المادة

كوسوفا وأحلام الصليب

162 | 25-11-2016
عناصر الخطبة 1/ صور لمآسي مسلمي كوسوفا 2/ المؤامرة العالمية على كوسوفا 3/ الطريق إلى انتصار المسلمين 4/ غياب الفضائيات عن الأحداث 5/ نشرة موجزة لأخبار كوسوفا 6/ دروسٌ وعِبَرٌ من الأحداث 7/ واجبنا تجاه إخواننا بكوسوفا

في كوسوفا تَنَادَى رجال الدين الأرثوذكس أن كوسوفا أرضٌ مقدَّسةٌ، وأنها مهد الحضارة الأرثوذكسية الصربية، وأنه لا يمكن بحال من الأحوال تسليمها إلى ألبان كوسوفا المسلمين، علما أن نسبة المسلمين فيها(95%)! وما زال مسلسل ذبح المسلمين وقهرهم في كوسوفا مستمرا، وما زال التشريد والتجويع في ازدياد؛ فمن ينتصر ..

الحمد لله قاصم الجبابرة قهرا، وكاسر الأكاسرة كسرا، وواعد المؤمنين من لدنه نصرا، يكسف كرباً ويغفر ذنبا، ويغيث ملهوفا، ويجبر كسيرا، ويجير خائفا، ويرسل بالآيات تخويفا.


أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجوها عنده ذخرا، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، أعز به بعد الذلة، وأغنى به بعد العيلة، وجمع به بعد الفرقة، فعلت به أمته ذكرا ، وشرفت به قدرا، صلى الله وبارك عليه وعلى صحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد:


إخوة الإيمان: عن أي شيء نتحدث اليوم؟ وهل يطيب الحديث عن أي شيء؟! وصرخات الثكالى في كوسوفا تنادي: وإسلاماه! والأم: يا طفلاه! والطفل: يا أماه!.


هل رأيتم على صفحات المجلات والجرائد والشاشات: نحو مليون مشرد هربوا إلى الجبال ووسط الغابات، أكثرهم مشيا على الأقدام، وتراكم البعض في الشاحنات كالأغنام؟ وتزداد المأساة مع سقوط الأمطار الغزيرة، والبرد القارس، بلا كساء، ولا غطاء، ولا غذاء، أغلبهم كبار في السن وأطفال ونساء، أما الشباب والرجال فبين قتلى وأسرى!.


هل رأيتم الأطفال يركضون ويركضون، ولكن إلى أين؟ لا يدرون! هل شاهدتم الطاعنين في السن يتساقطون؟ لا حيلة لهم فيهربوا! هل تأملتم النساء وهن يحتضن الرُّضَّع، ويمسكن الأطفال بالأيدي، اثنين وثلاثة وهم يصرخون ويبكون؟ على وجهوهم الخوف، وترى في عيونهم الذهول والأسى، فهم خائفون جائعون هاربون إلى حيث لا يعلمون.


اختلطت الأصوات، بكاء الأطفال، وأنين اليتامى، وآهات الجرحى، وتوسلات الثكالى، تحليلات وتقارير وأخبار، حتى أصبح الليل كالنهار، فهل بعد هذا كله نصم الآذان، ونتجاهل الأحداث حتى الآن؟! لماذا القلب أصبح كالحجر؟! ألا نشعر بالخجل، حتى مجرد الحديث عنهم أصابنا فيه الفتور والكسل.


أيّ جرح في فؤاد المجدِ غائرْ *** أيّ موج في بحار الذلّ هادِرْ؟
أيّ حرب أمتي؟ بل أيّ دمع *** في المآقي؟ أي أشجان تشاطر؟
أمَّتي يا ويح قلبي! ما دهاكِ؟ *** دارُك الميمون أضحى كالمقابر
كل جزء منك بحرٌ من دماءٍ *** كلُّ جزء منك مهدوم المنابر!


في كوسوفا الآن، صوت المدافع يصم الآذان، في السماء طائرات، وفي الأرض دبابات وقاذفات، وبينهما هدير الرشاشات، وأزير القناصات.


فيا ليت شعري! كيف حال إخواننا هناك؟ قرى كاملة تحرق وتدمر، ويغتصب نساؤها، وتفقأ عيون أطفالها، وتقطع أعضاء رجالها، أرواح بريئة تزهق، وأنفس تدفن حية، أسر تهدم عليها البيوت، وأخرى تجري وتجري حتى تموت، عمليات ذبح جماعي، تمثيل بالجثث، فتح لمعتقلات الموت، استخدام أجساد المسلمين كدروع بشرية، اغتصاب للفتيات الصغيرات، وقتل للأطفال وتمثيل بهم وتنكيل، محن يلين لها الحجر، ويأسى لها القلب وينفطر، وتسكب العين دمعا مرارا وينهمر، جرائم بشعة، وأفاعيل قذرة.


ففي(جريدة الرياض) يروي شاهد عيان -وهو طبيب أمريكي بعمل في البحرين- وقائع هذه الجريمة فقال: قام الجنود الصرب بجمع مجموعة من أطفال المدارس، وأخذوهم إلى الملعب الرياضي بالمدرسة نفسها، ثم بتروا أياديهم بسواطير حادة، وألقوا الأيادي المبتورة في براميل النفايات، وتركوهم ينزفون حتى الموت.


وفي قرية(ليكوشان) دخلت القوات الصربية إلى أحد المنازل لشخص يدعى أحمدي، وأخرجوا كل الرجال من ست عشرة سنة إلى خمسين سنة، وقاموا بقتلهم بالسلاح والسكاكين والفؤوس، وعندما وصل أهل القرية إلى المكان وجدوا خمسة مستنقعات دم، قتلى ورؤوس مقطوعة، عيون على الأرض، أسنان مكسرة، ومخ متشتت، وفكّ لرجل معلق على شجرة، رجال يذبحون، ويقطعون بالفؤوس أمام أسرهم وأطفالهم، كما جاء في بعض التصريحات.


تحكي إحدى المسلمات أن عشرين صربيا دخلوا منزلها وربطوا زوجها وذبحوه بالسكين وأخرجوا عينيه! وامرأة مسكينة مغلوبة على أمرها تكشف عورتها قهرا أمام زوجها ويفعل بها، وأخرى يبقر بطنها وهي حية، ويخرج ولدها فيذبح أمام عينها، وفتاة صغيرة عفيفة ينتهك عرضها، لا حول ولا قوة لها، وشيخ كبير السن، هزيل البدن، يرتعش من الضعف والخوف، يضرب ويركل بالأقدام، ويساق كما تساق البهيمة إلى حتفها، وأطفال أبرياء يتم تلغيمهم بالمتفجرات، ثم يفرج عنهم، فإذا وصلوا لأهلهم تتم تفجيرهم بواسطة(الريموت كنترول)، وهذه ظاهرة جديدة اخترعها الصرب الملاعين في عصر الحضارة والسلام، وحقوق الإنسان.


أيها المسلمون! مَن فيكم يستطيع سماع هذه الأحداث فضلا عن مشاهدتها؟! لك الله يا من أصبت بها، واكتويت بنارها، وجبر الله قلب أم شاهدتها بعينها، آهٍ لها ثم آه.


دماءُ المسلمين بكلِّ أرضٍ *** تُراق رخيصةً وتضيع هدْرَا
وبالعصبية العمياء تعْدُو *** ذئابٌ ما رَعَتْ لله قدرا
وصيْحاتُ الأراملِ واليتامى*** تُفَتِّتُ أكبدا وتذيب صخرا
وليس لهم مغيثٌ أو مُعِينٌ *** كأن الناس كل الناس سكرى
وأنهار الدماء بغير ذنبٍ *** تُراق وتزهق الأرواح غدرا


يا مسلمون: لقد جفت المآقي حتى لم يبق فيها دموع! ولكن هل ستجدي الدموع وحدها؟! وهل سنبقى أمة تندب وتنوح، ونحن نبخل عليهم بمجرد الدعاء، أو حتى دريهمات اللعب والحلواء، إنها أخوة الدين، إنها رابطة العقيدة، فأين الشعور بالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؟.


أيها المسلمون: إن محنة كوسوفا قديمة، لكن ملامحها ظهرت منذ عشر سنوات، يوم ألغت الحكومة الصربية الحكم الذاتي في كوسوفا، وأقامت مناسبة لذكرى موقعة كوسوفا الشهيرة بين المسلمين الفاتحين إبان الفتح العثماني والقوات الصليبية المشتركة والمكونة من سبعة جيوش لبلادها تحت القيادة الصربية، وهزم فيها الصليبيون هزيمة نكراء بفضل الله، فأقام الصرب مناسبة في موقع المعركة نفسها، واجتمعت أعداد هائلة من الصرب وحضر زعيمهم(ميلوشفيتش) وقد اختار أن يلقي خطبته الحماسية بجوار نصب تذكاري للمعركة كتب عليه: كُلُّ صربي لا يأتي ليقاتل في كوسوفا لا رزقه الله ذرية ذكرا ولا أنثى.


ثم ندد فيه بالفتح الإسلامي العثماني، وأجج فيه الحقد الصليبي الصربي ضد مسلمي البوسنة وكوسوفا، وقال: معركة كوسوفا بدأت قبل ستة قرون وانتهت اليوم، فنحن مستعدون أن نضحي بثلاث مائة ألف صربي لاستئصال الإسلام من سراييفو إلى مكة.


فإلى متى ونحن نجهل أو نتجاهل حقيقة المؤامرة، وأن المعركة معركة كفر وإسلام، إلى متى وأناس من بني جلدتنا يريدون أن ننسى أن الصليبيين الذين بالأمس قد أولغوا بدمائنا، وعاثوا بديارنا، ها هم اليوم ينتصرون لنا من إخوانهم؟ إلى متى -ونحن أمة- ننتظر أن يدافع عنا أعداؤها؟ فما أشبه الليلة بالبارحة! أنسينا كيف جاء اليهود لفلسطين؟ وكيف كانت الحروب فيها، ثم أعطي اليهود العهود والمواثيق بأن فلسطين لليهود، وها هم اليوم ينادون بأن القدس عاصمة مقدسة لهم، فهل سيعيد حلف الناتو المأساة؟.


أين مِنَّا الحِلْفُ بالأمس، أَلَمْ *** يدر عما خطَّطُوا أو رسموا
ماله لم ينتفض إلا وقد *** سلمت عين وشُلَّتْ قدم
ما لهذا الحلف؟ بل شكرا له *** فلقد أعطى وقومي حرموا
أنا لا أعلم عن نِيَّاتِهِم *** يعلم الله بما قد أبرموا
إنما أسأل عن مليارنا *** عن بني قومي، لماذا وجموا؟
أيها المليار، هل أنت على *** أرضنا؟ هل لك وجه وفم؟
كرة الأرض التي أنت على *** سطحها، تلهث فيها الأمم
عَوْلَمُوا أفكارهم وانطلقوا ***وعلى نَيْل الأماني عزموا
فمتى تبصر يا مليارنا *** ومتى يرفع عنك الصمم
ومتى يمتد جسر بيننا *** فوق بحر موجه يلتطم
أيها الأحباب يا مَن بيننا *** عروة وُثْقَى بها نعتصم
قلب كوسوفا التي ترقبكم *** مَجْمَرٌ أحزانه تضطرم
خبزكم زادَ على حاجتكم *** ولدينا جوعنا والسقم
أيها المليار لو ناصرَنا ***منكمُ مليونَ زال الألم!
لو سرى فوج إلينا في الدجى *** لانجلت عنا وعنه الظلم
ولو اهتزت سيوف حرة *** لرأينا المعتدي ينهزم
لو بعثتم درهما لابتَسَمَتْ *** أُسَرٌ ليس لديها درهم
للصليبيين علينا صولة *** أصبحت سدا به نصطدم
أيها المليار، كوسوفا على *** جرُفٍ هارٍ، فأين الهمم؟
إنما جرَّأ أعداء الهدى*** أننا نمنا، وهم لم ينموا


في كوسوفا تنادَى رجال الدين الأرثوذكس أنَّ كوسوفا أرضٌ مقدَّسةٌ، وأنها مهد الحضارة الأرثوذكسية الصربية، وأنه لا يمكن بحال من الأحوال تسليمها إلى ألبان كوسوفا المسلمين، علما أن نسبة المسلمين فيها(95%)! وما زال مسلسل ذبح المسلمين وقهرهم في كوسوفا مستمرا، وما زال التشريد والتجويع في ازدياد؛ فمن ينتصر للإسلام في كوسوفا؟!.


عباد الله: اسمعوا هذا السؤال الذي لو تأملناه لتفطنا لحقيقة المؤامرة: لماذا التواطؤ الغربي ضد استقلال كوسوفا عن الصرب؟ هو ينافح ويكافح من أجل استقلال جنوب السودان عن شماله، واستقلال تيمور الشرقية عن إندونيسيا، وأقصى ما يسمح به لكوسوفا وفلسطين هو: الحكم الذاتي، ولحفظ ماء الوجه للعدالة الغربية المزعومة!.


إنها الأحلام الصليبية لإبادة المسلمين في أوربا، فمن البوسنة التي ما زالت تعاني من ويلات الصرب؛ بل زادت ويلاتها بجنود القوات المشتركة الذين جعلوها مرتعا لانتهاك الأعراض، وبيع الأطفال، وتهجيرهم لعصابات الرقيق الأبيض، إلى البوسنة الجديدة كوسوفا، والتي كانت كل تحليلات الأخبار وصيحات التحذير تشير وتؤكد قبل سنوات أن الدور قادم عليها.


وقد كان الدول الغربية، وعلى رأسها أمريكا تؤكد لجيش كوسوفا أثناء حرب البوسنة على ضبط النفس، وعدم التحرك، وتمنيهم بحل قضيتهم سلما، وذهبت العهود والمواثيق أدارج الرياح حتى وقع الفأس بالرأس، ولسان حالهم اليوم: أُكِلْتُ يوم أكل الثور الأبيض، والدور قادم على مقدونيا وألبانيا، فلن يسمح لدولة مسلمة أن تنهض في قلب أوروبا، وستعلمون ما أقول لكم ولو بعد حين، ألسنا نقرأ في القرآن: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217].


فإلى متى -أيها المسلمون- ونحن غافلون في الشهوات والترف والملذات؟ وهل سنظل نفجع كل عام بجزء من بلاد الإسلام، ثم لا نفطن إلا بعد الإيغال في القتل والتشريد والاحتلال؟!.


أمة الإسلام: لعلكم تتساءلون: ما الذي يوقف المذابح الجماعية ضد المسلمين؟ إنه العودة الحقة إلى الإسلام والقيام بواجب الدفاع عن الدين والعرض في سبيل الله، وهو ما أدركه مسلمو الشيشان فهزم ستة آلاف منهم مائة ألف جندي روسي مدججين بأحدث أسلحة العالم، وهو الذي أرعب الغرب في البوسنة فاضطروا لاتفاق(دايتون) ولكن واقع الحال يقول: كيف سيجاهد في المعركة من لم يستطع جهاد نفسه عن الشهوات، كيف سيجاهد بنفسه، من لم يجاهد بماله، كيف وبعض المسلمين يمن على إخوانه في كوسوفا حتى مجرد المساعدة المادية من أجل طعام أو غطاء أو كساء.


يا أمة العقيدة: اسمعي منى هذه الكلمة وردديها: إن الأمة التي لا يعطيها أهلها إلا الفضلات من الهم والأعمال، والوقت والأموال، لا يمكن أن تعز أو تهز، ولا يمكن أبدا أن تهش أو تنش؟! إنها الأمانة التي أبت الأرض والسموات تحمّلها، فحملتها أنت أيها الإنسان، فهل بعد هذا تخون الأمانة، وتصبح صريعا للفضائيات والشهوات واللذات.


أين أصحاب الفضائيات؟ ألم تخبرونا أنكم أدخلتموها بيوتكم لمتابعة أخبار المسلمين؟ لم لا تحدثونا إذا عن أخبار المسلمين في كوسوفا هذه الأيام، وما يجري لهم من قتل وتشريد؟ لماذا لم تقصوا علينا قصة المذابح للأبرياء العُزَّلِ من الكبار والنساء والأطفال التي تحرصون على مشاهداتها عبر القنوات كما تدعون؟.


يا أصحاب الفضائيات: أحدثتم الناس أين تقع كوسوفا؟ وكم نسبة المسلمين فيها؟ وما حالهم هناك؟ لماذا كتمتم العلم؟ فأنتم تطلبونه ليل نهار! هل نقلتم لهم ما تبثه القنوات الإخبارية من انتهاكات الصرب الحاقدين لأعراض المسلمات هناك، ومن إغلاقهم للمدارس والجامعات وهدمهم المساجد والمستشفيات؟ أخبروهم عن مشاهداتكم للمنظمات التنصيرية التي تنتشر هناك لتأمين لقمة العيش، وسد الجوعة، وتأمين الدواء مقابل سلب عقيدة التوحيد من قلوبهم ليحل محلا عقيدة الشرك والتثليث!.


يا أصحاب الفضائيات: لقد أخذتم على عاتقكم همّ متابعة أخبار المسلمين وها قد كلت أطراف الأنامل من تقليب(الريموت)، فقوموا بواجبكم، أدوا الأمانة التي حملتموها، لقد قمتم وأديتم الأمانة، فتحدث بعضكم عما يشاهد ويتابع وما يحمله من هم، نعم تحدث لكن عن الصور الفاضحة، والأجساد العارية، واللقطات المثيرة! فاحترق الجنان، وثارت الأشجان، وتحركت الغرائز، (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) [النساء:108]، فيا لها من حرقة على الدين؟ ويا له من هم للإسلام والمسلمين؟.


أيها المسلم: إن لم تتحرك الآن وأنت ترى نهر الدم، وتقرأ في العيون البريئة الحسرة والألم، فمتى؟ لقد تحرك عُباد البقر! وتحرك عباد الوثن والحجر، وتحرك عباد الصليب! وأمة القردة والخنازير! فأين أمة القرآن؟ أين أين أمة الإيمان؟ أين الدين والإسلام؟ أين أخوة الإيمان لكوسوفا التي هي في العين والقلب، ولإخوان بها بالشرك قد كفروا؟...


إن الظهور والغلبة في النهاية إن شاء الله -تعالى- للمسلمين الصادقين، مهما طال الطريق وكثُرت العقبات.
وإنْ طَوَّقَتْنَا جُيُوشُ الظلام *** فإنا على ثقةٍ بالصباح
(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات:171-173].


أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:


الحمد لله ذي القوة المتين، ناصر المظلومين، ومجيب دعوة المضطرين، ومغيث المستغيثين، فارج الهم، وكاشف الكرب، والمخرج من كل ضيق، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وخلفائه الراشدين.


وبعد:
غائبا، ما زال عني الحلُمُ *** فمتى في خاطري يبتسمُ؟
دمَّرَتْنا هذه الحرب التي *** لم تزل في دارنا تحتدم
ألفِ وابؤساه! مَن يسمعني *** أترى قومي بحالي علموا؟
أرضنا ما بين دار هُدمت *** فوق مَن فيه وأخرى تُهدم
كسرت بوابة الأمن فلا *** تسأل الباغين عما غنموا
سل بيوت الله ماذا نالها *** بعد أن شرد عنها المسلم؟
شرب الصرب دمي واحسرتا *** هل سيطفي عطشَ الذئبِ دمُ
سرقوا اللقمة من أفواهنا *** واستباحوا أرضنا واقتسموا


معاشر الإخوة والأخوات! إليكم موجزا سريعا لأهم أخبار كوسوفا:
ونتيجة لهذه الحرب بدأ الصرب الانتقام من الشعب الأعزل لمنطقة كوسوفا مما جعلهم يهيمون على وجوههم في اتجاه الدول المجاورة يلاحقهم الصرب قتلا وصلبا وفتكا، مما جعل ضربات الأطلسي وبالا عليهم، ليصل عدد النازحين الآن إلى قرابة المليون شخص! يصطفون في صفوف تصل عشرة كيلوا مترات متجهة إلى الدول المجاورة، حتى أقفلت مقدونيا حدودها أمامهم! وتشير التقارير الأخيرة إلى تفشي الأمراض داخل المخيمات لسوء الأوضاع الصحية وشح المواد الغذائية والدوائية، وينذر الوضع بحدوث مجاعة كبيرة.


ومن المؤشرات الخطيرة قيام الصرب بالحرق والقتل من أجل إرهاب الناس، وإدخال الخوف في قلوبهم؛ ليتركوا كوسوفا لهم، واتباع سياسة الأرض المحروقة فقد قامت القوات الصربية المجرمة بحرق ما يزيد عن أربعين قرية كوسوفية بمدن(بيبا،وجاكوفا، وديتشان) وغيرها، ثم تهجير أكبر عدد ممكن من ألبان كوسوفا، وإعداد ملاجئ دائمة في بلاد أوروبا وأمريكا والتأثير عليهم دينيا بالسعي في تنصيرهم، أو اندماجهم في المجتمعات الكافرة.


وقد قال اللاجئون الذين يتوافدون من كوسوفا بأنهم أخرجوا بالقوة من بيوتهم، ونقلوا بالشاحنات إلى الحدود المقدونية أو الألبانية أو الجبل الأسود، وفي الحدود مزقت هوياتهم، وبصطف عليهم رجال الشرطة، وهم يقولون بأن كثيرا من المغتصبات سوف يلدن الصرب.


ويتم إحراق جميع الأوراق والوثائق الثبوتية، لكل من يتعدى الحدود من مسلمي كوسوفا كالجوزات والهوية وصكوك تملك الأراضي والبيوت وعقود الزواج، كلها تتلف تمهيدا لإنكار علاقة هؤلاء السكان بإقليم كوسوفا وقطع لأمل بالرجوع، ولذلك فقد صرح الرئيس الصربي فقال: كل من لديه وثائق تثبت أنه من كوسوفا فليرجع إلى قريته أو مدينته. وهو الذي أمر بإحراقها!.


قامت الحكومة الصربية باستدعاء فرق الموت الصربية من مدينة(سير بنيتسا) فرق (التشيك) وتم توجيهها إلى كوسوفا وبدأت بالقيام بمجازر جماعية وأعمال الحرق والاغتصاب الجماعية،
وأما اغتصاب النساء، فعمليات منظمة، بفتوى من رجال الدين الأرثوذكس، وتحت إشراف القيادة الصربية، يا مسلمون الفتاة المسلمة هناك تناديكم فتقول: أمدونا ولو بحبوب منع الحمل حتى لا تعظم المصيبة.


أكد اللاجئون الكوسوفيون أن شعار الصرب في عمليات التطهير العرقي الأخير هو: اخرجوا من كوسوفا، اذهبوا إلى ألبانيا أو إلى الجحيم! كوسوفا أرض صربية، وإذا كان عندكم شكوى توجهوا بها إلى كلينتون.


الذين قدموا من قرية(درينتسا) يقولون بأن الصرب قطعوا حتى رؤوس الأطفال! وفي مدينة (دوبرون) الحدودية مع ألبانيا قتلوا عشرين معلما، أمام طلابهم، وفي مدينة(جاكوفا) تم إحراق عشرين رجلا بالنار وهم أحياء، واحتمى نحو ثمانين من أهل المدينة بالمسجد، ودخل عليهم الصرب فقتلوهم جميعا، أقف عند هذا الحد، فالأخبار والأرقام عن مآسي المسلمين وأحوالهم في كوسوفا لا تنتهي.


أيها المسلمون!: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء"، وصاحب القلب الرحيم يمسح على رأس اليتيم، ويطعم المسكين، وتدمع عينيه لصرخات المكلومين ويخفق قلبه لأنين المتوجعين، ويلهج لسانه بالدعاء لرب العالمين أن ينصر المستضعفين ويهلك المعتدين.


وفي مثل هذه الأحداث دروس وعبر:
ومن أهم الدروس الاعتبار بهذه الأحداث، فالكثير من الناس في نعم عظيمة، ولله الحمد والمنة، ومع ذلك هم في غفلة وتقصير وترف عجيب، ألا فليعلم هؤلاء أن للذنوب والمعاصي آثارا، وأن ما أصاب الأمة من ذل وضعف، وتسلط الأعداء عليها إنما هو بسبب بعدها عن الله القائل: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) [النساء:123]، (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:165].


ومن الدروس أنه مهما بلغ العالم من تقدم في الحضارات، وتطور في التقنيات والمخترعات وادعاء حفظ حقوق الإنسان، والديمقراطية، وحرية الأديان، والنظام العالمي الجديد، وغيرها من الشعارات البراقة، فلن تصنع السعادة والسلام للإنسان، والواقع يشهد، والتأريخ يشهد أنه كلما ارتفعت هذه الشعارات زادت الحروب، والمشاكل المختلفة، فالقتل، والتشرد والفساد والبطالة، والفتن والثورات تزداد يوما بعد يوم، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41].


فلا فلاح للبشرية كلها إلا بالقرآن، ومنهج القرآن، فاسمع وصية أبي بكر -رضي الله عنه- لقائد جيشه يزيد بن أبي سفيان...: إني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطعن شجرا مثمرا، ولا تخربن عامرا، ولا تعقرن شاة، ولا بعيرا إلا لمأكله، ولا تحرقن نخلا، ولا تفرقنه، ولا تغلل ولا تجبن.


ولم ولن ينسى التاريخ قول عمر – لما شكى ذلك القبطي ضرب محمد بن عمرو بن العاص له: خذ الدرة واضرب ابن الأكرمين... وقال له: يا عمرو، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟...


ثالثا: أنت مطالب بالدعاء لإخوانك، والتضرع والإلحاح بالدعاء، وشأن الدعاء في كشف البلاء من الأمور المعتقدة والمشاهدة، وهو من حسن الظن بالله، وهو سلاح عظيم يستدفع به البلاء، ويرد به سوء القضاء، وهل شيء أكرم على الله من الدعاء؟! الدعاء الذي يتحرك به القلب قبل أن يلهج به اللسان، دعاء القلب الذي يعتصره الألم ن ويحرقه الهمّ للمسلمين.


من منا -عباد الله- لما سمع بمصاب كوسوفا رفع يديه إلى السماء وتوجه إلى الله بالدعاء، من منا قنت في ليله ودعا على الصليب وأهله، فإلى كل مسلم يريد نصرة إخوانه: الله الله بالدعاء! سبحان الله! أليس في المليار أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره؟!.


أبشروا -عباد الله- فإن الله قريب، ألحُّوا عليه وتضرعوا فإن الله -تعالى- يقول: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:42-43]...


رابعا: نطالبك بالبذل والإنفاق والإحسان من مال الله الذي أعطاك، فهو أمانة عندك ستسأل عنه، والله -تعالى- يقول: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) [الحديد:7]... وها أنت بنفسك تسمع شدة الحاجة، وكثرة المصائب والمحن على المسلمين في كوسوفا، فلماذا إذن تبخل؟ ولماذا هذا الإمساك العجيب عندما ينادي منادي الإنفاق للمسلمين؟.


هل حدثت نفسك، وأنت تدفع مائة ريال، أو ألف ريال، أنك دفعت ثلث مالك؟ فأكثِرْ لتجده أمامك: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) [الأنفال:60]... هنا يأتي الدليل على صدق الانتساب لهذا الدين، وحمْل همّ المسلمين، ونصرة المحتاجين، والدليل على صدق الدمعة التي تسيل؛ (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [آل عمران:92].


إن أبا بكر تبرع بماله كله، وعمر بنصفه، وعثمان جهز جيشا للمسلمين وهكذا فلتكن النصرة للمسلمين، وهذا هو صدق اليقين بما عند رب العالمين؛ (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ) [النحل:96].(وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [القصص:60].


أيها الأخ الحبيب: انظر لنفسك عند شراء الطعام والشراب، بل عند شراء الجرائد والمجلات، انظر لنفسك عند بناء البيت وتأثيثه، انظري لنفسك -أيتها الأخت- عند شراء اللباس وأدوات الزينة، وملابس الأطفال وألعابهم، كم ننفق على أنفسنا وشهواتنا؟ وكم ننفق لنصرة ديننا وعقيدتنا؟ بمثل هذه الصراحة مع أنفسنا، وبمثل هذا التفكير نجد الإجابة للذل الذي نعيشه، والهوان الذي أصابنا، نجد الإجابة لحال المسلمين ومآسيهم في كل مكان، إنه حب الدنيا وكراهية الموت، والإسراف على الشهوات، والإمساك في الواجبات.


عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11]، (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير) [الشورى:30]؛ لنغير ما بأنفسنا، ولْنقوّ الصلة بيننا وبين ربنا، لنحي قلوبنا بكثرة ذكر الموت، لنبذل أموالنا وأنفسنا من أجل ديننا وعقيدتنا، إنّ مَن منع ماله في سبيل الله منع نفسه من باب أولى، (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [التوبة:111].


أفلا تريد الجنة؟ تذكر نعيم الجنة ليهن عليك بذل المال، بل حتى بذل النفس في سبيل الله؛ لهذا كان الرجل ينفق ماله كله أو نصفه في سبيل الله... فإياك والبخل! (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) [محمد:38].


وإن كنت فقيرا معدما، أو لم تجد ما تنفقه على إخوانك فهاك وسيلة أخرى، فإن الرسول -صلى الله عيه وسلم- قال: "مَن دَلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله"، فلماذا لا تجمع المال من أهلك وجيرانك، أحبائك وخلانك؟ بالتعاون في ذلك كله بالجهات المنوطة والمسؤولة عن ذلك كالمؤسسات الخيرية والهيئات الإغاثية نعم، كن حصّالة للمسلمين تجد الخير العميم، والأجر العظيم من رب العالمين.


وفي ظل هذه الظروف الحالكة يقيض الله نفوسا سوية في أقطار شتى، وفي مهبط الوحي ومنبع الرسالة استجاب الكثير لصرخات إخوانهم، على مستوى الأفراد والمؤسسات، والهيئات الإغاثية، يشرف عليها ولاة الأمر في هذه البلاد، وفَّقهم الله للهدى والسداد، وما هذا النداء على منابر الجمعة اليوم إلا بأمرٍ منهم، وفقهم الله لما يحبه ويرضاه، ونفع بهم الإسلام والمسلمين في كل مكان، وهذه بارقة أمل، وومضة تفاؤل، بأن في الأمة خيرا ينبغي أن يذكى، وعلى كافة الأصعدة، إعلاما وصحافة، وهيئات ومؤسسات، ولن تذهب تلك الجهود سدى إذا حسن العمل وخلص القصد.


فعيك -أيها المسلم- أن تسهم بما تستطيع لتكفل يتيما، أن تجبر ثكلى، وتؤوي شيخا، وتؤنس مستوحشا، ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو كان قليلا، فإن القليل بالقليل يكثر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سبَق درهم مائة ألف درهم"، وإننا لنعلم أن في الموسرين محسنين، وفي التجار غيورين، ينفقون نفقة مَن لا يخشى الفقر، لا نعلمهم، ولكن حسبهم أن الله يعلمهم.


أيها المسلمون: ها هم إخوانكم في كوسوفا يستنصرونكم اليوم، والله -تعالى- يقول: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) [الأنفال:72]، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"، فاتقوا النار اليوم ولو بالقليل، أين المرضى؟ فإن الصدقة شفاء، أين المقصرون الغافلون اليوم؟ فإن العبد في ظل صدقته يوم القيامة.


عباد الله: وفي الختام؛ اختموا صحائف عامكم بالصدقة والدعاء، اللهم أعط منفقا خلفا، وبارك الله لهم في ما رزقتهم، واشفهم، واغفر لهم، وارحمهم إنك سميع الدعاء، اللهم احفظ المسلمين المستضعفين في كوسوفا وفي كل مكان، اللهم انصرهم على من بغى عليهم، وانتقِم لهم من الظالمين.

جديد المواد

تصميم وتطويركنون