المادة

الحج ودرس البناء والإعمار

167 | 22-10-2016

عناصر الخطبة

1/ تجلِّي الإيجابية والتعاون في خدمة الحجيج 2/ حاجة الوطن للتضحية والعطاء 3/ الناحية الإيجابية لتعدد الآراء 4/ ضرورة التوازن بين العمل والنقد 5/ النقد الإيجابي البنَّاء 6/ التحذير من مشروعات التفريق بين أبناء الوطن

*****

الحمد لله، أحمده سبحانه وأشكُرُه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله أتوب إليه وأستغفره، وأشهد أنّ محمّدًا رسول الله، صلَّى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.


أمَّا بعد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:5-6].


أيُّها المسلمون: انتهى موسم الحج، وانتهى أعظم الأيام، وربح من ربح، وغفل من غفل، وهكذا هي الدنيا، دار ابتلاء وامتحان وعمل، (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الملك:2]، نسأل الله أن يتقبل منا أجمعين، وأن يغفر لنا الغفلة والتقصير.


ونحمده -سبحانه- على انقضاء الحج بسلام وأمان، ولا شك أن هذا بفضل الله، ثم بفضل جهود كبيرة تُشهر وتُشكر، تكاتفت جهات رسمية، ومؤسسات خاصة وعامة، وسواعد شباب ومتطوعين؛ فكانت هذه الملحمة الرائعة من التنافس والتسابق لخدمة الحجيج، وتسهيل أمورهم، صورة مشرقة تتجلى فيها الإيجابية، والتعاون، والتماسك، وحب الخير، بين رجال وشباب هذا الوطن المبارك.


صورة تملأ نفوسنا بالتفاؤل لتغسل أدران الانشغال بالمهاترات الصحفية، والجدل العقيم، والصراع الفكري السلبي، أو الفكر الإرهابي التدميري، وغيرها، مما أشعل وأشغل الساحة سلباً، فلاشك أن مواجهة كل ذلك إنما يكون بالعمل الجاد، والبناء، ونفع الناس؛ فشتان بين منشغل بالقيل والقال، ومنشغل بالبناء والعطاء، رغم العوائق والتثبيط! شتان بين السلبية والإيجابية! شتان بين من جعل شغله الشاغل العمل والبناء، وبين من انشغل بالجدل والمراء!.


فمن أهم ما يميز الإسلام عن سائر الأديان أنه يفرق بين العلم الذي ينفع والذي لا ينفع، فاستعاذ -صلى الله عليه وسلم- من علم ينفع، كما سأل ربه العلم النافع الذي يرفع من شأن المجتمع ومكانته، ويجعله أساس الفوز في الدنيا والعقبى؛ كما أنه يحارب الجدل ولو بالحق إذا لم يكن سبباً للعمل والوصول للحق، ومن هذا قول قدوتنا-صلى الله عليه وسلم-: "أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِى وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِى أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ".


فتأملوا -معاشر المسلمين-! تأملوا -معاشر الشباب-! تأملوا كيف هو فضل الله وتوفيقه لعقول تخطط وترسم وتعمل لنفع الدين والناس، ومستقبل الوطن والمجتمع، فتُسابق بفعالية ونشاط، وتنافس وإخلاص؛ وأقرب مثال هو ما شاهدناه بأم أعيننا مما حصل في موسم حج هذه العام، من منافسة وتسابق لتيسير أمور الحجاج، وتسهيل نسكهم، والسعي في خدمتهم، بل والحرص على إرشادهم وهدايتهم.


وهكذا -معاشر المؤمنين- عندما تتكاتف العقول، وتصدق النوايا، وتتجرد النفوس من حظوظها؛ هكذا عندما يصح للمسلم تفكيره، ويسلم منهجه ومعتقدُه من دخَنٍ ودخَلٍ؛ رجال باذلون، وجنود ساهرون، وشباب متطوعون عاملون؛ لقد رأى الجميع الشباب وهم يرشدون التائهين، ويحملون العاجزين، ويطعمون الطعام، ويسقون الشراب.


رأينا الشباب من جنود، وأطباء، وكشافة، ومتطوعين، وهم يقفون ساعات طوال تحت أشعة الشمس لتنظيم السير، وتوجيه الناس، يطببون هذا، ويسعفون ذلك، يُكمل بعضهم بعضا، ويرسمون صورة جميلة عن دينهم ووطنهم، بتعاونهم، وتماسكهم، وعطائهم؛ إنه فضل الله يؤتيه من يشاء.


ومن ذا الذي يقف على هذه الصورة المشرقة لشبابنا فلا يغمره الفرح والسرور؟ إنها صورة معبرة مؤثرة تنادي الجميع في هذا الوطن أن البناء يحتاج لتضحية وعطاء، وأن هذا لن يكون إلا بوضع الكف بالكف، وحسن الظن، والإخلاص، والصدق من الجميع، مهما اختلفت الرؤى، وتعددت الأقوال، مادامت تسير بمسارها الصحيح، فالاختلاف يُنضج الرأي، ويُصدر القرار السليم، وهنا تكون الاختلافات الفكرية حواراً لا صراعاً، وبناء لا هدماً، هنا يكون تعدد الآراء ظاهرة صحية إيجابية؛ إلا أننا عندما ننظر للواقع وما يجري من اتهامات وتراشق وسوء ظنون، فإننا نشاهد صورة قاتمة لفئة أخرى من أبناء الوطن أقل ما يقال عنهم أنهم منشغلون ببعضهم، بمطارحة قضايا وأفكار تُفرق ولا تجمع، وتهدم ولا تبني، فأكثروا حولها الصراخ والضجيج، وفي حكم بعض الأمم: الضجيجُ العظيم تصدِرُه الأواني الفارغة! إنها حكمةٌ تجسِّد حقيقةَ ما يجري ممن يملأ ضجيجُهم الصفحات، وهم خلوٌ من العلم والفقه والبصيرة.


ومَن وسَّع الخياراتِ على نفسه كان أرشدَ وأصلح وأوفَق، فتوسيعُ المنافذِ والمخارج خيرٌ من طريقٍ واحِد ضيِّق يحمِل على اللّجاجة والغَضَب والتعصب، ويؤزُّ الشيطانُ فيه أزًّا، فيكون صاحِبُه مغلولَ اليدين إلاّ مِن رأيه وظنه؛ لكنهم، كما قال الحق عزَّ وجل: (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ) [أنبياء24]، فانقسموا فريقين: فريق انشغل بالتصنيف والتفسيق والتبديع بله التكفير، وفريق آخر انشغل بالوصم بالرجعية والظلامية والتخلف!.


سبحان الله! النقد البنَّاء والحوار الهادف مطلب مهما اختلفنا، لكن غياب التوازن بين العمل والنقد مرض خطير، ووسوسة تنخر في جسد المجتمع، ولو أردنا البحث عن نقطة التأخر في المسيرة التنموية الشاملة لوجدنا أنها جاءت حينما انشغلنا بالفكر السقيم، والجدال العقيم، والله تعالى يقول: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص:50].


أيها المؤمنون: إننا -بفضل الله- نعيش حياة رغد فكري وأمني واقتصادي، وما زالت مظاهِرُ الاستقامة والمحافَظة على الدين وشعائره هي العلامة البارزة في المجتمع، ونخشى إن استمر ذرّ قَرن الخلافِ والتناحر الفكريّ، وارتَفاع الغلوّ والتعصّب، وادَّعَاء الواحِد والفِئَة أنّه وحدَه صاحبُ الحقّ والرأي الصواب.


نخشى إن زادت وتيرة ارتفاع الأصوات بالاتهامات والمثالب، واستُهدِف العلماءُ والحكام، وقامت دولة الإشَاعَات في كلِّ وَسيلة وفي كلِّ منتدى وناد، نخشى إن استمر مسلسل تنقُّص أقوال العلماء والمجمعات الفقهية والشرعية، وأُوغِرَت الصدور على أهل العلم وولاةِ الأمور وأهلِ الصلاح، والوَقيعةُ في أهلِ العلم، ولا سيّما رموزهم وقياداتهم، واتُّهِموا بالسَّطحيّة، والْجَهل بالواقِع، والمداهَنَة، وبيع الدين بالدنيا؛ مما لا يجوز أن يتفوَّه به عاقل، فضلاً عن أن يعتقدَه مسلم ممن ينتسب إلى الثقافة والفكر والعلم، أن تسقط هيبة كلِّ ذي هيبة، ويتزعزع مفهومُ السّمع والطاعة، والولاءِ والبراء، وعندها تسري بِدَعُ التكفيرِ والتَّبدِيعِ والتفسِيقِ، بل والتكفير، ثم شيوع الْهَجر والتَّهاجُر، ثم كانتِ الفتنةُ والفُرقة، فِتنةٌ للجاهل والعَامّة، وفرقةٌ في الأمّة، وسُخرِيّة من العدوّ وأهل الفُجور؛ فتنةٌ قد تُستباح فيهَا الأعراضُ ولحومُ الناس ودماؤُهم. فهل نفكر في العواقِبِ والمآلات؟.


فالكلمات والمقالات أحياناً تكون أقوى من الطلقات، فلنحذر أن ندفع بعقول الناس -وخاصة الشباب- إلى أتونِ المهاترات، والجدل الفقهي والعقدي، ثم أتون الغلو والتكفير والتعصب، ثم أتون العنف والموتِ والقَتل والإرهابِ، عندها لا يسمَعون نصحَ ناصح، ولا يقبلون توجيهَ عالم، بل إنهم سيسفِّهون العلماءَ، ويشكِّكون في المخلصين، وستكون النتيجة الضعف في التدين الصحيح، ثم انحسار في الدعوة السليمة، ثم فشوّ التحزّب والتعصّب، فعندها يخسر المجتمع بأسره، ويفرح المتربصون بأمننا ووطننا، فيستغلون الأحوالَ والشتات سُلَّمًا وذرائع للنيل من الوطن وأهله ودِيارِه، ولا حول ولا قوّةَ إلاّ بالله العليِّ العظيم.


معاشر المسلمين! الهدمُ سهل، والتناحر إذا فتِح صعُب إيقافه، وإذا استُرخِصَت النفوسُ عمَّت الفوضى؛ أما البِناءُ فهو الصَّعب، وتربيةُ النفوس وإِصلاحها أصعَب، وهذا هو طريقُ المرسلين.


إنَّ التناحر الفكري والثقافي بهذا الشكل السلبي لا يبني بيتًا، ولا يعمر مسجدًا، ولا يفتَح مدرسةً، ولا يُعلّم جاهلاً، ولا يُرشِد ضالاًّ، ولا يُطعِم جائعًا، ولا يُعالج مريضًا. وحُسنُ النية وصلاحُ القصد إذا وجِد فإنّه لا يكفي وحدَه البتة، بل لا بدَّ أن يقتَرنَ به صحّة المنهج، وحسنُ العمل، وإيجابيَّةُ الأثر، وبخاصّة الأعمال المتعدّية التي تمسّ الأمّةَ والديار. أما تبادل الاتهامات، ونظرات الشك والريبة من الفريقين لبعضهم، فلن يكون له نهاية، والعِصمةُ ليست لأحدٍ مِن البَشر سوى أنبياء الله فيما يبلِّغون عن الله، والحقُّ ضالّة المؤمن، ومن ابتغى في الناس الكمال فقد طلب المحالَ، والخطأُ من ولاةِ الأمورِ وأهل العلم واردٌ وواقِع، ومَن أراد الحقَّ وتصويبَ الخطأ فليَبحَث عن ذلك بطريقِه، وليصَحِّح ولينصَح بأسلوبِ الحكمة، مَع حسن القصدِ، وحِفظ بيضةِ المسلمين، وهَيبةِ الأئمّة وأهلِ العلم.


واسمعوا هذا الكلامَ النفيس لشيخِ الإسلام محمّد بن عبد الوهّاب -رحمه الله-، وهو من هو في إمامتِه وقوَّته وصدقِه وجهاده، ومع ذلك يقول: إنّنا نرى بعضَ أمورٍ تجرِي، وننصَح إخواننا في هذا البابِ، إنَّ بعضَ أهل العلم ينكِر منكرا وهو مُصيبٌ، ولكنّه يخطئُ في تغليظِ الأمرِ إلى شَيءٍ يوجِبُ الفُرقَة. وقال -رحمه الله-: "الخللُ يدخُل على صاحبِ الدين من قلَّةِ الفهم. ويَقول في مقامٍ آخَر: إنَّ إنكار المنكر إذا صارَ يحصُل بسببه افتراقٌ لم يجُز إنكارُه، فاللهَ اللهَ! العملَ بما ذكرنا! والتفقّه فيه! فإنكم -إن لم تفعَلوا- صار إنكارُكم مضرّةً على الدّين، والمسلِمُ لا يسعَى إلاّ في صلاحِ دينه ودنياه" انتهى كلامه رحمه الله.


وقد اجتمَعَ الفقهاء عند الإمامِ أحمد -رحمه الله- حين اشتدَّت فتنةُ القولِ بخَلق القرآن، وقالوا له: إنَّ الأمرَ قد تفاقَمَ وفشَا، فَحاوَرَهم وناظَرَهم ثمّ قال: "عَليكُم الإنكارُ في قلوبِكم، لا تخلَعوا يدًا من طاعة، ولا تشقّوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءَكم ودماء المسلمين معكم، وانظُروا في عاقبة أمرِكم، واصبروا حتى يستريح بَرٌّ، ويُستراح من فاجِر"، رحمه الله من إمامٍ فقيهٍ بصيرٍ ناصح.


عبادَ الله! إنَّ المؤمنَ الذي ينشد صلاح المجتمع، ومعالجة الأخطاء، يُنصِف من نفسِه، ويتأمَّل في كِتابِ الله، وما صحَّ مِن سنّة رَسول الله، ويقف عند حدِّه، ويخشى العاقبةَ على نفسِه وعلى أمّته؛ أمّا من غلبه الهوى والجهلُ، وأُعجِب برأيه، وانحازَ إلى فئةِ الأغرار، فلاَ حيلةَ فيه، (وَمَنْ يُرِدْ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) [المائدة:41].


ألا فاتقوا الله رحِمَكم الله، واسمعوا وأطيعوا، وتعاونوا لما فيه نهضة وطنكم ونفع مجتمعكم، واحفظوا الأمانة التي تحملتموها؛ أمن مجتمعكم الفكري والعقدي، يحفظ الله عليكم أمنكم. (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام:82]، ولن يسلم- والله!- من الفتن إلاّ مَن راقبَ الله في سرِّه وعلانيته، ووقف عند أقواله وأفعاله، وحرَكاته وسكناتِه، ونظر في عاقبة أمره ومآله، وراجع أهلَ العلم والحكمة والبصائر والمعرفة، أصحابَ الأقدام الراسخة في الفهم والنظر؛ وأما من انتصر لنفسه وهواه على حساب مجتمعه وأهله ودينه، فاعلَموا أنه مِنفاخُ سوء، يُبدي لكم ما تخفِي كيره، ويُلبِّس عليكم دينَكم.


فاعرِفوا نِعَمَ الله علينا وعليكم في الأمن والإيمان، واجتماعِ الكلمة، ووحدَة الدّين والدولةِ، فإنَّ النعم إذا شُكِرَت زادت وقرَّت، وإذا كُفِرت وجُحِدَت وبُطِرَت زالت وفرَّت، وعليكم بالنَّظر الصادِق والناصِح المخلِص فيما يَصلح به أمرُ مجتمعكم، ويجمع كلمتكم، ويسدّ بابَ الفِتنة، ويردمُ سبيل الفُرقة؛ نصحًا لله، ولكتابه، ولرسولِه، ولأئمّة المسلمين وعامّتهم؛ فليس لهذه المسالك -والله- إلا غاية وخيمةٌ، وعاقبة ذميمة! ولله عاقبة الأمور.


ووالله! ما خرَج من خرَج عن جادّةِ الحقّ والوسَط، جادّةِ المسلمين، في علمائِهم وولاتهم، إلاّ سلَك أحدَ طريقين: إمّا الجفاء والإعراض، وإما الغلو والتنطّع؛ وهذه من مصائدِ الشيطان ومكائدِه، وقد قال الله: (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) [المائدة: 77].


ومن يتأمّل في أوضاع الأمة هذه الأيام، وما تعيشُه في بعضِ أقطارِها من الهرج والمرجِ والخِلافِ، بل التقتيل والتشريد، يُدرك أنَّ هناك مشروعاتٍ للفتن بين أبناء البلد الواحد على كلِّ المستويات والأقطار، وكأنهم يريدون أن لا تبقى ديارُ الإسلامِ مُستقِرَّة مطمئنّة آمنةً متَّحِدة. إنها فِتنٌ يُراد نَشرُها في كلِّ قطر وإقليم.


ومِنَ المؤسِف حقًّا أنَّ الناسَ والدوَلَ قليلاً ما تتعلَّم من دروس الماضي وعِبَر التاريخ، القريبِ منه والبعيد، ولو كان هناك استفادةٌ ونظَر، وصِدق وحبّ وإخلاص، ناهيكم أن يكونَ هناك دينٌ حاجز، وعقل مانع، لو كان ذلك كذلك لما رأيتَ مَن يندفع بجهالةٍ في الاشتراكِ في هذه الفتنِ، وإشعالِها وإشغال أهل مجتمعه ووطنه بها.


ثم اعلموا أن مِن أعظم أسبابِ السعادة والفلاح في المعاشِ والمعاد الانتظامَ في سِلك أهل الحق والرشاد وجماعةِ المسلمين، وأعظمُ أسباب السلامة البعدُ عن سبُل الغيّ والفساد وطريق الضالين، واقتباس نورِ الهدى من محلِّه، والتماس العلم النافع من حمَلَته وأهلِه، إنهم أهلُ العِلم والدّين والإيمان، الذين بذلوا أنفسَهم في طلب الحق وهداية الخلق، حتى صاروا شهودًا لهم في الهداية والعدل، وصانوا أنفسَهم عن صفات أهلِ الضلال والغي.


نسأل الله أن يرزقنا علمًا نافعاً يهدينا للحق، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، نفعني الله وإيَّاكم بالقُرآنِ العظيم، وبهَدي محمّد -صلى الله عليه وسلم-، وأستغفِر الله لي ولكم ولِسائر المسلِمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغَفور الرَّحيم .

*******

جديد المواد

تصميم وتطويركنون