المادة

من شبهات أصحاب التوسل الممنوع - الشبهة السابعة

192 | 27-05-2015

حديث الضرير وهو ما روي عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه : أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ادع الله أن يعافيني . فقال : " إن شئت دعوت لك وإن شئت أخرت ذاك فهو خـير" وفي رواية "وإن شئت صبرت فهو خـير لك " ، فقال : ادعه : فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعـو بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي اللهم فشفعه في) قال : ففعل الرجل فبرأ وقد استدل به السبكـي ، والزهاوي ، وأحمد دحلان على جـواز التوسل بالذات أو الجاه .
وجه استدلالهم : قالوا الحديث يدل على جواز التوسل بذات أو جاه النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الصالحين ، إذ فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الأعمى أن يتوسل به في دعائه . حيث أمره أن يدعو بهذا الدعاء ( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك ) وقد فعل الأعمى ذلك فبرأ .
يقـول الزهاوي : بعد أن ساق هذا الحديث : ( فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الضرير أن يناديه ويتوسل به إلى الله في قضـاء حاجـته ) ويقـول أحمـد دحـلان : ( ومـن الأحـاديث الصحيحة التي جـاء التصريح فيها بالتوسل ما رواه الترمذي ، ثم ساق الحديث ، وقال : ففي هذا الحديث التوسل والنداء أيضا ) .
الجواب : يقال لهم استدلالكم بهذا الحديث على جواز التوسل بذات أو جاه النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره استدلال خاطئ فالحديث إنمـا يدل على مشروعية التوسل بدعاء الصالح الحي لا غير وذلك لما يلي :
1 - أن الأعمى إنما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو له بدليل قوله : (
ادع الله أن يعافيني) ولو كان قصده التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم أو جاهه لما احتاج منه المجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل ممكـن أن يتوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو جاهه وهو في بيته أو في أي مكـان ، فمجيئه وطلبه من الرسول أن يدعو له دليل واضح على أنه إنما توسل بدعائه صلى الله عليه وسلم .
2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم خيره بـين الدعاء وبين أن يصبر مـع بيان فضيلة الصبر ونصحه به حيث قال : (
إن شئت دعوت لك وإن شئت صبرت فهو خير لك) .
3 - إصرار الأعمى على الدعاء بقوله: ادعه ، فهذا يدل على أنه اختار الدعاء ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا لـه ؛ لأنه وعده بقوله : إن شئت دعوت لك وقد شاء الدعاء وأصر عليه فإذا لا بد أنه صلى الله عليه وسلم قد دعا له فهو خير من وفـى بما وعد ، ولحرصه صلى الله عليه وسلم على أن يستجيب الله دعاء له وجهه إلى عمل صالح يقدمه بين يدي دعائه صلى الله عليه وسلم ليكون أحرى بالقبول حيث أمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يدعو لنفسه بدعاء علمه الرسول صلى الله عليه وسلم إياه .
4 - ورد في الدعاء الـذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم إيـاه اللهم فشفعه في وهذا صريح في أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا له وأن توسله إنما كان بدعائه ، فهو يدعو أن يقبل الله دعاء نبيه له فقوله " اللهم فشفعه في " معناه : اللهم اقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم - أي اقبل دعائه - في أن ترد علي بصري ، ولو كان توسل بذاته أو جاهه لم يكـن لهذا فائدة ولا معنى في الحديث ، وهذا مردود كذلك ما يستلزمه . قال شيخ الإسلام بعد أن ذكر الحديث : ( فهذا توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته ، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال : "وشفعه" فسأل الله أن يقبل شفاعة رسوله فيه وهو دعاؤه )
5 - أن هذا الحديث قد ذكره العلماء في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه المستجاب مما يدل على أن التوسل فيه توسل بالدعاء ، وأن السر في شفاء الأعمى إنما هو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( فإنه صلى الله عليه وسلم ببركة دعائه لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره ) أما ما تضمنه الدعاء من قولـه : " أسألك بنبيك " فالمراد بدعاء نبيك بدليل طلبه من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو له وبدليل قوله في دعائه " اللهم فشفعه في " فهذا يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم سيدعو له فهو دعـاء في أن يقبل الله دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له- كما تقدم بيانه آنفا .
أضـف إلى ذلك أن التوسل بالشـخص في مفهوم الصـحابة وعرفهم إنمـا هو طلب الدعاء منه حال حياته ، أما التوسل بالجاه أو الـذات فهـم لا يقرونه ؛ لأنه من مفاهيم الجاهلية التي بعث صلى الله عليه وسلم لأجل القضاء عليها ، وعليه فالحديث إنما يدل على التوسل بالدعاء لا بالجاه أو الذات كما يزعمون .
قال شيخ الإسلام : ( وحديث الأعمى لا حجة لهم فيه فإنه صـريح في أنـه إنمـا توسـل بدعـاء النبي صـلى الله عـليه وسـلم وشفاعته ) .

تصميم وتطويركنون