المادة

احتجاجهم بحديث رواه الطبراني في (المعجم الكبير)

109 | 27-05-2015

قال الشيخ سليمان بن عبدالله رحمه الله:

(واحتجوا أيضاً بحديث رواه الطبراني في (المعجم الكبير) فقال: حدثنا طاهر بن عيسى بن قيرس المصري، ثنا أصبغ بن الفرج، ثنا ابن وهب عن أبي سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المديني عن أبي أمامة بن سهل بن حَنِيف: أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته، فلقي ابن حنيف فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصلِّ فيه ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك ليقضي لي حاجتي...الحديث).

والجواب من وجوه:

الأول: أن رواية طاهر بن عيسى ممن لا يعرف بالعدالة بل هو مجهول، قال الذهبي: طاهر بن عيسى بن قيرس أبوالحسين المصري المؤدب عن سعيد بن أبي مريم، ويحيى بن بكير، وأصبغ بن الفرج. وعنه الطبراني. توفي سنة اثنتين وتسعين ومائتين، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، فهو إذاً مجهول الحال لا يجوز الاحتجاج بخبره، لا سيما فيما يخالف نصوص الكتاب والسنة.

الثاني: قوله: عن أبي سعيد المكي أشد جهالة من الأول، فإن مشايخ ابن وهب المكيين معروفون كداود بن عبدالرحمن، وزمعة بن صالح، وابن عيينة، وطلحة بن عمرو الحضرمي، وابن جريج، وعمر بن قيس، ومسلم بن خالد الزنجي، وليس فيهم من يكنى أبا سعيد، فتبين أنه مجهول.

الثالث: إن قلنا بتقدير ثبوته فليس فيه دليل على دعاء الميت والغائب، غاية ما فيه أنه توجه به في دعائه، فأين هذا من دعاء الميت؟ فإن التوجه بالمخلوق سؤال به لا سؤال منه، والكلام إنما هو في سؤال المخلوق نفسه ودعائه والاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا الله، وكل أحد يفرق بين سؤال الشخص، وبين السؤال، فإنه في السؤال به قد أخلص الدعاء لله، ولكن توجه على الله بذاته أو بدعائه، وأما في سؤاله نفسه ما لا يقدر عليه إلا الله، فقد جعله شريكاً لله في عبادة الدعاء، فليس في حديث الأعمى، وحديث ابن حنيف هذا إلا إخلاص الدعاء لله كما هو صريح فيه، إلا قوله: يا محمد إني أتوجه بك، وهذا ليس فيه المخاطبة لميت فيما لا يقدر عليه، إنما فيه مخاطبته مستحضراً له في ذهنه كما يقول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.

الرابع: أنهم زعموا أنه دليل على دعاء كل غائب وميت من الصالحين، فخرجوا عما فهموه من الحديث بفهمهم الفاسد إلى أنه دليل على دعاء كل غائب وميت صالح، ولا دليل فيه أصلاً على دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته، ولا في حياته فيما لا يقدر عليه إلا الله، ثم لو كان فيه دليل على ذلك لم يكن فيه دليل على دعاء الغائب والميت مطلقاً، لأن هذا قياس مع وجود الفارق، وهو باطل بالإجماع، إذ ما ثبت للنبي صلى الله عليه وسلم من الفضائل والكرامات لا يساويه فيه أحد، فلا يجوز قياس غيره عليه.

وأيضاً فالقياس إنما يجوز للحاجة ولا حاجة إلى قياس غيره عليه، فبطل قياسهم بنفس مذهبهم.

هذا غاية ما احتجوا به مما هو موجود في بعض الكتب المعروفة، وما سوى هذه الأحاديث الثلاثة فهو مما وضعوه بأنفسهم، كقولهم: إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور.

وقولهم: لو حسَّن أحدكم ظنه بحجر لنفعه.

قال ابن القيم: وهو من وضع المشركين عباد الأوثان.)


المصدر: [كشف الشبهات - عناية محمد بن عبدالله الهبدان ص 79-81]

تصميم وتطويركنون