المادة

عندما ينطق الحجر

177 | 25-11-2016
عناصر الخطبة 1/ البشارة النبوية بالنصر 2/ مآسي الفلسطينيين 2/ انشغال العالم عنهم 3/ قصة رامي المأساوية 4/ محاولات هدم الأقصى 4/ خدعة السلام 5/ الحل بالعودة للإسلام

تذكرت حينها البشارة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود"..

الحمد لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير) [الإسراء:1]، إليه المشتكى، وهو وحده صاحب الأمر وإليه المنتهى. وأشهد أن لا إله إلا الله على العرش استوى، يسمع ويرى، وأشهد أن محمداً نبي الإسلام، وسيد الأنام، عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم أفضل الصلاة والسلام.


أما بعد:


كيف أُبدي بأحرفي ما أريدُ *** وبماذا تراهُ يحكِي القَصِيدُ
كل يوم تدق بابي عظاتٌ *** ويهز الفؤادَ خَطْبٌ جديدُ


لا؛ بل هو جرح قديم متجدد، جرح المسلمين النازف؛ جرحنا الذي استمرأناه وعرفناه، الجرح الذي هو أكبر من أعمارنا، جرحنا النازف! الأقصى الجريح:


أختاه! أين المسلمون وحشدُهم؟ *** أين الملايين الغثاء؟ أهانوا؟
أختاه! وانقطعت حبال ندائه *** واغرورقت من دمعه الأجفانُ


عباد الله: هل حقا سنتحدث عن قضية فلسطين، القضية المعضلة التي يضرب بها المثل لليأس والقنوط، وإن تحدثنا فما عسانا نقول فيها؟! لقد كنت أقول لنفسي: ماذا ستنقع خطبتي وكلماتي؟ وما قيمة أناتي وآهاتي؟ هكذا كنت أحدث نفسي!.


تذكرت حينها البشارة في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر، أو الشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود".


إنها بشائر مَن لا ينطق عن الهوى، إنها بشائر عقيدة السماء، الله أكبر! عندما ينطق الحجر، ويتكلم الشجر كلاما لا شك فيه، وها نحن نرى علاماتها؛ ففي فلسطين ها هو الحجر له أثر يوم تفجرت غضبة الإيمان، في قلوب الكبار والصغار، بل حتى العجائز وذوات الأخدار:


لغةُ الحجارة عندما تتكلمُ *** فالأذْن تصغي والمخاطب يفهم
جمعت لغاتِ العالَمين بأسرها *** في حرف صوَّانٍ يخضبه الدم
أنشودة العصر الحديث يصوغها *** طفلُ الحجارة عندما يتألم
الحق حصحص فاسمعوا لغة الحصى *** فهي المعبِّرُ والخطيبُ الملهَم


فلماذا اليأس؟ فالخير في هذه الأمة إلى قيام الساعة، فلن يطول الزمان حتى يدخل المسلمون الأقصى يطهرونه من دنس يهود، ولقد أكدها القرآن فقال: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) [الإسراء:7].


ولكن المؤلم في القضية غفلتنا وحالنا وضعفنا، فالكثير منا لاهٍ في دنياه، سادر في هواه، لا يعلم ماذا يجري الآن في فلسطين، لا يعلم عن مجازر الأبرياء، وأنهار الدماء التي تسيل على أرض الإسراء؛ قمع ووحشية يهودية، هجوم بالصواريخ والطائرات المروحية، على شعب فقير أعزل. لك الله يا شعب فلسطين! صراخ وعويل وأنين، وقتل وتشريد للمدنيين، هتك عرض، ونهب أرض وهدم بيوت، وأنفس تقتل وتموت، وآلاف المعتقلين بالسجون، وجرحى مصابون، وآخرون مشوهون ومعاقون، فإنا لله وإنا إليه راجعون!.


يا بني أمتي، جراح اليتامى *** قتَلَتْ في فمي نشيدَ الصفاءِ
لا تلوموا قصائدي حين تبكي *** فهْي مقطوعةٌ من الأحشاء
يا بني أمتي، بكاءُ حروفي *** -لو فطنتم إليه- أسمى بكاء


كل هذه الأحداث والعالم العربي مشغول بمحطات(التلفزة) يتابع أحداث الرياضة في(أولمبياد سيدني)، أو في بطولات آسيات، ومتابعة الأغاني والأفلام والمباريات، وملاحقة سهرات الفنانين والفنانات، حتى إذا جاء موعد البث الإخباري، فتعال وانظر لصول المطاردات وإطلاق الرصاص، والرفس بالأقدام، والضرب بالعصي والهراوى للشباب والأطفال والنساء، ثم يختم الخبر بحصيلة القتلى والجرحى في ذلك اليوم، ثم يواصل المشاهد العزيز سمره وأنسه بمشاهدة البرامج الترفيهية، وكأن أمرا لم يكن، وكأن هذه الأحداث لا تعنيه!.


سبحان الله! لقد تبلد الإحساس، وقست القلوب لدى الكثير من الناس، وإلا؛ فبأي قلب نعيش؟ وكيف نهنأ بأكل وشرب؟ ونحن نشاهد كل يوم على أرض فلسطين مشاهد مرعبة من الدماء والأشلاء، والتشريد والقتيل، مشاهد لن تمحوها الأيام، يتعرض لها إخوتنا!.


إنهم ليسو كغيرهم؛ فهم جيران لنا من بني جنسنا ن يتحدثون بلساننا، يعيشون في قلب عالمنا، ثم لا تدمع لهم أعيننا، ولا تحترق من أجلهم قلوبنا؟ حتى الدعاء ربما لا نرفع به أيدينا! عجبا لقلوبنا! كيف ننام ملء جفوننا ونحن نرى صور الأمهات الثكلى وهن ينتحبن بجوار جثث أبنائهن وأزواجهن؟! نساء ضعيفات، عجائز يرمقن بعين الأسى والحسرة، وقلوب تمزقها الحرقة، ضراء وبأساء، وأيتام بلا آباء، وآباء بلا أبناء، وآلام وأشلاء، وجروح ودماء، ومع ذلك قلوبنا خواء، وآذاننا صماء، وأبصارنا عمياء، فرحماك رب الأرض والسماء!.


كلكم رأى تلك الصورة التي نقلتها وسائل الإعلام، صورة مؤلمة مبكية، جلجلت بها الألسن، ودمعت لها الأعين، صورة الطفل رامي أو محمد ذي الاثني عشر عاما وهو يحاول الاختباء خلف والده يصرخ فزعا خائفا من رصاص جنود يهود، وقد قبعا خلف كتلة إسمنتية، ووالده يحاول حماية فلذة كبده، وثمرة فؤاده بجسده، ولسان حاله:


يا رامي! اجلس يا ولدي *** وتجنَّبْ قصفَهُمُ الدامي
يا رامي! اجلس مِن خَلْفي *** وتترَّسْ منهم بعظامي
اجلس يا ولدي من خلفي *** لا تنهض فالموت أمامي
طلقات رصاصٍ، يا ويحي *** الصق في ظهري يا رامي
طلقات رصاص، يا ويحي *** ادخل في جسمي يا رامي


ولكن رصاص إخوان القردة والخنازير، لم ترحم الصغير، فاخترقت خمس رصاصات جسده النحيل، وفجرت رصاصة عظم جمجمته، فإذا الطفل رامي يخر جثة هامدة في أحضان أبيه، واستمر جند يهود في إطلاق الرصاص رغم توسلات الأب وصراخه:


طلقات رصاصٍ ما بالي *** لا أسمع صوتك يا رامي
يا فرحة عمري يا ولدي *** يا سرَّ صفائي يا رامي
ما بال يداك قد ارتختا *** ما بالك تجمد يا رامي
قل لي يا ولدي حدثني *** بالِغْ في شتمي وخصامي
لكن يا ولدي لا تسكت *** لا تقتل زهرة أحلامي
أنفاسك يا رامي سكنت *** سكنت أنفاسك يا رامي
هل مات حبيبي؟ هل طويت *** صفحته؟ قبل الإتمام


نعم أيها الأب! مات رامي! فسقط الأب المسكين مثخن الجراح؛ جراح جسدية خطيرة، وجراح نفسية أليمة، سقط وسط نافورة الدم يردد: الولد مات، وذهب للمستشفى صارخاً:


يا أهل النخوة من قومي *** من يمنِ العُرْبِ إلى الشامِ
يا أهل صلاةٍ وخشوعٍ *** يا أهل لباس الإحرام
يا كل أب يرحم إبنا *** يا كل رجال الإسلام
يا أهل النخوة في الدنيا *** أو لَستم أنصار سلام؟
أسَلامٌ أن تسرق أرضي؟ *** أن يُقتلَ في حضني رامي
لن أنسى نظرته العطشى *** لن أنسى مبسمه الدامي
لن أنسى الخوف يعلقه *** بذراعي اليمنى وحزامي
حاولت استجداء الباغي *** وبعثت نداء استرحام
لكنَّ نداءاتي اصطدمت *** بجمود قلوب الأصنام


وماذا ستجدي النداءات بقلوب يهود، قلوب أقسى من الحجر، تطرب بالأنين، وتلتذ بأنهار الدم التي تسيل، وتعشق الصراخ والعويل، مات رامي أو محمد، وشل أبوه وخلفه أحد عشر طفلا، أما أم رامي المكلومة، فصورتها تهز المشاعر وهي تحتضن ما تبقى من أطفالها، وتبكي وبيدها ملابس رامي مضرجة بالدماء، وتردد بصوت متهدج:


هل قتلوا رامي؟ ما قتلوا *** فحبيبي مصدر إلهامي
سأجهز إخوته حتى *** يتألق فجر الإسلام


أحسن الله عزاءك أبتها الأم الشجاعة، ورحم الله رامي، وشفى الله أباه.


هذه قصة مأساوية أراد الله أن تلتقطها عدسة مصور فرنسي، فتحركت لها القلوب، ودمعت لها العيون، لكن؛ أليس لنا أن نتساءل عن عشرات ومئات الأطفال الذين قتلوا ولم تلتقطهم عدسات المصورين؟ ولا يعلم بحالهم وحال أمهاتهم إلا رب العالمين، فلك الله يا شعب فلسطين! أي قلب لا يتفطر وهو يرى أطفالا صغارا يحملون هموم الكبار؟ ويواجهون الغاشم الغدار، يطاردون في الليل والنهار.


أي قلب لا يرحم مشلولا يهجم عليه، ويركل بالأقدام، ويسجن ويعذب وينتف شعر لحيته، ويضرب على أماكن حساسة من جسده، لكنه ثابت يردد: هذا جسدي المشلول فافعلوا ما شئتم، سيأتي اليوم الذي نذبحكم فيه، فهذا وعد من الله لنا؟!.


الله أكبر! قعيد فقير ولا أثر للخوف أو لليأس في قلبه، أي نفس لا تغار ولا تثار، وهي تقرأ خبر استشهاد شاب تعرض للعتذيب الجسدي بتكسير جمجمته وعظام يديه، وحرق أجزاء كبيرة من وجهه وجسمه؟!


بأي قلب ترى صورة ذلك الجندي اليهودي الجبان يدوس بقدمه رقبة شاب فلسطيني مسلم وقد تجمع عليه عشرات الجنود كل قد أخذ بجزء من جسده؟ ما أعظم شوقهم للشهادة والجنة! لله دركم شباب فلسطين يا أبطال الإسلام! سبحان الله! فتية يواجهون بالحجر أعتى آلات الحرب، لا يخافون الموت، يبذلون أنفسهم في سبيل الله وهم يهتفون ويرددون:
في سبيل الله قُمنا *** نبتغِي رفع اللواءْ
فلْيَعُدْ للدِّينِ مجدُهْ *** أو تُرَقْ منَّا الدماء


لقد أكد فتيان فلسطين للعالم كله من خلال معارك الرشاش والحجر الجبن والهلع في قلوب يهود. فأين أمة المليار؟! أفلا يقظة للهِمَم الرُّقَّدْ؟! أين أمة الإسلام؟ ألا نهضة للأمام! وهي ترى وتسمع الاستهزاء بالإسلام، والسخرية بالنبي عليه الصلاة والسلام؟ كيف لا نبكي وبيوت الله في فلسطين تحول كل يوم إلى مراقص وخمارات، وبارات وحانات، وملاذا للمومسات ومتعاطي المخدرات، وحظائر واصطبلات، وكنائس ومعابد، كمسجد السكك في يافا، ومسجد المالحة، ومسجد عين الزيتون، ومسجد البرج بعكا، وغيرها كثير.


أي نفس تنسى حريق المسجد الأقصى، ومذابح المساجد، وقتل الرُّكَّع السُّجَّد، فلن ولم ننس مجزرة مسجد دهمش يوم جمع اليهود أكثر من مائتين وخمسين من أبناء مدينة اللد، ثم قاموا بقتلهم رميا بالرصاص، وما زالت آثار الدماء هناك شاهدة على اليوم! لم ننس مجزرة رمضان في الإبراهيمي والناس سجود في صلاة الفجر، فتحولهم رشاشات الغدر الإسرائيلي إلى بركة دماء، لم ولن ننسى مجازر صبرا وشاتيلا، ودير ياسين، وقانا.


إلى متى تلك المجازر يا بني *** قومي أما اهتزت لكم أعراقُ؟
أوليس مَن قتلوا ومن صلبوا لنا *** أهلاً؟ فأين البر والإشفاق؟
إنْ لم يكن دينٌ فكُلُّ فضيلةٍ *** هدْرٌ وليس لكافرٍ ميثاق
وا ضيعةَ الإسلام في أوطانه! *** ضاقت به وبأهله الآفاق
في كل ناحية أنينُ ثواكلٍ *** وأرامل تغلي بها الأعماق
أرثي لأوطاني ومن باتوا على *** غفلاتهم والغافلون أفاقوا
فمتى سينقشع الظلام ويرتقي *** علَمُ الجهادِ الظافرُ الخفاق


فمتى، معاشر المسلمين؟! مَن للقدس الحزينة؟ من للأقصى ثاني مسجد بني لعبادة الله في الأرض بعد المسجد الحرام؟ من للأقصى المجروح وهو قبلة المسلمين الأولى، ومن للأقصى؟ وإليه كان الإسراء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة، ومنه كان العروج به للسماوات العُلى، لله -جل وعلا-؛ مَن للأقصى وفيه أَمَّ الرسولُ الأنبياءَ في الصلاة ليلة الإسراء؟ من للأقصى وهو أحد المساجد الثلاثة التي لا تُشد الرحال إلا إليها؟ والصلاة فيه بخمسمائة صلاة، فأين المسلمون واليهود يعملون بجد لبناء الهيكل المزعوم؟.


يقول(اين غوريون) أحد ساستهم: لا قيمة لإسرائيل إلا بالقدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل. إذا؛ بزعمهم، لا بد من هدم المسجد الأقصى لبناء الهيكل المزعوم، فاليهود في العالم وليس في إسرائيل فقط يسابقون عقارب الساعة الآن لهدم المسجد الأقصى، والاحتفال بتأسيس مملكة إسرائيل الأولى، فعلى المسلمين أن يعوا أن هدم المسجد الأقصى صار عند يهود العالم ومن شايعهم من النصارى فريضة الوقت، ومسؤولية الجيل.


ففي الشهر التاسع من العام(1988م) انعقد في القدس المؤتمر السنوي السابع لرابطة إعادة بناء الهيكل، وتقدر الأوساط الإسرائيلية عدد من حضر المؤتمر بسبعة آلاف يهودي، وقد قال فيه زعيم منظمة(قائم وحي) اليهودية: هلموا إلى جبل الهيكل... قاتلوا من أجله، ليس في القاعات ولا بالأقوال سيحرر الهيكل، نحن الآن مدعوون للتضحية بأنفسنا وأرواحنا... سنرفع راية إسرائيل فوق أرض الحرم، لا صخرة ولا قبة ولا مساجد، بل راية إسرائيل، فهذا واجب فمروض على جيلنا.

ومما يدعم مصداقية هدم المسجد الأقصى: شق الأنفاق، والحفريات المستمرة تحته، والتي تهدف إلى تفريغ الأرض تحت المسجدين، لتركهما قائمين على فراغ، ليكونا عرضة للانهيار السريع، بفعل أي عمل تخريبي، أو حتى اهتزازات أرضية طبيعية أو صناعية، أو بأي سيناريو يخدع فيه العالم الإسلامي. فمتى ننتبه للخطر؟ ومتى يشعر كل مسلم ومسلمة أن قضية فلسطين هي قضيته، وأنه لا بد أن يصرف لها من همه وفكره، وماله ووقته، ودعائه ودمعه.


ولله در تلك الفتاة التي كتبت تقول: أنا فتاة أبعث برسالتي هذه أعزيك بها ونفسي والمسلمين على ما يحصل في الأقصى الشريف، وأعزي الرجال الذين خامر اليأس قلوبهم فاستكانوا ووهنوا... أين أنتم من صلاح الدين الذي بكى وأقسم لله أن لا يطأ امرأة ولا يضحك حتى يعود القدس للمسلمين؟ فهل فيكم من صلاح؟!... هيا انفضوا غبار الذل عنكم، وتوجَّهوا لعودة الأقصى، فياله من دين لو أن له رجالا! كم كنت أتمنى أن أكون رجلا حتى أبذل نفسي فدى في سبيل الله في الدفاع عن الأقصى، آه! فكم أجد في قلبي حرقة في جلوسي، وعدم استطاعتي فعل أي شيء لإخواني المسلمين والمسلمات هناك.


فاتقوا الله -رحمكم الله-، وتناصروا بدين الله، وخذوا بعزائم الأمور، واعتصموا بأخوة الإسلام، فالولاء لله ولرسوله ولدينه.


أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والذلة والصغار والمسكنة لمن قال تعالى فيهم: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيل) [المائدة:60].


أما بعد: أمة الإسلام، فمتى نعلم أن بني صهيون عدو لا يقر له قرار إلا بتفريق الدول الإسلامية؟ وبث الخلافات، ورسم الاغتيالات والمؤامرات، متى ننتبه أن دولة بني صهيون سوس تنخر في المجتمعات العربية والإسلامية؟ تارة بنشر المخدرات، أو بتهريب المومسات، أو بتدمير الأخلاق عبر القنوات، ليغرق الشباب والفتيات في الشهوات.


تنوَّعَت الجراح فلا اصطبارٌ *** يواجهها ولا قلبٌ يطيقُ
كأن رجالَ أمتِنا قطيعٌ *** وإسرائيل في صلَفٍ تسوق
وأمتنا تنام على سريرٍ *** تهدهدها المفاتن والفسوق
كتاب الله يدعوها ولكن *** أراها لا تحسُّ ولا تفيق
أقول لأمَّتي والليل داجٍ *** بكفِّكِ لو تأملتِ الشروق


فيا أمة الإسلام، متى تشرق حقا فيك معاني الإسلام؟ يا فتاة الإسلام، أين همك من هم فتاة حيفا ويافا والخليل؟ يا شباب الإسلام، شتان بين الإقلاع والمقلاع! وشتان بين البطال والأبطال! هيا اصرخوا في وجوه يهود: لسنا مغفلين ولا غافلين، بل حتى لسان الغافلين والغافلات من المسلمين والمسلمات يقول: مهما أغرقتمونا بالقنوات، ومهما خدرتمونا بالمخدرات، وفتنتمونا بالمومسات؛ لا يمكن أن نتنازل عن دين رب الأرض والسموات.


فلا تغركم غفلتنا، فلم تزل في النفوس جذور عقيدتنا، فانتماؤنا للإسلام مهما ضعفنا وغفلنا، ومهما أخطأنا وعصينا، ومهما استكنَّا وسكتنا، فإن للإيمان فورة، وللغضب ثورة، إنه دين الفطرة مهما بلغ الران، حبنا لديننا والغيرة على مقدساتنا مهما كان الظلام، إنه الإسلام يصنع المعجزات، ويحطم الصخور الراسيات.


عجبا لليهود الأنذال! ينادون بالسلام ويتسلحون بالترسانة النووية والجرثومية، وينادون بالسلام وآلاف المعتقلين بالسجون يعذبون أبشع أنواع التعذيب والإهانات، ينادون بالسلام وهم يهدمون كل يوم من البيوت العشرات، ويبنون المستوطنات، ينادون بالسلام ومعاول الهدم تحيط بالمسجد الأقصى من كل مكان باسم شق الطرق والأنفاق والحفريات.


أي سلام لا يكون الحديث فيه إلا عن التفوق العسكري لطرف على حساب الآخر؟ أي سلام يلتزم فيه القائم على رعاية السلام بتفوق طرف على آخر؟ أي سلام وهو يهدم البيوت، ويشرد من الديار، ويحاصر الشعوب، ويعتقل المئات، ويجعل ردم الظلم من طرف إرهابا، والغصب من طرف آخر حقا مشروعا؟ أي سلام عندما يغضب العالم حين تطلق رصاصة أو تلقى قذيفة على محتل؟ ويتداعى العالم بصغاره وكباره إلى مؤتمر عالمي للتنسيق من أجل صنع السلام ومكافحة الإرهاب والتطرف.


أما مجازر المسلمين فتجري على سمع العالم وبصره، ولا أحد من ذوي القرار يدين ولا يدعو لمؤتمر يزجرها، فبأي ميزان أجيز اغتصاب الأرض؟ وبأي قانون استبيحت دماء إخواننا الفلسطينيين؟ وبأي دستور يمنع أهل الحق من مقاومة المحتل ثم ينادي بمكافحة الإرهاب.


فأين منظمات الكفر عنهم؟ *** وأين عقودهم؟ أين البنودُ؟
سلوهم من سقَى الإرهاب فينا *** ألَا إنّ اليهودَ له وقود


إن سياسات الحرمان والتجريد والعزل والخنق، والقهر والاستذلال، هي التي تغذي التطرف وحب الانتقام وسلوك مسلك الإرهاب.


فأين(مجلس الأمن) و(هيئة الأمم)؟ أين هم من أنهار الدم التي تسيل في الشيشان وفلسطين وكشمير والفلبين؟ ماذا يقول الضمير العالمي؟ وأين هي المقاطعات الاقتصادية على كل من ظلم وامتنع عن تطبيق القرارات؟ أين هي عن إسرائيل، بل أين راعية السلام؟ فلم نسمع حتى الآن منها ولو مجرد إدانة لإسرائيل لهذه المجازر، لقد افتضحت فبان عوارها وعورتها.


أيها العقلاء: إن ما يجري في الساحة اليوم لم يدع لأصحاب النوايا السحنة مقالا، فلسان حال المظلوم يقول: المنية ولا الدنية، واستقبال الموت خير من استدباره. ولقد قال قومنا: نعم للسلام، ولم يقولوا نعم للاستسلام، والتنكيل والمهانة والانتقام، وإذا استرخص العدو الدماء والمقدسات، فهي عند أهلها غالية نفيسة، تقدم الروح من أجلها رخيصة.


لقد فهمنا الدرس الغربي جيدا، خلاصته: مفاوضات يائسة تمتد عشرات السنين تخدر خلالها العواطف والمشاعر، محاولات ماكرة لسلب الروح الجهادية من الفلسطينيين والمسلمين، وتمكين اليهود من الأرض والمقدسات، ترعاه هيئات ومنظمات أممية عالمية.


فمتى نفهم أن حقيقة السلام يراد بها الاستسلام؟ فمن لم يفهم الدرس فليفهمه الآن، حقيقة أخبرنا بها القرآن: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِير) [البقرة:120]. فليس أمامنا -إذا- إلا التمسك بحقنا، والمضي في جهادهم بالنفس والمال لمقاومة الاحتلال، واجتثاث جذوره من الأرض المباركة.


فيا أبطال فلسطين! يا ليوث المسلمين! يا حماة القدس! صبرا في مجال الموت صبرا، فـ "إن الله وعدكم النصر، ووعدتموه الصبر، فأنجزوا وعدكم ينجز لكم وعده"، إن هذه الأنّات من صدوركم هي زادكم وسلاحكم، وهذه القطرات من الدماء شهب نار فوق رؤوس الأعداء.


يا أطفال الحجارة! يا سناء حيفا ويافا والخليل! يا شباب القدس! إن الأسود تغير حين تثار، فاجعلوا غيرتكم من أجل الله، وثورتكم لإعلاء لا إله إلا الله، وبعدها لا يضركم كيف متّم
فإمَّا حياةٌ تسرُّ الصديـــ *** ـــقَ وإما مماتٌ يغيظُ العدا
وإن تخلى عنكم الجميع، فقولوا معنا الله العليم السميع، وإن هدد اليهود الأنذال بأسلحة الدمار، فرددوا: معنا الواحد الجبار.


عباد الله: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:249] هكذا يخبرنا القرآن، واليوم خير شاهد، فماذا فعل أسود الشيشان بجحافل الروس، ومن هم اليهود مقابل الروس، فاليهود أهل جبن وخور، وما تغني الأسلحة النووية، والمدرعات القوية، إذا كانت القلوب ضعيفة، والعزائم منهارة؟ وقال الله عنهم، وهو خالقهم والعليم بهم: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [البقرة:96]، وقال تعالى:(لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُون) [الحشر:14].


وإنما عجزت الشعوب العربية عن هزيمة اليهود حين لم تخلص لتكون كلمة الله هي العليا، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج:40].


فهل نجح اليهود أن يبعدوا الإسلام عن معركتهم مع العرب، إنهم يعرفون تماما أن دين الإسلام هو مصدر عزة هذه الأمة، وقوتها الحقيقية، ويعلمون أن الموت في سبيل الله حياة تتمناها النفوس، وتبذل في طلبها المهج؛ كما قال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران:169].


فالحل بالعودة الصادقة للإسلام، ولقد أوضحت الانتفاضة كما أوضحت الشيشان أن الجهاد الحق بضوابطه الشرعية هو السبيل الأقوم والطريق الأمثل لأخذ الحق والاعتراف به، وأيقن المسلمون أن راية الدين إذا ارتفعت تصاغرت أمامها كل راية؛ فحق على أهل الإسلام أن تربيهم التجارب، وتصقلهم الابتلاءات، ومن الابتلاء ما جلب عِزا وذكرا، وكتب أجرا، وحفظ حقا، (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرً) [النساء:19].


وكما أن الله -تعالى- أوجب الجهاد بالنفس فقد أوجب الجهاد بالمال، ورغّب فيه فقال: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِير) [الحديد:7].


عباد الله! إننا نتساءل: هل ستظل مواقفنا تجاه قضيتنا ردود أفعال؟ وحماسا ربما انطفأ بعد أيام، فبعد هذه المشاعر الأخوية مع قضيتنا الفلسطينية، قضية الأمة الإسلامية، لا بد من التأكيد على أهمية الاستمرار حتى النهاية، وألا تكون هذه التحركات والصيحات مجرد ردود أفعال تثيرها مواقف، وتجمدها أخرى، وليست القضية الشيشانية عنا ببعيد؛ ففي مثل هذا الوقت من العام الماضي تألمنا وتكلمنا واجتهدنا، ثم غفلنا عنها وطويت أحداثها لدى الكثير من الناس، رغم أن الجرح ما زال ينزف، والفئة المؤمنة وحدها هناك تصول وتجول وتقاتل، ليس لهم ناصر ولا معين إلا الله، حتى الدعوات والصدقات توقفت!.


أين الموسرون من رجال الأعمال؟ وأين وسائل الإعلام؟ أين الهيئات والمؤسسات؟ أين الجميع عن توزيع الأدوار والتخصص؟ فكل منا يكمل الآخر، بدل أن نميل كلنا لجهة وننسى الجهة الأخرى، وهكذا تضعف الجهود وتتبعثر القوى، فلا بد -إذا- من الأخذ بأسباب القوة، وأن تتلمس الأمة الطريق الصحيح للخروج من أزمتها، لابد أن تتربى النفوس على الإخلاص والعبودية والولاء لله وحده، يجب أن تربى النفوس على الجهاد والتضحية بضوابطها وشروطها المرعية، والطاعة له ورسوله، وأولي الأمر الذين يسوسونهم بهذه الأمور كلها، لنبذل أموالنا وأنفسنا من أجل ديننا وعقيدتنا، هذا هو النداء، وتلكم هي الدعوة.


فتفاءلوا وأمّلوا خيرا؛ فهذا الليل سينجلي إن شاء الله؛ فكل الأحداث في كل بقاع المسلمين تتفجر، لتعلن يقظة هذا الدين ورجوعه، فالليل سوف يزول، وستورق الأشجار، وسيطلع النهار برغم الضحايا، وعنف الرزايا، برغم الخراب وليل العذاب.
يا بلاد القدس صبرا *** إن بعد العسر يسرا
إن بعد الليل فجرا *** يقهر الأعداء قهرا


أخيرا؛ وكالعادة في مهبط الوحي ومنبع الرسالة، كان لهذه البلاد السبق بالمساعدات والدعوات، وقد نادى ولاة الأمر -حفظهم الله- بسرعة المبادرة إلى أخذ التدابير لحماية إخواننا من شعب فلسطين والحرم القدسي، وأعلنوا أن الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية ضد شعب أعزل تثبت عدم رغبة إسرائيل في السلام.


كما حذرت رابطة العالم الإسلامي في بيان لها من أن إسرائيل تنفذ حاليا ما يسمى بمشروع "القدس الكبرى" ودعت الرابطة العالم الإسلامي إلى مؤتمر عالمي لإنقاذ القدس، فهل يستجيب العالم العربي والإسلامي لنداءات قادة المسلمين؟.


اللهم اجمع قلوبهم على التوحيد والقرآن، وألف بينهم وبين شعوبهم، ووحد صفوفهم، اللهم وفق ولاة أمورنا لخير الإسلام والمسلمين، واجعلهم مفاتيح خير مباركين، اللهم فك أسر الأقصى، وطهره من الأنجاس الحاقدين، واحفظ المسلمين المستضعفين في فلسطين، وفي كل مكان، اللهم انصرهم على من بغى عليهم، وانتقم لهم من الظالمين.


اللهم احفظ النساء الثكالى، والأطفال اليتامى، وذا الشيبة الكبير، اللهم وحد صفوفنا وأزل عثراتنا، وأضعِف أعداءنا، برحمتك نستغيث يا أرحم الراحمين!.

جديد المواد

تصميم وتطويركنون