المادة

القصير آلام وآمال

174 | 23-11-2016
عناصر الخطبة 1/دخول الثورة السورية في منعطف خطير 2/مدينة القصير دمرت من قبل الرافضة 3/خذلان العالم للشعب السوري وتآمر النظام العالم عليه 4/الثورة سورية فضحت العالم وأظهرته على حقيقته 4/آمال من دروس معركة القصير

خذلهم الجميع كما خذلهم العالم المتحضر بكل قوانينه، حتى أصبح الخطر بوضوح ليس على السوريين فقط، ولا على اللبنانيين والفلسطينيين، والعراقيين فقط، بل على دول المنطقة كلها، وبالأخص نحن هنا في دول الخليج، فلم يعد الكلام عن مخططات ومؤامرات، بل أصبح ميدان حرب ظهرت من خلاله النوايا على حقيقتها، إنها الفاضحة "الثورة السورية المباركة" التي...

الحمد لله قاصم الجبابرة قهراً، وكاسر الأكاسرة كسراً، وواعد المؤمنين من لدنه نصراً، يكشف كربًا، ويغفر ذنبًا، ويُغيث ملهوفًا، ويجبر كسيراً، ويجير خائفاً، ويرسل بالآيات تخويفًا، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجوها عنده ذخراً، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أعزه الله بعد الذلة، وأغناه بعد العَيْلَة، ونصره على ضعف وفُرقة، فعلتْ أمته قدرا، وشرفتْ مكانة وذخراً، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى صحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:

معاشر المؤمنين: يقول الله -تعالى- في محكم التنزيل: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)[النساء: 76].

عباد اللهّ: إن الثورة السورية الباسلة دخلت خلال الأيام الماضية منعطفًا خطيرًا، ومرحلة حساسة جدًّا، فرغم شراسة الحرب والآلام وشدة الجراح، الذي خلّفه قصف الطائرات ورجم الصواريخ والمدافع، والتي صبت جام حقدها على مدينة صغيرة، لا يتجاوز سكانها الأربعين ألف نسمة، فأضناهم وأنهكهم القصف والحصار، والجوع والعطش والدمار، القصير التي كانت تهتز كلها من أصوات الانفجارات المتتالية، والتي لم تترك فيها بيتاً إلا وهدمته، ولا شجراً إلا وأحرقته، صواريخ ومدافع وبراميل زيت حارقة على مدار الدقيقة؛ لا تفرق بين طفل وامرأة، ولا عجوز أو جريح، ولا يزال المئات تحت الركام والتراب، لم يستطع أحد انتشالهم من تحت الأنقاض من شدة القصف المتواصل، أربعون إلى مائة صاروخ على مدار الساعة بكل حقد وصلف، ودون أي رحمة أو إنسانية، بل وصل الأمر أن عصابات حزب اللات تقطع طريق الصليب الأحمر، وتخطف منهم الجرحى السوريين انتقامًا لمن قتل من أبنائهم في القصير، كل هذا الغضب لمجرد أن شباب المدينة الأبطال الأشاوس وقفوا كغيرهم من أبطال ثورة سوريا في كل المدن، وبكل تحدٍ ورجولة للذب عن أنفسهم وأعراضهم، فأحرجوا عدوهم أمام العالم كله بأبسط أنواع الأسلحة والعتاد، إلا أن بلدة القصير تميزت بكشف الوجه الكالح للصفويين من حزب اللات الذي فضحته بطولة وإيمان وعزيمة شباب القصير، إلا أن أمة المليار قد خذلت أهلنا هناك، وسلمتهم لعدوهم:

أنا في القصير وما يئست وإنما *** هي حسرة من صمتكم تتضرم

عندي الأشاوس من شباب عقيدتي *** بذلوا النفوس لربهم وتقدموا

نعم، خذلهم الجميع كما خذلهم العالم المتحضر بكل قوانينه، حتى أصبح الخطر بوضوح ليس على السوريين فقط، ولا على اللبنانيين والفلسطينيين، والعراقيين فقط، بل على دول المنطقة كلها، وبالأخص نحن هنا في دول الخليج، فلم يعد الكلام عن مخططات ومؤامرات، بل أصبح ميدان حرب ظهرت من خلاله النوايا على حقيقتها، إنها الفاضحة "الثورة السورية المباركة" التي فضحت الجميع بدءاً بالمشروع الصفوي لهيمنته على دول المنطقة كلها، والذي أصبح سريع الخطو جهاراً نهاراً وبكل لجاجة وفجاجة، وبكل صفاقة وصلافة، بل وبكل تحد ووحشية في وضح النهار وتحت الشمس، فأجندة المد الصفوي الإيراني تتسارع ميدانياً في العراق وسوريا ولبنان، ثم اليمن والبحرين، ثم بقية دول المنطقة والجوار، وأمام مرأى ومسمع العالم كله، بل وبمباركة العالم وتآمره –وبوضوح- على أهل التوحيد والسنة، وبأي مكان كانوا، فكيف إذا كانوا بالمكان الأخطر بالجوار الصهيوني اليهودي، فإلى الجحيم شعوباً، أطفالاً ونساءً، جرحى وعجزة ومرضى، ليبادوا كلهم وبأيد وسلاح صفوي، ليرقص اليهود على الجراح، وليستمتعوا بالأفراح، إنها الفاضحة "الثورة السورية المباركة" فضحت وأربكت الدول الغربية والقانون الدولي بكل منظماته ومؤسساته، فالنظام النصيري بكل وحشيته، وحزب اللات بكل غروره وجرائمه فتمكين لهم وملاينة ومسايسة، وأما خصومهم من الثوار والمجاهدين الضحايا فتنصب أسماءهم على قوائم الإرهاب العالمية، إنها الفاضحة "الثورة السورية المباركة" التي اضطرت العالم الغربي لتحالفات جديدة بين معسكرين عالميين روسيا وإيران، والمعسكر الآخر أمريكا وإسرائيل معسكران شرسان يخوضان حرباً قذرة على أرض عربية مسلمة يتفق المعسكران على الحد والصد من ميلاد سوريا المسلمة الجديدة المحررة، والتي أخذت معالمها ترتسم مع تقدم الثوار على الأرض، وعزيمتهم الباهرة، والتي يعلمون يقيناً أنها ستغير جغرافية المنطقة: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[يوسف: 21].

إنها الفاضحة "الثورة السورية المباركة" فضحت أفراد المعارضة السياسية السورية، في الخارج يتصارعون على الكراسي والمناصب، والثوار والناس في داخل سوريا تُنصب لهم المشانق والمجازر، أما الحكومات العربية –وللأسف- ففضحهم بالأمس تنازعهم حول مجرد صيغة البيان الختامي لجلستهم بجامعة الدول العربية هل يدان حزب اللات بصراحة أم لا، في الوقت الذي يذبح فيه حزب اللات الأطفال والنساء بالمئات؟

يا الله، نزاع حتى بمجرد صيغة للإدانة؟! أي خزي وعار وإهانة؟!

والله ثم والله ليسألن الله حكام المسلمين عن خذلانهم وخذلاننا للمستضعفين في سوريا، متى نفيق؟

أخشى أن نردد غدا القول المأثور: " أكلت يوم أكل الثور الأبيض".

وأن لا نشعر إلا والعدو يطرق أبوابنا، وعندها نعرف خذلاننا لسوريا كما شعروا الآن بخذلانهم لفلسطين والعراق.

"من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، وصلتني رسالتك يا ابن الكافرة، والجواب ما ترى لا ما تسمع".

فاللهم وفق حكام المسلمين وقادتهم في كل مكان لنصرة الإسلام والمسلمين، ونجدة المستضعفين والمنكوبين في سوريا وبورما والعراق وفلسطين.

إن نصر الشام نصر للعراق *** فافهمي يا أمتي معنى السباق

أيها المسلمون: لقد أثمرت "الثورة السورية المباركة" كل هذه الفضائح وغيرها، حتى أصبح يتحدث عنها العامي قبل المتعلم، والصغير قبل الكبير، على كل لسان، وفي كل وسائل الإعلام، إنه الدرس الكبير والثمرة الإلهية العظمى لإطالة عمر الثورة السورية: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19].

إن تدخل الرافضة في سوريا هي حرب وكالة بامتياز، وسكوت الغرب والعالم أجمع وتواطؤهم ليس شيئًا اعتباطيًّا، فالغرب لم ولن ينسى حقده الصليبي على المسلمين، لكنه يستثمر حقد النصيرية والرافضة لأهل السنة، فسلمهم حرب سوريا بالوكالة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: "وَالرَّافِضَةُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ مِنْهُمْ شَيْءٌ يُخْتَصُّ بِهِ إِلَّا مَا يَسُرُّ عَدُوَّ الْإِسْلَامِ، وَيَسُوءُ وَلِيَّهُ فَأَيَّامُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ كُلُّهَا سُودٌ، وَأَعْرَفُ النَّاسِ بِعُيُوبِهِمْ وَمَمَادِحِهِمْ أَهْلُ السُّنَّةِ... وَلَوْ ذَكَرْتُ بَعْضَ مَا عَرَفْتُهُ مِنْهُمْ بِالْمُبَاشَرَةِ وَنَقْلِ الثِّقَاتِ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي كُتُبِهِمْ- لَاحْتَاجَ ذَلِكَ إِلَى كِتَابٍ كَبِيرٍ".

ويقول أيضاً: "أَصْلُ كُلِّ فِتْنَةٍ وَبَلِيَّةٍ هُمُ الشِّيعَةُ وَمَنِ انْضَوَى إِلَيْهِمْ، وَكَثِيرٌ مِنَ السُّيُوفِ الَّتِي سُلَّتْ فِي الْإِسْلَامِ إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ جِهَتِهِمْ، وَعُلِمَ أَنَّ أَصْلَهُمْ وَمَادَّتَهُمْ مُنَافِقُونَ، اخْتَلَقُوا أَكَاذِيبَ، وَابْتَدَعُوا آرَاءً فَاسِدَةً، لِيُفْسِدُوا بِهَا دِينَ الْإِسْلَامِ، وَيَسْتَزِلُّوا بِهَا مَنْ لَيْسَ مَنْ أُولِي الْأَحْلَامِ" الخ.

واليوم انكشف الغطاء، واتضح الحق من الباطل للكثير ممن التبس عليهم حقيقة الرافضة، خاصة بعد تدخل مليشيا ما يسمى بحزب الله "وهو حزب للشيطان" في ثورة سوريا، لتنفيذ مخططات المجوس المعتدين، والروس الحاقدين، والتي تلتقي كثيراً بمخططات الغرب الصليبي وإسرائيل.

فيا الله، ومعركة القُصير يوم فضحت ببركاتها الكثيرة حزب اللات وعرّت بطولاته الوهمية أمام كل الناس وكل الأطياف.

ولحزب اللات من صهيون حبل *** يجمع اللصين في ثوب النفاق

ومن الآمال والدروس لمعركة القصير: أن ثوار وأبطال سوريا أجهضوا كثيراً من الخطط الصفوية والتي رسموها منذ سنين للمنطقة وللدول العربية، وهذا أعظم نصر، كيف وقد أحرجوا بقلة عتادهم وعددهم العالم بأسره يوم رفعوا صادقين شعارهم -شعار التوحيد-: "الله أكبر، يا الله ما لنا غيرك يا الله".

حينها أيقنوا أنه لا كبير إلا الله، وأن ما دون الله هباء، ومن عَظّم الله حقًّا وصدقًا في نفسه صغر عنده كل شيء دونه: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)[الأنعام18].

ومن الآمال والدروس لمعركة القصير: يوم حدثتكم أنفسكم بخذلان الناس لكم أجبتموها فوراً بقول الحق - عز وجل -: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[آل عمران: 160].

فلم تيأسوا لأنكم تُدرسون العالم بأن الحرب كر وفر، والحرب خدعة، والحرب سجال، وكأني بكم تستلهمون من غزوات أحد والخندق وحنين ومؤتة دروس وعبر: حصار وانحسار، ونصر وهزيمة، وتقدم وتراجع، وفضح لكيد المنافقين، وموعظة للمؤمنين، ثم النهاية: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[الأعراف: 128].

وفتح ونصر مبين، و(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).

لله دركم، فاصبروا وصابروا ورابطوا، واتحدوا وتماسكوا.

ومن الآمال والدروس لمعركة القصير: أنه كلما اشتد الأمر كانوا أكثر تفاؤلا بالنصر، ولم يستعجلوه بل كان حسبهم أن الله معهم، وعندها لا يضرهم من خذلهم، فالله يعلم المفسد من المصلح، وهم موقنون بقول الحق: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا).

وواثقون أن هذا الليل سوف يزول، وستورقُ الأشجار، وسيطلع النهار برغم الضحايا، وعنف الرزايا، برغم الخراب وليل العذاب.

يا بلاد الشام صبرا *** إن بــعد العسر يسرا

إن بعد الليل فجـرًا *** يقهر الأعــداء قهرًا

ومن الآمال في دروس ملحمة القصير: اجتماع ثوار حلب، وثوار دير الزور، وثوار حمص وغيرهم، نصرة للقصير بعضهم لبعض، إخوة ومحبة ونصرة واعتصام.

أبطال ملحمة القصير مقامكم أعلى *** وإن صال البغاة وجالوا

النصر آت والشهادة رتبة *** عليا وبينهما يطيب نزال

أبطال ملحمة القصير كأنني *** بالشام تُكسر دونه الأغلال

وكأني بالنصر يَرفع رايةً *** للحق يهوي عندها التمثال

ثقوا يا أبطال الشام أن الشعوب المسلمة رغم أنها مقهورة ومأسورة، فو الله أن الكل معكم بأموالهم ودعواتهم ودمعاتهم، بل بكل ما يستطيعون بدءاً بما في حصالة العمر للصغار، أو بحلي النساء وزينتهن، أو بدعاء ودموع الكبار.

والله لو جرف المحيط بيوتنا *** ورمت بنا خلف المحيط زوابع

لظللت أؤمن أن أمتنا لها *** يوم من الأمجاد أبيض ناصع

أيها المسلمون: من دروس معركة القصير: أن القصير لم تسقط إلا في نفوس المخذلين، فالحرب خدعة وسجال، والدليل أنهم أثخنوا بحزب اللات، وقتلوا منهم المئات.

ثم إن النظام السوري أسقط عشرات المدن ثم رجعت، وهكذا هي الحرب كر وفر حتى تضع أوزارها، فلنحذر التخذيل والتثبيط للصف المسلم عبر الشائعات، خاصة مع اتساع وسائل الاتصال والإعلام وتنوعها وكثرة المندسين المتربصين من الرافضة والمنافقين، فهناك فرق متخصصة منهم مدعومة لنشر الإشاعات والإرجاف، ومحاربة كل فكرة إيجابية تطرح لنصرة أو إعانة مهما كان حجمها ليهبوا عليها وبأسماء عربية تثبيطاً وتخذيلاً، إنها الحرب النفسية وحرب الإشاعات وحرب الإعلام والكلمات التي علينا أن نتنبه لها ونحذر أن نكون عوناً لها من حيث لا نشعر، فاتقوا الله فالكلمة الطيبة عند ملك الملوك صدقة، فلا تفسدوها بالتخذيل والتثبيط، فمن أعظم التصرفات في الأزمات، الاعتصام بالكتاب والسنة: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) [محمد: 4].

ثم إن علينا كمجتمعات إسلامية موحدة مهما كانت ديارنا أو جنسياتنا أن نهب هبة واحدة لعقيدتنا وتوحيدنا، فالحرب عقائدية مهما حرفوا وصحفوا، فقد جلجل الأمر واتضح وافتضح للكل، وكل منا على ثغر فلا يحتقر أحد ثغر أخيه، فمن فُتح له بالسيف والسنان فلن يستغني أبداً عمن فتح له بالبذل والمال، ولا عمن فتح له بالقلم واللسان، ولا عمن فتح بالطب والعلم، ولا عمن فتح له بالدعاء والقنوت، ولا عمن فتح له بالتصوير والتوثيق والإخراج، وهكذا كل منا على ثغر، وكل على خير، والميدان يتسع للجميع، فلنضع الكف بالكف، ولنرص الصف للصف، ولا نحتقر جهد أحد مادام يحمل الهم ويبذل المستطاع، فإياكم والتحقير أو السخرية بأحد أو التقليل من عمل أحد، فقد أدان النبي –صلى الله عليه وسلم- بالفضل لمرأة سوداء كانت تقم المسجد، ودخلت الجنة امرأة بغي سقت كلباً، ودخل رجل الجنة بجذع شجرة أزاحه عن طريق المسلمين، لا يؤذيهم.

إن في عروتنا الوثقى نجاة *** من عداء وصراع وشقاق

قوة واحدة تُلقي الأعادي تفتح*** الأبواب من بعد انغلاق

سبحان الله! ألا تعلمنا الأحداث، أليس في تاريخنا عبر، ألا تكفينا نصوص القرآن: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا).

نعم تضرعوا وليس تنازعوا أو تناطحوا، أو خذلوا وثبطوا، بل تضرعوا، فتضرعوا -أيها المسلمون- تضرعوا لربكم بقلوب صادقة، وبعيون دامعة، ودعوات وابتهالات، وما يدريكم لعل دمعة من عينيك، وزفرة من صدرك، أو دعوة من قلبك تشق عنان السماء، فيُغير الله بها من حال إلى حال، وحسبكم أن الله يسمع ويرى.

وأخيراً: لابد أن نتذكر أن وعد الله بالنصر حق، وليس شرطاً أن نراه، لكن على المسلم أن يبذل ما عليه وأمر الغيب بيد الله وحده: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[الروم: 47].

ومن هنا لابد أن نتقن فن التوازن في هذه الأحداث، فن الفرحة مع الحزن، وفن البسمة مع الدمعة، وفن الأمل رغم الألم، فيا ليت شعري من يُحسن هذا الفن؟

فالنفوس المؤمنة الطيبة هي التي تصنع من الألم أملاً، وتصنع من الدمعة بسمة.

نسأل الله أن يكشف الغمة عن بلاد الشام وأهلها، وأن يؤلف بين قلوب جميع المجاهدين الثوار في بلاد الشام، وأن يجمع كلمتهم، ويسدد رأيهم، ويوحد صفهم، لما فيه نصرهم، ونصر دينه وكتابه وسنة نبيه.

اللهم عجل بالفرج لأهل الشام، وعليك بزبانية النظام والأزلام، ومن تآمر معهم واصطف بصفهم، يا رب خالف بين قلوب عدوهم وصفهم، ورأيهم، وشتت كلمتهم وأضعف قوتهم.

اللهم عطل عتادهم، واضرب الظالمين بالظالمين، اللهم خذلهم الجميع، ولا نصر إلا نصرك فأيدهم بجند من عندك، وانصرهم بالرعب يا الله مالهم غيرك يا الله، فأنت الناصر والمعين.

اللهم اجعل آلام وأحزان أهل الشام برداً وسلاماً عليهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل ما أصابهم تكفيراً لهم وتطهيرا وعزة ورفعة لهم.

اللهم ردهم لديارهم آمنين، واجمع شملهم سالمين، وانصر من نصرهم إلى يوم الدين.

اللهم صلي وسلم على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

جديد المواد

تصميم وتطويركنون