا رمزا *** فهل نرضى لهم عُذرا؟!
وهل نُصغي لهم قولا؟ ***وهل نقضي لهم أمرا؟!
فعِرْضُ المصطفى أولى *** وَحقُّ المصطفى أحرى


ماعرفوه وماقدروه حق قدره! ما عرفوه حقاً؛ فمن المسؤول؟.


يقول الحق -سبحانه- في الآية الخامسة والتسعين من سورة الحجر: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ). قال ابن سعدي -رحمه الله- في تفسيرها: "وقد فعل -تعالى-، فما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شرّ قتلة" اهـ.


وقد أكد الله هذا في الآية الثالثة من سورة الكوثر، فقال -تعالى-: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ). سبحان الله! مزّق كسرى رسالة النبي، فدعا عليه؛ فقتله الله في وقته، ومزّق ملكه كلّ ممزّق، فلم يبق للأكاسرة ملك بعده؛ ثم أقبلَ الناسُ ودخلوا في دينِ الله أفواجاً، بفضلِ الله -تعالى-، ثم بفضلِ حُسنِ خُلُقِه عليه الصَّلاةُ والسلام.


أفيُسخر ويُستهزأ به وبهذا الشكل الفج والقبيح ثم لا نغار؟ الله أكبر! كم داخل في الإسلامِ بسببِ خُلُقه العظيم! فهذا يُسلِم ويقول: واللهِ! ما كانَ على الأرضِ وجهٌ أبغضُ إليَّ من وجهِك، فقد أصبحَ وجهُك أحبَّ الوجوهِ كلِّها إليَّ.


وذاك يقول: الَّلهُمَّ ارحمني ومحمَّداً ولاترحمْ معنا أحداً. يقول هذا لما تأثَّرَ بعفو النبي الذي لم يتركه على تحجيرِ رحمةِ الله التي وسعتْ كلَّ شئٍ؛ بل قال له: "لقد حجَّرتَ واسعاً!".


والآخرُ يقول: فبأبي هُو وأمّي! ما رأيتُ معلِّماً قبلَه ولابعدَه أحسنَ تعليماً منه. والرابع يقول: يا قومي، أسلمُوا؛ فإنَّ محمداً يعطي عطاءَ من لا يخشى الفاقةَ.


والخامس يقول: والله! لقد أعطاني رسولُ اللهِ ما أعطاني وإنه لأبغضُ الناس إليَّ، فما برحَ يعطيني حتى إنه لأحبُّ الناسِ إليَّ!.


والسادسُ يقولُ بعد عفو النبي عنه: جئتكم من عندِ خَيرِ النَّاس. ثمَّ يدعو قومه للإسلام، فأسلم منهم خلقٌ كثيرٌ. والأمثلة العطرة كثيرة في سيرته،


ماعرفوه وماقدروه حق قدره! ما عرفوه حقاً؛ فمن المسؤول؟.


إنَّا لَيُؤْلِمُنا تطاولُ كـافِرٍ *** ملأَتْ مشاربُ نفسِهِ الأقذارُ
إنَّا لَنَعْلَمُ أنَّ قدْرَ نبيِّنا *** أسمى، وأنَّ الشانِئينَ صغَـــارُ
لكنَّه ألمُ المحبِّ يزيدُه *** شرَفا، وفيـه لِمَنْ يُحِبُّ فَخَــار
يُشقي غفاةَ القومِ موتُ قلوبهم *** ويذوقُ طعمَ الراحةِ الأغيار


اللهم اجعلنا من الأغيار الأخيار، وممن ينصر دينك ويغار. ما أجمل غيرة المسلمين على دينهم! ما أروع تماسكهم! ما أجمل التلاحم والتكاتف! ما أروع الغيرة الجماعية على دين الله غضبة تزلزل الأرض كلها!.


كم من محنة في طياتها منح وعطايا، تحركت أمة المليار، فكأن الأزلام والأقزام من غير قصد جمعونا! إنه درس عظيم للمسلمين يطرد التشاؤم الذي سيطر على الكثيرين بموت ضمير الأمة، والرضا بالدون، فالخير باقٍ في أمة محمد، فلا تيأسوا مهما آلَمَتْنَا الأحداث، واشتدَّتْ مرارتها.


فلهذا الحدث وأمثاله في تكرار الاستهزاء بمقدسات الإسلام ورموزه إيجابيات كثيرة ليس هنا مقام تفصيلها؛ لكن، يكفي أن هذه الأحداث التي تتكرر بين الفينة والفينة تجمع المسلمين -رغم مرارتها- ليصرخوا بصوت واحد: إن ديننا وعقيدتنا أثمن ما نملك! (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال:46].


ثانيا: هذه الأحداث رسائل متكررة لغير المسلمين تخبرهم بأن المسلمين لهم كرامة، وفيهم حياة، وقادرون على فعل الكثير متى اتحدوا وتعاونوا، وتحركوا إيجاباً لا سلباً.


ثالثاً: هي رسالة واضحة عن أهمية وقدسية نبي الإسلام، مما سيجعل الكثير يبحث ويقرأ عن هذا الرجل الذي ثار العالم من أجله، فقد أسلم الآلاف بفتنة الدنمرك وغيرها، فعلينا أن نعد العدة بالرسائل والبرامج للإجابة عن تساؤلاتهم، وعلامات التعجب عندهم.


ماعرفوه وماقدروه حق قدره! ما عرفوه حقاً، فمن المسؤول؟.


رابعاً من إيجابيات الحدث يقظتنا؛ فالكثير منا -وبكل صراحة- غافل عن محبة نبيه، وسنته، وروعة أخلاقه، وعظمة سيرته، فالحق أننا غافلون عن تأصيل عقيدة محبته -صلى الله عليه وسلم- في نفوسنا ونفوس أجيالنا، غافلون عن الاقتداء به والاتباع لسنته، فهذا هدف بعثته ورسالته، (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب:21]، وهذه هي حقيقة المحبة والنصرة أيها المسلمون، لا مجرد كلمة أو رسالة أو غضب، (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) [آل عمران:31]، وإن المحب لمن أحب مطيع.


خامساً: هذا يؤكد ما ذكرته وكررته مراراً من أن العاطفة في المسلمين تجاه دينهم جياشة حارة ثائرة يجب أن نستثمرها في الطريق الصحيح، وإلا فهي عاصفة قد تضرنا قبل غيرنا.


سادساً: الحدث إعلامي، وهو "فلم" أمريكي موبوء تعرض لحبيبنا بالتشويه والسخرية لأهداف وأغراض، إذاً؛ فالحرب إعلامية، ولقد أثبت الحدث أن الإعلام الجديد ووسائله بأنواعها بيده الكثير، وأنه قادر على المسك بزمام المبادرة وتوجيه الحدث، وأتمنى أن يواصل الإعلام التقليدي من قنوات فضائية وصحف إعلامية السير في الطريق، وأن يتحمل أمانته ودوره الهام أمام الشعوب، وقبلها أمام الله؛ فالكلمة أمانة، والإعلام رسالة، فمتى يتحرك الإعلام التقليدي والحكومي من دور إثارة العاطفة، إلى التأثير والتوجيه والإرشاد الإيجابي بكيفية محبة النبي ونصرته والذب عن عرضه؟ فالقادم أشد، والأيام حبلى وعصيبة.


ماعرفوه وماقدروه حق قدره! ما عرفوه حقاً؛ فمن المسؤول؟!.


إننا يجب أن نلوم أنفسنا -معاشر المسلمين- عندما يجهل العالم عظمة رسولنا وحقيقة ديننا، فالحقُّ أننا نحن المذنبون، ونحن المقصرون؛ فإنه لما حمل أجدادنا حقيقة الإسلام -وليست صورته- حملوه بأخلاقهم وتعاملهم لأهل الأرض قاطبة، شهد لهم الأعداء أنفسهم، فقال أحدهم: إنَّ الشريعة الإسلاميّةَ أسَّست في العالم تقاليدَ عظيمة للتعامُل العادل، وإنها لتنفُخ في الناس روحَ الكرَم والسماحة، كما أنها إنسانيّة السِّمَة، ممكِنَة التنفيذ. اهـ.


ولسنا ننتظر ثناءهم، بل دافعُنا هو العدل والإحسان الذي أمرنا الله به فقال: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) [النحل:90]. العدل والإحسان مهما كانت الظروف، فأين نحن عنهما؟ فهما يتأكدان في مثل هذه الظروف إذا كنا نريد أن تصل رسالتنا بحق، وهذا ليس بدعاً؛ بل منهج الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، فقد روى مسلم أنَّ النبيَّ قيل له: ادعُ على المشركين، قال: "إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً".


بل؛ وأبعد من هذا، يقول: "ألَا من ظلَم معاهدًا، أو انتَقصه، أو كلَّفه فوق طاقتِه، أو أخذ منه شيئًا بغيرِ طيبِ نفس؛ فأنا حجيجُه يومَ القيامة" رواه أبو داود.


ماعرفوه وماقدروه حق قدره! ما عرفوه حقاً؛ فمن المسؤول؟ فلم ولن ترَى البشريّة رحيمًا مشفِقًا كمحمّد.


إخوة الإيمان في كل مكان: أرجو أن لا تمنعنا نشوة هذه اليقظة والصحوة من نقد الذات، ومراجعة بعض التصرفات، فرغم تقديرنا للظروف وشدة الألم والحرقة التي تُحدثها مثل هذه المحاولات المتكررة للإساءة والتطاول على الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن المبالغة في الغضب والانفعال، والتحريض في العداء والصدام، لم تكن يوماً في الإسلام خُلقاً ولا هدفاً ولا غاية، فكما نُسر ونفرح بردود الأفعال الإيجابية التي تنم عن غيرة وحب لهذا الدين، فإنه يجب علينا الحذر والقظة.


إن هناك من يدرس نفسيات الجماهير الإسلامية ويخطط لاستفزازها وإثارتها؛ وهناك من يصطاد في الماء العَكِر لتصفية حسابات مذهبية وحزبية وشخصية ونحوها؛ وهناك من يريد أن يوقع بيننا وبين الكثير من الدول؛ وهناك من يريد أن يحشرنا في زاوية ضيقة حادة لنكون في مواجهة العالم.


وهناك من يريد استثارة حمية شبابنا وإخراجهم من طورهم وتعقلهم لجرهم لتصرفات لا مسؤولة وعندها يصرخ في العالم: هاهم المسلمون إرهابيون دمويون! وهاهو الإرهاب صناعة شرقية، إسلامية، وهابية! إلى آخر الشنشنات التي نعرفها من أخزم!.


وهناك من يريد أن يشغلنا عن الأهم: معركة سوريا التي تقترب من خط النهاية إن شاء الله، وشعب بورما المضطهد المشرد الذي يُعدم بالمئات ولا مجيب، وشعب فلسطين ونهب أملاكهم وأسراهم؛ بل هناك من يريد أن يُشغلنا عن رسالة التبليغ والدعوة ونشر هذا النور، إلى خَلق العداوت وتضخيم حجم الأحقاد وتوسيع دائرة الصراع العقدي والثقافي، وربما وصل للدموي.


وهناك -أيضاً- من يريد أن يشغل عقولنا عن البناء والإبداع، وعن التقدم وصناعة الحضارة لأمتنا، وذلك بتلويث أفكارنا بين الفينة والفينة بإثارة ثقافة الانتقام والغيرة وفوران الدم بحدث عالمي دوري لا ينتهي كأحداث فتنة الدنمرك، وسجن أبي غريب، وأحداث امتهان المصحف الشريف، وأحداث السخرية والاستهزاء بالعقيدة أو بالله ورسوله، نبي الرحمة ورسول البشرية.


ولن يقف الأمر بل سيزيد، وسيستمر مسلسل الإثارة حتى لا تهدأ عقولنا لحظة عن الصخب والغضب، ونبقى لا نفكر إلا في الانتقام وثقافة الكره واللعن والذم، فياليتنا نتواصى ونتعاهد بردود الأفعال الإيجابية التي تنفع ولا تضر، وتجمعنا ولا تفرقنا، وخير لنا من إيغار الصدور وملء النفوس وصناعة العدوات، أن نكون رسل محبة ورحمة كما كان الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، فإنما نحن حمَلَة رسالةِ مَن بُعث رحمة للعالمين.


ماعرفوه وماقدروه حق قدره! ما عرفوه حقاً؛ فمن المسؤول؟.


فقد آذاه قومه فصبر ليبلّغ هذه الرسالة، ذهب إلى الطائف على قدميه يعرض الإسلام على قبائلها فأغرَوا به صبيانهم، وأدمَوا قدميه وهو صابر في سبيل نشر رسالته. يعرض نفسَه على القبائل فتطرده فلا يثنيه ذلك عن تبليغ رسالته.


يرى أصحابه يعذّبون في حرّ الهجير وهم يستغيثون بالله، وهو الشفيق الرفيق الرحيم بأصحابه وأمته ولم يثنه ذلك عن مواصلة نشر رسالته.


يؤمَر بالهجرة فيخرج من بلده مكّة ويقف على شفيرٍ خارج مكة ويقول بكل حرقة وألم: "واللهِ إنكِ لَأَحبّ البقاع إلى الله! ووالله إنك لأحب البقاع إليّ! ولولا أنّ قومك أخرجوني ماخرجت"؛ كل ذلك في سبيل تبليغ رسالته.


يشجّ رأسه يوم أحد، وتكسر رباعيته، ويتكالب الأعداء على قتله يوم الخندق، ويتحزّب الأحزاب طلبا لرأسه، ويدسّ له اليهود السمّ، ويحاولون قتله أكثر من مرّة، لكن ذلك لا يثني من عزيمته في تبليغ رسالته، حتى بلغ الإسلام مشارقَ الأرض ومغاربها، بأبي أنت وأمي يارسول الله! (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران:159].


والعجيب -معاشر المؤمنين- أنه لما تمكن من قومه وقد آذوه كل هذا الأذى وسخروا منه كل هذه السخرية والاستهزاء، قال لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، يا الله! ماعرفوه! ما قدروه حق قدره! ما عرفوه حقاً؛ فمَن المسؤول؟.


حِلم عجيب، واحتمال غريب، وعفو عند المقدرة، وصبر على المكاره، والأعجب أنه لم يزد مع كثرة الأذى إلا صبرا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلما، وكما تقول عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: "وَاللَّهِ! مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ فَيَنْتَقِم لِلَّهِ".


وكان أبعد الناس غضبا، وأسرعهم رضا، شجه قومه، وكسروا رباعيته، وسال الدم على وجهه، فأخذ يمسح الدم عن وجهه ويقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"!. يا الله! ماعرفوه وماقدروه حق قدره؟ ما عرفوه حقاً؛ فمن المسؤول؟.


سبحان الله! بعد كل هذا يدعو لهم: "اللهم اغفر لقومي"، وينسبهم إليه: "قومي"، ويعتذر لهم: "فإنهم لا يعلمون". أي أخلاق هذه؟! وأي سمو وطهارة وصفاء! أمثل هذا يُسخر منه أو يُستهزأ به؟.


ما أنتَ إلا الشمسُ يملأُ نورُها *** آفاقَنا، مهْمَا أُثِيرَ غُبَــارُ
حلّقْتَ في الأفق البعيد فلا يدٌ *** وصلَتْ إليكَ، ولا فَمٌ مِهْذَار
وسكنْتَ في الفِرْدَوْسِ سُكْنَى مَن به *** وبدينه يتكفَّلُ القهَّـار
أعلاكَ ربُّكَ هِمَّةً ومكانةً *** فلَكَ السُّمُوُّ ولِلْحَسُودِ بَـَوار


ماعرفوه وماقدروه حق قدره! ما عرفوه حقاً؛ فمن المسؤول؟.


صلى الله وسلم عليك أيها الحبيب، ما أروعك وأروع أخلاقك! ياليتنا نعي ونفهم ونقتدي بدعوتك بالحكمة والموعظة الحسنة، مهما كان ومهما بلغ الاستفزاز والاستهزاء فإن أعظم نصرة للنبي -صلى الله عليه وسلم-أن نقدم للعالم أجمع رسالته العظيمة: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فهل نتعامل مع مثل هذه الأحداث والفتن من خلال أخلاق الإسلام، وسيرة رسول سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة والسلام؟.


فإننا نناشد المسلمين جميعاً أفراداً وجماعات، دولاً ومؤسسات، إلى أن نهتم بدعوة غير المسلمين بكل الوسائل إلى تفهُّم حقيقةِ هذا الدين العظيم، والتبصُّر في روعة أصوله وكلّيّاتِه، وفروعه وجزئيّاته؛ لتنقيةِ الأفكار من الشوائبِ التي تُحسَب على الإسلام، وتسهِم في تشويهِ صورته النقيّة الصافية.


إننا نناشد الجميع أن نهتم حقاً بدعوة الآخرين لدين الإسلام، ولن يكون ذلك إلا بموضوعيّةٍ وإنصاف دون تحيُّز ولا هَوى، بعيداً عن مجرد ردود الأفعال أو الحماس والعواطف، (وَللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف:21].


اللهم يا حي يا قيوم، يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد، يا جبار السموات والأرض، يا سريع الانتقام، اللهم إن كان في سابق علمك هداية مَن أساء لنبينا فعجل بهدايتهم، واملأ قلوبهم بحب محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعل ما فعلوه من سوء سببا في فتح قلوب كثيرة للخير ليكونوا عبرة وعظة ومفاتيح خير.


وإن كان اللهم في سابق علمك ضلالهم وإصرارهم فأرنا اللهم فيهم عجائب قدرتك وصنعِك، اللهم شلّ أيديهم وألسنتهم، وأعم بصيرتهم وأبصارهم، واجعلهم عبرة للعالمين.


اللهم يا من له العزة والجلال، ويا من له القدرة والكمال، ويا من هو الكبير المتعال، اللهم لا تبقِ لهم ولا لفلمهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية، اللهم أنت بهم عليم، وعليهم قدير.


اللهم إنا نعوذ بك من كلمة لا ترضاها، ونبرأ إليك من كل زلة غفلنا عنها أو طاش بها الرأي.


ألا وصلوا وسلموا -رحمكم الله-على خير من أشاد صرح حضارتنا الإسلامية نبي الرحمة والهدى، صلِّ اللهم وسلِّم وبارك على حبيبنا وأسوتنا وقدوتنا، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.


أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب.



الخطبة الثانية:


الحمدُ للهِ كفى وشفى، وصلى الله وسلم على النبي المصطفى، وعلى آلهِ وأصحابِهِ ومن سارَ على هديِهِم واقتفى.


معاشر المؤمنين: لقد تكشفت المؤامرة في سوريا؛ فقد قطع النظام النصيري الرافضي الباطني عهدًا على نفسه بأن يقوم بتفريغ أرض الشام، أرض المحشر والمنشر، من أهلها، نعم! إنها الحقيقة المرة والمؤلمة التي تواطأوا عليها وبمباركة العم سام مهما جعجع أو توجع، وبعجز وذُل من جلاوزة الأنظمة العربية والحكام، فأرض الشام أرض باطنية رافضية لا مقام لأهل السنة والجماعة فيها، فالقتل، والتهجير، والتخويف وإثارة الرعب، والذبح والحرق، والتدمير والتشريد،كلها سياسات لطرد الناس من الأرض وإحلال الرافضة من لبنان وطهران.


لكن أبطال الشام -بمشيئة الله- سيُبطلون الباطل، فإنه -وإن كان له جولة- سيذهب هباء، فالحق له صولة، وهو أنفع، وله البقاء.


فإذا ادلهم الخطب، واشتد الظلام، فارتقب بزوغ الفجر، وتبين الخيط الأبيض من الأسود من الفجر، ثم اصبر وصابر، فإن العاقبة للمتقين، ولقد خاب المبطلون.


وبشر الصابرين! فشمس السنة تشعّ في بلاد الشام على أيدي أسود الشام والأبطال من رجالها، فأخبارهم تسر، وستسمعون قريبا بمشيئة الله وثقة بالله ما يشفي صدوركم، ويُذهب غيظ قلوبكم، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف:21].


فاللهم فرج همهم، وفك كربهم، اللهم عليك بعدوهم بشار وأعوانه ومن أعانهم واصطف بصفهم، اللهم إنهم يمكرون وأنت خير الماكرين، ويخططون وأنت الخبير العليم، فاجعل اللهم تدبيرهم تدميرهم، وأدر الدائرة عليهم، اللهم أطبق عليهم قبضتك وبطشك، ورجزك وعذابك، يا قوي يا جبار عليك بالظالمين المعتدين من النصيرين البعثيين ومن آزرهم، اللهم خالف بين رأيهم وكلمتهم، اللهم شتت شملهم، وفرق صفهم، اللهم عجل بوعدك ونصرك المبين، فإننا على ثقة ويقين، اللهم انصر جندك وكتابك وسنة نبيك، وأعل كلمة الحق.


اللهم انصر المستضعفين، وفرج هم المهمومين، وفك أسرى المأسورين، واشف المرضى، وارحم الموتى، ورد اللاجئين لبيوتهم معززين مكرمين.


اللهم واهد الحيارى والملحدين وضال المسلمين، اللهم واهد شبابنا ونساءنا واحفظ بلادنا من كل شانئ ومتربص.


اللهم أصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لما تحبه وترضاه، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة.


اللهم اشف مرضى المسلمين، واقض الدين عن المدينين.


اللهم صل وسلم على المحبوب قدوتنا وأسوتنا وهادينا ومنقذنا من الضلالة، صَلِّ اللهم على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، والحمد لله رب العالمين.

جديد المواد

تصميم وتطويركنون