المادة

من شبهات أصحاب التوسل الممنوع - الشبهة الثالثة

216 | 27-05-2015

الشبهة الثالثة : قولـه تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)
يقـول الزهاوي - بعد أن ذكـر هذه الآية مستدلا بها : (فقد علق الله تعالى قبول استغفارهم باستغفاره عليه الصلاة والسلام وفي ذلك صريح دلالة على جواز التوسل به صلى الله عليه وسلم) .
الجواب : يقال لهم : استدلالكم خاطئ ، فالآية إنما ترشد إلى توسل مشروع وهو التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم حال حياته .
يدل على ذلك ما يلي :
أولا : قولـه : (
جَاءُوكَ) فـإن المجـيء إلى الرجل ليس معناه إلا المجيء إلى عـين الرجل ، أما المجيء إلى قبره فإنه ليس من أفراد المجيء إلى الرجل لا لغة ولا شرعا ولا عرفا ، ولا يفهم من هذا اللفظ - بحسب اللغة والعرف- إلا المجيء إليه في حياته الدنيوية المعهودة ، ولذا لم يفهم من هذه الآية أحد من السلف والخلف إلا المجيء إليه في حياته ليستغفر لهم
ثانيا : قوله : (
وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) .
واستغفاره صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا في حياته ذلك أن الاستغفار كغيره من الأعمال ينقطع بعد الموت لانقطاع التكليف عنه قال صلى الله عليه وسلم : (
إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) . ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم يشمله الحديث لأنه من الإنسان .
ثالثا : أنه لو كـان استغفاره صلى الله عليه وسلم لمن جاءه مستغفرا بعد موته مشروعا لأمر به أمته ورغبهم فيه ولكان الصحابة وتابعوهم بإحسان أرغب شـيء فيه وأسبق إليه ، فهم أحرص هذه الأمة على الالتزام بأمر الله سبحانه وأشدهم تعظيما لنبيها ومعرفة لقدرته ، ولكـن شيئا من ذلك لم يحصل إذ لم ينقل عن أحد منهم قـط بنوع من أنواع الأسانيد أنه جاء إلى قبره ليستغفر له ولا شكا إليه ولا سأله ، كل ذلك يؤكد أنها خاصة في حياته .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ومنهم من يتأول قوله تعالى : (
وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) . ويقولون : إذا طلبنا منه الاستغفار بعد موته كنا بمنزلة الذين طلبوا الاستغفار من الصحابة ويخالفون بذلك إجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر المسلمين فإن أحدا منهم لم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته أن يشفع له ولا سأله شيئا ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين في كتبهم) .
وقـال الشيخ ابن سعدي في تفسير هذه الآية : ( وهذا المجـيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مختص بحياته؛ لأن السياق يدل على ذلك لكون الاستغفار من الرسول لا يكون إلا في حياته ، وأما بعد موته فإنه لا يطلب منه شيء بل ذلك شرك) وقال ابن عبد الهادي الحنبلي : ( وأما دلالتها على المجيء إليه في قـبره بعد موته فقد عرف بطلانه ) .
ممـا ذكـر اتضح أن الآية لا تدل على المجيء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وطلب الاستغفار والشفاعة منه أو التوسل بذاته وإنما تـدل على توسل مشروع وهو التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم حال حياته .

المصدر:

التوسل المشروع والممنوع لعواد بن عبدالله المعتق.

تصميم وتطويركنون