المادة

اليهود ومكرهم

373 | 22-10-2016

عناصر الخطبة

1/ شهادة القرآن الكريم على اليهود واهتمامه بأمرهم 2/ شهادة التاريخ على خسة اليهود ودناءتهم 3/ محاولاتهم لاغتيال النبي الكريم منذ مولده 4/ دورهم المعاصر في القضاء على الخلافة الإسلامية 5/ تحذير عقلاء الغرب النصارى من اليهود 6/ مكايدهم للسيطرة على العالم وسبلهم في هدمه 7/ ضرورة رد المعركة مع اليهود لطبيعتها الدينية 8/ بشائر النصر على اليهود

*****

الحمد لله علا وقهر، وعز واقتدر، ذي البطش والجبروت لا محيد عنه ولا مفر، أحمده سبحانه وأشكره لم يزل يوالي إحسانه من شكر.


وأشهد ان نبينا محمداً وحده لا شريك له على رغم أنف من جحد به وكفر، وأشهد ان نبنيا محمدا عبده ورسوله سيد البشر، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه السادة الغرر، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم العرض الأكبر.


أما بعد: فاتقوا الله أيها الناس؛ فتقوى الله عروة ما لها انفصام، ونور تستضيء بها القلوب والأفهام.


عباد الله: إن الناظر في القرآن لَيعجب من كثرة تكرار قصص بني إسرائيل، حتى إنها ربما وصلت إلى أكثر من ثلث سور القرآن، وفي الفاتحة -أول سورة، والتي يكررها المسلمون يوميا في كل صلاة- يرد البيان الإلهي عن إنحراف اليهود والنصارى، ويلتجئ المسلمون إلى ربهم ألا يسلك بهم سبيلهم: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة:6-7].


وثاني سورة هي "سورة البقرة" وهي بقرة بني إسرائيل، وتسمى السورة الثالثة بسورة "آل عمران" وآل عمران أسرة من بني إسرائيل، وإن كانت تختلف عن بني إسرائيل في طاعتها وصدقها وعبادتها؛ ولذلك اصطفاها الله مِن بين مَن اصطفى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) [آل عمران:33].


والسورة الرابعة هي "سورة المائدة" وهي المائدة التي طلبها بنو إسرائيل، كما خصصت سورة باسمهم هي "سورة الإسراء" التي تسمى "سورة بني إسرائيل".


وليس هناك من نبي ورد التفصيل عنه أكثر من موسى -عليه السلام- مع اليهود؛ بل إنك لتعجب من حديث القرآن عن اليهود في الفترة المكية مع أنه لم يكن لهم بها شأن يذكر؛ بل إن المسلمين مشغولون بأذى كفار قريش وعداوتهم، ومع ذلك جاء الحديث عن اليهود ومعتقداتهم ومواقفهم مع أنبيائهم كما في سورتي الأعراف وطه المكيتين.


فلماذا كان الحديث عنهم بمكة؟ ولو تحدثَت الاجتهادات البشرية لقيل إن الأَولى عدم التعرض لليهود في المرحلة المكية لعدم كثرة اليهود في مكة، ولعدم احتكاكهم مع المسلمين فلا داعي لفتح هذه الجبهة والجبهة قائمة لمجابهة المشركين، خاصة وأن المسلمين كانوا مستضعفين في مكة يخافون أن يتخطفهم الناس من حولهم، فما السر وراء هذا التركيز؟.


لا شك أن الأسرار كثيرة؛ لأن الوحي الإلهي والتخطيط للمعركة رباني، لعل من أبرزها أن القرآن يؤكد ويذكر أن الصراع بين اليهود والمسلمين سيبقى إلى يوم القيامة، وكلما خمدت جذوة الصراع في منطقة أو في عصر من العصور ستتجدد في مكان آخر وفي أزمنة متلاحقة وفي صور شتى، فلا غرابة -إذاً- أن يكثر الحديث عنهم، وأن يكشف القرآن أحوالهم؛ اهتماما لبناء الشخصية الإسلامية وتحفيزها، ومعرفتها بحجم عدوها، وعدم الركون إليه، وأخذ الحيطة والحذَر.


وأيضا؛ أن تعلم الأجيال الإسلامية اللاحقة من آيات القرآن أن معركة المسلمين مع اليهود معركة مستمرة، بغضِّ النظر عن المواقع التي يحتلها كلٌّ من الطرفين قوةً وضعفا.


ومما هو معلوم ومشهور أن من أهم أسباب رفع الضعف والهوان الذي أصاب أمة الإسلام -بعد الرجوع إلى الله تعالى، وتطبيق أحكام الإسلام- معرفة حقيقة الأعداء وطبيعة عداوتهم ومكرهم.


وما يدور هذه الأيام من أنذال بني صهيون ومكرهم وحقدهم على الإسلام وغرورهم وتكبرهم وجرأتهم على الدم المسلم ومقدسات الدين ليدعونا إلى التركيز بأصلهم وتاريخهم الأسود الذي يحاولون اليوم تغييره وطمسه بشتى الوسائل من ذاكرة الأجيال القادمة، مما دعاهم إلى محاربة الكثير من المناهج التعليمية في البلاد العربية والتي تشير إلى شيء من مواقفهم المخزية مع كل الناس وكل الأجناس، ولكن؛ أنى لهم ذلك والقرآن فضحهم؟ (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) [المائدة:82].


وعداوة اليهود هذه مبكرة تشهد بخستها القرون الغابرة وتؤكدها القرون اللاحقة، فأنبياؤهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون، ولتعلموا معي -معشر المؤمنين- عظم جرمهم فاسمعوا ماذا يقول لكم الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود: كان بنو اسرائيل في اليوم تقتل ثلاثمائة نبي، ثم يقيمون سوق بقلهم في آخر النهار. أي: يبيعون ويشترون وكأن الأمر لا يعنيهم! والرسول


يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتلَه نبي، أو قتل نبياً".
ولقد بلغ اليهود رتبة أسفل ومنزلة أخس من الدناءة إذ سبوا الله سبحانه، تعالى الله علوا كبيرا: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) [المائدة:64].


فلا غرابة -إذاً- أن يتطاولوا على محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويحاولوا قتله وهو بعدُ طفل رضيع، فقد روى ابن سعد أن أم النبي -صلى الله عليه وسلم- لما دفعته إلى حليمة السعدية لترضعه قالت لها: احفظي ابني، وأخبرتها بما رأت من المعجزات، فمر بها اليهود فقالت: ألا تحدثوني عن ابني هذا؟ فإني حملته كذا ووضعته كذا، فقال بعضهم لبعض: اقتلوه! ثم قالوا أيتيم هو؟ قالت: لا؛ هذا أبوه وأنا أمه، وكأنها أحست منهم شيئا، فقالوا: لو كان يتيما لقتلناه!.


ثم تستمر محاولة اليهود في قتله حين ذهب مع عمه أبي طالب إلى الشام وهو بعدُ في ريعان الشباب، ومقولة الراهب بحيري لعمه: إني أخشى عليه من اليهود؛ فارجع به إلى بلده. هذا كله قبل النبوة.


ثم تشتد العداوة بعد النبوة، ويحاول اليهود أكثر من مرة قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يفلحوا، وسمّوا الطعام الذي قدموه له، وآذوه، وألّبوا الأعداء عليه إذ هم يعترفون بنبوته ويعلنون عداوتهم وكرههم حتى الممات!.


هذا حيي بن الأخطب زعيم يهود بني النضير يسأله أخوه أبو ياسر: أهو هو؟ قال: نعم والله! قال أتعرفه وتثبته؟ قال نعم! قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله مابقيت!.


وحين أمكن الله من عدو الله حيي وجيء به مجموعة يداه إلى عنقه قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألم يمكن الله منك يا عدو الله؟" قال: بلى! أبى الله إلا تمكينك مني! أما والله ما لمت نفسي في عداوتك؛ ولكنه من يخذل الله يخذل.


واستمرت عداوة اليهود للمسلمين في أيام الخلفاء الراشدين فخرج عبد الله بن سبأ اليهودي ليشعل الفتنة ويبذر الخلاف بين المسلمين، وكانت الفتنة، وكانت الحروب.


ونتجاوز الزمن قليلا، ونقف عند الدولة العثمانية مليا، إذ كانت محاولات اليهود مع العثمانيين للسماح لهم بالهجرة إلى أرض فلسطين والاستيطان فيها، فأصدر السلطان عبد المجيد خان أمرا بمنع اليهود القادمين لزيارة بيت المقدس من الإقامة في القدس أكثر من ثلاثة أشهر.


ثم يعيدون الكرة مع السلطان عبد الحميد ويعدونه ويمنونه بالهبات والأموال مقابل إنشاء مستعمرة قرب القدس، فيجابههم بالرفض والتحقير والتوبيخ كما في الوثيقة المشهورة.


ثم يدرك اليهود أنْ لا وسيلة لهم لتحقيق أغراضهم إلا بالقضاء على الدولة العثمانية بالتآمر مع الدول الكبرى، فليهود "الدونمة" دور كبير في القضاء على الدولة العثمانية واختيار الزعماء المناسبين لهم، ويستمر العداء ويؤكد الخلَف ما بدأه السلف، فليست عداوتهم تاريخا مضى وانتهى؛ وإنما هي عقيدة يلقنها الآباء لأبنائهم.


فهذا مناحيم بيجن يقول: أنتم -أيها الإسرائيليون- لا يجب أن تشعروا بالشفقة حتى تقضوا على عدوكم، ولا عطف ولا رثاء حتى تنتهوا من إبادة ما يسمى بالحضارة الإسلامية التي سنبني على أنقاضها حضارتنا.


وهذا"شامير" يقول في حفل استقبال اليهود السوفيت المهاجرين إلى إسرائيل: إن إسرائيل الكبرى من البحر إلى النهر هي عقيدتي وحلمي شخصيا، وبدون هذا الكلام لن تكتمل الهجرة، ولا الصعود إلى أرض الميعاد، ولن يتحقق أمر الإسرائيليين ولا سلامتهم.


ويقول" بن غوريون": نحن لا نخشى الاشتراكيات ولا الثوريات ولا الديمقراطيات في المنطقة، نحن فقط نخشى الإسلام، هذا المارد الذي نام طويلا وبدأ يتململ.


هكذا يحدد اليهود أعداءهم، وكذلك تستمر العداوة، ويتحقق إعجاز القرآن: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ) [المائدة:82].


أبَعد هذا يوثَق بعهود ومواثيق يهود؟ بل أكد القرآن -يا أمة القرآنن- أن من أهم صفتهم نقضهم العهود، قال تعالى: (الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ) [الأنفال: 56 ]، وقال تعالى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) [البقرة: 100].


فهذه شهادة القرآن، فما هي شهادة الواقع على هؤلاء الأقوام؟ لقد عاهدهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكتب بينه وبينهم كتاباً حين وصل المدينة، فهل التزموا العهد واحترموا الميثاق؟ كلا! فقد غدر يهود بني قينقاع بعد غزوة بدر وانتصار المسلمين على المشركين، والمعاهدة لم يمض عليها إلا سنة، وغدرت يهود بني النضير بعد غزوة أحد وتجرؤوا على المسلمين بعد ما أصابهم في غزوة أحد، وغدرت بنو قريظة عهدهم في أشد الظروف وأحلكها على المسلمين يوم الأحزاب.


فإذا كانت هذه أخلاقهم مع من يعلمون صدقه، ويعتقدون نبوته، فهل يرجى منهم حفظ العهود مع الآخرين؟ هل يتوقع صدق اليهود في معاهداتهم مع من يرونهم أضعف وأقل شأناً؟
"إن اليهود قومٌ بُهْتٌ"، أي: كذَّابون، كما قال عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- الذي كان يهودياً فأسلم، وهم ينظرون إلى العهود والمواثيق التي يوقعونها مع غيرهم، إنها للضرورة ولغرض مرحلي ولمقتضيات مصلحة آنية، فإذا استنفد الغرض المرحلي نقض اليهود الميثاق من غير استشعار بأي اعتبار خلقي أو التزام أدبي.


فإذا كانت تلك شهادة القرآن، وشهادة الواقع التاريخي على اليهود، فإن من الجهل والحمق الثقة بأي معاهدة يبرمها اليهود، وبأي اتفاق يتم مع معهم، وقد حكم القرآن فيهم وفضحهم، فعلى المسلمين ألا يطمعوا في ود بني إسرائيل في يوم من الأيام أو في مسالمتهم، ولو تركت الأفاعي لدغها لتركت اليهود غدرها.


إخوة الإسلام: وإذا كان النصارى والعلمانيون والأوربيون والأمريكان أقرب الشعوب إلى اليهود ولهم معهم مصالح وقتية، فاسمعوا وجهة نظرهم الحقيقية: يقول "باكس" وهو أحد النصارى: وكان في ذاكرة عامة أوربا أن اليهود يمتصون جهود البلاد الاقتصادية، ويمثلون الطرف الخبيث الخطر الذي يسعى أبد الدهر لتحطيم المسيحية.


وفي أمريكا ألقى الرئيس الأمريكي الأسبق(فرانكلين) أول خطاب في الاجتماع التأسيسي للولايات المتحدة بعد استقلالها عام 1779 م قال فيه: إن هؤلاء اليهود هم أبالسة الجحيم، وخفافيش الليل، ومصاصو دماء الشعوب.


أيها السادة: اطردوا هذه الطغمة الفاجرة من بلادنا قبل فوات الأوان، ضماناً لمصلحة الأمة وأجيالها القادمة، وإلا فإنكم سترون بعد قرن واحد أنهم أخطر مما تفكرون، وثقوا أنهم لن يرحموا أحفادنا، بل سيجعلونهم عبيداً في خدمتهم.


إلى أن يقول: أيها السادة: ثقوا أنكم إذا لم تتخذوا هذا القرار فوراً، فإن الأجيال الأمريكية القادمة ستلاحقكم بلعناتها وهي تئن تحت أقدام اليهود. اهـ.


وها نحن اليوم نرى صدق كلامه، ووقوع محذوره، فاليهود جادون في بناء أنفسهم استمدادا من تاريخهم، واعتماداً على تراثهم، يجمعون بني قومهم من شتات الأرض وشذاذ الآفاق، باسم الدين وإسرائيل والتوراة والتلمود.


لقد أَشرَبَهُم تلمودُهم أحقاداً زرقاء ينفخ فيها أحبار السوء بوصايا الزيف من التوراة المحرَّفة ليتنادوا عليها وكأنها حقائق ومسلَّمات، إنها طبائع الملعونين من أسلافهم: قسوةٌ في القلوب كالحجارة أو أشدّ، وشرَهٌ في النفوس، وأكْلُ سُحْتٍ، وفسادُ مُعْتَقَد، وبغْي في الأرض، وتطاوُل على الخلق ورَب الخلق! هذا سبيلهم في الزعزعة والهدم.


أما سبيلهم في المفاوضات والمحادثات فسبيل المخادعة والتضليل، والتلاعب بالأسماء والمصطلحات، والالتفاف على التوصيات والقرارات، بأسماء وألوان ومبادرات ومهدئات؛ امتصاصا للغضب، وتهدئة للأوضاع، والمريض إذا اشتد مرضه قبل المسكنات والضعيف إذا غلبه يأسه ركن إلى المهدئات، والقضية ليست غامضة ولا ملتوية وما هي بالمستعصية ولا الشائكة؛ ولكنها تحتاج إلى شيء من التذوق القرآني والتمسك بحكمه وأحكامه.


إخوة الإيمان: هذه نظرة القرآن في اليهود، وتلك نظرات أقرب الناس إليهم، فكم هو مؤلم ومؤسف أن يكون الأمر بهذا الوضوح العجيب في القرآن فيترك ويُهجَر! وكم هو مؤلم ومخز أن تختل هذه النظرة عند بعض المنتسبين للإسلام، وينسوا هذا التاريخ البعيد والقريب لليهود فيطمعوا في صلح أو ميثاق، فمتى يفيق الذين في سكرتهم يعمهون؟.


لابد من رد القضية إلى خطها الأصيل فتصبح قضية قوية تتأبى على الوأد والاحتواء، لابد أن تعود القضية إلى امتدادها الإسلامي بكل آفاقه وأعماقه، ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون.


أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:


الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، لا يذل من والاه، ولا يعز من عاداه، ينصر من ينصره ويغضب لغضبه ويرضى لرضاه، أحمده سبحانه وأشكره حمدا وشكرا يملآن أرضه وسماه.


وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله وخيرته من خلقه ومصطفاه، السعيد المنصور من اقتفى أثره واتبع هداه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وكل من نصره والاه.


أما بعد: يا أهل القرآن، يا أصحاب سورة البقرة وآل عمران، يا قراء التوبة والأنفال، ويا مرتلي الصف والقتال، أحسِنوا التلقي عن كتاب ربكم، افهموا طبيعة يهود وأشياعهم فهْمَاً قرآنيا، وتعاملوا معهم تعاملا قرآنيا.


إنهم يحاربوننا باسم الدين، يحاربوننا باسم التوراة، وقد سموا دولتهم إسرائيل، وإسرائيل اسم نبي من أنبياء الله، فهو يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام، وهم يجمعون شتاتهم باسم التوراة، حتى المدن والأقاليم في فلسطين أطلقوا عليها أسماء دينية توراتية، فساسة اليهود وزعماؤهم -وإن كان أكثرهم علمانيين- لا يقيمون للدين وزنا، إلا انهم يعلمون تمام العلم أن قضيتهم لا يمكن أن تنجح أبداً إلا إذا أعلنوها باسم الدين واسم التوراة، فهل نقاتلهم نحن باسم الأرض والتراب؟ أي منطق هزيل هذا يمكن أن يقف أمام منطق أمة ترفع راية التوراة والدين في وجهنا؟!.


ماذا صنعت الوطنية الترابية والقومية العنصرية منذ أربعين سنة أو أكثر؟ ماذا صنعت في مواجهة الأمة اليهودية؟ لقد هزمت هزائم متكررة متتالية منذ أربعين سنة، أما نحن -الأمة الإسلامية اليوم- فإن معظم أعمالنا تفنى في اللهو واللعب والتجارات والمكاسب والمغانم والجري وراء أذناب البقر، ومع هذا فنحن ننتظر النصر من الله، كأن النصر حظوظ مرتجلة وليس سننا إلهية لا تتبدل.


متى نعلم أن الحرب مع اليهود حرب عقائدية ومريرة ومستمرة، ليس على الصعيد العسكري فقط حول المسجد الأقصى؛ ولكن على كل الأصعدة على الصعيد الفكري والثقافي والنفسي والإعلامي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، إنها حرب شاملة لها وجهان: وجه ظاهر معلن يتمثل في ذلك الاحتلال العسكري البغيض لأولى القبلتين، للمسجد الأقصى، وفي ذلك التهديد العسكري المستمر لديار المسلمين بالهجوم والاحتلال، هذا هو الوجه الظاهر المعلَن.


وهناك وجه آخر خفي أخبث وأخطر، إنه ذلك الغزو الناعم الذي تسلل إلى عقولنا وأفكارنا وحياتنا وبيوتنا ومجتمعاتنا باسم المدنية حينا، وباسم الحداثة والتحديث حينا، وباسم العصرنة والعصرية حينا.


لقد خططوا وقرروا قديما في مؤامراتهم أن يسيطروا على العالم بوسيلتين: بالسيطرة على المصارف المالية، وبنشر الإباحية في العالم؛ وها هم فعلا يسيطرون على معظم الدوائر المالية الاقتصادية في العالم، وينشرون الإباحية بواسطة وسائل الإعلام الخطيرة الفعالة السريعة المؤثرة ليدمروا الأخلاق؛ لأنهم يعلمون علم اليقين أن أي أمة ظلت متمسكة بدينها وبأخلاقها فلن تنجح مخططاتهم فيها؛ بل ستبقى تلك الأمة قائدة صامدة في وجوههم، وشوكة شائكة في حلوقهم.


لقد وصف الله تبارك وتعالى في كتابه مثل هذا المكر العجيب الغريب بقول: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) [إبراهيم:46].


إنها معركة حياة ومصير يتقرر بها وجود أو عدم وانتصار أو اندثار، أليس منحوتا في عملتهم "الشيكل" خارطة يهود المستقبلية من الفرات إلى النيل إلى بوابة المدينة المنورة؟ فالصراع صراع عقائد، والمعركة معركة مع أشد الناس عداوة للذين آمنوا، وكتاب ربنا لا يزال غضا كما نزل، ولا يزال قادرا على أن يجدد أمرنا كله.


فإذا عدنا إلى القرآن عاد اليهود بإذن الله إلى حجمهم الأصلي وذلتهم المضروبة عليهم، وينقطع بهم حبل الناس، ويبطل السحر والساحر، ويأتي وعد الحق، فلا ينفع اليهودي شيء، ولا يستره اتقاؤه خلف حصى، ولا يقيه حجر، ولا يحميه سلاح ولا شجر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله! إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود".


ومن البشائر التي يؤكدها القرآن أيضا أن التفرق والشتات والخلاف ماض فيهم إلى يوم القيامة، فيقول تعالى: (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا) [سورة الأعراف:168]، ويقول تعالى: (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) [المائدة: 64].


فهذه سنة ماضية من سنن الله في اليهود يعلمها مَن يقرأ تاريخهم قديماً وحديثاً، ودعونا نطوي صفحة الماضي حتى لا يظن أننا نتعلق دائماً بالماضي، ففي عصرنا الحاضر وفي دولة إسرائيل اليوم من التفرقة العنصرية بين اليهود الغربيين الذين يسمون(الأشكنازيم) وبين اليهود الشرقيين الذين يسمون(السفارديم) من العداوة والبغضاء والكره ما الله به عليم، وليست تلك عداوة عنصرية لاختلاف المواقع، لكنها طبع، وتحقيق لموعود الله فيهم.


وإليك هذا النص المؤكد لاستمرار عداوتهم، تقول يهودية روسية ذات ثقافة أكاديمية: صحيح أننا نكرههم -تقصد اليهود الغربيين- وصحيح أنهم يكرهوننا، إننا إسرائيليون وهم إسرائيليون، يبدو أن سوراً كبيراً يفصل بيننا، إننا نعيش في مستويات مختلفة، ومفاهيم مختلفة، إننا نتحدث بشكل آخر، ونفكر بشكل آخر، وينظر الواحد منا إلى الثاني بشكل آخر...


إن هذا لَأكثر من طائفتين مختلفتين، هذا بمثابة شعبين مختلفين، صدقني هذه عنصرية، إن ذلك ليس مسألة لون جلد، ولا مسألة البلد الأصلي، إن الذي يحدث ناجم عن الكراهة الثقافية، إنني أكرههم لأنني أتخوف من الانتقال ليلاً في تلك الشوارع التي يتجولون فيها، إنني أكرههم بسبب نظرتهم، بسبب كلماتهم البذيئة التي يطلقونها خلفنا، وبسبب جميع الأعمال الخسيسة التي يحاولون القيام بها ضدنا... إلى آخر مقالها الذي يعبر عن الكره بين طوائف اليهود، وصدق الله (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) [الحشر:14].


إذاً؛ فلا تظنوا أن يهود اليوم صف واحد وبنيان مرصوص، كلا! فبنيانهم أوهى من بيت العنكبوت: (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) [العنكبوت:41]، وما يخيل لبعض المسلمين اليوم من هيبة اليهود وقوتهم واجتماع كلمتهم إنما يبرز بسبب واقع المسلمين من الضعف والفرقة والشتات.


وسيُبصر المسلمون حقيقة الحال ويتأكدون من وصف القرآن إذا صلحت أحوالهم وعادوا إلى كتاب ربهم والتزموا شريعته، هناك يزول السراب الخادع، وتذهب الغشاوة عن العيون، ويأذن الله بنصر المسلمين، ويفر اليهود كما تفر الفئران من أرض المعركة، يحتمون بالقصور والحصون، غير قادرين على مواجهة المسلمين، وحينها يعلم المسلمون مصداق قوله تعالى: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ) [الحشر:14].


فيا لله! ما أعظم خطب القرآن! يخاطب المسلم في وجدانه وحسه وعصبه وفكره وجسده، حكم قرآني لا تشوبه شهوات ولا شبهات، حقائق اليقين من رب العالمين: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120]، (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217]، (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [المائدة:64]، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم:47]، (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات:173].


صدق الله العظيم، وبلَّغ رسوله الكريم، ونحن على ذلك من الشاهدين.


اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط، وادخلنا في حزبك المفلحين، وجندك الغالبين.

جديد المواد

تصميم وتطويركنون