المادة

حديث الصالحين

415 | 11-02-2014

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ

إنَّ الحمدَ لله، أحمدُه تعالى وأستعينه وأستغفره، وأعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله.

اللهم صلِّ على محمَّد وعلى آلِ محمَّد، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيد. اللهم بارك على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّد، كما باركت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيد.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كثيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].

أمَّا بعد،

فإنَّ أصدق الحديث كلامُ الله تعالى، وإنَّ خير الهدي هديُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وآله وسلم، وإنَّ شرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار. ثمَّ أمَّا بعد،

فإخوتي في الله ،،،

والذي فلق الحبَّة وبرأ النَّسمة إنِّي أحبُّكم في الله، وأسأل الله جلَّ جلاله أن يجمعنا بهذا الحب في ظلِّ عرشه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه. اللهمَّ اجعل عملَنا كلَّه صالحًا، ولوجهك خالصًا، ولا تجعل فيه لأحدٍ غيرِك شيئًا.

أحبَّتي في الله ،،،

كيف حالكم مع الله؟.. كيف حال قلوبكم مع الله؟.. هل لازلتَ حتى الآن لم تستطع الإجابة عن هذا السؤال؟.. حال قلبك مع الله.. أتُرى إذا نظر الله إلى قلبك الآن فماذا يرى؟! (اللهم استرنا، اللهم أصلِح قلوبَنا).

أيُّها الرَّبانيون ،،،

عن أبي عنبة الخولاني قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلم: "إنَّ للهِ آنيةً من أهلِ الأرضِ، وآنيةُ ربِّكم قلوبُ عبادِه الصالحين، وأحبُّها إليه أليَنُها وأرَقُّها" [إسناده قوي - السلسلة الصحيحة: 1691].

وفي رواية لأبي نعيم في الحلية -حلية الأولياء- قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: "إنَّ للَّهِ في الأرضِ آنيَةٌ، وأحبُّ آنيةِ اللَّهِ إليهِ ما رقَّ مِنها وصفا، وآنيةُ اللَّهِ في الأرضِ قلوبُ العبادِ الصَّالحينَ" [غريب من حديث ثور - حلية الأولياء: 1026].

وقبل أن نشرح، يأتي هنا سؤال؛

لماذا اخترنا هذا الحديث أول حديثٍ في الأربعين الربانية؟

أولاً: لإيجاد عباد الله الصالحين

هذا هو الهدف من الدعوة الربَّانية؛ إيجاد عباد الله الصالحين (اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين). الهدف مِن هذه المدرسة -المدرسة الربانية- إيجادُ عبادِ الله الصالحين، صناعةُ عباد الله الصالحين.. هذا هو الهدف.

وأريد أن أقول لك: هل أنت مِن عباد الله الصالحين؟؟؟

الإمام الشافعي قال: "أحبُّ الصالحين ولستُ منهم"، الإمام بن القيم قال: "واللهِ ما شمَمنا لهم رائحة".. ما هذا الكلام! هذا لا يجعلك تيأس، ولكن الذين هم مِن عباد الله الصالحين لا يقولون أبدًا أنَّهم مِن عباد الله الصالحين، ولا يرون أنَّهم منهم. سيدنا عمر كان يسأل: " هل أنا مِن المنافقين؟"!

مرة أخرى.. لماذا هذا هو أول حديث؟

لأنَّ هذا هو الهدف (صناعة الشخصيَّة الرَّبانية النسَّاكة المتألِّهة بعِلْم)، الذين هم عباد الله الصالحين.

لماذا؟..

لأنَّ هذا هو النموذج المطلوب.. الصَّالحون!

ثانيُا: لإنقاذ هذه الأمَّة

يحزن القلب عندما نسمع عن أحوال الأمة، ليس أحوال الاتحادية وميدان التحرير ومحمد محمود، لا.. لا.. لا... لكن أحوال المعاصي في الأمة؛ أحوال البنات العارية في الشوارع، أحوال الشباب الذين يضيعون الصلاة، أحوال (البانجو) الذي يملأ الشوارع، أحوال (الترامادول) وتناول الناس والسائقين له ليل نهار، وغيرهم.

حتى الملتزمين لو تفقدت حالهم، ستجد بعضهم لم ينظر في المصحف منذ رمضان، وآخر يصلِّي الفجر كلَّ شهرٍ مرةً أو مرتيْن، وآخر ينظر إلى النساء، وعلى الإنترنت مصائبه كثيرة، وآخر غرقان في هموم الديون والزواج... إلخ. أهذه أمَّةٌ تُنصَر؟ أهذه أمَّةٌ تُمكَّن؟!

من أجل ذلك، نحتاج إلى إيجاد عباد الله الصالحين بكَثرة؛ ".. قيل: يا رسولَ اللهِ ‍ أنهلِكُ و فينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا ظهَر الخَبَثُ" [صحيح- صحيح الجامع: 8156].

فهذا هو أول حديث في الأربعين الربانية، لأنَّ الهدف إيجاد هؤلاء الصالحين، الهدف كتلة قلوبٍ تحكمها قِيَم، فالهدف إيجاد قلب!

الملمَح الرَّبانيُّ في هذا الحديث:

إيجادُ قلوبٍ لينةٍ ورقيقةٍ تكون آنيةً للرَّب.

قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلم: "إنَّ للهِ آنيةً من أهلِ الأرضِ، وآنيةُ ربِّكم قلوبُ عبادِه الصالحين، وأحبُّها إليه أليَنُها وأرَقُّها"، هل قلبُك هكذا؟.. هل قلبُك هذا ليِّنٌ ورقيق؟!

الملمح الذي يدهشني، كلمة (آنية).. أن يكون قلبُك إناء.. إناء.. كيف أفعلها؟

كيف يكون قلبُك إناءً للرَّب؟

أولاً: الاستشراف لهذه المنزلة

ارفع يديك، وقُل: (أنا يا رب، يا ربِّ أنا أتمنَّاها، لا تحرمني.. يا ربِّ أنا أعرف أنِّي لا أستحق، ولكنَّك كريم.. يا ربِّ أنا أعرف أنَّني لا أستحق، لكنَّك قادرٌ أن تُصلحَني وتجعلَني صالحًا...). قم في جوف الليل.. في الثلث الأخير، وقل: (يا رب، أنت تنزل في هذه الساعة فتقول هل مِن مستغفرٍ فأغفر له، وأنا.. أنا مستغفر، اغفِر لي. يا رب، أنت تقول هل من تائبٍ فأتوب عليه، أنا.. أنا.. أنا تائب، تُب عليَّ وتقبَّل توبتي. يا رب، أنت تقول هل من سائلٍ فأعطيه، أنا سائلٌ على بابِك أعطِني، لا تطردْني، اخترني في عبادك الصَّالحين...). قُل له: (أنا.. أنا أريد أن أكون منهم)، قُل له: (أنا أتمنَّى أن أكون منهم)، قُل له: (أنا أموت وأكون منهم)... إنْ رأى اللهُ هذا مِن قلبِك، سيجعلك منهم.

وكل الأنبياء تمنَّوها؛ سيدنا إبراهيم عليه السلام قال: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [الشعراء: 83].. ضُمَّني إليهم يا رب. فهذه المنزلة أوَّلُها اجتباء.. اصطفاء، فمن يصطفيه الله يؤهلهُه ويضبط أحوالَه حتى يكون من الصالحين، قال الله عن سيدنا يونس: {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القلم: 50]

سيدنا يحيى عليه السلام؛ {... أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 39].

سيدنا عيسى؛ {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 46].

إسحاق ويعقوب؛ {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 112]، قال سبحانه: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ} [الأنبياء: 72].

سيدنا يونس؛ {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القلم: 50].

سيدنا سليمان؛ {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19].

قال الله: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ. وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء: 85-86].

لوط؛ {وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ. وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء: 74-75].

سيدنا يوسف؛ {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101].

قال الله عن الأنبياء: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ} [الأنعام: 84-85].

الأنبياء أنفسُهم تشوَّفوا لأن يكونوا من الصالحين، فهي منزلة عالية، فطلبوها، ودعوا بها، لذلك أصلُها الاجتباء. يقول العلماء: "إنَّ أصل هذه المنزلة وهبي، وتمامها كَسبي" يعني ربنا يختار شخصًا ليكون مِن الصالحين -يُصلحه-، وبعد ذلك يعمل؛ يقوم، ويصوم، ويذكر، ويتلو قرآن، ويتصدَّق، ويحج ويعتمِر، ويجاهد، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويعلِّم العلمَ ويتعلَّمه، و.. و... فيصبح من الصالحين، لكن البداية اجتباء.

فإذا كان الموضوع هكذا، فكيْف يجبتبيني الله؟

كيْف يجبتبيك الله؟؟

صلاحية المحَل.. هذه هي. صلاحية المحَل؛ أن يكون هذا القلب يصلح لذلك. ألم نقل إذا جعلنا درسًا الساعة الثانية عشر ليلاً، بعض الناس سيأتي متأخرًا، هُم هكذا.. هم أصحاب تأخير، بعض الناس هذه هي طبيعة حياتهم؛ فمِن القلوب قلوبٌ خُلقَت طاهرة، وقلوبٌ خُلقَت كدِرة.. وإنَّما تصلُح الرياضة في نجيب.

لذلك نقول لك طهِّر قلبَك، طهِّر المحَل؛ قال الله: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ...} [الفتح: 18]، قال الله: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا...} [الفتح: 26] المهم أن تصلح أنت، أن يكون إنائك مؤهَّل.

طهِّر قلبَك.. توقَّف عن حبِّ النسوان، توقَّف عن حبِّ المال، توقَّف عن حبِّ النَّوم، توقَّف عن حبِّ الشهوات... هذا هو الموضوع؛ نظِّف قلبَك، أفرِغه حتى يكون من آنية الرب. ولكن اذا ظلَّ كما هو مشحون بالكلاب النابحة والصور الشاخصة، كيف يكون إناء الله؟!

ملائكة ربِّنا لا تدخل بيتًا فيه كلبٌ أو صورة، فما بالك بحبِّ الله؟ أيدخل قلبًا كهذا؟.. نعم.. قلبك فيه كلابٌ تنبَح؛ كلب: الطَّمع في الدنيا، كلب: الشهوة التي تجري بها وورائها. أخرِج من قلبِك كلَّ هذا، نظِّفه، اغسِله. استعِن بالله.

اقبل الحق

من صفات الصالحين.. قبول الحق، قال تعالى: {وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ} [المائدة: 84]. فاقبَل الحق!، أنت تعرف الحقَّ ومازلتَ مُصِر على الباطل!.

اصَّبر

لا تُنال هذه المنزلة إلا بالصبر؛ {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ. وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء: 85-86] صابرين أولاً، وبعد ذلك صالحين.

اجتهد في العبادة

أنأ أريد أن اسألك كم جزءًا قرأتَ اليوم؟ كم مرةً استغفرتَ اليوم؟ كم يومًا صمتَ هذا الأسبوع؟ كم ركعةً قمتَ كلَّ ليلةٍ هذا الأسبوع؟ بكم تصدَّقتَ في هذيْن اليوميْن؟ كم مريضًا عُدت؟ كم جنازةً شيَّعت؟... قُل لي ما هي الأعمال الصالحة التي عملتَها اليوم؟... قال الله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} [العنكبوت: 9] سندخِلهم في الصَّالحين، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا...} فهي تحتاج إيمانًا وعملاً.

كيف أعرف أنَّني من الصَّالحين؟

الذي مِن الصالحين لن يقول أبدًا (أنا مِن الصالحين)، بل سيكون إنسانًا منكسرًا ذليلاً خاضعًا، تقول له: (أنا أحسبك مِن عباد الله الصالحين)، يقول لك: (أنا! ألم تجد أحدًا غيري تضحك عليه بهاتين الكلمتين؟، ربنا يسترنا، يا ربِّ استرنا يا رب). الصالح يقول هذا، فالصَّالح لا يقول أبدًا (أنا من الصالحين). لو وجدتَّه يقول (أنا من الصالحين)، فيكون كذَّابًا ومفتريًا، ليس منهم أبدًا مَن يقول (أنا منهم)، لأنَّه طالما رأى نفسَه فإنَّه مغرورًا معجَبًا، والصالح أبدًا لا يكون مغرورًا ولا معجَبًا ولا يرى نفسَه. (اللهم اجعلنا أذلَّ خلقِك لك، وأعزَّ خلقِك بك، اللهم اجعلنا أفقر خلقِك إليك، وأغنى خلقِك بك عن الناس).

قال الله {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً. ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ...} [النساء: 69-70] ألم أقل لك أنَّ هذه المنزلة هبة.. اجتباء.. فضل.. هذا فضلٌ من ربِّنا، يتفضَّل به على مَن شاء مِن عباده.

كيف نعرف الصالحين؟

أولاً: الولاية

{إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: 196] يكون وليًا مِن أولياء الله الصالحين.

ثانيًا: يكون أوَّابًا توَّابًا طاهرَ القلب نقيَّ السَّريرة

قال الله: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً} [الإسراء: 25]

ثالثًا: التمكين

التمكين لا يعني أن يكون رئيس جمهورية، ليس التمكين أن يحكم الصالحون، بل التمكين في قلوب الخلق. من أجل ذلك، لما بِيع سيدنا يوسف {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ. وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ...} [يوسف: 20-21] مكَّنَّا ليوسف! أين هذا التمكين؟ إنَّه يُباع ويُشترى!.. قال لك في قلب العزيز وامرأته، الله مكَّن له في قلوبهم؛ {كَذَلِكَ مَكَّنِّا} هذا هو التمكين الحقيقي، أن يُمَكَّن لك في قلوب الصالحين، فالصالح هو الذي مُكِّن في قلوب الصالحين.

أقول أنَّ الذي يُرضي النَّاس كلَّهم يكون منافقًا؛ مَن يحبُّه كلُّ الناس -الفجَّار والمنافقون والكافرون والمؤمنون- يكون منافقًا، الصَّالح لابدَّ أن يكرهه أعداءُ الله.. أن يعاديه أعداءُ الله؛ قال الله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان: 31] فلابدَّ من أعداء.

الحب والتمكين في قلوب مَن؟.. الصالحين المؤمنين المتَّقين العبَّاد أهل الدين. التمكين في قلوب هؤلاء فقط، أمَّا الآخرين لابدَّ أن يكرهوه، لابدَّ أن يعادوه؛ سُنَّة كونية. عندما يقول ربُّنا {وَكَذَلِكَ...} يعني سُنَّة كونية مستمرة؛ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ...} سُنَّة كونية {...عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ}.

رابعًا: معية خاصة مع النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم

سبحان الملك! عندما طيَّب الله خاطرَ سيِّدنا النَّبي، عندما تكالبت عليه زوجاته الثمانية، قال له: {...فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4]، ربُّنا قال له: (لا تخَفْ منهم، معك المؤمنون الصالحون، عباد الله الصالحون).

خامسًا: صلاح الآباء ينفع الأبناء

{...وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً...} [الكهف: 82]. الرحمةَ كَنَف؛ مِن أجل ذلك يقول الله: {وَأَدْخَلْنَاهُ فِي...} [الأنبياء: 75] بالداخل {... فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء: 75].

سادسًا: تحفة خاصة في الجنَّة

قال الله في الحديث القدسي: "أعددتُ لعبادي الصالحينَ، ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ..." [صحيح- صحيح البخاري: 3244]، هؤلاء شيءٌ خاص، حالةٌ خاصَّة.. الصالحون (اللهم اجعلنا منهم)، وللنِّساء نصيب؛ قال ربُّنا جلَّ جلاله: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ...} [النساء: 34] (اللهم اجعل نساءَنا وبناتِنا مِن الصالحات، اللهم اجعل نساءَنا وبناتِنا مِن الصالحات).

إخوتي ،،،

بقي شيءٌ واحد.. إنَّ لله آنيةً من خلقه.. آنية الله في أرضه قلوب عباد الله الصالحين. قلبُك إناء؛ هذا الإناء لابدَّ له من صفتيْن؛ "أرقها وألينها"، أن يكون قلبك ليِّنًا ورقيقًا. لِينُ القلب ورقَّتُه؛ أن تكون طيبًا.

لِين القلب.. {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ. الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ...} [الحج: 34-35]

لين القلب.. {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

أما صفاء القلب؛ أن يكون قلبك صافٍ رقيق ليِّن طيِّب رطِب طاهِر نظِيف...

أهِّل قلبَك لتكون من عباد الله الصالحين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله، والحمد لله رب العالمين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر / موقع الشيخ محمد حسين يعقوب

تصميم وتطويركنون