المادة

أحد كبار التابعين، وعلم بارز من أعلام المسلمين، كان فقيهًا عالمًا، وعابدًا تقيًّا ورعًا، عرف بفصاحة اللسان، وروعة البيان، والحكمة، والزهد، وغزارة العلم، إنه التابعى الجليل شيخ أهل البصرة "أبو سعيد الحسن بن أبى الحسن بن يسار البصري" .

§ مولده ونشأته :
ولد "الحسن البصري" بالمدينة المنورة فى خلافة أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" – رضى الله عنه – سنة (21 ﻫ) الموافق (642 م)، لأبوين من الرقيق، وكان أبوه قد وقع فى أسر المسلمين عند فتح منطقة "ميسان" الواقعة بين "البصرة" و "واسط" بأرض "العراق"، فأسلم، وسكن "المدينة"، وتزوج من جارية تسمى "خيرة"، وكانت مولاة لأم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد أعتقتها أم المؤمنين – رضى الله عنها – بعد أن ولدت "خيرة" ولدها "الحسن". نشأ "الحسن" مع أسرته فى "وادى القرى" بالقرب من "المدينة المنورة"،

واستطاع أن يحفظ القرآن الكريم قبل أن يبلغ الرابعة عشرة من عمره، كما تعلم القراءة والكتابة والحساب، وسمع كثيرًا من أقوال الصحابة – رضى الله عنهم – وكان يسمع أمير المؤمنين "عثمان بن عفان"، وهو يخطب "الجمعة"، وكان عمر "الحسن" – يومئذٍ - أربع عشرة سنة .


§ الذهاب إلى البصرة وطلب العلم :

انتقل "الحسن" إلى مدينة "البصرة" بالعراق عام (36 ﻫ) الموافق (656 م)، وكان عمره – حينئذٍ- نحو (15) عامًا، وبدأ يتلقى العلم من فقه وحديث ولغة على عدد كبير من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -الموجودين بالبصرة، كما قرأ القرآن الكريم على "حطان بن عبد الله الرقاشي"، وأخذ طريقة الوعظ والتذكير والقص (حكاية القصص) عن الشاعر "ابن سريع التميمي"، وقد أعجب "الحسن" بالوعظ والقص فاتخذ لنفسه مكانًا فى مسجد "البصرة" ليعلم الناس فيه، وكان كثير من رواة القصص - فى ذلك الوقت - قد ابتعدوا عن النهج السليم فى القص، وجنحوا إلى المبالغة والتهويل، فمُنِعوا – جميعًا- من القص فى "جامع البصرة" إلا "الحسن البصري"؛ فقد كان يتكلم فى أحوال الآخرة والتذكير بالموت، والتنبيه على عيوب النفس وكيفية علاجها بما تعلمه من كتاب الله – عز وجل – وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وصحابته الكرام – رضوان الله عليهم أجمعين .

§ مجلسه :
كانت للحسن البصري حلقة علم كبيرة فى جامع "البصرة"، يعلم الناس فيها الحديث النبوي الشريف، والفقه، والقرآن، واللغة، والبلاغة، كما كانت له حلقة علم خاصة فى منزله، يعلم الناس فيها الزهد والرقائق .

وقد كان "الحسن" من أفقه الناس، وأعلمهم بالحلال والحرام، كما كان تقيًّا ورعًا محبًّا لدين الله – عز وجل – منتهجًا صراطه المستقيم فى جميع أموره، آخذًا على عاتقه مسئولية إرشاد الناس ونصحهم، وإنقاذ المجتمع من حوله مما أخذ ينتشر بينهم من انحرافات وابتعاد عن دين الله، فقد كان"الحسن البصري" على عقيدة سلف الأمة الصالح، تتلمذ عليهم، وسعد بصحبتهم، وتأثر بهم، وانتهج منهجهم، واهتدى بهديهم .

§ قاضى البصرة :

كان "الحسن البصري" كثير النصح للحكام والأمراء لا يخشى فى الله لومة لائم، وقد علت شهرته وزادت كثيرًا فى أواخر زمن الخليفة الأموي "معاوية بن أبى سفيان"، وقد عاصر "الحسن" "الحجاج بن يوسف الثقفي" حاكم "العراق"، وكان "الحسن البصري" شديد الإنكار لسياسة "الحجاج" القاسية فى الحكم .

وكان "الحسن البصري" من المقربين إلى الخليفة الأموي الراشد "عمر بن عبد العزيز"، وكان – رضى الله عنه – يحبه كثيرًا، ويستشيره فى بعض أمور الحكم، وقد تولى "الحسن" منصب القضاء بالبصرة سنة (102ﻫ) الموافق (720 م) وكان لا يأخذ على منصبه هذا أجرًا .

§ شخصية الإمام ووصفه :

كان الإمام "الحسن البصري" – رحمه الله – عالمًا فذًّا، واسع المعرفة، فصيحًا، بليغًا، عابدًا، تقيًّا، كثير الصيام، زاهدًا، ورعًا، إذا قرأ القرآن يبكى حتى ينحدر الدمع على لحيته، وكان شجاعًا كثير الجهاد فى سبيل الله، وقد كان "المهلب بن أبى صفرة" إذا قاتل المشركين قدم الإمام "الحسن البصري" فى الصفوف الأولى من الجيش، وكان – رحمه الله – موضع إعجاب وتقدير كثير من علماء عصره، فقال "أبو بردة"، عنه : "ما رأيت رجلاً قط لم يصحب النبي -صلى الله عليه و سلم-، أشبه بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -من هذا الشيخ" .

وقال عنه "أبو قتادة العدوي" : "عليكم بهذا الشيخ، فإني والله ما رأيت رجلاً قط أشبه رأيًا بعمر بن الخطاب منه"، وقال عنه أيضًا : "كان الحسن البصري من أعلم الناس بالحلال والحرام" .

وقال "حميد" و"يونس بن عبيد":"ما رأينا أحدًا أكمل مروءة من الحسن البصري".

وقالا- أيضًا- : "قد رأينا الفقهاء فما رأينا منهم أجمع من الحسن البصري ".

وقال "عوف"، "ما رأيت رجلاً أعلم بطريق الجنة من الحسن البصري " .

§ من أقوال "الحسن البصري" :

كان "الحسن البصري" حكيمًا فصيحًا بليغًا يتكلم كلامًا كأنه الدر، ومن أقواله التى أثرت عنه أنه قال : "ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم، ذهب بعضك"

وقال "يا ابن آدم لا ترضِ أحدًا بسخط الله، ولا تطيعن أحدًا فى معصية الله، ولا تحمدن أحدًا على فضل الله، ولا تلومن أحدًا فيما لم يؤتك الله، إن الله خلق الخلق والخلائق فمضوا على ما خلقهم عليه، فمن كان يظن أنه مزداد بحرصه فى رزقه فليزدد بحرصه فى عمره، أو يغير لونه أو يزيد فى أركانه أو بنانه" .

وقال : "ما أعز أحد الدرهم إلا أذله الله" .

§ وفاته :

توفى "الحسن البصري" ليلة "الجمعة" أول شهر "رجب" عام (110 ﻫ) الموافق عام (728م)، وشهد جنازته خلق كثير، وقد أوصى "الحسن" عند موته أن يكتب فى وصيته : "اكتب هذا ما يشهد به "الحسن بن أبى الحسن" ، يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، من شهد بها صادقًا عند موته دخل الجنة" .

§ الحسن البصري فى سطور :

- ولد "الحسن البصري" فى "المدينة المنورة" عام (21ﻫ = 642 م)، لأبوين من الرقيق .

- أسلم والده، وسكن "المدينة المنورة"، وتزوج من جارية تسمى "خيرة"، وأنجب منها ولده "الحسن" .

- نشأ "الحسن" فى "وادى القرى" بالقرب من "المدينة"، وحفظ القرآن الكريم قبل أن يبلغ الرابعة عشرة من عمره .

- انتقل إلى مدينة "البصرة" بالعراق عام (36 ﻫ = 656 م)، وبدأ يتلقى العلم على عدد كبير من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بالبصرة .

- كان له فى بداية حياته مكان فى مسجد البصرة، يعظ الناس فيه ويذكرهم عن طريق حكى القصص .

- أصبحت له حلقة درس كبيرة فى جامع "البصرة" يعلم فيها الحديث، والقرآن، واللغة، والفقه .... وغيرها من العلوم .

- تولى منصب القضاء فى "البصرة" عام (102 ﻫ = 720 م) .

- توفى "الحسن البصري" ليلة "الجمعة" أول شهر رجب عام (110 ﻫ = 728م).


عناصر المادة

روابط ذات صلة
المادة السابق
المواد المتشابهة المادة التالي

تصميم وتطويركنون